الخطبةُ الأولى
عِبَادَ اللهِ / فِي الجُمُعةِ الّتِي مَضَتْ تَكَلّمْنَا عَنْ أمْنِيَةٍ عَظيمةٍ يَتَمَنَّى الْوالِدُ حُصُولَهَا ، ونعمةٍ عظيمةٍ يريدُ تَحْصِيلَها ! ألاَ وَهِيَ نِعْمَةُ رُجُولَةِ ولدهِ ، يريدُهُ رَجُلاً يَسُدُّ مكانَهُ إِذَا غَاب ، ويَكونُ عَوِينُهُ بعدَ اللهِ عَلى مُعْتَرِكِ الحياةِ إذا حَضر ، ولكنْ لابُدّ منْ إجابةٍ عَنْ سُؤالٍ يُطرحُ وَيُثَار : كيْفَ نُنَمِّيَ عَوامِلَ الرّجولةِ فِي شَخْصِياتِ أَوْلادِنا ؟
عِبَادَ اللهِ / إِنَّ مَوْضُوعَ هَذا السُّؤالِ هُوَ مِنَ الْمُشكلاتِ التّربويةِ الكبيرةِ فِي هذا الْعَصْرِ، وَهُناكَ عددٌ منَ الْحُلُولِ الإسْلامِيّةِ ،وَالْعَواملِ الشَّرعِيةِ لِتنميةِ الرّجولةِ فِي شَخْصِيّةِ الطّفلِ، وَمِنْ ذلكَ مَا يَلِي :
تَسْمِيَةُ الْوَلَدِ بِأَحْسَنِ الأسْماءِ ، والْبُعْدُ عَنْ كُلِّ اسْمٍ فِيهِ مُخَالَفَةٌ لِشَرِيعةِ مُحمّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَتِلْكَ الأَسْمَاءِ الأَعْجَمِيّةِ الْمُوَلّدَةِ لِأُمَمِ الْكُفْرِ وَالْمَرفُوضَة لُغَةً وشرعاً ، أوْ تلكَ الأسماءُ الغَراميّةُ الرَّخْوةُ المُتخاذِلَةُ ، فَلا بُدَّ لِلْمَولودِ مِنِ اسْمٍ يُقِرُّهُ الشّرعُ الْمُطَهّرُ ، وَيَسْتَوْعِبُهُ لِسَانُ العربِ ، وتستلْهِمُهُ الفطرةُ السّليمةُ ؛ فالاسْمُ عنوانُ الْمُسَمَّى ،ودليلٌ عليهِ وضرورةٌ لِلتّفاهُمِ معهُ ومِنْهُ وإليْهِ ، وَهُوَ لِلْمُسَمّى زِينةٌ وشِعارٌ يُدعى بهِ في الآخرةِ والأولى ، وتنويهٌ بِالدين ، وإشْعارٌ بِأنّهُ مِنْ أهْلِ هَذا الدّين ، وَهُوَ فِي طَبَائِعِ النّاسِ لَهُ اعْتِباراتُهُ وَدِلَالاتُهُ ، فَهُوَ عِنْدَهُمْ كَالثّوْبِ ، إنْ قَصُرَ شَان ، وإنْ طالَ شَان ، وَقَدْ ثَبتَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (( إِنَّ أَحَبَّ أَسْمَائِكُمْ إِلَى اللَّهِ عَبْدُ اللَّهِ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ ))
وَمِمّا يُنَمّي الرُّجُولةُ في شخْصِيّة الطّفل:
التّكْنِيَةُ أيْ مناداةُ الصّغيرِ بِأَبي فُلاَنٍ أوِ الصّغيرةِ بأمّ فُلان، فَهذا يُنَمِّي الْإِحْسَاسُ بالمسئولية ، ويُشْعرُ الطّفلَ بأنّه أكبرُ من سِنّه فيزدادُ نُضْجُهُ، ويَرْتقي بِشعورِهِ عنْ مُسْتَوى الطُّفولةِ الْمُعْتاد، ويَحُسُّ بِمُشابَهَتِهِ لِلكبار، وقدْ كانَ النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يكنّي الصّغار؛فعَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَال :كَانَ النَّبِيُّ أَحْسَنَ النَّاسِ خُلُقًا، وَكَانَ لِي أَخٌ يُقَالُ لَهُ أَبُو عُمَيْرٍ وَكَانَ إِذَا جَاءَ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ((يَا أَبَا عُمَيْرٍ، مَا فَعَلَ النُّغَيْرُ؟))! والنُّغير طائرٌ صَغِيرٌ كانَ يَلْعَبُ بِهِ. [ رواه البخاري ]
