الخطبة الأولى
أمّا بَعْدُ : أَيُّهَا الْنَّاسُ/ أوصِيكم ونفْسِي بِتقْوى اللهِ تعالَى ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُون ))
عباد الله / تستقبل الأمةُ الإسلامية بعد أيام قلائلَ موسماً من مواسم الطاعات ، فيه تُغفر الذنوب وتستر العيوب ، وتضاعف الحسنات وتقال فيه العثرات ، وتفتح فيه أبواب الجنان ، وتغلق أبواب النيران ، وتُصفّد فيه الشياطين ، ويفوز الصالحون فيه برضى رب العالمين ((شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَىٰ وَالْفُرْقَانِ )) وقبل دخول هذا الشهر لابد لنا من وقفاتٍ نذكر بها أنفسنا ، ونذكر بها إخواننا كما قال تعالى ((وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ )) نسأل الله تعالى أن نكون جميعاً من المؤمنين الذين قال الله فيهم (( إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَىٰ رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ ))
الوقفة الأولى / من أعظم وأجل النعم على المرء إدراكُهُ لمواسم الخير ، حيث أن الله تعالى مدّ بعمره ليدرك شهر رمضان المبارك ، فقد روى الإمام أحمد بسند صحيح عَنْ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ , أَنَّ رَجُلَيْنِ قَدِمَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَكَانَ إِسْلَامُهُمَا جَمِيعًا ، وَكَانَ أَحَدُهُمَا أَشَدَّ اجْتِهَادًا مِنْ صَاحِبِهِ ، فَغَزَا الْمُجْتَهِدُ مِنْهُمَا ، فَاسْتُشْهِدَ ، ثُمَّ مَكَثَ الْآخَرُ بَعْدَهُ سَنَةً ، ثُمَّ تُوُفِّيَ , قَالَ طَلْحَةُ : فَرَأَيْتُ فِيمَا يَرَى النَّائِمُ كَأَنِّي عِنْدَ بَابِ الْجَنَّةِ ، إِذَا أَنَا بِهِمَا وَقَدْ خَرَجَ خَارِجٌ مِنَ الْجَنَّةِ ، فَأَذِنَ لِلَّذِي تُوُفِّيَ الْآخِرَ مِنْهُمَا ، ثُمَّ خَرَجَ فَأَذِنَ لِلَّذِي اسْتُشْهِدَ ، ثُمَّ رَجَعَا إِلَيَّ ، فَقَالَا لِي : ارْجِعْ ، فَإِنَّهُ لَمْ يَأْنِ لَكَ بَعْدُ , فَأَصْبَحَ طَلْحَةُ يُحَدِّثُ بِهِ النَّاسَ ، فَعَجِبُوا لِذَلِكَ ، فَبَلَغَ ذَلِكَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقَالَ : (( مِنْ أَيِّ ذَلِكَ تَعْجَبُونَ ؟ )) , قَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، هَذَا كَانَ أَشَدَّ اجْتِهَادًا ، ثُمَّ اسْتُشْهِدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ، وَدَخَلَ هَذَا الْجَنَّةَ قَبْلَهُ ! فَقَالَ : (( أَلَيْسَ قَدْ مَكَثَ هَذَا بَعْدَهُ سَنَةً ؟ )) , قَالُوا : بَلَى , (( وَأَدْرَكَ رَمَضَانَ فَصَامَهُ ؟ )) , قَالُوا : بَلَى , قَالَ : (( وَصَلَّى كَذَا وَكَذَا سَجْدَةً فِي السَّنَةِ ؟ )) , قَالُوا : بَلَى , قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَي الله عليه وَسَلّم : (( فَلَمَا بَيْنَهُمَا أَبْعَدُ مَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ )) فبلوغُ شهرِ رمضانَ نعمةٌ عظيمة ، وفضل كبير من الله تعالى على العبد ، وأنه ببلوغه رمضان وصيامه وقيامه يسبق الشهداءَ في سبيل الله الذين لم يدركوا رمضان .
وروى الترمذي بسند حسن وصححه الألباني عنْ عبد اللهِ بنِ بشرٍ الأسلمي - رضي الله عنه - أن رسول الله صَلَي الله عليه وَسَلَم قال : ((خَيْرُ النّاسِ مَنْ طَالَ عُمُرُهُ وَحَسُنَ عَمَلُهُ )) لأن الإنسان كلما طال عمره في طاعة الله زاد قُرباً إلى الله ،وزاد رفعة في الآخرة ؛ فعلينا جميعا شُكْرَ اللهِ تعالى على هذه النعمة العظيمة والتي حُرم منها غيرُنا ممن توفاهم الله تعالى وأفْضَوا إلى ماقدّمُوا .
