خطبة جمعة بعنوان
( إعدلوا هو أقرب للتقوى )
كتبها / عبدالله بن فهد الواكد
إمام وخطيب جامع الواكد بحائل
الخطبةُ الأولى
أيُّها المسلمونَ :
قالَ اللهُ تعالى { إِنَّ اللَّه يَأْمُر بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَان وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنْ الْفَحْشَاء وَالْمُنْكَر وَالْبَغْي يَعِظكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ } هذهِ الآيةُ الكريمةُ ، وهذهِ الأوامرُالعظيمةُ ، التي أمرَناَ اللهُ وأوصانا بها ، لا تجدُ ولنْ تجدَ في أيِّ زمانٍ ومكانٍ ، شريعةً ولا فكراً ولا منهجاً ، ولا قانوناً ولا مبدءاً ، يحثُّ على العدلِ والقسطِ ، ويحذرُ من البغيِ والظلمِ ، مثلَ كتابِ اللهِ القرآنِ ، وسنةِ محمدٍ صلى اللهُ عليهِ وسلمِ ، ودينِ الإسلامِ ، فحينماَ نقرأُ كتابَ اللهِ ، ونسترسلُ في بحرِ تعاليمِهِ وتوجيهاتِهِ ، وإعجازِ آياتِهِ وبيناتِهِ ، وحينما نغوصُ في محيطاتِ السنةِ النبويةِ ، وسيرةِ النبيِّ صلى اللهُ عليهِ وسلمَ ، وخلفائِهِ الراشدينَ رضيَ اللهُ عنهُمْ وأرضاهُمْ ، نجدُ أنَّهُ لا يوجدُ شيءٌ عندَ اللهِ ، أعظمُ منَ العدلِ والقسطِ والإحسانِ ، إطلاقاً أيها المسلمونَ ، فتوحيدُ اللهِ وعبادتُهُ سبحانَهُ وتعالى ، كلُّها قائمةٌ على العدلِ ، والشركُ والكفرُ قائمٌ على الظلمِ ، بلْ هوَ الظلمُ بعينِهِ ، قالَ اللهُ تعالى (Hوإذْ قالَ لقمانُ لابنهِ وهوَ يعِظُهُ يا بُنيَّ لا تُشركْ باللهِ إنَّ الشركَ لظلمٌ عظيمٌ H) وأعظمُ عدلٍ بعدَ توحيدِ اللهِ وعبادتِهِ ، هو شكرُ اللهِ قولاً وعملاً ، على ما نحنُ فيهِ منْ نعمةِ الدينِ ، ونعمةِ الأمنِ ، ورغدِ العيشِ والصحةِ والعافيةِ ، فتأملْ نفسَكَ أيُّها المسلمُ ، تجدْها غارقةً في بحارٍ منَ النعمِ ، فاللهمَّ لكَ الحمدُ والشكرُ والثناءُ ،
وما منْ شيءٍ في ملكوتِ اللهِ سبحانَهُ وتعالى ، إلاَّ وهوَ قائمٌ على القسطِ والعدلِ
السماواتُ والأرضُ ، والناسُ والشجرُ والدوابُ ، والبحارُ والأنهارُ ، والحسابُ والجنةُ والنارُ ، كلُّها قائمةٌ على العدلِ والقسطِ ، قالَ تعالى (وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا ۖ وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا ۗ وَكَفَىٰ بِنَا حَاسِبِينَ )
فالعدلُ أيُّها المسلمونَ ، هو أساسُ الحياةِ المتزنةِ السعيدةِ ، هو الأمنُ والأمانُ ، وهو الإستقرارُ ، وهو النماءُ والخيرُ ، فبدونِ العدلِ لا تستقرُّ حياةٌ ، ولا يدومُ رغدُ عيشٍ ، ولا تصفو قلوبٌ ، ولا تصلُ حقوقٌ إلى أصحابِها ، ولنْ تصلحَ ذريةٌ ، ولنْ تكتنفَ المودةُ والرحمةُ بيوتَ المسلمينَ ،