وَمِمّا يُنَمّي الرُّجُولةُ في شخْصِيّة الطّفل: أخْذُهُ للْمَجَامِعِ العامّةِ الطّيبةِ ، وَإِجْلاسُهُ مَعَ الْكِبَارِ؛وهَذا مِمّا يُلقّحُ فِهْمَهُ ويَزيدُ فِي عَقْلِهِ، ويَحْمِلُهُ عَلَى مُحاكاةِ الكِبارِ، وَيَرْفَعُهُ عَنِ الاسْتِغْراقِ فِي اللّهْوِ واللّعِبِ، وَكَذَا كانَ الصحابةُ رضي الله عنهم يَصْحبونَ أولادَهم إلَى مَجلسِ النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَهذا عُمَرُ بنُ الْخَطّابِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ يأخذُ ابْنَهُ عَبْدَ الله إلَى مَجْلسِ النّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ صَغيرُ السِّنِّ ؛يقولُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ دِينَارٍ سمعتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ يَقُولُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( إِنَّ مِنْ الشَّجَرِ شَجَرَةً لَا يَسْقُطُ وَرَقُهَا وَإِنَّهَا مَثَلُ الْمُسْلِمِ فَحَدِّثُونِي مَا هِيَ ؟ )) فَوَقَعَ النَّاسُ فِي شَجَرِ الْبَوَادِي قَالَ عَبْدُ اللَّهِ وَوَقَعَ فِي نَفْسِي أَنَّهَا النَّخْلَةُ فَاسْتَحْيَيْتُ ثُمَّ قَالُوا حَدِّثْنَا مَا هِيَ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ فَقَالَ(هِيَ النَّخْلَةُ)) قَالَ فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِعُمَرَ أيْ وَالِدُهُ فَقَالَ لَأَنْ تَكُونَ قُلْتَ هِيَ النَّخْلَةُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ كَذَا وَكَذَا،أيْ أنَّهُ سُرَّى بِنَجَابَةِ وَلَدِهِ ،وَحُسْنِ فَهْمِهِ مَعَ صِغَرِ سِنِّهِ .
وَمِمّا يُنَمّي الرُّجُولةُ في شخْصِيّة الأطفالِ: تحْديثهُم عنْ سِيَرِ الأنْبِياءِ والْمُرْسَلِينَ ، والصّحابةِ ، وَالتّابِعينَ ، وَمَنْ تَبِعَهُمْ بإحسانٍ مِنَ الْعُلَمَاءِ الرّبانيينَ ، وَالدُّعَاةِ الْمُصْلِحينَ الْمُخْلِصِينَ .
وَمِمّا يُنَمّي الرُّجُولةُ في شخْصِيّة الطّفل: تعليمُه الأدبَ مَعَ الكبارِ،وَمِنْ جُمْلة ذلكَ ما رواه أَبو هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (( يُسلِّمُ الصَّغِيرُ على الكبِير، والمارُّ على القاعِدِ، والقليلُ على الكثِيرِ)) [رواه البخاري ].
وَمِمّا يُنَمّي الرُّجُولةُ في شخْصِيّة الطّفل: إعطاءُ الصّغير قدْرُهُ وقيمتُهُ فِي المجالس، وَمن ذلك مارواه سَهْلُ بْنُ سَعْدٍ قَالَ: أُتِيَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَدَحٍ فَشَرِبَ مِنْهُ، وَعَنْ يَمِينِهِ غُلامٌ أَصْغَرُ الْقَوْمِ، وَالأَشْيَاخُ عَنْ يَسَارهِ فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((يَا غُلامُ، أَتَأْذَنُ لِي أَنْ أُعْطِيَهُ الأشْيَاخَ؟ )) قَال: مَا كُنْتُ لأوثِرَ بِفَضْلِي مِنْكَ أَحَدًا يَا رَسُولَ اللَّهِ فَأَعْطَاهُ إِيَّاهُ [ رواه البخاري].
وَمِمّا يُنَمّي الرُّجُولةُ في شخْصِيّة الطّفل: تجنيبُه أسبابَ الْمُيوعة والتشبهَ بالنساء ؛¬ فيمنعُه وليّه من رقصٍ كَرَقْصِ النّساءِ، وتمَايُلٍ كَتَمَايُلِهِنَّ، وَمَشْطَةٍ كَمَشْطَتِهِنَّ، وَيَمْنَعُهُ مِن لُبسِ الْحَريرِ والذّهبِ والْقَلائِدِ والإسواراتِ ونحوِ ذلكَ مِمَّا يخصُّ النّساء.
