خطبة جمعة
بعنوان
العام الهجري الجديد
عبدالله بن سالم الطوياوي
إمام وخطيب جامع العلي بحائل
الخطبة الأولى
الحمدُ للهِ جزيلِ العطاءِ ، مُسدي النَّعْمَاءِ ، وكاشفِ الضَّراءِ ومُعطي السَّراءِ ، الحمدُ للهِ أبداً سَرمَداً ، ولا نُشرِكُ معه أحداً تباركَ فرداً صمداً ، لم يتخذْ صاحبةً ولا ولداً ، ولا شريكَ له ولا عَضُداً ، أشهدُ أن لا إلهَ لنا غَيرُهْ ، ولا رَبَّ لنا سِواهُ ، ولا نعبدُ إلاَّ إياهُ ، وأشهدُ أن محمداً عبدُهُ ورسولُهُ صلى اللهُ عليه وعلى آلِهِ وأصحابِهِ وسلم تسليماً كثيراً(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ) (يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ) (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا*يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً): أمّا بعدُ ، فلقد أجزلَ اللهُ على عبادِهِ من نعمِهِ العظيمةِ، وأغدقَ عليهم من آلائِهِ الجسيمةِ، يمينُه تعالى مَلأىَ ، لا تغيضُها نفقةٌ، سَحَّاءَ الليلِ والنهارِ، يَقْسِمُ الأرزاقَ ويُغدِقُ العطايا، ويَرزقُ من يشاءُ بغيرِ حسابٍ ، ياربِ ، أنزَلتَ علينا الغيثَ بفضلِكَ ورَحْمَتِك ، فعمَّيتَ به جميعَ أرضِنا ،وتتابعَ برُّكَ ، واتصلَ خَيرُكَ ، وكمُلَ عَطاؤكَ ، وعَمَّتْ فواضلُكَ ،وتمتْ نوافِلُكَ ، فلكَ الحمدُ والشكرُ ، مِنْ قبلُ ومن بعدُ ، على نعمك التي لا تُعد ولا تُحصى ،
هو الحميدُ فكلُّ حمـدٍ واقعٌ أو كان مفروضاً مدى الأزمـانِ
ملأَ الوجودَ جميعـُهُ ونظيرُهُ من غيرِ ما عدٍّ و لا حُسبــانِ
هو أهلُهُ سـبحانَهُ وبحمـدِهِ كلُّ المحامدِ وصفُ ذي الإحسانِ: أيها الأخوةُ في الله ، كان الحديثُ إليكم في الجمعةِ الماضيةِ ، عن نهايةِ عامٍ مضى من أعمارِنا ، و ها نحن نستقبلُ عاماً جيداً ، نسألُ اللهَ أن يكونَ عامَ خيرٍ وبركةٍ ورضىً من اللهِ ، ونصرٍ للإسلامِ والمسلمين ، ها نحن ، نبدأُ عاماً جديداً.. والسعيدُ من اتعَظَ بأمسِهِ ، واجتهدَ في يَومِهِ ، واستَعَدَّ لِغَدِهِ .فينبغي للعاقلِ ، أن يتدارَكَ أوقاتَهُ ، وأن يحفظَهَا ويستَغِلَّها بما يكونُ لَهُ ، لا بما يكونُ وبالاً عليه ، يقولُ ابنُ مسعودٍ رضي اللهُ عنه [ما ندمتُ على شيءٍ ندمي على يومٍ غربتْ شمسُهُ ، نقصَ فيه أجلي و لم يزددْ فيه عملي . نعوذُ باللهِ من تناقصِ الأجلِ من غيِر زيادةٍ في صالحِ العملِ ]فيا من أمضى يوماً من عمُرِهِ في غيرِ حقٍ قَضَاه ، أو فرضٍ أدَّاهُ ، أو مَجدٍ أصَّلَهُ ، أو فِعلٍ محمودٍ حَصَّلَهُ ، أو عِلمٍ اقتبَسَهُ ،أَربأ بنفسِكَ ، فقد عقَّيتَ يومَكَ ، و ظلمَتَ نفسَك ، و خُنتَ عمْرُكَ ، والعمُرُ قليلٌ ، والأجلُ قريبٌ ، ومهما عاشَ الإنسانُ ، فإنه لا بدَّ له من الموتِ ، سُألَ نوحٌ ـ عليه السلامُ ـ وقد لبثَ في قومِهِ داعياً ألفَ سنةٍ إلا خمسينَ عاماً ، قيلَ : كيفَ رأيتَ هذهِ الدُّنيا ؟ قالَ : كَداخلٍ مِن بابٍ ، وخارجٍ من آخرَ ! أكثرُ من تِسْعِمِائَةٍ وخمسينَ سَنةٍ ، وكأنه داخلٌ من بابٍ ، وخارجٌ من آخرَ ! فكيف بِنَا وأعمَارُنا ما بين الستينَ إلى السبعينَ ! نعم أيها الأحبةُ ،هذا مِقدَارُ أعمَارِنا ، فنحن لسنا كنوحٍ ، نعيشُ مئاتِ السنينَ ، الْمُعَمَّرُ فِينَا من يَبلغُ المائةَ . وفي الحديثِ عن النبيِّ قال : { أعمارُ أمتي ما بينَ الستينَ والسبعينَ وأقلُّهم من يجوزُ ذلك } يَعني الكثرةَ هُم الذين لا يَبلغُون السّبعينَ ، فالذي يتجاوزُ السبعينَ ، من القليلِ ، وحالةٌ نادرةٌ ، فما أقسى قلوبَنا ، والأمرُ واضحٌ وبَيِّنٌ ، وتعلمون أن أكثَرَ الناسِ ، من يوافيهِ الأجلُ ، بينَ الستينَ والسبعينَ ، ومنهم من يوافيهِ قبلَ ذلك ، والقلةُ ، هم الذين يتجاوزونَ سنَّ السبعينَ ، ثم أيضاً يوافيهم أجلُهُم . ومرورُ الأعوامِ على الإنسانِ ، قد يكونُ نعمةً ، وقد يكونُ نقمةً ! فطولُ العُمُرِ أحياناً يكونُ شراً ووبالاً على صاحبِهِ ، فالعُصَاةُ مثلاً ، كَثْرَةُ أعوامِهِم ، إذا لم يُبَادروا بالتوبةِ ، شرٌ عليهم ، فكُلَّما طالَ عُمُرُ أحدِهم ، استكثرَ من حُجَجِ اللهِ عليهِ ، قالَ البُخاريُّ رحمه اللهُ ، بابٌ [ من بَلغَ ستينَ سنةً ، فقد أعذرَ اللهُ إليه في العمرِ ] لقولِه تعالى( أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمْ النَّذِيرُ ) يعني الشيبَ ، ثم ساقَ الحديثَ رحمَه اللهُ {عن أبي هريرةَ رضى الله عنه عن النبي قال { أعذرَ اللهُ إلى امْرِئٍ أخَّرَ أجلَهُ حتى بلَّغَهُ ستينَ سنةً } وفي الحديثِ أيضاً يقولُ النبيُّ :{خيرُ الناسِ من طالَ عُمُرُهُ وحَسُنَ عملُهُ ، وشرُّ الناسِ من طالَ عمُرُهُ وساءَ عملُهُ } فيا من ضيعتَ عُمُرَكَ فيما لا ينفعُ ، ألا تعلمْ بأنك تستكثرُ من الذنوبِ في كلِّ عامٍ ؟ أما عَلِمتَ بأن هذا العُمُرَ ، وهذه الأعوامَ التي مَرّتْ بك شاهدةٌ عليك ؟ إذا لم تُبادرْ بالتوبةِ . والعاقلُ لا يَنغرُّ ولا يَنخدِعُ بإمهالِ اللهِ له ، ولا بما أعطاهُ اللهُ ، يقولُ : ( أَيَحْسَبُونَ أَنَّمَا نُمِدُّهُمْ بِهِ مِنْ مَالٍ وَبَنِينَ ، نُسَارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْرَاتِ بَلْ لا يَشْعُرُونَ ) أخي المسلمُ : يا من أمضيتَ عدداً من السّنينَ ، إعلم بأن هذا العُمُرَ الذي أمضيتَ ، سوف تُسألُ عنه ، وتُحاسبُ عليه ، يقولُ جلَّ في عُلاه : ( فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ* عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ ) وفي الحديثِ { عن أبي برزةَ الأسلمي قالَ قالَ رسولُ اللهِ { لاينعقدُ قدما عبدٍ يومَ القيامةِ ، حتى يُسألَ عن عُمُرِهِ فيما أفناهُ ، وعن علمِهِ فِيمَ فعلَ ، وعن مالِهِ من أين اكتسبَهُ ، وفِيمَ أنفقَهُ وعن جسمِهِ فِيمَ أبلاهُ } يقوُل عليهِ الصلاةُ والسلام { بَادِرُوا بِالأَعْمَالِ سَبْعًا هَلْ تَنْظُرُونَ إِلاَّ فَقْرًا مُنْسِيًا أَوْ غِنًى مُطْغِيًا أَوْ مَرَضًا مُفْسِدًا أَوْ هَرَمًا مُفَنِّدًا أَوْ مَوْتًا مُجْهِزًا أَوِ الدَّجَّالَ فَشَرُّ غَائِبٍ يُنْتَظَرُ أَوِ السَّاعَةَ فَالسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَرُّ} رواه الترمذيُّ من حديثِ أبي هريرةَ ، بارك الله لي ولكم
الخطبة الثانية