والعدلُ ينبغي أنْ يكونَ سجيةً للمسلمِ ، في كلِّ زمانٍ ومكانٍ ، في قولِهِ وفي عملهِ ، فالعدلُ من الناسِ لا ينحرفُ عنْ سواءِ السبيلِ ، لذلكَ فاللهُ سبحانهُ وتعالى ، جعلَناَ أمةً وسطاً ، وأمرَنا بالوسطيةِ
أيها المسلمونَ : إنَّ العدلَ مطلوبٌ منَ الناسِ جميعاً ، منَ الحاكمِ معَ رعيتِهِ ، ومنَ الرعيةِ معَ وليِّ أمرِها ، ومنَ المديرِ مع موظفيهِ ، ومنَ الرئيسِ معَ مرؤوسيهِ ، ومنَ المعلِّمِ مع طلابهِ ، ومنَ الزوجِ معَ زوجاتِهِ ، ومنَ الأبِ والأمِّ معَ الأولادِ ، ومنَ المسلمِ معَ أهلِ بيتِهِ وجيرانِهِ وقرابتِهِ ، ومِنَ الإنسانِ معَ نفسِهِ ، فاللهُ أمرَ بالعدلِ مُطلقاً ، ولم يقيدْهُ بشيءٍ ، لا بحاكمٍ ولا محكومٍ ، إنَّما أمرَ اللهُ بهِ الناسَ جميعاً ، كلٌّ حسبَ منصبِهِ ومكانتِهِ ، وانعدامُ العدلِ أيُّها المسلمونَ يوغرُ الصدورَ ، ويسببُ المشاكلَ ، جاءَ رجلٌ إلى النبيِّ صلى اللهُ عليهِ وسلمَ يُشْهِدُهُ على أنَّهُ أعطى أحدَ أبنائِهِ ، فقالَ لهُ النبيُّ صلى اللهُ عليهِ وسلمَ (أَكُلُّ أولادِكَ أعطيتَهُم مثلَ ابنِكَ هذا)، فقالَ الرجلُ: لا، فقالَ عليهِ الصلاةُ والسلامُ ( أتُشْهِدُنِي على مُنكَرٍ؟! )
فكُنْ أيها المسلمُ عادِلاً في كلِّ شيءٍ ، تكُنْ قريباً منَ اللهِ ، محققاً لتقوى اللهِ ، قالَ اللهُ تعالى ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ ۖ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَىٰ أَلَّا تَعْدِلُوا ۚ اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَىٰ ۖ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۚ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ )
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم
الثانية
أيها المسلمونَ : ثمَّ قالَ تعالى ( وينهى عن الفحشاءِ والمنكرِ والبغيِ )
ينهى اللهُ عنِ الفواحشِ والزنا والربا ، وغيرِها مِنْ وسائلِ الظلمِ والتعدي على حدودِ اللهِ ومحارمِهِ ، وينهى سبحانَهُ عن البغيِ والظلمِ ، وكما أنَّ العدلَ يؤدِّي إلى استقرارِ الحياةِ ورغدِها ، وإلى الأمنِ وصفاءِ القلوبِ ، فالظلمُ يؤدِّي إلى خلافِ ذلكَ ، فلا يدومُ صاحبُهُ ، ولا تصلُحُ أرضُهُ ، ولا يصفو عيشُهُ ، والمظلومُ لهُ دعوةٌ مستجابةٌ ، محمولةٌ فوقَ الغمامِ وقدْ قالَ النبيُّ صلى اللهُ عليهِ وسلمَ في الحديثِ القدسيِّ قال اللهُ تعالى ( يا عبادي إني حرمتُ الظلمَ على نفسِي وجعلتُهُ بينَكُمْ محرَّماً فلا تظالَموا ) والمكانُ الذي يكثرُ فيه الظلمُ والعياذُ باللهِ ، يضيقُ أهلُهُ منهُ ، ويكرهونَهُ ، ويبحثونَ عن غيرِهِ نعوذُ باللهِ من الظلمِ والتظالمِ ، صلوا وسلموا على سيدِ العدلِ والإنصافِ محمدِ بنِ عبدِالله كما أمركم ربُّكم بذلكَ فقالَ (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا )
المفضلات