خُطْبَةُ جُمُعَةٍ
بِعِنْوَانِ

( أَصْحَابُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
فَضْلُهُمْ وَحُقُوقُهُمْ رِضْوَانُ اللهِ عَلَيْهِمْ )

كَتَبَهَا / عَبْدُاللهِ بْنُ فَهْدِ الْوَاكِدِ

إِمَامُ وَخَطِيبُ جَامِعِ الْوَاكِدِ بِحَائِل



الْخُطْبَةُ الْأُولَى

إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أنْفُسِنَا وَسَيِّئَاتِ أعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وأشْهَدُ أَنْ لَا إِلهَ إِلاّ اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيِكَ لهُ، وأشْهَدُ أنّ مُـحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ صَلى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيماً كَثِيراً ،
أَمَّا بَعْدُ عِبَادَ اللهِ فَاتَّقُوا اللهَ القَائِلَ (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ ))) آل عمران 102
أَيُّهَا النَّاسُ : لَيْسَ مِنَ المُؤْمِنِينَ بَعْدَ الأَنْبِيَاءِ وَالمُرْسَلِينَ أَحَقُّ بِالثَّنَاءِ وَالمَحَبَّةِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ ، الذِينَ بَذَلُوا الأَمْوَالَ وَالمُهَجَ لِرَفْعِ رَايَةِ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ ، فَهُمْ أَحَقُّ النَّاسِ بِكَلِمَةِ التَّقْوَى وَأَهْلَهَا قَالَ تَعَالَى (وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوَى وَكَانُوا أَحَقَّ بِهَا وَأَهْلَهَا) الفتح 26 ، فَهُمْ المُهَاجِرُونَ وَالأَنْصَارُ الذِينَ قَالَ اللهُ فِيهِمْ (لَقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ) التوبة 117، وَقَالَ فِيهِمْ ( لِلْفُقَرَاء الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ * وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ * وَالَّذِينَ جَاؤُوا مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ) الحشر 8-10 ، فَالَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ هُمْ المُهَاجِرُونَ ، وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ هُمْ الأَنْصَارُ ، وَفِي البُخَارِي عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ : سُئِلَ النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: أيُّ النَّاسِ خَيْرٌ؟ قَالَ : (قَرْنِي، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ يَجِيءُ قَوْمٌ تَسْبِقُ شَهَادَةُ أحَدِهِمْ يَمِينَهُ، ويَمِينُهُ شَهَادَتَهُ ) ، وَالمُرَادُ بِالقَرْنِ هُمْ أَهْلُ الزَّمَانٍ الوَاحِدٍ ، فَالصَّحَابَةُ هُمْ أَفْضَلُ المُسْلِمِينَ ، وَأَعْلَمُ النَّاسِ بِسُنَّةِ النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَقاصِدِ التَّشْرِيعِ، وَعَلَى أَيْدِيهِمْ تَمَّ نَشْرُ الدِّينِ فِي الفُتُوحَاتِ وَالغَزَوَاتِ، ثُمَّ أخَذَ التَّابِعُونَ العِلْمَ مِنْهُمْ وَتَابَعُوا مَسِيرَتَهُمْ ، وَهَكَذَا ، وَفِي هَذَا أَيْضًا حَثَّ عَلَى السَّيْرِ عَلَى أَثَرِهِمْ ، وَقَدْ رَفَعَ النَّبِيُّ صَلى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمًا رَأْسَهُ إِلَى السَّمَاءِ فَقَالَ : " النُّجُومُ أَمَنَةُ لِلسَّمَاءِ ، فَإِذَا ذَهَبَتْ النُّجُومُ أَتَى السَّمَاءَ مَا تُوعَدُ ، وَأَنَا أَمَنَةٌ لِأَصْحَابِي فَإِذَا ذَهَبْتُ أَتَى أَصْحَابِي مَا يُوعَدُونَ ، وَأَصْحَابِي أَمَنَةٌ لِأُمَّتِي فَإِذَا ذَهَبَ أَصْحَابِي أَتَى أُمَّتِي مَا يُوعَدُونَ " . رواه مسلم وأحمد.
فَأَصْحَابُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَيْرُ هَذِهِ الأُمَّةِ قُلُوباً، وَأَعْمَقُهَا عِلْماً ، وَأَقَلُّهَا تَكَلُّفاً ، فَهُمْ قَوْمٌ اخْتَارَهُمْ اللهُ لِصُحْبَةِ نَبِيِّهِ وَنَقْلِ دِينِهِ ، لَقُوا النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَآمَنُوا بِهِ ، وَمَاتُو عَلَى الإِسْلَامِ سَوَاءً طَالَتْ مُجَالَسَتُهُمْ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ قَصُرَتْ ، وَمَنْ رَوَى عَنْهُ أَوْ لَمْ يَرْوِ عَنْهُ إِلَّا مَنْ مَاتَ مُرْتَدًّا عَنْ دِينِ الإِسْلَامِ .
وَأَفْضَلُ الصَّحَابَةِ هُمْ الخُلَفَاءُ الرَّاشِدُونَ فَعَنْ سَفِينَةَ قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ :" الخِلَافَةُ ثَلَاثُونَ عَاماً ثُمَّ يَكُونُ بَعْدَ ذَلِكَ المُلْكُ " رواه أحمد وأبو داود والترمذي .
وَأَفْضَلُ الخُلَفَاءِ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ
وَجَاءَ فِي البُخَارِي مِنْ حَدِيثِ أبِي سَعِيدٍ الخدُرِي رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ : قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَقِّ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: «إنَّ مِنْ أمَنِّ النَّاسِ عَلَيَّ فِي صُحْبَتِهِ وَمَالِهِ أَبَا بَكْرٍ» وَمَعْنَاهُ ، أَنَّهُ أَكْثَرُهُمْ جُودًا وَسَمَاحَةً بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ ، وَقَالَ : «وَلَوْ كُنْتُ مُتَّخِذًا خَلِيلًا مِنْ أُمَّتِي لَاتَّخَذْتُ أَبَا بَكْرٍ، إلَّا خُلَّةَ الإِسْلاَمِ ، لاَ يَبْقَيَنَّ فِي المَسْجِدِ خَوْخَةٌ إِلَّا خَوْخَةُ أبِي بَكْرٍ»، وَالخَوْخَةُ هِيَ البَابُ الصَّغِيرُ، وَكَانَ بَعْضُ الصَّحَابَةِ فَتَحُوا مِنْ بُيُوتِهِمْ أَبْوَابًا عَلَى المَسْجِدِ ، فَأَمَرَ النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِسَدِّهَا كُلِّهَا إِلَّا بَابَ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ ؛ لِيَتَمَيَّزَ بِذَلِكَ فَضْلُهُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ ،
وَأَمَّا عُمَرُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ فَمِمَّا وَرَدَ فِي فَضْلِهِ مَا رَوَاهُ الشَّيْخَانِ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : "إِنَّهُ كَانَ فِيمَا خَلَا قَبْلَكُمْ مِنْ الأُمَمِ نَاسٌ مُحَدَّثُونَ فَإِنْ يَكُنْ فِي أُمَّتِي أَحَدٌ فُهُوَ عُمَرُ بْنُ الخَطَّاِب"
فَاللهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى يَصْطَفِي مِنْ خَلْقِهِ مَنْ يَشَاءُ ، لِيَقْذِفَ فِي قَلْبِهِ مِنْ أَنْوَارِ النُّبوَّةِ وَالهُدَى، وَيُفِيضَ عَلَيْهِ مِنْ العَمَلِ وَالإِلْهَامِ مَا يَشَاءُ سُبْحَانَهُ ، وَكَانَ عُمَرُ بْنُ الخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ مِنْ هَؤُلَاءِ المُحَدَّثِينَ وَهُمْ المُلْهَمُونَ الَّذِينَ يَجْري الصَّوَابُ عَلَى أَلْسِنَتِهِمْ ، أَوْ يَخْطُرُ بِبَالِهُمُ بِفَضْلِ اللهِ تَعَالَى وَتَوْفِيقِهِ ، وَقَدْ وَافَقَ عُمَرُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ الوَحْيَ فِي حَوَادِثَ كَثِيرَةٍ.
وَهَؤُلَاءِ المُحَدَّثُونَ - كَمَا أَخْبَرَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُكَلَّمُونَ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونُوا أَنْبِيَاءَ ، فَهُمْ يُلْهَمُونَ إِلَى الرُّشْدِ وَالصَّوَابِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُرْسِلَ اللهُ إِلَيْهِمْ وَحْيًا كَالأَنْبِيَاءِ.

