الخطبةُ الأولى
الحمد لله ربِّ العالمين ، أن جعلنا من المسلمين ، وبنهج سيد المرسلين مُستمسكين ، أفاض علينا من النعم ، ودفع عنا النقم ، ورزقنا الإيمان والأمان ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن نبينا محمدًا عبد الله ورسوله، بعثه رحمةً للعالمين ، وأيده بالسنة والقرآن ، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان ، وسلم تسليمًا كثيرًا.
أما بعدُ ، أيها الناس / اتقوا الله تعالى حق التقوى تأمنوا في دياركم ، وتهنئوا في عيشكم ، وتستقر أموركم ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِن رَّحْمَتِهِ وَيَجْعَل لَّكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ۚ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ))
إِنَّ الجَمَـاعَةَ حَبْـلُ اللهِ فَاعْتَصِمُوا مِنْهُ بِعُرْوَتِـهِ الْوُثْقَى لِمَنْ دَانَى
كَمْ يَرْفَـع اللهُ بِالسُّلْطَانِ مَظْلَمَـةً في دِينِنَـا رَحْمَةً مِنْهُ وَدُنْيَانَــــــــا
لَوْلاَ الْخِلاَفَـــةُ لَمْ تَأْمَنْ لَنَـا سُبُـــلٌ وَكَـانَ أَضْعَفُنَا نَهْبًا لأَقْوَانَـــــــا
عباد الله / جاء الإسلام لحفظ الضروريات الخمس: الدينِ والنفس والعقل والعِرض والمال، والتي متى ما حُفظت استقر المجتمع وأمِنَ واطمأن، وهذا المقصد وهو أمن المجتمع والذي لا يتحقق إلا بتطبيق شريعة الله في أرضه ، ولذلك جاء الوعد الحق من الله بالتمكين والاستخلاف في الأرض لكل أمة عمِلت بشرع ربها ،كما قال تعالى ((وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا ))
ومن الشريعة التي أمر الله بها إقامةُ الحدود والتعزيرات ، قال تعالى ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى )) لأن في تنفيذها انتظام لأحوال المسلمين على الشرع وصلاحهم واستقامتهم، وحسم للفوضى ،واستتباب للأمن ودفع للفتن، وزجرٍ للجناة وردعهم ، وإنصاف للمجني عليه ، وإطفاء لغيظه ، ولذلك قال الله تعالى ((وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَاْ أُولِيْ الأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ )) وأخرج ابن ماجه وابن حِبَّان عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( حَدٌّ يُعْمَلُ بِهِ فِي الأرْضِ خَيْرٌ لأَهْلِ الأرْضِ مِنْ أَنْ يُمْطَرُوا أَرْبَعِينَ صَبَاحًا ) وهو حديث حسن بشواهده .
وبلادنا – ولله الحمد والمنّة – تعيش في أمن ورخاء واستقرار ، وماذلك إلا بفضل من الله تعالى ثم بفضل تطبيق الحدود ، فالجرائم على قلتها قد ضُيق عليها ،وَوُقِفَ لها بالمرصاد مهما كان نوعها ، فالتفريط في إقامة شريعة الله تعالى ، وعدمُ الأخذ على أيدي المجرمين قد حذرنا منه رسولُنا صلى الله عليه وسلم حيث قال : ((مَثَلُ القَائِمِ عَلَى حُدُودِ اللَّهِ وَالوَاقِعِ فِيهَا، كَمَثَلِ قَوْمٍ اسْتَهَمُوا عَلَى سَفِينَةٍ، فَأَصَابَ بَعْضُهُمْ أَعْلاَهَا وَبَعْضُهُمْ أَسْفَلَهَا، فَكَانَ الَّذِينَ فِي أَسْفَلِهَا إِذَا اسْتَقَوْا مِنَ المَاءِ مَرُّوا عَلَى مَنْ فَوْقَهُمْ، فَقَالُوا: لَوْ أَنَّا خَرَقْنَا فِي نَصِيبِنَا خَرْقًا وَلَمْ نُؤْذِ مَنْ فَوْقَنَا، فَإِنْ يَتْرُكُوهُمْ وَمَا أَرَادُوا هَلَكُوا جَمِيعًا، وَإِنْ أَخَذُوا عَلَى أَيْدِيهِمْ نَجَوْا، وَنَجَوْا جَمِيعًا» رواه البخاري .
