النتائج 1 إلى 1 من 1

الموضوع: الاستقامة قبل الندامة

  1. #1

    الاستقامة قبل الندامة



    الخُطْبَةُ الأُولَى
    إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ ، وَنَسْتَعِينُهُ ، وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أنْفُسِنَا وَسَيِّئَاتِ أعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وأشْهَدُ أَنْ لَا إِلهَ إِلاّ اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيِكَ لهُ، وأشْهَدُ أنّ مُـحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ } {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا } {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا}
    أَمَّا بَعْدُ: فَإِنَّ أَصْدَقَ الْحَدِيِثِ كِتَابُ اللهِ ، وَخَيْرَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمّدٍ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّم، وَشَرَّ الأمُورِ مُحْدَثاتُها ،وَكُلَّ مُحْدثةٍ بِدْعَةٍ، وكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلالَةٍ، وكُلَّ ضَلالةٍ فِي النّارِ .
    أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: بِمَاذَا يَنَالُ الْإِنْسَانُ أَعْظَمَ الْكَرَامَاتِ، وَيَصِلُ إِلَى أَعْلَى الْمَقَامَاتِ، وَيَكُونُ سَعِيدًا فِي دُنْيَاهُ وَآخِرَتِهِ؛ فَيَمْلِكُ مَا لَا يَمْلِكُهُ مَنْ مَلَكَ الْمَالَ وَالسُّلْطَانَ وَالْمَنْصِبَ وَالْجَاهَ ؟
    إِنَّهُ بِالِاسْتِقَامَةِ عَلَى الدِّينِ، فَالِاسْتِقَامَةُ أَعْظَمُ كَرَامَةٍ، وَهِيَ تَعْنِي الْحِفَاظَ عَلَى أَهَمِّ مَا نَمْلِكُهُ، وَأَعَزِّ مَا نَحْمِلُهُ، وَأَجَلِّ مَا نَفْخَرُ بِهِ وَنَتَشَرَّفُ بِحَمْلِهِ، أَلَا وَهُوَ دِينُ اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، فَحِفْظُ الدِّينِ هُوَ هُوِيَّتُنَا بَيْنَ الْأُمَمِ، وَهُوَ شِعَارُنَا، هُوَ عَلَمُنَا، هُوَ رَمْزُنَا، هُوَ أَمْنُنَا، هُوَ رَائِدُنَا وَإِمَامُنَا، فَلَيْسَ لَنَا هُوِيَّةٌ إِلَّا هَذَا الدِّينُ، نَفْخَرُ وَنَعْتَزُّ بِهِ:
    وَكَمَا قَالَ الْأَوَّلُ:
    وَمِمَّا زَادَنِــي تِيهًــــا وَفَخْــــرًا
    وَكِدْتُ بِأَخْمُصِي أَطَأُ الثُّرَيَّا
    دُخُولِي تَحْتَ قَوْلِكَ يَا عِبَادِي
    وَأَنْ صَيَّرْتَ أَحْمَدَ لِي نَبِيَّا
    أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: لَقَدْ أَمَرَ اللهُ عِبَادَهُ بِهَا فِي كِتَابِهِ الْكَرِيمِ أَمْرًا مُبَاشِرًا، فَقَالَ: {فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ وَاسْتَغْفِرُوهُ}.
    وَقَالَ مَادِحًا الْمُسْتَقِيمِينَ عَلَى دِينِهِ، وَالْمَوْعُودِينَ بِجَزِيلِ عَطَائِهِ:
    {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ}، وَقَالَ تَعَالَى: {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ}.
