خطبة جمعة
بعنوان
الإعتداء الحقير
على
معامل التكرير
كتبها
عبدالله فهد الواكد
إمام وخطيب جامع الواكد بحائل
الخطبة الأولى
الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي زَيَّنَنَا بِالإِيمَانِ، وَكَرَّهَ إِلَيْنَا الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ ، وَأَشْهَدُ أَنَّ نَبِيَّنَا مُحَمَّدًا عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ ، اللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ وَبَارِكْ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ الطَّيِّبِينَ الطَّاهِرِينَ، وَعَلَى مَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.
أَمَّا بَعْدُ: فَأُوصِيكُمْ عِبَادَ اللَّهِ وَنَفْسِي بِتَقْوَى اللَّهِ، قَالَ تَعَالَى ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ )
أَيُّهَا الإِخْوَةُ المُسْلِمُونَ : قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( أُوصِيكُمْ بِتَقْوَى اللهِ، وَالسَّمْعِ وَالطَّاعَةِ ، وَإِنْ تَأَمَّرَ عَلَيْكُمْ عَبْدٌ حَبَشِيٌّ ، فَإِنَّهُ مَنْ يَعِشْ مِنْكُمْ ، يَرَ اخْتِلاَفاً كَثِيراً ، وَإِيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتُ الأُمُورِ ، فَإِنَّهَا ضَلاَلَةٌ ، فَمَنْ أَدْرَكَ ذَلِكَ مِنْكُمْ ، فَعَلَيْكُمْ بِسُنَّـِتي وَسُـنَّةِ الخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ المَهْدِيِّينَ ، عُضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ )
أمَّا بَعْدُ عِبَادَ اللهِ : لَقَدْ كَانَ المُسْلِمُونَ فِي صَدْرِ الإِسْلَامِ فِي عَافِيَةٍ , حَتَّى أَقْدَمَ المَجُوسُ عَلَى قَتْلِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ وَأَقْدَمَ الخَوَارِجُ عَلَى قَتْلِ ذِي النُّورَيْنِ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ ، فَانْفَتَحَ عَلَى المُسْلِمِينَ بَابُ شَرٍّ عَظِيمٍ , سَالَتْ مِنْهُ الدِّمَاءُ , وَتَفَرَّقَتْ بِسَبَبِهِمْ الأُمَّةُ شِيَعًا وَأَحْزَابًا , فَهُمْ لاَ يُقَابِلُونَ الأُمَّةَ كَأْعْدَاءٍ ظَاهِرِينَ وَلَكِنَّهُمْ يَنْدَسُّونَ فِيهَا وَيَتَسَمَّوْنَ بِهَا وَهُمْ لَيْسُوا مِنْهَا ، وَإِذَا أَرَادَ أَحَدُنَا أَنْ يَعْرِفَ حَقِيقَةَ مَا يَدُورُ حَوْلَهُ مِنَ الدَّسَائِسِ وَالمَكَائِدِ فَلْيَقْرَأْ السِّيرَةَ وَالتَّأْرِيخَ لِيَرَى فِي دَبِيبِ الزَّمَنِ وَتَصَرُّمِ الأَعْوَامِ مَنْ هُمْ أَعْدَاءُ هَذِهِ الأُمَّةِ الذِينَ لاَ يَأْلُونَ تَرَبُّصًا