الحكم الشرعي للاعتداء على كلام الله تعالى


الحمدُ للهِ نحمَدُه ونستعينُه ونستغفرُه ونستهْدِيهِ ونشكُرُه ونعوذُ باللهِ مِنْ شرورِ أنفسِنا وسيّئاتِ أعْمَالِنا مَنْ يَهْدِ اللهُ فَلا مُضِلَّ لهُ ومَنْ يُضْلِلْ فلا هادِي لهُ. وأشهدُ أنْ لا إلـهَ إلا اللهُ وحدَهُ لا شريكَ لهُ ولا مَثيلَ لهُ ولا ضِدَّ ولا نِدَّ لهُ، وأشهدُ أنَّ سيّدَنا وحبيبَنا وعظيمَنا وقائدَنا وقرَّةَ أعينِنَا محمّدًا عبدهُ ورسولهُ وصفيُّه وحبيبُه من بعثه الله رحمة للعالمين هاديًا ومبشّرًا ونذيرًا، بلَّغَ الرسالةَ وأدَّى الأمانةَ ونَصَحَ الأمَّةَ فَجَزاهُ اللهُ عنَّا خيرَ ما جَزَى نَبِيًّا مِنْ أنْبِيائِهِ صلَّى اللهُ عليهِ صلاةً يَقْضي بِها حاجاتِنَا ويُفَرِّجُ بِها كُرُباتِنَا ويَكفِينَا بِها شَرَّ أعدائِنَا، وسَلَّمَ عليْهِ وعلى آلِهِ سَلامًا كَثيرًا، أمّا بعد عباد الله، إنّ من أعظم الشرور التي يقوم بها الإنسان في حياته ولا يفلت فيها من عقاب الخالق سبحانه وتعالى، الاعتداء على المساجد أو المساس بأثاثه ومحتوياته أو معلّقاته الدينيّة، وهو ما يسمّيه العلماء الإفساد في الأرض، يطلق على أنواع من الشر لعلّ أهمّها الاعتداء على المسجد وما فيه . قال الحقّ عزّ وجلّ : { وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ } (البقرة 204،205)
وقال تعالى : { وَلا تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِهَا } ( 56 ).
قال ابن كثير رحمه الله تعالى في تفسيره:" ينهى تعالى عن الإفساد في الأرض وما أضرّه بعد الإصلاح ، فإنه إذا كانت الأمور ماشية على السداد ثم وقع الإفساد بعد ذلك كان أضرّ ما يكون على العباد ؛ فنهى تعالى عن ذلك" اهـ .
وقال القرطبي رحمه الله في تفسيره : "نهى سبحانه وتعالى عن كل فساد قلّ أو كثر بعد صلاح قلّ أو كثر ، فهو على العموم و على الصحيح من الأقوال" اهـ
عباد الله، أجمع علماء الأمّة على أنّ تقطيع المصحف إذا صدر من غير قصد ازدراء ولا استخفاف فقد أقدم فاعله على معصية شنيعة، وكفارة ذلك المبادرة إلى التوبة الصادقة من البعد عن مثل هذا الفعل والندم عليه والعزم على عدم الرجوع إليه مطلقا، وإن قصد ازدراء المصحف والاستخفاف به فهذه ردة عن الإسلام والعياذ بالله تعالى.
وإليك بعض كلام أهل العلم في المسألة، عند الإمام الشافعي متحدثا عن الردة: (هي قطع الإسلام إما بتعمّد فعل, ولو بقلبه استهزاء أو جحودا كسجود لصنم, وإلقاء مصحف أو نحوه ككتب الحديث في قذر استخفافا أي على وجه يدل على الاستخفاف بهما).
وفى حاشية العدوى على شرح الخرشي لمختصر خليل المالكي: قوله: (كإلقاء مصحف ومما يرتد به وضعه بالأرض مع قصد الاستخفاف).
وفى الموسوعة الفقهية : (اتفق الفقهاء على أنه من استخف بالقرآن, أو بالمصحف, أو بشيء منه, أو جحد حرفا منه, أو كذب بشيء مما صرح به من حكم أو خبر, أو شك في شيء من ذلك, أو حاول إهانته بفعل معين, مثل إلقائه في القاذورات كفر بهذا الفعل).
كذلك فإنّ أمانة الفتوى بدار الإفتاء تقول في فتواها :
" مِن المعلوم مِن الدِّين بالضرورة عدم جواز إهانة اسم الله تعالى أو كلامه المسطور في كتابه العزيز، وكذلك يحرم إهانة اسم النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ومُتَعَمِّدُ فِعلِ شيءٍ مِن ذلك بقصد الإهانة والابتذال مرتَدٌّ خارجٌ عن المِلّة، ومَنْ لم يقصد ذلك، ولكنه تهاون وتكاسل مؤثرًا العاجلَ الفانيَ على الآجل الباقي فهو مرتكب للكبيرة ما دام ذاكِرًا للحكم قاصدًا للفعل مختارًا له غيرَ نَاسٍ ولا مُخطِئٍ فيه ولا مُكرَهٍ عليه).
عباد الله، إنّ للمسجد حرمة لا يعلمها إلا المؤمنون الصادقون ، وحرمة المسجد في كل شبر منه بدءا من باب الدخول، وكل اعتداء على أيّ من محتويات المسجد يعاقب عليه الله عاجلا في الدنيا قبل عذاب الآخرة، فما بالك بمن يمزّق صحفا تحمل اسم الله الأعظم أم يلقي بآيات الله البيّنات في القمامة والعياذ بالله.
نسأل الله لنا ولمساجدنا الحفظ والأمان وللمعتدين الآثمين قطعا وخزيا، إنّه نعم المولى ونعم الوكيل.