الحمد لله على إحسانه ، والشكرله على توفيقهِ وامتنانه ، وأشهد أن لا إله إلاَّ الله ، وحدهُ لا شريكَ لهُ ، تعظيماً لشانه ، وأشهد أنَّ نبينا محمّداً عبده ورسولُه ، الدّاعي إلى رضوانه ، صلّى الله عليه وعلى آلِه وأصحابِه وأعوانه ، وسلّم تسليماً مزيداً: أما بعد : أيها الأحبةُ في اللهِ : الدُّنيا كما تعلمونَ ، مزرعةٌ للآخرةِ ، ومَتجرٌ لِدَارِ الْخُلدِ والبقاءِ والقرارِ . فالسعيدُ من تنبَّهَ لها ، وأعطاها قدرَها ، ولم يُفَرِّطْ في لحظاتِها ، فضلاً عن أيامِها ، ولم ينشغلْ في مباحاتِها ، فضلاً عن محرِّمَاتِها .والسعيدُ حقّاً من علتْ هِمَّتُهُ ، وازدادتْ في الخيرِ رغبتُهُ ، وأقبلَ على طاعةِ ربِهِ ، واتبعَ سنةَ نبيِهِ ، فلم يتركْ سبيلَ خيرٍ إلا وسلكَهُ ، ولم يتركْ عملاً يقربُّهُ من اللهِ ، إلا وَسَعَى إليهِ وعَمِلَ على تحقيقِهِ ، خائفاً من مَقامِ ربِّهِ ، ناهياً نفسَهُ عن هواهُ ، مُعرِضاً عن دُنياهُ ، مُقبِلاً على آخرتِهِ ، يخافُ يوماً تتقلبُ فيه القلوبُ والأبصارُ ( يَوْمَ لا يَنْفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ ، إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ ).فالله اللهَ .. أيها الأحبةُ ، اغتنموا فرصةَ وجودِكم في هذه الحياةِ الدُنيا ، استغلوا أوقاتَها ، وتَحينوا فُرَصَها ، واستفيدوا من مناسباتِها،وإِيَّاكم و التَسويفَ ، فإنَّ سوفَ . جُنديٌ من جنودِ إبليسَ ،عبادَ الله ، صلوا رحمني اللهُ وإيَّاكم ، على الهادي البشيرِ ، والسراجِ المنيرِ ، كما أمرَكم بذلك اللطيفُ الخبيرُ ، بقولِهِ سُبحَانَه ( إِنَّ اللهَ وَملاَئِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبيْ يَا أَيُّهَا الَّذِيْنَ آمَنُواْ صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً ) وقد قال عليه الصلاةُ والسلامُ { حيثما كنتم فصلوا عليَّ فإنَّ صلاتَكم تبلغني }وقال{ من صلى علي صلاةً صلى اللهُ عليه بها عشراً } اللهم صلِّ وسلمْ وأنعمْ وأكرمْ وزدْ وباركْ ، على عبدِك ورسولِكَ محمدٍ ، وارضَ اللهم عن أصحابِهِ الأطهارِ ، ما تعاقبَ الليلُ والنهارُ ، أبي بكرٍ وعمرَ وعثمانَ وعليٍّ ، وعن سائرِ أصحابِ نبيِّك أجمعين ، وعن التابعينَ وتابعِيهم بإحسانٍ إلى يومِ الدينِ ، وعنَّا معَهم بمنِّكَ وفضلِكَ ورحمتِكَ يا أرحمَ الراحمينَ .اللهم أعزَّ الإسلامَ المسلمينَ ، ودمرْ أعداءَ الدينِ من اليهودِ والنصارى ، وجميعِ الكفرةِ الملحدينَ ، اللّهُم يا عظيمَ العفوِ ، ويا وسعَ المغفرةِ ، ويا قريبَ الرّحمةِ ، ويا ذا الجلالِ والإكرامِ ، هبْ لنا العافيةَ ، في الدُنيا والآخرةِ ، اللّهُم اجعلْ رزقَنَا رغداً ، ولا تُشمتْ بنا أحداً ، اللهم إنا نسألُكَ ، بعزِّكَ الذي لا يرامُ ، وملكِكَ الذي لا يُضامُ ، وبنورِكَ الذي ملأ أركانَ عرشِكَ ، أن تكفيَنا شرَّ ما أهمَنا وما لا نهتمُ به ، وأن تعيذَنا من شرورِ أنفسِنا ومن سيئاتِ أعمالِنا ، اللهم رَغّبْنا فيما يبقى ، وَزَهّدْنا فيما يفنى ، وهبْ لنا اليقينَ ، الذي لا تسكنْ النفوسُ إلا إليهِ ، ولا يُعوَّلُ في الدينِ إلا عليهِ ، اللهم اجعلْ بَلدَنا هذا آمناً مطمئناً ، وسائرَ بلادِ المسلمينَ ، اللهم أيدْ إمامَنا بتأيدِكَ ، وانصرْ بهِ دينَكَ ، ووفقْهُ إلى هُدَاكَ ، واجعلْ عمَلَهُ في رضاكَ ، وارزقْهُ اللهم البطانةَ الصالحةَ الناصحةَ ، التي تدلُهُ على الخيرِ ، وتعينه عليه، اللهم أرحمْ موتانا ، وعافي مُبتلانا ، واقضِ الدينَ عن مدينِنا ، وردَّ ضالَنا إليكَ رداً جميلاً(رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ) (ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار)( وَأَقِمِ الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ
المفضلات