أيها المسلمون / قبل أيام نفّذ حكم القصاص في سبع وأربعين شخصاً في قضايا الإرهاب، لارتكابهم أعمالا توجب حدَّ الحرابة أو القتل تعزيراً ،وليس هذا ولله الحمد مستغرب من هذه الدولة المباركة فكم من الحدود نفذت على اختلاف تنوعها وصورها ومضت بعد تنفيذها ،وكلٌ يشكر الله على استتباب الأمن في هذه البلاد المترامية الأطراف ، والدعاء لهذه البلاد حكومة وشعباً بالثبات على عقيدة التوحيد ،والتمسك بمنهج رسول الله صلى الله عليه وسلم وسلفه الصالح ، وفي ظل هذا الحدث ثارت ملالي الدولة الصفوية إيران ،وأقاموا الدنيا ليس لمقتل كل الأشخاص بل من أجل مقتل آيتهم كما يزعمون ،فهجموا على سفارة بلادنا واضرموا النار فيها ،وسلبوا جميع ممتلكات السفارة - فسبحان الله – يدافعون عن شخص في بلادنا ،يُكفر بعض صحابة رسولنا صلى الله عليه وسلم ويكفرنا ،ويستهزئ ببعض أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم ويدعوا لإقامة الشرك في بلادنا تحت مسمى ولاية الفقيه ،ويقتل رجال أمننا كل هذا وغيره وهم يصيحون الموت لحكامنا وعلمائنا ، وهم من أسرف في قتل السنة من إخواننا في العراق وسوريا واليمن ،فتباً لتلك الوجوه والعقول والأفواه ،ونظام الملالي في طهران وقُم لن يهدأ له بال ولن يرتاح إلا بعد أن يبث الخراب والفتنة في دول المنطقة، وخاصة الدول العربية وخاصة الخاصة في بلاد الحرمين الشريفين ،فهم ينظرون إلى المسلمين العرب بمنظار الحقد والكراهية، لا لشيء إلا لأنهم هدموا مجد فارس، وقهروا سلطان كسرى، و التاريخ خير شاهد على عمق تعاونهم مع الكفرة والمشركين، والاستعانة بهم ضد السنة المسلمين، واستغلال كل أقلية من بني مذهبهم في العراق وسوريا واليمن لإشعال الفتن والحروب والقتل في أهل السنة المحمدية ، فعلينا جميعاً المسئولية في صد خططهم ورد أفكارهم ودحرها ، والاجتماع يدا واحدة مع ولاة أمرنا، وعلمائنا تحت مظلة عقيدة إسلامية صافية نقية ومنهج نبويٍّ شريف ، كما قال تعالى ((وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنتُمْ عَلَىٰ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ * وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ * وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِن بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَٰئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ )) وأخرج أبو داوود في سننه من حديث عَنِ الْعِرْبَاضِ بْنِ سَارِيَةَ قَالَ : صَلَّى لَنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم صَلاَةَ الصُّبْحِ ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَيْنَا فَوَعَظَنَا مَوْعِظَةً وَجِلَتْ مِنْهَا الْقُلُوبُ وَذَرَفَتْ مِنْهَا الْعُيُونُ فَقُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ كَأَنَّهَا مَوْعِظَةُ مُوَدِّعٍ فَأَوْصِنَا قَالَ (أُوصِيكُمْ بِتَقْوَى اللَّهِ وَالسَّمْعِ وَالطَّاعَةِ , وَإِنْ تَأَمَّرَ عَلَيْكُمْ عَبْدٌ , وَإِنَّهُ مَنْ يَعِشْ مِنْكُمْ فَسَيَرَى اخْتِلاَفًا كَثِيرًا , فَعَلَيْكُمْ بِسُنَّتِى وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ الْمَهْدِيِّينَ , عَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ , وَإِيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الأُمُورِ , فَإِنَّ كُلَّ بِدْعَةٍ ضَلاَلَةٌ )) حمى الله بلاد الحرمين الشريفين من كلّ عدو متربّص جبان، وردّ كيد أهل البدع والخرافات والتكفير إلى نحورهم، إنه على كل شيء قدير، أقولُ ماتَسْمَعُونَ ، وَاسْتَغْفُرُ اللهَ الْعَظيمَ الْجَليلَ مِنْ كُلِّ ذنْبٍ فَاسْتغفِرُوهُ وتُوبُوا إليْهِ إنّهُ هو الْغَفُورُ الرّحِيم .
