خطبة جمعة
بِعِنْوَان
(الحث على الأضاحي وصوم عرفة وصلاة العيد )
1443 هـ
كَتَبَهَا / عبدالله فهد الواكد
إمام وخطيب جامع الواكد بحائل
اَلْخُطْبَةُ الْأُولَى
إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ ، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَسَيِّئَاتٍ أَعْمَالِنَا ، مِنْ يَهُدَّهُ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ ، وَمِنْ يُضَلِّلُ فَلَا هَادِيَ لَهُ ، وَأَشْهَدَ أَنَّ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهَ وَحَدِّهِ لَا شَرِيكَ لَهُ ، وَأَشْهَدَ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدِهِ وَرَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا.
أَيُّهَا النَّاسُ / أُوصِيكُمْ وَنَفْسِي بِتَقْوَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فِي السِّرِّ وَالْعَلَنِ ، وَالْإِخْلَاصِ لَهُ فِي الْقَوْلِ وَالْعَمَلِ ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ ))
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ / لاَ تَزَالُونَ تَعِيشُونَ هَذِهِ الْأَيَّامَ الْمُبَارَكَاتِ الْفَاضِلَاتِ ، أَيَّامِ عَشْرِ ذِي الحِجَّةِ ، الَّتيِ تُجَابُ فِيهَا الدَّعَوَاتُ وَتُقَالُ بِهَا الْعَثَرَاتُ ، فَأكْثِرُوا فِي هَذِهِ الأَيَّامِ مِنْ التَّهْلِيلِ وَالتَّكْبِيرِ وَالتَّحْمِيدِ ، وَأكْثِرُوا مِنْ الأَعْمَالِ الصَّالِحَاتِ ، فَإِنَّ هَذِهِ الأَيَّامَ هِيَ أَفْضَلُ أَيَّامِ الدُّنْيَا ، فَيَوْمُكُمْ هَذَا يَوْمٌ عَظِيمُ الْقَدْرِ وَالْأَجْرِ ، يَوْمُ إِكْمَالِ الدِّينِ وَإِتْمَامِ النِّعَمِ ، وَيَوْمُ مَغْفِرَةِ الذُّنُوبِ وَالْعِتْقِ مِنْ النَّارِ ، يومكم هذا هو يَوْمُ عَرَفَةَ ، سُئِلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ صَوْمِ يَوْمِ عَرَفَةَ فَقَالَ : ((يُكَفّرُ السَّنَةَ الْمَاضِيَةَ وَالْبَاقِيَةَ )) أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ
قَالَ عَبْدُاللهِ بْنُ المُبَارَكِ جِئْتُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ رَحِمُهُمَا اللهُ عَشِيَّةَ عَرَفَةَ وَهُوَ جَاثٍ عَلَى رُكْبَتَيْهِ وَعَيْنَاهُ تَذْرِفَانِ فَقُلْتُ لَهُ : مَنْ أَسْوَأَ هَذَا الجَمْعِ حَالاً ؟ قَالَ : الذِي يَظُنُّ أَنَّ اللهَ لاَ يَغْفِرُ لَهُ .
وَلَمَّا رَأَى الفُضَيْلُ بْنُ عِيَاضٍ رَحِمَهُ اللهُ عَشِيَّةَ عَرَفَةَ بُكَاءَ النَّاسِ قَالَ لِمَنْ حَوْلَهُ : أَرَأَيْتُمْ لَوْ أَنَّ هَؤُلَاءِ النَّاسَ وَقَفُوا بِبَابِ رَجُلٍ فَسَأَلُوهُ دِرْهَماً ، أكَانَ يَرُدُّهُمْ ، قَالُوا : لَا فَقَالَ رَحِمَهُ اللهُ : وَاللهِ لَلْمَغْفِرَةُ عِنْدَ اللهِ ، أَهْوَنُ مِنَ الدِّرْهَمِ عِنْدَ الرَّجُلِ .
