الْخُطْبَةُ الْأُولَى
إنّ الْحَمْدَ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أنْفُسِنَا وَسَيِّئَاتِ أعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وأشْهَدُ أَنْ لَا إِلهَ إِلاّ اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيِكَ لهُ، وأشْهَدُ أنّ مُـحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ ) ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا )
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) أَمَّا بَعْدُ: فَإِنَّ أَصْدَقَ الْحَدِيِثِ كِتَابُ اللهِ ، وَخَيْرَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمّدٍ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّم، وَشَرَّ الأمُورِ مُحْدَثاتُها ،وَكُلَّ مُحْدثةٍ بِدْعَةٍ، وكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلالَةٍ، وكُلَّ ضَلالةٍ فِي النّارِ .
أيُّهَا الْمُـْـسلِمُونَ / بَعْدَ أَيَّاْمٍ قَلَاْئِلَ ، يَسْتَقْبِلُ الْمُـْـسلِمُونَ شَهْرَ رَمَضَاْن ، أَفْضَلُ شَهْرٍ وَأَعْظَمُهُ وَأَبْرَكُهُ ، إِذَاْ كَاْنَتْ لَيْلَةٌ وَاْحِدَةٌ مِنْ لَيَاْلِيْهِ ، وَهِيَ لَيْلَةُ اَلْقَدْرِ ، خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرِ ، شَهْرٌ أَنْزَلَ اللهُ فِيْهِ أُنْزِلَ فِيِهِ الْقُرْآنُ الْكَرِيِمُ ، كَمَاْ قَاْلَ تَعَاْلَىْ
شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ ( وَقَالَ عَنْهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا فِيِ الصَّحِيِحَيْنِ مِنْ حَدِيِثِ أَبِيِ هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ : " إِذَاْ دَخَلَ رَمَضَانُ فُتِّحَتْ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ ، وَغُلِّقَتْ أَبْوَابُ جَهَنَّمَ ، وَسُلْسِلَتْ الشَّيَاطِينُ " رَمَضانُ شَهْرٌ تُسْتَلْهَمُ مِنْهُ العِبَرُ، رَمَضانُ شَهْرُ بَدْرٍ وفَتْحِ مَكَّةَ وَالظَّفَرْ، شَهْرُ الإِيمانِ الَّذِي قُلِبَتْ بِهِ الْمَوازِينُ حَيْثُ عَلَّمَنا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ الكَرامَةَ عِنْدَ اللهِ في الآخِرَةِ لَا تَكُونُ لِغَيْرِ أَهْلِ الإِيمانِ ؛ فَاطْمَأَنَّتْ كَثِيرٌ مِنَ القُلُوب، وسَكَنَتْ العَقِيدَةُ النُّفُوسَ، فَوَحَّدَتْ الْعَقِيِدَةُ بَيْنَ أَبِي بَكْرٍ القُرَشِيِّ وبِلالٍ الحَبَشِيِّ وصُهَيْبٍ الرُّومِيّ.
أيُّهَا الْمُـْـسلِمُونَ / رَمَضَاْنُ مَوْسِمٌ عَظِيْمٌ ، وَمُنَاْسَبَةٌ مُفِيْدَةٌ لِفِعْلِ اَلْطَّاْعَةِ وَاَلْعِبِاْدَةِ ، وَاَلْتَّقَرُّبِ إِلَىْ اَللهِ تَعَالَى ، وَاَلْبُعْدِ عَنْ اَلْذُّنُوْبِ وَاَلْمَعَاْصِي وَاَلْآثَاْمِ ؛ يَنْبَغِيْ لِلْمُسْلِمِ أَنْ يُعَدَّ لَهَذَاْ اَلْشَّهْرِ عُدَّتَهُ ، وَأَنْ يَحْمَدَ اَللهَ تَعَالى أَنْ أَمَدَّ فِيْ عُمُرِهِ حَتَّىْ بَقِيَ إِلَىْ هَذِهِ اَلْأَيَّاْمِ ، لِيَسْتَعِدَّ لَهُ ، اِسْتِعْدَاْدَ اَلْمُؤْمِنْيِنَ ، اَلَّذِيْنَ يُرِيْدُوْنَ وَجْهَ اَللهِ وَاَلْدَّاْرَ اَلْآخِرَةِ ، وَيَحْذَرَ أَنْ يَسْتَعِدَّ لَهُ اِسْتِعْدَاْدَ اَلْغَاْفِلِيْنَ ، وَكَمَاْ قَاْلَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيْ اَلْحَدِيْثِ اَلْصَّحِيْحِ : " إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ " فَاَللهُ تَعَالَى يُعَاْمِلُ اَلْمُسْلِمَ عَلَىْ حَسَبِ نِيَّتِهِ ، وَيَبْلُغُ اَلْمُسْلِمُ بِنِيَّتِهِ اَلْصَّاْدِقَةِ مَاْلَمْ يَبْلُغْهُ فِيْ عَمَلِهِ ، كَمَاْ قَاْلَ تَعَالَى (وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ، ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا ) فَيَنْبَغِيِ عَلَيْنَا أَنْ نُرَاْجِعَ أَنْفُسَنَا مَعَ نِيّاتِنَا صِدْقاً وَعَدْلاً ، مَاذَاْ خَطَّطْنَا لَهُ ، وَمَاهُوَ اَلْهَدَفُ اَلْحَقِيْقِيُّ لَهَا، وَمَا اَلَّذِيِ سَوْفَ تَخْرُجُ بِهِ مِنْ شَهْرِ رَمَضَاْنَ ؟
إِنَّنَاْ نَرَىْ - أَيُّهَاْ اَلْإِخْوَةُ - مَنْ يَسْتَعِدْ لَهَذَاْ اَلْشَّهْرِ ، بِأُمُوْرٍ لَاْ تَتَنَاْسَبُ أَبَدَاً، وَلَاْ تَلِيْقُ بِشَهْرٍ كَرَمَضَانَ ، إِنَّمَاْ مِنْ شَأْنِهَا سَرِقَةُ رَمَضَاْنَ ، وَحِرْمَاْنُ اَلْمُسْلِم ، مِنْ اِسْتِغْلَاْلِهِ وَاَلْاِسْتِفَاْدَةِ مِنْهُ . كَفَىْ ـــ أَيُّهَاْ اَلْإِخْوَةُ ـــ تَفْرِيْطَاً بِمِثْلِ رَمَضَاْنَ بِسَبَبِ مُتَاْبَعَةِ مُسَلْسَلَاْتٍ هَاْبِطَةٍ ، وَبَرَاْمِجَ سَاْقِطَةٍ ، أَوْ بِسَبَبِ اَلْتَّمَتُّعِ بِاَلْلَّهْوِ وَاَلْلَّعِبَ ، وَبِسَبَبِ اَلْتَّفَنُّنِ بِمَاْ لَذَّ وَطَاْبَ مِنْ أَنْوَاْعِ اَلْمَآكِلِ وَاَلْمَشَاْرِبِ ؟ لِنَسْتَعِدَّ ــ أَيُّهَاْ اَلْإِخْوَةُ ـــ لِرَمَضَاْنَ اِسْتِعْدَاْدَ اَلْمُؤْمِنْيِنَ ، لَاْ اِسْتِعْدَاْدَ اَلْغَاْفِلِيْنَ وَاَلْفَاْسِقِيْنَ وَاَلْمُجْرِمِيْنَ ، بَلْ وَاَلْكَاْفِرِيْنَ ، فَقَدْ رَوَىْ اَلْشِّيْخَاْن ، عَنْ عَاْئِشَةَ رَضِيَ اَللهُ عَنْهَاْ قَاْلَتْ : (( كَاْنَ رَسُوْلُ اَللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، يَصُوْمُ حَتَّىْ نَقُوْلَ : لَاْ يُفْطِرُ . وَيُفْطِرُ حَتَّىْ نَقُوْلَ : لَاْ يَصُوْمُ، وَمَاْ رَأَيْتُ رَسُوْلَ اَللهِ اِسْتَكْمَلَ صِيَاْمَ شَهْرٍ إِلَّاْ رَمَضَاْنَ، وَمَاْ رَأَيْتُهُ أَكْثَرَ صِيَاْمًا مِنْهُ فِيْ شَعْبَاْنَ )) فَاَلْمُسْلِمُ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَتَرَفَّعَ بِنَفْسِهِ ، عَنْ سَفَاْسِفِ اَلْأُمُوْرِ ، وَيُوَطِّنَ نَفْسَهُ لِمَعَاْلِي اَلْأَخْلَاْقِ ، فَاَلْاِسْتِعَدَاْدُ لِشَهْرِ رَمَضَاْنَ ، لَاْ يَكُوْنُ بِاَلْلَّهْوِ وَاَلْلَّعِبِ ، وَاَلْغَفْلَةِ اَلْخَطِيْرَةِ ، اَلَّتِيْ أَوْدَتْ بِمُسْتَقْبَلِ كَثِيْرٍ مِنْ اَلْنَّاْسِ ، إِنَّمَاْ يَكُوْنُ بِاَلْنِّيَةِ اَلْصَّاْدِقَةِ ، وَاَلْعَزِيْمَةِ اَلْجَاْدَّةِ ، لِاِسْتِغْلَاْلِ هَذَاْ اَلْشَّهْرِ ، بِاَلْعِبَاْدَةِ وَاَلْطَّاْعَةِ ، وَمَاْ يُقَرِّبُ مِنْ اَللهِ تَعَالَى، وَمَاْ يَكُوْنُ وَسِيْلَةً لِرَفْعِ اَلْدَّرَجَاْتِ ، وَتَبْدِيْلِ اَلْسَّيِّئَاْتِ بِإِذْنِ اَللهِ تَعَاْلَىْ ، بَارَكَ اللهُ لِي وَلَكُمْ فِي الْكِتَابِ والسُّنَّةِ، وَنَفَعَنَا بِمَا فِيهِمَا مِنَ الْآياتِ وَالْحِكْمَةِ ،أقولُ قَوْلِي هَذا، واسْتَغْفِرِ اللهُ لِي وَلَكُمْ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ فَإنّه هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمِ .
