خطبة جمعة
بعنوان
الكلام في ميزان الإسلام
كتبها
عبدالله فهد الواكد
إمام وخطيب جامع الواكد بحائل
الخطبة الأولى
الْحَمْدُ لِلَّهِ القائلُ ( أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ * تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللَّهُ الأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ ) (24-25) إبراهيم ، وأَشهدُ أنْ لاَ إلهَ إِلاَّ اللهُ وحدَهُ لا شَريكَ لَهُ ، عَدَدَ مَا كَانَ وَمَا يَكُونُ ، وَمَا تُسِرُّونَ وَمَا تُعْلِنُونَ ، وَأَشْهَدُ أنَّ نَبِيَّنَا مُحَمَّداً عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ وَصَفِيُّهُ وَخَلِيلُهُ ، وَخِيرَتُهُ مِنْ خَلْقِهِ ، وَأَمِينُهُ عَلَى وَحْيِهِ ، اللَّهُمَّ صَلِّ وسلِّمْ وبارِكْ علَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ، وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.
أَمَّا بَعْدُ عِبَادَ اللهِ : فَأُوصِيكُمْ وَنَفْسِي بِتَقْوَى اللهِ القَائِلِ (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ ) (102) آل عمران
أَيُّهَا المُسْلِمُونَ : لَقَدْ خَلَقَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ الكَلَامَ وَجَعَلَ الكَلِمَةَ دَلِيلاً وَحَكَماً بَيْنَ النَّاسِ ، تَصِلُ مَا بَيْنَهُمْ ، وَتُظْهِرُ مَشَاعِرَهُمْ ، وَتَدُلُّ عَلَى نَوَايَاهُمْ ، وَمِمَّا امْتَنَّ اللهُ تَعَالَى عَلَى عِبَادِهِ أَنْ خَلَقَ اللِّسَانَ وَلَمْ يَجْعَلْهُمْ بُكْمًا ، فَاللِّسَانُ هُوَ مُظْهِرُ الكَلِمَةِ قَالَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى ( أَلَمْ نَجْعَل لَّهُ عَيْنَيْنِ * وَلِسَاناً وَشَفَتَيْنِ * وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ ) (8-10) البلد ، وَجَعَلَ اللهُ سُبْحَانَهُ لِصَاحِبِ الكَلَامِ ، عَظِيمَ الثَّوَابِ أَوْ أَلِيمَ العِقَابِ بِقَدْرِ مَا يَتَرَتَّبُ عَلَى كَلَامِهِ مِنْ نَفْعٍ وَضَرَرٍ وَمِنْ خَيْرٍ وَشَرٍّ، وَأَمَرَ المُسْلِمَ أَنْ لاَ يَسْتَهِينَ بِلِسَانِهِ فَيُطْلِقُهُ وَيَتَكَلَّمُ مِنْ غَيْرِ بَيِّنَةٍ وَلاَ تَدَبُّرٍ وَلاَ إِدْرَاكٍ لِلْعَوَاقِبِ، قَالَ تَعَالَى ( مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ ) (18) ق ، وَقَدْ مَدَحَ اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى المُؤْمِنِينَ الذِينَ يَبْتَعِدُونَ عَنْ فُضُولِ الكَلاَمِ وَعَنِ اللَّغْوِ فَقَالَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى (وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ) (3) المؤمنون ، فَالشَّهَادَتَانِ كَلاَمٌ يَقُولُهُ الِإنْسَانُ فَيَدْخُلُ بِهِ الإِسْلَامَ ، وَذِكْرُ اللهِ وَتَسْبِيحُهُ وَإِلْقَاءُ السَّلَامِ وَالإِصْلَاحُ بَيْنَ النَّاسِ ، وَالكَلَامُ الطَّيِّبُ وَالقَوْلُ الحَسَنُ كُلُّ ذَلِكَ كَلَامٌ يَتَلَفَّظُ بِهِ الإِنْسَانُ فَيَحْصُلُ لَهُ الأَجْرُث العَظِيمُ ، وَالإِسْلَامُ حَذَّرَ مِنَ الآثَارِ السَّيِّئَةِ لِلكَلَامِ الذِي لاَ طَائِلَ مِنْ وَرَائِهِ وَمِنَ التَّحَدُّثِ فِي أُمُورٍ لاَ تَهُمُّ قَائِلَهَا ، وَأَنَّ ذَلِكَ قَدْ يُوهِنُ الجِسْمَ وَيُتْعِبُ الفِكْرَ، قَالَ مَالِكُ بْنُ دِينَارٍ : ( إِذَا رَأيْتَ قَسَاوَةً فِي قَلْبِكَ ، وَضَعْفاً فِي بَدَنِكَ ، وَحِرْمَاناً فِي رِزْقِكَ ، فَاعْلَمْ أَنَّكَ قَدْ تَكَلَّمْتَ فِيمَا لاَ يَعْنِيكَ ) وَهَذَا يَتَوَافَقُ مَعَ العِلْمِ الَّذِي أَثْبَتَ أَنَّ كَثْرَةَ الكَلاَمِ بِغَيْرِ نَفْعٍ وَاللَّغْوَ فِي الحَدِيثِ يَسْتَلْزِمُ جُهْدًا يُؤَثِّرُ سَلْبًا عَلَى طَاقَةِ الجِسْمِ وَقُدُرَاتِهِ وَفِكْرِهِ
أَيُّهَا المُؤْمِنُونَ : اللِّسَانُ صَاحِبُهُ مَوْعُودٌ بِالعِقَابِ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ عِنْدَمَا يَتَعَدَّى ضَرَرُهُ لِلآخَرِينَ ، إِمَّا بِالإِسَاءَةِ لَهُمْ أَوْ بِالغِيبَةِ وَالنَّمِيمَةِ ، أَوْ بَافْتِرَاءِ الكَذِبِ وَالبُهْتَانِ ، فَبِكَلِمَةٍ يَقُولُهَا الرَّجُلُ يَهْدِمُ أُسْرَةً مُتَرَابِطَةً وَعَائِلَةً مُتَمَاسِكَةً ، فَالطَّلاقُ أَيُّهَا المُسْلِمُونَ كَلِمَةٌ تَتَشَتَّتُ بِهَا الأُسْرُ ، وَيَتَشَرَّدُ الأَطْفَالُ ، وَتَتَمَزَّقُ اللُّحْمَةُ ، وَبِالكَلِمَةِ التِي لاَ يُبَالِي بِهَا صَاحِبُهَا قَدْ تَسُوءُ العِلَاقَاتُ بَيْنَ الإِخْوَةِ وَأَبْنَاءِ العُمُومَةِ وَالعَشِيرَةِ وَالأَصْهَارِ وَالأَصْدِقَاءِ وَالأَحِبَّةِ وَالشُّرَكَاءِ ، بَلْ وَيَتَعَدَّى الأَمْرُ جَرَّاءَ الكَلِمَةِ إِلَى تَقْوِيضِ المُجْتَمَعَاتِ وَزَوَالِ النِّعَمِ وَذَهَابَ الأَمْنِ ، وَنَحْنُ نَعْلَمُ أنَّ الزَّوَاجَ وَالطَّلاَقَ وَالبَيْعَ وَالشِّرَاءَ وَالعُقُودَ كُلَّهَا كَلِمَاتٌ ، وَالكَلَامُ كُلُّهُ مَحْسُوبٌ عَلَى قَائلِهِ وَمُسَجَّلٌ عَلَيْهِ وَمُؤَاخَذٌ بِهِ كَمَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِمُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ رضيَ اللهُ عنهُ عندَمَا سأَلَهُ : وَإِنَّا لَمُؤَاخَذُونَ بِمَا نَتَكَلَّمُ بِهِ ؟ فَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : « ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ يَا مُعَاذُ وَهَلْ يَكُبُّ النَّاسَ فِى النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ - أَوْ عَلَى مَنَاخِرِهِمْ - إِلاَّ حَصَائِدُ أَلْسِنَتِهِمْ » رواه الترمذي
أَيُّهَا المُسْلِمُونَ : إِنَّ أَعْضَاءَ الإِنْسَانِ كُلَّهَا تَتَأَثَّرُ بِمَا يَصْدُرُ عَنِ اللِّسَانِ مِنْ كَلاَمٍ، فَتُنَاشِدُهُ فِي كُلِّ يَوْمٍ كَمَا قَالَ النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : « إِذَا أَصْبَحَ ابْنُ آدَمَ فَإِنَّ الأَعْضَاءَ كُلَّهَا تُكَفِّرُ اللِّسَانَ وَتَقُولُ : اتَّقِ اللَّهَ فِينَا ، فَإِنِ اسْتَقَمْتَ اسْتَقَمْنَا ، وَإِنِ اعْوَجَجْتَ اعْوَجَجْنَا » رواه ابو داوود .