بِبِلاَدِ الحَرَمَيْنِ الشَّرِيفَيْنِ وَجَزِيرَةِ العَرَبِ حَتَّى قَيَّضَ اللهُ لِهَذِهِ البِلَادِ المَمْلَكَةِ العَرَبِيَّةِ السُّعُودِيَّةِ مَنْ وَحَّدَهَا وَأَسَّسَهَا وَعَمَرَهَا وَبَنَاهَا المَلِكُ عَبْدُالعَزِيزِ وَأَبْنَاؤُهُ مِنْ بَعْدِهِ غَفَرَ اللهُ لَهُمْ جَمِيعًا وَلِسَائِرِ المُسْلِمِينَ وَحَفِظَ اللهُ خَادِمَ الحَرَمَيْنِ الشَّرِيفَيْنِ وَوَلِيِّ عَهْدِهِ وَحَفِظَ اللهُ أَمْنَنَا وَجُنْدَنَا وَمُقَدَّسَاتِنَا وَحَفِظَكُمْ اللهُ جَمِيعًا ، فَعَمَّ فِي عَهْدِهِمْ الأَمْنُ وَالرَّخَاءُ بِفَضْلِ اللهِ تَعَالَى وَأَمَّا سُلَالَاتُ الشَّرِّ وَأَرْبَابُ الخِيَانَةِ وَالمُؤَامَرَاتِ ، فَلَا يَزَالُونَ فِي التَّدْبِيجِ خَفَاءً وَالمَكْرِ سِرًّا لِيَنَالُوا مِنْ هَذِهِ البِلَادِ الطَّيِّبَةِ
فَجَزَى اللهُ الشَّدَائِدَ كُلَّ خَيْرٍ
عَرَفْتُ بِهَا صَدِيقِي مِنْ عَدُوِّي
بَعْضُ الشَّدَائِدِ وَالمَوَاقِفِ أَيُّهَا المُسْلِمُونَ : فِيهَا مِنَ الخَيْرِ الكَثِيرِ ، حَيْثُ يَطْفُو عَلَى سَطْحِهَا مَنْ كَانَ يَتَلَوَّنُ كَالحِرْبَاءِ سَوَاءً مِنَ الأَفْرَادِ أَوْ الجَمَاعَاتِ أَوْ حَتَّى الدُّوَلِ فَيَنْكَشِفُ عَوَارُهُ وَتَبْدُو سَوْأَتُهُ وَيَتَجَلَّى مَنْ يُنَاصِرُ أَهْلَ التَّوْحِيدِ وَالسُّنَّةِ وَمَنْ يَصْطَادُ فِي عَكْرَةِ المُعْتَرَكَاتِ ،
هَذِهِ البِلَادُ الطَّيِّبَةُ المُبَارَكَةُ مَهْبِطُ الوَحْي وَمَهْدُ الرِّسَالاَتِ وَمَعْقِلُ إِسْلَامِ الكِتَابِ وَالسُّنَّةِ لاَ غَرَابَةَ أَنْ تُحَارَبَ فَقَدْ حُورِبَ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابُهُ ، وَلاَ غَرَابَةَ أَنْ يُحَارِبُهَا أَهْلُ الشِّرْكِ وَالبِدْعَةِ وَالضَّلَالَةِ لِأَنَّهُمْ يُرٍيدُونَ بِلاَدَ التَّوْحِيدِ مَوْطِنًا لِلشِّرْكِ وَبِلاَدَ السُّنَّةِ مَرْتَعَا لِلبِدْعَةِ وَهَذَا غَيْضٌ مِنْ فَيْضِ الِفِتَنِ فَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ ( لاَ تَقُومُ السَّاعَةُ – وَذَكَرَ مِنْ ذَلِكَ – حَتَّى تَظْهَرَ الفِتَنُ وَيَكْثُرُ الهَرْجُ وَهُوَ القَتْلُ ) وَلاَ غَرَابَةَ أَيْضًا أَنْ تَتُوقُ إِلَى هَذِهِ البِلاَدُ الأَطْمَاعُ ، مِنْ خَائِنِي العَهْدِ وَالإِلِّ وَالذِّمَّةِ وَفَاقِدِي المُرُوءَةِ وَمَحَاسِنِ الطِّبَاعِ ، لَكِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ يُخْرِجُ الحَيَّ مِنَ المَيِّتِ
قَدْ يُخْرِجُ اللُّبْثُ مِنْ أَقْدَامِهِ السَّيْرَا
وَيُبْطِنُ الشَّرُّ فِي أَحْشَائِهِ الخَيْرَا
وَصَدَقَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ القَائِلُ فِي حَادِثَةِ الإِفْكِ ( لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَّكُم ۖ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ ) 11 النور ، وَهِيَ حَادِثَةٌ لاَ يُشَابِهُهَا شَيْءٌ فِي وَقْعِهَا عَلَى النُّفُوسِ المُؤْمِنَةِ ، وَلَا يُشَابِهُهَا شَيْءٌ فِي قَذْفِ الرَّوَافِضِ الأَفَّاكِينَ الكَفَرَةِ المُشْرِكِينَ المُجْرِمِينَ إِلَى يَوْمِنَا هَذَا ،
أَيُّهَا المُسْلِمُونَ : حَدَثَ فَجْرَ السَّبْتِ المَاضِي إِعْتِدَاءٌ أَثِيمٌ لَئِيمٌ جَبَانٌ عَلَى مَعْمَلَيْ تَكْرِيرِ البِتْرُولِ فِي بُقَيْقَ وَهِجْرَةِ خُرَيصٍ مِمَّا نَتَجَ عَنْهُ حَرِيقٌ وَأَضْرَارٌ فِي المَعْمَلَيْنِ تَمَّ السَّيْطَرَةُ عَلَيْهِ وَلِلهِ الحَمْدُ ، وَلاَ شَكَّ أَنَّ هَذَا الخَبَرَ قَدْ نَمَى إِلَى عِلْمِكُمْ ، وَلَكِنَّنَا فِي هَذِهِ الخُطْبَةِ عَلَاوَةً عَلَى اسْتِنْكَارِنَا الشَّدِيدِ لِهَذَا العَمَلِ المَشِينِ وَالإِعْتِدَاءِ المَهِينِ ، نُرِيدُ أَنْ نُبَيِّنَ لَكُمْ أَنَّ هَؤُلاَءِ المُجْرِمِينَ الذِينَ اسْتَهْدَفُوا بِلَادَنَا وَمَصَالِحَ أُمَّتِنَا بِطَريِقَةٍ مُلْتَوِيَةٍ جَبَانَةٍ خَائِنَةٍ خَائِبَةٍ لَنْ يَزِيدُونَا غَيْرَ لُحْمَةٍ وَتَمَاسُكٍ وَثَبَاتٍ وَلَنْ تَزِيدَ فَاعِلَهَا إِلاَّ أَنْ يُثْبِتَ عَلَى نَفْسِهِ مَا اسْتَمَاتَ بِإِنْكَارِهِ وَيُدْلِي عَلَى نَفْسِهِ البَيِّنَاتِ القَاطِعَةَ التِي لاَ شَكَّ فِيهَا ، وَيُدَلِّلُ لِمَاذَا التَّحَالُفُ العَرَبِيُّ يُحَارِبُ أَزْلَامَهُ فِي اليَمَنِ الحُوثِيِّيِنَ بَلْ وَيُثْبِتُ أَنَّهُ سَبَبُ القَلَاقِلِ وَالفِتَنِ وَالحُرُوبِ وَالإِرْهَابِ فِي المَنْطِقَةِ نَسْأَلُ اللهَ أَنْ يَحْفَظَ بِلَادَنَا وَسَائِرَ بِلاَدِ المُسْلِمِينَ مِنْ شَرِّ هَؤُلاَءِ الشَّرَاذِمِ ، فَمُذْ جَاؤُوا إِلَى المَنْطِقَةِ مُنْذُ أَرْبَعِينَ سَنَةً وَالمَنْطِقَةُ فِي دَوَّامَاتٍ وَصِرَاعَاتٍ وَمَشَاكِلَ وَفِتَنٍ وَاضْطِرَابَاتٍ قَطَعَ اللهُ دَابِرَهُمْ وَمَزَّقَ اللهُ حُكْمَهُمْ وَأَرَاحَ اللهُ شُعُوبَ المَنْطِقَةِ مِنْهُمْ ، وَجَعَلَ تَدَابِيرِهِمْ تَدْمِيرًا وَوَيْلاً وَثُبُورًا عَلَيْهِمْ ، وَلاَ شَكَّ أَنَّ هَذاَ الإِعْتِدَاءَ الآثِمَ مُحَرَّمٌ شَرْعًا قَالَ تَعَالَى ( وَلاَ تَعْتَدُوا إِنَّ اللهَ لاَ يُحِبُّ المُعْتَدِينَ ) 190 البقرة ، وَمَمْقُوتٌ عُرْفًا وَمَرْفُوضٌ دُوَلِيًّا.
