( الْفرحُ الْحقيقيّ )
الْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ، والصَّلاةُ والسّلامُ عَلَى أشْرَفِ الْأَنْبِياءِ والْمُرْسَلِينَ ، وَبَعْدُ :
قالَ تَعَالَى((قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَٰلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ))
[ يونس : 58 ]
فِي هذهِ الآيةِ مِنَ الدُّرُوسِ : أن الفرح المحمود هو الفرح بنعمة الدين الذي هو سعادةٌ للعبد في الدنيا بانبساط نفْسه ونشاطها، وشكرها لله تعالى، وقوتها، وشدة الرغبة في العلم والإيمان الداعي للازدياد من هذا الدين ، وسعادته بالآخرة وانبساطه بدخوله الجنة .
وَفِي هذهِ الآيةِ مِنَ الدُّرُوسِ : أن إخلاص التوحيد لله تعالى ، وإخلاص المتابعة لرسوله صلى الله عليه وسلم من أسباب سعادة العبد وانشراح صدره وفرحه وقدْ جاءَ في صَحِيحِ البُخاريُّ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَتَى السَّاعَةُ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ قَالَ: ((مَا أَعْدَدْتَ لَهَا ؟ )) قَالَ: مَا أَعْدَدْتُ لَهَا مِنْ كَثِيرِ صَلَاةٍ وَلَا صَوْمٍ وَلَا صَدَقَةٍ وَلَكِنِّي أُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ ، قَالَ: ((أَنْتَ مَعَ مَنْ أَحْبَبْتَ)) فما فرح الصحابةُ بشيء فرحهم بذلك.
وَفِي هذهِ الآيةِ مِنَ الدُّرُوسِ : أن الفرح بفضل الله علامة الإيمان به والقرب منه والتسليم لشرعه والرضا بقضائه وليس كفرح أهلِ البدع والمنافقين الذي قال الله فيهم : ((إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِهَا وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ )) [ آل عمران : 120]
وليس كفرحِ أهل الدنيا بدنياهم وزينتِها ولذلك قال الله تعالى عن قارون(( إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِن قَوْمِ مُوسَىٰ فَبَغَىٰ عَلَيْهِمْ وَآتَيْنَاهُ مِنَ الْكُنُوزِ مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ لَا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ))
[القصص : 76 ]
فَفرحُ المؤمنِ لا يتحوّل ولا يتبدل ولا يزول ولا ينقص ولذلك ثبت في البخاري ومسلم ، من حديث ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ((إِذَا صَارَ أَهْلُ الْجَنَّةِ إِلَى الْجَنَّةِ وَأَهْلُ النَّارِ إِلَى النَّارِ جِيءَ بِالْمَوْتِ حَتَّى يُجْعَلَ بَيْنَ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ ثُمَّ يُذْبَحُ ثُمَّ يُنَادِي مُنَادٍ يَا أَهْلَ الْجَنَّةِ لَا مَوْتَ وَيَا أَهْلَ النَّارِ لَا مَوْتَ فَيَزْدَادُ أَهْلُ الْجَنَّةِ فَرَحًا إِلَى فَرَحِهِمْ وَيَزْدَادُ أَهْلُ النَّارِ حُزْنًا إِلَى حُزْنِهِمْ))
وفق الله الجميع لما يحب ويرضى ، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين 16/9/1438
المفضلات