يَوْمُ عَرَفَةَ يَوْمُ الْعِتْقِ مِنْ النَّارِ، وَيَوْمُ التَّجَلِّي وَالْمُبَاهَاةِ بِأَهْلِ الْمَوْقِفِ ، فَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ : قَالَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (( مَامِنْ يَوْمٍ أَكْثَرَ مِنْ أَنْ يُعْتِقَ اللَّهُ فِيهِ عَبْدًا مِنْ النَّارِ مِنْ يَوْمِ عَرَفَةَ وَإِنَّهُ لَيَدْنُو ثُمَّ يُبَاهِي بِهِمْ الْمَلَائِكَةَ فَيَقُولُ مَا أَرَادَ هَؤُلَاءِ )) رَواهُ مُسْلِم
يَوْمُ عَرَفَةَ يَوْمُ الْإِكْثَارِ مِنْ التَّهْلِيلِ وَالتَّسْبِيحِ وَالتَّكْبِيرِ، يَقُولُ ابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهَ عَنْهُمَا : كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَدَاةِ عَرَفَةَ فَمِنَّا الْمُكَبِّرُ وَمِنَّا الْمُهَلِّلُ … ) رَواهُ مُسْلِم
وَقْفَ في يومِ عرفةَ نَبِيُّنَا مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَطِيبًا فِي الْحُجَّاجِ ، فَذَكَرَ تَعْظِيمَ مَكَانِ الْحَجِّ ، وَتَعْظِيمَ زَمَانِهِ ، وَتَعْظِيمَ يَوْمِهِ الْأَكْبَرِ الَّذِي هُوَ يَوْمُ النَّحْرِ ، وَتَعْظِيمَ أَمْرِ الدِّمَاءِ وَالْأَعْرَاضِ وَالْأَمْوَالِ؛ كَمَا رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَطَبَ النَّاسَ يَوْمَ النَّحْرِ فَقَالَ (يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَيُّ يَوْمٍ هَذَا ؟ )) قَالُوا يَوْمٌ حَرَامٌ قَالَ (فَأَيُّ بَلَدٍ هَذَا ؟ )) قَالُوا بَلَدٌ حَرَامٌ قَالَ (فَأَيُّ شَهْرٍ هَذَا ؟ )) قَالُوا شَهْرٌ حَرَامٌ قَالَ ( فَإِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ وَأَعْرَاضَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا فِي بَلَدِكُمْ هَذَا فِي شَهْرِكُمْ هَذَا )) فَأَعَادَهَا مِرَارًا ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ فَقَالَ : ((اللَّهُمَّ هَلْ بَلَّغْتُ اللَّهُمَّ هَلْ بَلَّغْتُ )) مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ .
بَارَكَ اللَّهُ لِي وَلَكَمْ فِي الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ ، وَنَفَعَنِي وَإِيَّاكُمْ بِمَا فِيهِ مِنْ الْآيَاتِ وَالذِّكْرِ الْحَكِيمِ ، وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ لِي وَلَكُمْ وَلِجَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ فَاسْتَغْفِرُوهُ ، إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمِ.
اَلْخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ
الْحَمْدُ للهِ عَلَى إِحْسَانِهِ ، والشّكْرُ لَهُ عَلَى تَوْفِيقِهِ وَامْتِنَانِهِ ، وَأَشْهَدُ أَلَّا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ تَعْظِيمًا لَشَانَهُ ، وأشهدُ أَنَّ نَبِيَّنَا مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ الدّاعِي إِلَى رِضْوانِهِ ، صَلّى الله عَليْهِ وَعَلى آلِهِ وأصْحَابِهِ وأعْوانِهِ وسَلّم تَسْلِيماً كثيراً .
أمّا بَعْدُ عِبَادَ اللهِ : فاتَّقُوْا اللَّهَ حَقَّ التَّقْوَى ، وَاعْلَمُوا أَنَّ الْأَضَاحِيِ مِنْ أَعْظَمِ الشَعَائِرِ وَأَفْضَلِ الأَعْمَالِ وَأَحَبِّهَا إِلَى اللهِ تَعَالَى ، وَالأُضحِيَةُ مَشرُوعَةٌ بِاتِّفَاقِ الْمُسْلِمِينَ بِلاَ خِلاَفٍ بَينَهُمْ ، ، وَقَدْ ذَهَبَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ إِلَى وُجُوبِهَا عَلَى الْقَادِرِ ، وَيَسْتَدِلُّونَ بِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (( مَنْ وَجَدَ سَعَةً وَلَمْ يُضَحّ فَلا يَقْرَبَنَّ مُصَلّانا)) رَوَاهُ أَحْمَدُ وَابْنُ مَاجَه وَحَسَّنَهُ الْأَلْبَانِيُّ .