الخطبة الثانية :
الْحَمْدُ للهِ على إِحْسَانِهِ ، والشّكْرُ له على توفيقه وامْتِنَانِهِ ، وَأَشْهَدُ ألاّ إله إلا الله تعظيماً لِشَانهِ ، وأشهدُ أن نبيّنا محمداً عبدُه ورسولُهُ الداعي إلى رضوانِهِ ، صلّى الله عليه وعلى آله وأصحابِهِ وأعْوانِهِ وسلم تسليماً كثيراً
أما بعدُ :
عِبَادَ اللهِ / لا تُسَوّلُ لكم أنفسُكم الرأفةَ والرحمة بهؤلاء وتنسوا من قضوا على أيدي الجناة المجرمين ، فكم يتموا من أطفال ورملوا من نساء وهتكوا أعراضاً ودمروا ممتلكات ، وروعوا آمنين وقتلوا معصومين ؛ ثم لا بد أن نساهم جميعًا في التوعية وتعرية أصحاب المذاهب والأفكار المنحرفة، فبلادنا قامت على التوحيد، ومجتمعنا محبٌ للخير كاره للشر، رافض للعقائد والأفكار التي تخالف هدي الإسلام الصحيح ، وهذه التوعية مسؤولية الآباء والأمهات مع أبنائهم وبناتهم، والمعلمين والمعلمات مع طلابهم وطالباتهم، وكذلك العلماء والمفكرين والإعلاميين. إنها مسؤوليتنا جميعًا في وقت باتت الأخطار تهددنا من كل جانب.
اللهم ادفع عن بلادنا وبلاد المسلمين كل بلاء، واصرف عن بلادنا الفتن ما ظهر منها وما بطن، واحفظ على بلادنا أمنها وإيمانها ووحدة كلمتها على الحق والتوحيد يارب العالمين ، هذا وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا – رَحِمَنِي اللهُ وَإِيّاكُم – على مَنْ أَمَرَ اللهُ باِلصّلاةِ والسّلامِ عَلَيْهِ ، فَقَال )) إِنَّ ٱللَّهَ وَمَلَـٰئِكَـتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى ٱلنَّبِىّ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ صَلُّواْ عَلَيْهِ وَسَلّمُواْ تَسْلِيمًا(( وقال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (( مَنْ صَلّى عَلَيَّ صَلاةً وَاحِدَةً صَلّى الله ُعَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا)) [ رواه مسلم من حديث أبي هريرة – رضي الله عنه ]
اللّهم صَلّي وَسَلّم على عَبْدِكَ وَرَسُولِكَ مُحمّد ، وعلى آلِه وَصَحْبهِ أَجْمَعِينَ ، وارضَ اللّهُمَّ عن الخلفاء الراشدينَ : أبي بكرٍ وعُمَرَ وعُثمانَ وَعَلي ، وعن بقيةِ الْعَشَرَةِ المبشرينَ بالجنة ، وعن صحابة رسولِكَ أجْمَعينَ ، وعَنِ التابعينَ وتابعيـهم بإحسانٍ إلى يومِ الدِّين ، وعنّا مَعَهُم بِرحمتـكَ يا أرْحم الراحمين .
المفضلات