الوقفة الثانية / علينا جميعا استقبالَ رمضان بتوبة صادقة من هذه اللحظة ؛فاللهُ أمر عباده بالتوبة إليه فقال ((وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ )) والله تعالى يُحب كلَّ من تاب وأناب إليه سبحانه كما قال تعالى ((إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ ))
الوقفة الثالثة / ثبت في الصّحيحينِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (( مَنْ صَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ )) فمن فضائلِ صيام رمضان وعظيم أثره مغفرةُ ما تقدم من صغائر ذنوب العبد عدا الكبائر كما قال رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (( الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ وَالْجُمْعَةُ إِلَى الْجُمْعَةِ وَرَمَضَانُ إِلَى رَمَضَانَ مُكَفِّرَاتٌ مَا بَيْنَهُنَّ إِذَا اجْتَنَبَ الْكَبَائِرَ )) رواه مسلم .
ولِلْحصولِ على مغفرة هذه الذنوب يجب أن يكون صومُنا إيماناً بالله ورسولِه ، وتصديقاً بفرضية الصيام ، وما أعد الله تعالى للصائمين من جزيل الأجر ، وأن نصومَهُ إخلاصاً لله تعالى ، وطلباً للأجر والثواب من الله تعالى . اللهم بلغنا جميعاً شهر رمضان ، وأعنا فيه على الصيام والقيام إيماناً واحتساباً يارب العالمين .
أقولُ ماتَسْمَعُونَ، وأسْتغفِرُ اللهَ لِي ولكُم ولِجميعِ الْمُسلميِنَ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ، فاسْتَغْفِروهُ إنّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرّحِيم.
الخطبة الثانية
الْحَمْدُ للهِ على إِحْسَانِهِ ، والشّكْرُ له على توفيقه وامْتِنَانِهِ ، وَأَشْهَدُ ألاّ إله إلا الله تعظيماً لِشَانهِ ، وأشهدُ أن نبيّنا محمداً عبدُه ورسولُهُ الدّاعي إلى رِضْوانِهِ ، صَلّى الله عَليْهِ وَعَلى آلِهِ وأصْحابِهِ وأعْوانِهِ وسَلّم تَسْلِيماً كثيراً .. أمّا بَعْدُ عِبادَ اللهِ :
الوقفة الرابعة / استشعارُ نعمة الأمن في بلادنا ولله الحمدُ والمنة ؛ فكم من المسلمين من يستقبل رمضانَ تحت وابلٍ من الرصاص والقنابل قد اكتوَى بنارِ الخوف والرُّعب، والفوضَى والتشريد .
كم من المسلمين يا عباد الله من يستقبل شهر الصيام وقد اجتمع عليه خوف وجوع ، ويأس وقلق ، وأنتم تنعمون بأمن وأمان ورغد عيشٍ واطمئنان ؛ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ((مَنْ أَصْبَحَ مُعَافَى فِي بَدَنِهِ آمِنًا فِي سِرْبِهِ عِنْدَهُ قُوتُ يَوْمِهِ فَكَأَنَّمَا حِيزَتْ لَهُ الدُّنْيَا )) رواه البخاريُّ في الأدب المفرد ، وحسنه الألباني .
إِذَا اجْتَمَعَ الإِسْلاَمُ وَالقُوتُ لِلْفَتَى
وَكَانَ صَحِيحًا جِسْمُهُ وَهْوَ فِي أَمْنِ
فَقَدْ مَلَكَ الدُّنْيَا جَمِيعًا وَحَازَهَا
وَحَقٌّ عَلَيْهِ الشُّكْرُ للهِ ذِي الْمَنِّ
فاتقوا الله عباد الله واستقبلوا شهرَ رمضان بالفرح والسرور ، والتوبةِ إلى الله الرحيم الغفور ؛ وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا على مَنْ أَمَرَ اللهُ باِلصّلاةِ والسّلامِ عَلَيْهِ ، فَقَال ((إِنَّ ٱللَّهَ وَمَلَـٰئِكَـتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى ٱلنَّبِىّ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ صَلُّواْ عَلَيْهِ وَسَلّمُواْ تَسْلِيمًا))
المفضلات