الخطبة الثانية : القنوات الفضائية المسمومة
إن الحمد لله, نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونؤمن به ونتوكل عليه، ونثني عليه الخير كله، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له, وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيءٍ قدير, وأشهد أن محمداً عبده ورسوله, البشير النذير والسراج المنير -صلى الله عليه وسلم- وعلى آله وصحبه ذوي القدر العليِّ والشرف الكبير, والتابعين لهم بإحسانٍ إلى يوم الدين, أما بعـد:
اتقوا الله عباد الله, وعظموا أمره واشكروا نعمه، واعلموا أن أعظم هذه النعم وأجلها الهداية لهذا الديـن: {بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ} (17) سورة الحجرات.
عباد الله:
إننا نعيش زمناً تكاثرت فيه الشرور, وعظمت فيه الفتن، وصارت بسبب كثرتها يرقق بعضها بعضاً، ولعل في هذا مصداقاً لقول النبي -صلى الله عليه و سلم-: (إِنَّ أُمَّتَكُمْ هَذِهِ جُعِلَ عَافِيَتُهَا فِي أَوَّلِهَا وَسَيُصِيبُ آخِرَهَا بَلَاءٌ وَأُمُورٌ تُنْكِرُونَهَا وَتَجِيءُ فِتْنَةٌ فَيُرَقِّقُ بَعْضُهَا بَعْضًا وَتَجِيءُ الْفِتْنَةُ فَيَقُولُ الْمُؤْمِنُ هَذِهِ مُهْلِكَتِي ثُمَّ تَنْكَشِفُ وَتَجِيءُ الْفِتْنَةُ فَيَقُولُ الْمُؤْمِنُ هَذِهِ هَذِهِ فَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يُزَحْزَحَ عَنْ النَّارِ وَيُدْخَلَ الْجَنَّةَ فَلْتَأْتِهِ مَنِيَّتُهُ وَهُوَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ)1.
لقد تزايد في هذا الزمان كيد الكفار أعداء الله, وأعداء دينه, وأعداء عباده المؤمنين، مستهدفين ديار المسلمين، يبتغون خلخلة دينهم, وزعزعة إيمانهم, وتدمير أخلاقهم, وإفساد سلوكهم, ونشر الفاحشة والرذيلة بينهم, وإخراجهم من حظيرة الإسلام.
ولقد كانوا سابقاً يعجزون عن الوصول إلى أفكار الشباب, وعقول الناشئة لبَثِّ ما لديهم من سموم، وعرض ما عندهم من كفر وإلحاد ومجون، أما الآن فقد أصبحت تحمل أفكارهم الرياح، إنها رياح مهلكة، بل أعاصير مدمرة تقصف بالمبادئ والقيم، وتدمر الأديان والأخلاق، وتقتلع جذور الفضيلة والصلاح، وتجتث أصول الحق واليقين.
لقد تمكن أعداءُ دين الله من خلال القنوات الفضائية المسمومة والمشبوهة , من الوصول إلى عقر الدار ومن ثمّة إلى العقول والأفكار، يحملون نتنهم وسمومهم، ويبثون كفرهم وإلحادهم ومجونهم، وينشرون رذائلهم وحقاراتهم وفجورهم في مشاهد زور، غايتها أن تفسد على الأمّة الإسلاميّة عقائدها، وتحرّف أخلاقها, وتوقعها في الافتتان.
إنهم خبثاء يريدون للمسلمين الكفر والضلال والفساد بشتى صوره؛ كل ذلك حقداً وحسداً من عند أنفسهم, كما بين ذلك سبحانه وتعالى إذ يقول عنهم –جل وعلا-: {وَدُّواْ لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُواْ فَتَكُونُونَ سَوَاء} (89) سورة النساء. ويقول -جل شأنه-: {وَدَّ كَثِيرٌ مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُم مِّن بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّاراً حَسَدًا مِّنْ عِندِ أَنفُسِهِم مِّن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ} (109) سورة البقرة.
إن من يتأمل الأضرار والأخطار التي يجنيها من يشاهد ما يبثه هؤلاء يجدها كثيرة لا تحصى، وعديدة لا تستقصى، لقد حقق الأعداء الشيء الكثير مما كانوا يصْبون إليه, إنهم أضروا بالمسلمين أيما إضرار, أضراراً عقائدية، وأضراراً اجتماعية، وأضراراً أخلاقية, وأضراراً فكرية, ونفسية.
عباد الله، كما أنّ بعض القنوات الفضائيّة تشكّل خطرا على المجتمع المسلم من خلال استباحتها لحرمة الدين وعرض مشاهد العري والفضائح وتشبّه الرجال بالنساء، فإنّ الخطر يتعاظم بوجود إذاعات هابطة المستوى تدعم المخنّثين وتمنحهم فرصة ليبثّوا سمومهم الفتّاكة في صفوف شبابنا المسلم. واليوم تطالعنا الأخبار بانطلاق بثّ إذاعة للمثليين الجنسيين في ربوع تونس المسلمة ذات التاريخ الحافل بالأمجاد، نعم إذاعة تبث سمومها بكلّ حرّيّة بدعوى الحقّ في التعبير، في بلد جامع الزيتونة المعمور، وفي بلد جامع عقبة بن نافع..ثمّ نتساءل بعد ذلك كيف صرنا نعيش في غابة دون أن نشعر؟ كيف صار أبناؤنا صيدا سهلا للمخدّرات والمسكرات أطفالا وشبابا؟ كيف صار العقوق منتشرا في عقر دارنا؟ وقد تحقّق فينا قول المولى سبحانه وتعالى :
(وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفوا عن كثير) الشورى.
عباد الله ،إن المسؤولية تجاه أطفالنا وشبابنا عظيمة، والواجب نحوهم كبير، فهم أمانة في أعناقنا، وكلٌّ مسؤول عمن يعول يوم القيامة, يقول –سبحانه وتعالى-: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} (6) سورة التحريم.
نسأل الله العفو والعافية في الدنيا والآخرة، كما نسأله الحفظ والسلامة لبناتنا وأولادنا إنّه نعم المولى ونعم النصير.
المفضلات