النظر إلى البحر ، أمر يريح النفس ويبهج الخاطر ، ذلك بأنه يطرب الأذن بصوت أمواجه ، ويريح العين بلون ماءه ، ويشعر المتأمل أن أسراراً كثيرة يودعها البحر في أحشائه ، يومئ إليه بأن يتبادل معه أسراراً بأسرار ، لم يكن ليبوح بها لغير البحر ، فيمسي المرء متأملا ً سابحاً بخياله وفكره ، غير أن ثمة اختلاف بين المتأملين ، منهم من يسرح مع امتداد البحر وفسحته ، فيكون ذا نظر بعيد في بصره وبصيرته ، فيسترسل مع آفاقه و طموحاته يحدوه الأمل ، ويخشى الضعف والخور فتنسكب الدمعات متوسلة إلى خالقها أن : الثبات الثبات ، ومنهم من يعجبه قرص الشمس ساعة الغروب ، وقد أخذت الـُسحب وتزينت بألوانه ، فيهيم مع الجمال الخلاب الذي يراه ، ويتذكر عظمة الرب الكريم وأنه : " جميل يحب الجمال " ، فيحن ويئن رغبة ورهبة من رب متصف بالكمال والجلال ، و آخر تتابع مقلتيه ما يلقيه الموج من أعشاب ، وعلب فارغة ، وربما تأمل في أي بلد صنعت ، يشرد بذهنه وما هو بشارد ، لكن هذا هو قدر جهده وطاقته !! ، تأسره أسماك صغيرة تلهو على ظفاف الرمال ، يلهو معها بناظريه !! ، غير أن آخر ضرب عينيه إلى أعماق البحر ، وجال خاطره وقلبه فيما يحمله البحر من كنوز ودرر ، وجواهر الأشياء وأكثرها نفعاً ، لا يصل إليها من طريق سهل ، وإنما عليه إجادة الغوص ، وتحمل مشاق البحر وضغطه .
هكذا هي بعض صنوف الناس في اهتماماتهم ، وغيرها كثير ، والمسلم الواعي هو من يغوص و يلتقط الدرر وما هو مفيد ، يقتبس من جمال قرص الشمس وألوانه الزاهية دون أن تلتهي بها ، وتمرح في فسحة البحر وامتداده ، فيكون ذات وعي وحكمة بأدوار الزمان الثلاث ، فكيف يرضى المرء أن تلهيه بقايا فتات رميت على شاطئ بحره ، ويغفل عن إعمال فكره في أعماق حياته ، وأعماق أفكاره ، وأعماق ما يمر عليه من أحداث ، ومن عبر ، و مواقف ، بل يرضى لنفسه أن يكون صياداً غير ماهر ، فجلس واستعد ليبدأ ، لكنه نسي أن يحضر عدة الصيد .
همساتي هذي أكتبها ** بمداد القلب وأرسمها
لتلامس أفئدة ظمئى ** وتقل الشوق بمركبهـــا
وتبث النور بآيــــــــــات ** لاحت في بحور بشائرها
حانية تسمو للخيـــــــر ** تهواها الروح وتعشقها
أهداها الطهر نسائمه ** والمسك تضوّع من يدها
فاحفظ يا رب مقاصدها ** واغفر يا رب لكاتبهــــــا
__________________
أيتها الراحلة ،، لأجل عينيك كتبت خواطري ،ولولا عينيك لاخواطر تكتب !!!!
ابوحمد
المفضلات