وَمِمّا يُنَمّي الرُّجُولةُ في شخْصِيّة الطّفل: الْبُعدُ عن إهانته أمامَ الآخرين وعدمُ احتقار أفكارِه ، وتشجيعُه على المشاركة ، وإعطاؤهُ قدرُهُ وإشعارُهُ بأهميته ، كإلقاءِ السّلام عليه ، واستشارتِه وأخذِ رأيه، ,وتوليته مسئوليات تُناسب سِنّه وقُدُراتِه وكذلك اسْتِكْتامُهُ الأسْرار .
اللّهم أصْلح أولادَنا وبناتنا وذُرياتنا ياربّ العالمين .اللهم اجعلهم هداة مهتدين غير ضالين ولا مضلين برحمتك يا أرحم الراحمين .
أقولُ ماتسمعون واستغفر الله العظيم الجليل ن كل ذنْبٍ فاسْتغفِرُوه وتُوبُوا إليْهِ إنّهُ هو الْغَفُورُ الرّحِيم .
الخطبة الثانية :
الْحَمْدُ للهِ على إِحْسَانِهِ ، والشّكْرُ له على توفيقه وامْتِنَانِهِ ، وَأَشْهَدُ ألاّ إله إلا الله تعظيماً لِشَانهِ ، وأشهدُ أن نبيّنا محمداً عبدُه ورسولُهُ الداعي إلى رضوانِهِ ، صلّى الله عليه وعلى آله وأصحابِهِ وأعْوانِهِ وسلم تسليماً كثيراً
أما بعدُ :
عِباد الله ِ / أُوصِيكُم وَنَفْسِي بِتَقْوى اللهِ – عَزّ وَجَل – واعْلَمُوا أنَّ ثَمَّ وسائلُ أُخْرى لِتَنْمِيَةِ الرّجُولَةِ لَدى الأطفالِ منْها :
تعليمُهُم جملةً منَ الخِصالِ الْحَمِيدةِ ، والصِّفاتِ النّبِيلَةِ والّتِي مِنْها : حُسْنُ الخُلُقِ ، وَحُبُّ الخيرِ لِلنّاسِ ، والإحْساسُ بالفقراءِ مِنْهُمْ ، والبُعْدُ عن الإسرافِ والتبذيرِ ، وتعويدُهُمْ شُكْرَ النّعمِ ، وإِبْعَادُهُم عنِ التّرفِ وحياةِ الدّعَةِ والْكَسَلِ والرّاحة والْبَطَالة،وَتَجْنِيبُهُم مجالسَ اللّهوِ والْباطل والغناء والْمُوسيقَى؛ فإنها مُنَافِيَةٌ لِلرّجولة ومُناقِضَةٌ لِصِفَةِ الْجِدّ .
اللّهُمَّ ارْحَمْ ضَعْفَنَا ، وَاغْفِرْ ذَنْبَنَا ، وَاسْتـُرْ عَيْبَنَا وَ أَصْلِحْ ذريتنا يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمينَ .... هذا وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا – رَحِمَنِي اللهُ وَإِيّاكُم – على مَنْ أَمَرَ اللهُ باِلصّلاةِ والسّلامِ عَلَيْهِ ، فَقَال : إِنَّ ٱللَّهَ وَمَلَـٰئِكَـتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى ٱلنَّبِىّ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ صَلُّواْ عَلَيْهِ وَسَلّمُواْ تَسْلِيمًا [الأحزاب:56] وقال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (( مَنْ صَلّى عَلَيَّ صَلاةً وَاحِدَةً صَلّى الله ُعَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا)) [ رواه مسلم من حديث أبي هريرة – رضي الله عنه ]
اللّهم صَلّي وَسَلّم على عَبْدِكَ وَرَسُولِكَ مُحمّد ، وعلى آلِه وَصَحْبهِ أَجْمَعِينَ ، وارضَ اللّهُمَّ عن الخلفاء الراشدينَ : أبي بكرٍ وعُمَرَ وعُثمانَ وَعَلي ، وعن بقيةِ الْعَشَرَةِ المبشرينَ بالجنة ، وعن صحابة رسولِكَ أجْمَعينَ ، وعَنِ التابعينَ وتابعيـهم بإحسانٍ إلى يومِ الدِّين ، وعنّا مَعَهُم بِرحمتـكَ يا أرْحم الراحمين .
المفضلات