وَأَمَّا القَانِتُ ذُو النُّورَيْنِ، وَالخَائِفُ ذُو الهِجْرَتَيْنِ ، عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ . فَكَفَى بِفَضْلِهِ قَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمِ : "أَلَا أَسْتَحْيِي مِنْ رَجُلٍ تَسْتَحْيِي مِنْهُ المَلاَئِكَةُ". رواه مسلم .
وَعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَمُرَةَ قَالَ : "جَاءَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَلْفِ دِينَارٍ فِي ثَوْبِهِ حِينَ جَهَّزَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَيْشَ العُسْرَةِ، قَالَ : فَجَعَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُقَلِّبُهَا وَهُوَ يَقُولُ، "مَا ضَرَّ ابْنَ عَفَّانَ مَا عَمِلَ بَعْدَ اليَوْمِ ، قَالَهَا مَرَّتَيْنِ " . رواه أحمد والترمذي .

وَأَمَّا عَلِيُّ بْنُ أًبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ فَقَدْ وَرَدَ فِي فَضْلِهِ وَمَنَاقِبِهِ مَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ ذَرِّ بْنِ حُبَيْشٍ قَالَ: سَمِعْتُ عَلِياًّ يَقُولُ : وَالذِي فَلَقَ الحَبَّةَ ، وبَرَأَ النَّسَمَةَ ، إنَّه لَعَهْدُ النبيِّ الأُمِّيِّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ إلَيَّ : أنْ لا يُحِبَّنِي إلَّا مُؤْمِنٌ، ولا يُبْغِضَنِي إلَّا مُنافِقٌ .
وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ خَيْبَرَ : "لَأُعْطِيَنَّ الرَّايَةَ غَدًا رَجُلاً يَفْتَحُ اللهُ عَلَى يَدَيْهِ". قَاَلَ : فَبَاتَ النَّاسُ لَيْلَتَهُمْ يَدُوكُونَ أَيُّهُمْ يُعَطَاهَا، فَلَمَّا أَصْبَحَ الناَّسُ غَدَوْا عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كُلُّهُمْ يَرْجُو أَنْ يُعْطَاَهَا، فَقَالَ : "أَيْنَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ؟" فَقَالُوا : يَشْتَكِي عَيْنَيْهِ يَا رَسُولَ اللهِ . قَالَ : "فَأَرْسِلُوا إِلَيْهِ فَأْتُونِي بِهِ". فَلَمَّا جَاءَ بَصَقَ فِي عَيْنَيْهِ وَدَعَا لَهُ فَبَرِأَ حَتَّى كَأَنْ لَمْ يَكُنْ بِهِ وَجَعٌ فَأَعْطَاهُ الرَّايَةَ... إِلَى أَنْ قَالَ :" فَوَاللهِ لَأَنْ يَهْدِيَ اللهُ بِكَ رَجُلاً وَاحِداً خَيْرٌ لَكَ مِنْ حُمُرِ النَّعَمْ" متفق عليه ، وَكَفَى بِثَنَاءِ اللهِ عَلَيْهِمْ إِذْ يَقُولُ سُبْحَانَهُ (مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانا) الفتح 29.
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم








