خطبة جمعة
بعنوان
حقوق السجين وأسرته
عبدالله فهد الواكد
إمام وخطيب جامع الواكد بحائل
الخطبة الأولى
أما بعدُ أيها المسلمونَ : فالصدقةُ من أسبابِ الوقايةِ من النارِ ولو كانتْ باليسيرِ ، قالَ نبيُّكم صلى اللهُ عليهِ وسلمَ: «اتَّقُوا النَّارَ وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَبِكَلِمَةٍ طَيِّبَةٍ» متفق عليه .
والصدقةُ مأخوذةٌ منَ الصدقِ ، وهيَ دليلٌ على صدقِ إيمانِ العبدِ ولذلكَ قالَ صلى اللهُ عليهِ وسلمَ : «وَالصَّدَقَةُ بُرْهَانٌ» .
فهيَ برهانٌ على إيمانِ العبدِ ، لأنَّ النفسَ مجبولةٌ على حبِّ المالِ ، فإذا تغلبَ المسلمُ على نفسِهِ ، وأنفقَ في سبيلِ اللهِ ، كانَ ذلكَ برهاناً على أنهُ يقدِّمُ مرضاةَ اللهِ ومحبوباتِ اللهِ على محبوباتِ نفسِهِ
( وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ)
وما أعظمَ يا عبادَ اللهِ عملَ المنفقِ أو المتصدقِ عندما يكونُ سبباً في مسحِ دموعِ مكروبٍ ، أو إدخالِ السرورِ على قلبِ فقيرٍ معدومٍ ، أو يتيمٍ فقدَ حنانَ والديهِ ، أو تفريجٍ عن مسجونٍ في دينٍ ونحوِهِ ، إنها السعادةُ ، لا توزنُ بأموالِ الدنيا يهَبُهَا اللهُ تعالى لعبادهِ المحسنينَ المنفقينَ قال الله تعالى ( وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ)
عبادَ الله:
لقدْ عَلَّمَ رسولُ اللهِ صلى اللهُ عليهِ وسلمَ هذه الرحمةَ أصحابَهُ ومَنْ لا يَرحم الناسَ لا يرحمُهُ اللهُ ومَنْ نسيَ حقوقَ الناسِ وآلامَهم ومشكلاتِهم، عرّضَ نفسَهُ أنْ يُنسى وأنْ يُحرمَ الخيرَ والإحسانَ أيها المسلمون : لقدْ حلَّ الشتاءُ ببردِهِ القارسِ وإنهُ من أبسطِ معاني الأخوةِ ، أنْ نكونَ أمةً متوادةً متراحمةً ، ( إنما المؤمنون إخوة ) ينبغي لنا جميعاً أنْ نبذلَ ما بوسعِنا لمساعدةِ الفقراءِ والمساكينِ والأراملِ والأيتامِ والمحتاجينَ وأُسرِ المساجينِ ، نعمْ أيها المسلمونَ : ينبغي لنا أنْ نعتنيَ بأسرةِ السجينِ ، فالسجينُ أخٌ لنا زلتْ بهِ القدمُ ، وأنزلتهُ يدُ العدالةِ غياهبَ السجنِ ، فحرمَهُ ذنبُهُ وخطيئتُهُ البقاءَ مع أسرتِهِ وأولادِهِ وبناتِهِ ، وقَطَعَ صلتَهُ بأحبابِهِ ، وحجبَهُ عن أهلهِ وذويهِ ، فيجبُ علينا أنْ نعلمَ أنَّما هذهِ الدنيا ابتلاءاتٌ فلا يكنْ للسجينِ في أعينِنا نظرةٌ شامتةٌ أو لفتةٌ ماقتةٌ فقدْ قالَ النبيُّ صلى اللهُ عليهِ وسلمَ ( لا تُظهرْ الشماتةَ لأخيكَ ، فيرحمُهُ اللهُ ويبتليكَ ) وكلُّنا خطاءٌ ، منْ مناَّ لم يخطيء ، علينا أن نكونَ عونا للسجينِ وهو في السجنِ وبعدَ خروجِهِ من السجنِ ، وأنْ نحنوَ عليهِ ولا نتركُهُ للرفقةِ السيئةِ وللشيطانِ قالَ النبيُّ صلى اللهُ عليهِ وسلمَ ( لا تُعينوا الشيطانَ على أخيكُم ) وأماَّ أسرةُ السجينِ فهم في الغالبِ أسوأُ حالاً من الفقراءِ والمساكينِ فأبناءُ السجينِ وبناتُهُ وأسرتُهُ ، هم كالأيتامِ وإنْ كانَ أبوهُم حياًّ ، فواجبٌ علينا جميعاً أنْ نسعى على رعايتِهم وتفقدِ أحوالِهم والتعرفِ على حاجاتِهم ، وخصوصاً في هذهِ الأيامِ الشاتيةِ