اَلْخُطْبَةُ اَلْثَّاْنِيَةُ
اَلْحَمْدُ لِلهِ عَلَىْ إِحْسَاْنَهُ ، وَاَلْشُّكْرُ لَهُ عَلَىْ تَوْفِيْقِهِ وَاَمْتِنَاْنِهِ ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَاْ إِلَهَ إِلَّاْ اَللهُ وَحْدَهُ لَاْشَرِيْكَ لَهُ تَعْظِيْمَاً لِشَأْنِهِ ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدَاً عَبْدُهُ وَرَسُوْلُهُ اَلْدَّاْعِيْ إِلَىْ رِضْوَاْنِهِ ، صَلَّىْ اَللهُ عَلَيْهِ ، وَعَلَىْ آلِهِ وَأَصْحَاْبِهِ ، وَسَلَّمَ تَسْلِيْمَاً كَثِيْرَاً .
أَمَّاْ بَعْدُ عِبَادَ اللهِ / خَيْرُ مَاْ يُسْتَقْبَلُ بِهِ رَمَضَاْنَ ، اَلْعَزْمُ عَلَىْ تَرْكِ اَلْذُّنُوْبِ وَاَلْمَعَاْصِيْ وَاَلْآثَاْمِ ، وَاَلْتَّوْبَةُ مِنْ اَلْسَّيِّئَاْتِ ، فَرَمَضَانُ فُرْصَةٌ لِلْتَّخَلُّصِ مِنْ اَلْعَاْدَاْتِ اَلْسَّيِّئَةِ ، وَاَلْأَخْلَاْقِ اَلْرَّذِيْلَةِ ، وَتَعْوُيْدِ اَلْنَّفْسِ عَلَىْ مَاْ يُحِبُّهُ اَللهُ تَعَالَى وَيَرْضَاْهُ ، فَرَمَضَاْنُ شَهْرُ اَلْتَّوْبَةِ ، وَرَمَضَاْنُ فُرْصَةٌ لِلْتَّعَوُدِ عَلَىْ صَلَاةِ اَلْجَمَاْعَةِ ، وَتِلَاوَةِ اَلْقُرَّآنِ ، وَفُرْصَةٌ لِلْتَّخَلُّصِ مِنْ اَلْتَّدْخِيْنِ ؛ فُرْصَةٌ لِتَنْظِيْمِ اَلْوَقْتِ ، فُرْصَةٌ لِلْإِحْسَاسِ بِاَلْحَاجَةِ لِلْطَّعَامِ وَاَلْشَّرَابِ ، وَإِدْرَاكِ مُعَانَاةِ اَلْفُقَرَاءِ وَاَلْمَسَاكِيْن ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ اَلْأَعْمَاْلِ اَلَّتِيْ بِاِسْتِطَاْعَةِ اَلْمَرْءِ اَلْتَّعَوُدُ عَلَيْهَا فِعْلَاً وَتَرْكَاً فِيِ شَهْرِ رَمَضَاْن .
نَسْأَلُ اللهَ تَعَالَى أَنْ يُبَلِّغَكُمْ وَإِيَّانَا وَجَمِيِعَ الْمُسْلِمِيِنَ شَهْرَ رَمَضَانَ وَأَنْ يُعِيِنَنا فِيِهِ عَلَى الصِّيَامِ وَالْقِيَاَمِ وَطَاعَةِ الرَّحْمَنِ ، هَذَا وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى نَبِيِّكُم كَمَا أَمَرَكُمْ بِذلِكَ رَبُّكُمْ ، فَقَالَ: (إِنَّ ٱللَّهَ وَمَلَـئِكَـتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى ٱلنَّبِىّ يأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ صَلُّواْ عَلَيْهِ وَسَلّمُواْ تَسْلِيمًا ) وقال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : "مَنْ صَلّى عَلَيَّ صَلاةً وَاحِدَةً صَلّى اللهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا" رَوَاهُ مُسْلِم .
المفضلات