أَيُّهَا المُسْلِمُونَ : مِنْ نِعَمِ اللهِ العَظِيمَةِ عَلَيْكُمْ وَعَلَى أَهْلِ هَذِهِ البِلَادِ الطَّيِّبَةِ أَنْ جَعَلَكُمْ مُدْرِكُونَ لِمَا يُحَاكُ لَكُمْ مِنَ المُؤَامَرَاتِ وَالدَّسَائِسِ وَهَذَا بِفَضْلِ اللهِ وَتَوْفِيقِهِ ، ثُمَّ بِفَضْلِ تَمَسُّكُكُمْ بِعَقِيدَتِكُمْ وَدِينِكُمْ وَبِفَضْلِ وَعْيِكُمْ وَاسْتِشْرَافِكُمْ لِلْحَقَائِقِ النَّاصِعَةِ وَالتِفَافِكُمْ حَوْلَ قَادَتِكُمْ وَعُلَمَائِكُمْ ، فَكَانَ ذَلِكَ كُلُّهُ سِلَاحًا لَكُمْ فِي المَعَامِعِ المُغْرِضَةِ فِي وَسَائِلِ التَّوَاصُلِ الإِجْتِمَاعِيِّ وَخُصُوصًا فِي تُويتَرْ ، فَكَانَ أَبْنَاؤُنَا وَشَبَابُنَا حَفِظَهُمْ اللهُ دِرْعًا وَطَنِيًّا عَجِزَتْ كُلُّ وَسَائِلِ الحَرْبِ النَّاعِمَةِ مِنْ اخْتِرَاقِهِ وَالتَّأْثِيرِ عَلَيْهِ ، فَشَكَرَ اللهُ لَكُم جَمِيعاً أَيُّهَا الشَّبَابُ فِي حِفْظِكُمْ لِثُغُورِ بِلَادِكُمْ ، أَعُوذُ بِاللهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيِمِ ( فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (30) مُنِيبِينَ إِلَيْهِ وَاتَّقُوهُ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ (31) مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ (32) الروم
بَارَكَ اللهُ لِي وَلَكُمْ فِي القُرْآَن العَظِيمِ، وَتَابَ عَليّ وَعَلَيْكُمْ إنهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ، أقول قَوْلِي هَذَا وَاسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُم، وَلِسَائِرِ المُسْلِمِينَ وَالمُسْلِمَاتِ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ فَاسْتَغْفِرُوهُ، إِنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ.
الخطبة الثانية
الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أنَّ نَبِيَّنَا مُحَمَّدًا عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ ، اللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ وَبَارِكْ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ الطَّيِّبِينَ الطَّاهِرِينَ وَعَلَى أَصْحَابِهِ أَجْمَعِينَ ، وَعَلَى التَّابِعِينَ لَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.