أيها المسلمونَ : كثيرٌ من الناسِ يجعلُ رمضانَ موعداً لإخراجِ زكاتِهِ وواللهِ لو جعلَهاَ في أولِ الشتاءِ في مثلِ هذا الوقتِ لكانَتْ خيراً لهُ ،
فأهلُ الخيرِ أمثالُكم ، لا يرضى أنْ يشبعَ وجارُهُ جائعٌ، ويأبى أنْ يلبسَ أفخرَ الثيابِ وجارُهُ أو أخوهُ المسلمُ لا يجدُ ما يقيهِ لسعةَ البردِ وقرسَ الشتاءِ ، يقول صلى الله عليه وسلم: « مثلُ المؤمنينَ في تراحمِهم وتوادِهم وتعاطفِهم كمثلِ الجسدِ إذا اشتكى منهُ عضوٌ تداعى لهُ سائرُ الجسدِ بالسهرِ والحمى » باركَ اللهُ لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه وتوبوا إليه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
أَيُّهَا المُسلِمُونَ : السجينُ أخٌ لنا ، زلَّتْ بهِ القدمُ في لَحظَةِ ضَعفٍ وغلبةٍ من الهوى والشيطان ، فانحرفَ عَنِ المَنهَجِ القَوِيمِ وَزاغَ عن الصِّرَاطِ المُستَقِيمِ ، فوقعَ فِيمَا لا يَنبَغِي، وخرجَ عنْ ما يبتغي ، فحالَ السجنُ بينَه وبينَ حريتِهُ وأسرتِهُ وذريتِهُ ، ليزدجرَ ويرتدعَ ويعودَ إلى نهجِ الصوابِ وسبيلِ الرشادِ ، وَمِن رَحمَةِ اللهِ تعالى أَن جَعَلنا أُمَّةً وَاحِدَةً، لا ننسى إخوانَناَ المسجونينَ والفقراءَ والمساكينَ ، الذينَ تربِطُناَ بهم رابطةُ الإيمانِ وآخيةُ العقيدةِ والدينِ ، فمهما أخطؤُوا فلا ننساهُم وننسى أُسَرَهُم ، فلَهُم حقوقٌ عَلَينا فمَا زَالوا مُسلِمين وَإِنَ غَلِطوا وأذنَبُوا ، فنُكرِمُهُم بِقَدرِ مَا فِيهِم مِنَ الخَيرِ، وأنْ نحذرَ القسوةَ عليهِم والإهانةَ لهُم بعدَ خروجِهم ، إنَّما نحتضِنُهم في مجتمعِنا ونحتويهم في أوساطِنا ، ونُكملُ معهُم رحلةَ الإصلاحِ والتوجيهِ الرشيدِ وَتَكفِي السَّجِينَ مَرَارَةُ السِّجنِ وَأَلَمُه وغُربَتُهُ ، والمدةُ التي قضاها فيه ،
فابتغوا رضى اللهِ بضمِّ المساجينِ إلى أحضانِ المجتمعِ ، فمجتمعُكُم إصلاحيةٌ أنتم أساتذتُها وأنتم المصلحونَ فيها وابتغوا بأموالِكُم الضعفاءَ والمساكينَ وفرِّجَوا عن المسجونينَ الغارمينَ وأنظِروا المُعسرَ منهم قال تعالى: -(وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ*وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ)
عباد الله:
-(إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)- [الأحزاب/56]. وأكثروا عليه من الصلاة يعظم لكم ربكم بها أجرا، فقد قال صلى الله عليه وسلم: «مَنْ صَلَّى عَلَىَّ صَلاَةً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا»
المفضلات