وَيُشْتَرَطُ فِي الْأُضْحِيَةِ أَنْ تَكُونَ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ ، وَأَنْ تَبْلُغَ السِّنَّ الْمُعْتَبَرَ شَرْعاً، فَفِي الإِبلِ خَمْسُ سِنِينَ وَفِي البَقَرِ سَنَتَانِ وَفِي المَعِزِ سَنَةٌ وَفِي الضَّأْنِ نِصْفُ سَنَةٍ .
وَأَمَّا العُيُوبُ التِي تَمْنَعُ مِنَ الإِجْزَاءِ فَقَدْ بَيَّنَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَيْثُ قَالَ : ( أَرْبعٌ لَا تَجُوزُ فِي الأَضَاحِي ، العَرْجَاءُ البَيِّنُ ظَلْعُهَا وَالعَوْرَاءُ البَيِّنُ عَوَرُهَا وَالمَرِيضَةُ البَيِّنُ مَرَضُهَا وَالعَجْفَاءُ التِي لَا تَنْقَى ) . وَهُنَاكَ عُيُوبٌ أُخْرَى لَا تَمْنَعُ مِنْ الإِجْزَاءِ وَلَكِنَّهَا تُوجِبُ الكَرَاهَةَ مِثْلُ قَطْعِ الأُذُنِ وَشَقِّهَا وَكَسْرِ القَرْنِ ، وَأَمَّا سُقُوطُ الثَّنَاياَ أَوْ غَيْرُهَا مِنْ الأَسْنَانِ فَإِنَّهُ لَا يَضُرُّ ، وَلَكِنْ كُلَّمَا كَانَتْ الأُضْحِيَةُ أكْمَلَ فِي ذَاتِهَا وَصِفَاتِهَا فَهِيَ أَفْضَلُ وَأَنْ تَكُونَ مُلْكًا لِلْمُضَحِّي ، أَوْ مَأْذُونًا لَهُ فِيهَا ، وَأَنَّ لَا يَتَعَلَّقُ بِهَا حَقٌّ لِلْغَيْرِ ، ، وَاللهُ طَيِّبٌ لاَ يَقْبَلُ إِلاَّ طَيِّبًا ، وَأَنْ تُذْبَحَ فِي الْوَقْتِ الْمُحَدَّدِ شَرْعًا ، يَوْمِ الْعِيدِ وَهُوَ يَوْمُ النَّحْرِ وَثَلاَثَةِ أَيَّامٍ بَعْدَهُ ، وَهُنَّ أَيَّامُ التَّشْرِيقِ ، وَتُجْزِيءُ أَهْلَ البَيْتِ الوَاحِدِ أُضْحِيةٌ وَاحِدَةٌ ، فَقَدْ ضَحَّى النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِكَبْشَيْنِ ، أَحَدُهُمَا عَنْ مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ ، وَالآخَرُ عَنْ مَنْ لَمْ يُضَحِّ مِنْ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ ،
واحْرِصُوا عَلَى شُهُودِ صَلاَةِ العِيدِ مَعَ الْمُسْلِمِينَ وَالتَّكْبِيرِ إِلَى آخِرِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ ، وَسُنَّةُ النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي يَوْمِ عِيدِ الأَضْحَى ، أَنْ لاَ يَأْكُلَ الْمُسْلِمُ شَيْئاً قَبْلَ الصَّلاَةِ حَتَّى يَرْجِعَ بَعْدَ صَلاَةِ العِيدِ ، فَيَذْبَحُ إِضْحِيَتَهُ وَيَأْكُلُ مِنْهَا فَاتَّقُوا اللَّهِ عِبَادِ اللَّهِ ، وَاشْكُرُوا رَبَّكُمْ الَّذِي تَفَضَّلَ عَلَيْكُمْ بِـمَنِّهِ وَكَرَمِهِ بِمَوَاسِمِ الْخَيْرَاتِ ،وَأَنْتُمْ تَنْعَمُونَ بِأَمْنٍ وَأَمَانٍ ، وَبِمَوْفُورٍ مِنْ الصِّحَّةِ وَالْعَافِيَةِ ،
هَذَا وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى مَنْ أَمَرَ اللهُ باِلصَّلاةِ وَالسَّلاَمِ عَلَيْهِ ، فَقَالَ ﴿ إِنَّ ٱللَّهَ وَمَلَـٰئِكَـتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى ٱلنَّبِىِّ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ صَلُّواْ عَلَيْهِ وَسَلّمُواْ تَسْلِيمًا )
المفضلات