الخطبة الثانية
الْحَمْدُ للهِ عَلَى إِحْسَانِهِ ، والشّكْرُ لَهُ عَلَى تَوْفِيقِهِ وَامْتِنَانِهِ ، وَأَشْهَدُ أَلَّا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ تَعْظِيمًا لَشَأْنِهِ ، وأشهدُ أَنَّ نَبِيَّنَا مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ الدّاعِي إِلَى رِضْوانِهِ صَلَّى اللهُ عَليْهِ وَعَلى آلِهِ وأصْحَابِهِ وأعْوانِهِ وسَلّم تَسْلِيماً كثيراً
أَمَّا بَعْدُ عِبَادَ اللهِ : فَبَعْدُ الرَّاشِدِينَ الأَرْبَعَةِ يَأْتِي بَقِيَّةُ العَشَرَةِ ، ثُمَّ أَهْلُ بَدْرٍ وَأَهْلُ الشَّجَرَةِ ، ثُمَّ عَامَّةُ الصَّحَابَةِ ، مِمَّنْ أَسْلَمُوا قَبْلَ الفَتْحِ وَقَاتَلُوا ثُمَّ مَنْ أَسْلَمَ بَعْدَ الفَتْحِ وَقَاتَلَ ، قَالَ أَبُو صَخْرٍ حُمَيْدُ بْنُ زِيَادٍ : قُلْتُ يَوْماً لِمُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ القَرَظِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ : أَلَا تُخْبِرَنِي عَنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا بَيْنَهُمْ ؟ وَأرَدْتُ الفِتَنَ ، فَقَالَ : إِنَّ اللهَ قَدْ غَفَرَ لِجَمِيعِهِمْ مُحْسِنِهِمْ وَمُسِيئِهِمْ، وَأَوْجَبَ لَهُمْ الجَنَّةَ فِي كِتَابِهِ ، فَقُلْتُ لَهُ : فِي أَيِّ مَوْضِعٍ أَوْجَبَ لَهُمْ ؟ فَقَالَ : سُبْحَانَ اللهِ أَلَا تَقْرَأُ قَوْلَهُ تَعَالَى فِي سُورَةِ التَّوْبَةِ (وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) التوبة 100 ، فَأَوْجَبَ اللهُ الجَنَّةَ لِجَمِيعِ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . وَقَالَ : وَشَرَطَ فِي التَّابِعِينَ ، أَنْ يَتَّبِعُوهُمْ فِي أَعْمَالِهُمْ الحَسَنَةِ دُونَ السَّيِّئَةِ . قَالَ حُمَيْدٌ : فَكَأَنِّي لَمْ أَقْرَأَ هَذِهِ الآيَةَ قَطُّ ( الرياض النضرة في مناقب العشرة للطبري (1/33))
أَيُّهَا المُسْلِمُونَ : وَبِالجُمْلَةِ فَنَحْنُ نَتَقَرَّبُ إِلَى اللهِ بِحُبِّهِمِ ، وَنُؤْمِنُ بِرِضْوَانِ اللهِ عَنْهُمْ فَالصَّحَابَةُ كُلُّهُمْ أَئِمَّةٌ أَثْبَاتٌ ، سَادَةٌ أُسُوَاتٌ ، قَادَةٌ قُدُوَاتٌ ، عُدُولٌ ثِقَاتٌ ، فَهُمْ خِيرَةُ اللهِ مِنْ خَلْقِهِ بَعْدَ أَنْبِيَائِهِ وَرُسُلِهِ ، أَثْنَى عَلَيْهِمْ اللهُ وَرَسُولُهُ ، لَيْسَ فِيهِمْ ضَعِيفٌ وَلَا مَجْرُوحٌ ، وَهَذَا مَذْهَبُ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالجَمَاعَةِ فِيهِمْ ، وَأَجْمَعَ السَّلَفُ الصَّالِحُ عَلَى ذَلِكَ ، فَيَجِبُ عَلَيْنَا أَنْ نَحْفَظَ لَهُمْ فَضْلَهُمْ وَقَدْرَهُمْ ، وَنَتَرَضَّى عَلَيْهِمْ وَنَدْعُو لَهُمْ ، وَنَتَأَسَّى بِهِمْ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ ، وَصَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحَابَتِهِ أَجْمَعِينَ