عِبَادَ اللهِ : البِنَاءُ وَالمَحَبَّةُ وَالأُلْفَةُ ، مِفْتَاحُهَا كَلِمَةٌ ، وَالخَرَابُ وَالدَّمَارُ وَالخِصَامُ وَالفُرْقَةُ تَكُونُ أَيْضًا بِكَلِمَةٍ ، قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : « إِنَّ الْعَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مِنْ رِضْوَانِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ لاَ يُلْقِي لَهَا بَالاً يَرْفَعُهُ اللَّهُ بِهَا دَرَجَاتٍ ، وَإِنَّ الْعَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مِنْ سَخَطِ اللَّهِ لاَ يُلْقِي لَهَا بَالاً يَهْوِى بِهَا فِى جَهَنَّمَ » رواه البخاري ، فَالكَلِمَةُ مَسْؤُولِيَّةٌ كَبِيرَةٌ تُوجِبُ عَلَى قَائِلِهَا أَنْ يَتَفَكَّرَ وَيَعِيَ أَبْعَادَ مَا يَقُولُ وَيَتَكَلَّمُ بِهِ ، وَخَاصَّةً أُولَئِكَ الذِينَ يَتَكَلَّمُونَ بِاسْمِ الدِّينِ ، أَوْ بِاسْمِ المُجْتَمَعَاتِ ، أَوْ بِاسْمِ المَبَادِيءِ وَالقِيَمِ وَمَصَالِحِ المُجْتَمَعِ مِنْ خِلَالِ قَنَوَاتِ الإِعْلاَمِ بِأَنْوَاعِهَا ، أَوْ فِي الإِنْتَرْنِتِ وَفِي تُويتَرْ ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : « الْمُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ» رواه البخاري ، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم (يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ * يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللَّهُ دِينَهُمُ الْحَقَّ وَيَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ) (25-24) النور
بَاَرَكَ اللهُ لِي وَلكُمْ بِالقُرآنِ العَظِيمِ
أَقُولُ قَوْلِي هَذَا وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي ولكُمْ.
الخُطْبَةُ الثَّانيةُ
الحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أنَّ نَبِيَّنَا مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، اللهمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ وَبَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ الطَّيِّبِينَ الطَّاهِرِينَ وَعَلَى أَصْحَابِهِ أَجْمَعِينَ، وَالتَّابِعِينَ لَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ. أَمَّا بَعْدُ أَيُّهاَ المُسْلِمُونَ : فَاتَّقُوا اللهَ القَائِلَ (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ ۗ وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)(70-71) الأحزاب. ، وَاعْلَمُوا أَنَّ اللِّسَانَ الذِي يُطْلِقُهُ البَعْضُ فِي غَيْبَاتِ النَّاسِ وَعَوْرَاتِهِمْ قَدْ يُطْلِقُهُ الآخَرُونَ أَيْضًا لِلإِسَاءَةِ إِلَيْهِمْ وَإِظْهَارِ مَا خَفِيَ مِنْ أَسْرَارِهِمْ وَعَوْرَاتِهِمْ
لِسَانَكَ لاَ تَذْكُرْ بِهِ عَوْرَةَ امْرِئٍ
فَكُلُّكَ عَوَرَاتٌ وَلِلنَّاسِ أَلْسِنُ
فَعَلَى المُسْلِمِ أَنْ يُشْغِلَ لِسَانَهُ بِمَا فِيهِ الخَيْرُ وَالنَّفْعُ وَالفَائِدَةُ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : « مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْراً أَوْ لِيَصْمُتْ » رواه البخاري
عِبَادَ اللهِ : صَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى نَبِيِّكُمْ مُحَمَّدٍ كَمَا أَمَرَكُمْ رَبُّكُمْ بِذَلِكَ فَقَالَ ( إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) وَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : « مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلاَةً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْراً »
اللهم صل وسلم على محمد
المفضلات