    قَالَ ابْنُ رَجَبٍ -رَحِمَهُ اللهُ-: «أَصْلُ الِاسْتِقَامَةِ اسْتِقَامَةُ الْقَلْبِ عَلَى التَّوْحِيدِ، فَمَتَى اسْتَقَامَ الْقَلْبُ عَلَى مَعْرِفَةِ اللهِ وَعَلَى خَشْيَتِهِ وَإِجْلَالِهِ وَمَهَابَتِهِ وَمَحَبَّتِهِ وَإِرَادَتِهِ وَرَجَائِهِ وَدُعَائِهِ وَالتَّوَكُّلِ عَلَيْهِ، وَالْإِعْرَاضِ عَمَّا سِوَاهُ، اسْتَقَامَتِ الْجَوَارِحُ كُلُّهَا عَلَى طَاعَتِهِ؛ فَإِنَّ الْقَلْبَ هُوَ مَلِكُ الْأَعْضَاءِ، وَهِيَ جُنُودُهُ؛ فَإِذَا اسْتَقَامَ الْمَلِكُ اسْتَقَامَتْ جُنُودُهُ وَرَعَايَاهُ، وَأَعْظَمُ مَا يُرَاعَى اسْتِقَامَتُهُ بَعْدَ الْقَلْبِ مِنَ الْجَوَارِحِ اللِّسَانُ؛ فَإِنَّهُ تَرْجُمَانُ الْقَلْبِ وَالْمُعَبِّرُ عَنْهُ».
    عِبَادَ اللهِ: وَلَمَّا كَانَ شَأْنُ الِاسْتِقَامَةِ عَظِيمًا أَرْشَدَ إِلَيْهَا وَحَثَّ عَلَيْهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الصَّحَابِيَّ الْجَلِيلَ سُفْيَانَ بْنَ عَبْدِ اللهِ الثَّقَفِيَّ عِنْدَمَا سَأَلَهُ، وَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! قُلْ لِي فِي الْإِسْلَامِ قَوْلًا لَا أَسْأَلُ عَنْهُ أَحَدًا غَيْرَك؛ قَالَ: «قُلْ آمَنْتُ بِاللَّهِ ثُمَّ اسْتَقِمْ»
    رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
    فَهَذَا الْقَوْلُ الْمُوجَزُ الْمُخْتَصَرُ الْمُفِيدُ جَمَعَ أُمُورَ الدِّينِ كُلَّهَا، وَشَرَحَ مَعْنَى الْإِسْلَامِ الْحَقِيقِيِّ: «قُلْ آمَنْتُ بِاللَّهِ ثُمَّ اسْتَقِمْ».
    جَوَابٌ وَاضِحٌ مُنِيرٌ مِنَ الَّذِي لَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى، إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى، مِنْ صَاحِبِ جَوَامِعِ الْكَلِمِ، جَوَابٌ جَامِعٌ مَانِعٌ؛ إِنَّهَا إِيمَانٌ صَادِقٌ بِالْعَقِيدَةِ، وَالْعِبَادَةِ، وَالْمُعَامَلَةِ، وَالْخُلُقِ، وَالسُّلُوكِ الرَّبَّانِيِّ النَّبَوِيِّ الصَّحِيحِ، ثُمَّ اسْتِقَامَةٌ عَلَى ذَلِكَ حَتَّى الْمَمَاتِ.
    قَالَ ابْنُ الْقَيِّمِ –رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى- : «الِاسْتِقَامَةُ كَلِمَةٌ جَامِعَةٌ، آخِذَةٌ بِمَجَامِعِ الدِّينِ كُلِّهِ، وَهِيَ الْقِيَامُ بَيْنَ يَدَيِ اللهِ عَلَى حَقِيقَةِ الصِّدْقِ، وَالْوَفَاءِ بِالْعَهْدِ».
    فَاتَّقُوا اللهَ تَعَالَى، وَاسْتَقِيمُوا قَلْبًا وَقَالَبًا، عِلْمًا وَعَمَلاً، مَنْهَجًا وَغَايَةً وَطَرِيقَةً عَلَى مَنْهَجِ السَّلَفِ الصَّالِحِ جُمْلَةً وَتَفْصِيلاً فِي الْعَقِيدَةِ، وَالْعِبَادَةِ، وَالْمُعَامَلَةِ، وَالْخُلُقِ وَالسُّلُوكِ تُفْلِحُوا وَتَنَالُوا أَعْظَمَ الْكَرَامَاتِ وَأَعْلَى الْمَقَامَاتِ.
    اللَّهُمَّ إِنِّنَا نَسْأَلُكَ الثَّبَاتَ فِي الْأَمْرِ، وَالْعَزِيمَةَ عَلَى الرُّشْدِ، وَنَسْأَلُكَ مُوجِبَاتِ رَحْمَتِكَ، وَعَزَائِمَ مَغْفِرَتِكَ، وَنَسْأَلُكَ شُكْرَ نِعْمَتِكَ، وَحُسْنَ عِبَادَتِكَ، وَنَسْأَلُكَ قُلُوبًا سَلِيمَةً، وَأَلْسُنًا صَادِقَةً، وَنَسْأَلُكَ مِنْ خَيْرِ مَا تَعْلَمُ، وَنَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ مَا تَعْلَمُ، وَنَسْتَغْفِرُكَ لِمَا تَعْلَمُ، إِنَّكَ أنْتَ عَلاَّمُ الْغُيُوبِ.
    بَارَكَ اللهُ لِي وَلَكُمْ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنةِ، وَنَفَعَنَا بِمَا فِيهِمَا مِنَ الآياتِ وَالْحِكْمَةِ ،أَقُولُ قَوْلِي هَذَا، وَاسْتَغْفِرِ اللهُ لِي وَلَكُم مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ فَإنّه هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ .





    الخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ
    الْحَمْدُ للهِ عَلَى إِحْسَانِهِ ، والشّكْرُ لَهُ عَلَى تَوْفِيقِهِ وَامْتِنَانِهِ ، وَأَشْهَدُ أَلَّا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ تَعْظِيمًا لَشَانِهِ ، وأشهدُ أَنَّ نَبِيَّنَا مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ الدّاعِي إِلَى رِضْوانِهِ ، صَلَّى اللهُ عَليْهِ وَعَلى آلِهِ وأصْحَابِهِ وأعْوانِهِ وسَلّم تَسْلِيماً كثيراً .. أمّا بَعْدُ : اتَّقُوا اللهَ تَعَالَى عِبَادَ اللهِ، وَاعْلَمُوا أَنَّهُ لَيْسَ مَعْنَى الِاسْتِقَامَةِ أَنْ تَكُونَ كَامِلاً عَلَى الصَّوَابِ مُطْلَقًا فِي جَمِيعِ أَعْمَالِكَ؛ فَلَا يَقَعُ مِنْكَ خَطَأٌ وَلَا تَقْصِيرٌ!
    نَقُولُ: هَذَا أَمْرٌ مُسْتَحِيلٌ، وَغَيْرُ مُسْتَطَاعٍ؛ فَقَدْ ثَبَتَ عَنْهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَوْلُهُ: «كُلُّ بَنِي آدَمَ خَطَّاءٌ، وَخَيْرُ الْخَطَّائِينَ التَّوَّابُونَ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَغَيْرُهُ، وَصَحَّحَهُ الْأَلْبَانِيُّ.
    وَلِهَذَا يَأْمُرُنَا اللهُ بِالِاسْتِغْفَارِ بَعْدَ أَمْرِهِ إِيَّانَا بِالِاسْتِقَامَةِ؛ قَالَ تَعَالَى: {فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ وَاسْتَغْفِرُوهُ}، فَفِيهَا إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنَ الْخَطَأِ وَالتَّقْصِيرِ، وَجُبْرَانِهِ بِالِاسْتِغْفَارِ وَالتَّوْبَةِ.
    وَلِهَذا شُرِعَ لَنَا الِاسْتِغْفَارُ بَعْدَ الصَّلَاةِ وَغَيْرِهَا مِنَ الْأَعْمَالِ؛ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَقَعَ سَهْوٌ وَتَقْصِيرٌ وَتَفْرِيطٌ مِنَ الْعَبْدِ، وَهَذَا -أَيِ: الِاسْتِغْفَارُ- مِنْ فَضْلِ اللهِ عَلَيْنَا وَرَحْمَتِهِ بِنَا.
    أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: فَضَائِلُ الِاسْتِقَامَةِ عَلَى طَاعَةِ اللهِ كَثِيرَةٌ، مِنْهَا:
    الطُّمَأْنِينَةُ، وَالسَّكِينَةُ، وَالْحَيَاةُ الطَّيِّبَةُ لِأَهْلِ الِاسْتِقَامَةِ, وَالْبُشْرَى بِالْجَنَّةِ، وَالنَّجَاةُ مِنَ النَّارِ، وَسَعَةُ الرِّزْقِ فِي الدُّنْيَا، وَحُصُولُ الْيَقِينِ وَمَرْضَاةُ رَبِّ الْعَالَمِينَ.
    قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ ابْنُ تَيْمِيَّةَ –رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى-: «أَعْظَمُ الْكَرَامَةِ لُزُومُ الِاسْتِقَامَةِ».
    أَسْأَلُ اللهَ أَنْ يَرْزُقَنَا إِيمَانًا صَادِقًا، وَاسْتِقَامَةً ثَابِتَةً عَلَى طَاعَتِهِ إِنَّهُ وَلِيُّ ذَلِكَ وَالْقَادِرُ عَلَيْهِ.
    هَذَا وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى نَبِيِّكُم كَمَا أَمَرَكُمْ بِذلِكَ رَبُّكُمْ ، فَقَالَ: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا } وَقَالَ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : "مَنْ صَلّى عَلَيَّ صَلاةً وَاحِدَةً صَلّى اللهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا" رَوَاهُ مُسْلِم .



    الملفات المرفقة

معلومات الموضوع

الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع

الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)

     

المواضيع المتشابهه

  1. في الدنيا طريقين ><إما الاستقامة وإما الاعوجاج
    بواسطة ابو غازي في المنتدى المضيف العام
    مشاركات: 11
    آخر مشاركة: 23-07-2005, 02:25

المفضلات

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •  
جميع ما يطرح بالمضايف يعبر عن وجهة نظر صاحبه وعلى مسؤوليته ولا يعبر بالضرورة عن رأي رسمي لإدارة شبكة شمر أو مضايفها
تحذير : استنادا لنظام مكافحة الجرائم المعلوماتية بالمملكة العربية السعودية, يجرم كل من يحاول العبث بأي طريقة كانت في هذا الموقع أو محتوياته