أَيُّهَا المُسْلِمُونَ : لَقَدْ أَنْزَلَ اللهُ فِي كِتَابِهِ سُورَةً كَامِلَةً إِسْمُهَا سُورَةُ الصَّفِّ ، وَقَالَ فِيهَا (إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُم بُنْيَانٌ مَّرْصُوصٌ (4) الصف
وَذَلِكَ لِمَا لِلصَّفِّ الوَاحِدِ مِنْ أَهَمِّيَّةٍ قُصْوَى فِي تَمْكِينِ الأُمَّةِ وَهَيْبَتِهَا وَنَصْرِهَا عَلَى أَعْدَائِهَا ، فَمَا دُمْتُمْ صَفًّا وَاحِدًا وَيَدَا وَاحِدَةً مُلْتَفِّينَ حَوْلَ قِيَادَتِكُمْ فَلَنْ يَضُرُّكُمْ لَوْ اجْتَمَعَ عَلَيْكُمْ مَنْ بِأَقْطَارِهَا ، قَالَ تَعَالَى ( وَإِن تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا ۗ إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ ) (120) آل عمران
لَقَدْ أَثْبَتُّمْ فِي ظِلِّ هَذِهِ الدَّوْلَةِ المُبَارَكَةِ صِدْقَ الأُخُوَّةِ وَالتَّمَاسُكِ وَالوَلاَءِ , فِي صُورَةٍ رَائِعَةٍ ، أَثَارَتْ غَيْرَةَ الأَعْدَاءِ وَحِقْدِهِمْ , فَاحْفَظُوا أَمْنَكُمْ بِالمُحُافَظَةِ عَلَى لُحْمَتِكُمْ وَالإِلْتِفَافِ حَوْلَ قِيَادَتِكُمْ ، فَإِنَّ الأَمْنَ لاَ تَسْتَقِيمُ حَيَاةُ النَّاسِ إِلاَّ بِهِ ، وَلَا يَسْتَغْنِي فَرْدٌ أَوْ مُجْتَمَعٍ عَنْهُ ، وَالحَيَاةُ بِلاَ أَمْنٍ , حَيَاةٌ قَاحِلَةٌ مُجْدِبَةٌ مُتْعِبَةٌ مُقلِقَةٌ شَاحِبَةٌ ، لاَ تُقْبَلُ وَلَا تُطَاقُ , وَلاَ يَضِيعُ الأَمْنُ إِلاَّ فِي وَعْثَاءِ الفِتَنِ ، وَالخُرُوجِ مِنْ رِبْقِ الجَمَاعَةِ ، فَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( تَكُونُ فِتْنَةٌ الْقَاعِدُ فِيهَا خَيْرٌ مِنَ الْمَاشِي ، وَالْمَاشِي فِيهَا خَيْرٌ مِنَ السَّاعِي ، مَنْ يَسْتَشْرِفْ لَهَا تَسْتَشْرِفْ لَهُ ، وَمَنْ وَجَدَ مِنْهَا مَلْجَأً أَوْ مَعَاذًا فَلْيَعُذْ بِهِ ) نَعُوذُ بِاللهِ مِنَ الفِتَنِ، مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ
فَعَلَيْنَا أَنْ نُدْرِكَ الخَطَرَ, وَأَنْ نَسْتَشْعِرَ المَسْؤُولِيَّةَ الدِّينِيَّةَ وَالوَطَنِيَّةَ , تِجَاهَ أَمْنِ بِلَادِنَا ، وَوِحْدَةِ صَفِّنَا , وَأَنْ نَكُونَ عَلَى بَصِيرَةٍ مِمَّا يُحَاكُ لَنَا ، مِنْ قُوى الشَّرِّ التِي تَتَخَفَّى وَتَتَّخِذُ مِنْ سُذَّجِ المُسْلِمِينَ وَالعَرَبِ أَذْرِعَةً لَهَا وَمَطَايَا لِتَحْقِيقِ مَآرِبِهِمْ الخَبِيثَةِ.
نَسْألُ اللهَ أَنْ يَحْفَظَ بِلَادَنَا وَسَائِرَ بلِاَدِ المُسْلمِينَ مِنْ غَوَائِلِ الأَعْدَاءِ وَالمُتَرَبِّصِينَ، وَتَهَوُّكَاتِ الجَهَلَةِ وَالمُتَهَوِّرِينَ ، وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا رَحِمَكُم اللهُ عَلى خَيْرِ خَلقِ اللهِ، مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللهِ كَمَا أَمَرَكُمْ اللهُ بِذَلِكَ فِي كِتَابِهِ فَقَالَ: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً)
المفضلات