الخطبة الأولى
إنّ الحمدَ لله نحمدُه ونستغفرُه ونعوذُ بالله من شرور أنفسِنا ومن سيئات أعمالِنا من يهدهِ اللهُ فلا مُضِلَّ لهُ ، ومنْ يُضْلِل فلا هاديَ لهُ ، وأشْهدُ أنَّ لا إله إلا الله وحده لا شريك له , وأشهد أنّ محمدا عبدُه ورسولُه صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً .
أيها الناس / اتقوا اللهَ تعالى حقَّ التقوى، واستمسكوا من دينكم بالعروة الوثقى وتفطنوا ذلك على القلوب والأعظى (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ))
عباد الله / نعيش في هذا اليوم مع أول أيام التشريق الثلاثة وهي من الأيام الفاضلة والمواسم العظيمة ، وهي اليوم الحادي عشر والثاني عشر والثالث عشر من ذي الحجة، ويوم النَّحر ليس منها،وهذه الأيام المباركة أمر الله تعالى عباده بذكره فيها، فقال تعالى ))وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ (( قال البخاري - رحمه الله -: "قال ابن عباسٍ - رضي الله عنهما -: والأيام المعدودات أيام التشريق".
وأيام التشريق لا يَجوز التطوع بصيامها؛ لأنَّها عيدنا أهلَ الإسلام؛ قال صلَّى الله عليه وسلَّم كما عند أحمد وغيره وصححه غير واحدٍ: ((يوم عرفة، ويوم النحر، وأيام منى عيدنا أهل الإسلام))، فلا تصام أيام التشريق لا بمنى ولا بغيرها، وسواء وافق ذلك يوم الاثنين والخميس أو أيام البيض أو لم يُوافق؛ لقوله صلَّى الله عليه وسلَّم((أيام التشريق أيام أكل وشربٍ وذكر لله عزَّ وجلَّ)) رواه مسلم.
وفي صحيح البخاري من حديث عائشة رضي الله عنها أنها قالت : ( لم يرخص في صيام أيام التشريق أن يُصَمْنَ إلا لمن لم يجد الهدي)
عباد الله / أيام التشريق أيام ذكر الله تعالى ، روى عبد بن حميدٍ عن عكرمة: أنه كان يستحب أنْ يدعو بهذا الدعاء: "ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار"؛ قال الحافظ ابن رجبٍ رحمه الله "استحب كثير من السلف كثرة اللهج بهذا الدعاء في أيام التشريق"، ومِن ذِكْر الله - تعالى - في أيام التشريق: ذِكْرُه – سبحانه - بعد أدبار الصلوت، ابتداء من فجر يوم عرفة لغير الحاج إلى عصر آخر يومٍ من أيام التشريق؛ قال ابن تيمية - رحمه الله -: "أصح الأقوال في التكبير الذي عليه جمهور السلف والفقهاء من الصحابة والأئمة: أنْ يكبر من فجر يوم عرفة إلى آخر أيام التشريق عقبَ كلِّ صلاة، ومن صور التكبير: الله أكبر، الله أكبر، لا اله إلا الله، والله أكبر الله أكبر، ولله الحمد"، وكذلك ما ورد عن ابن عباس أنه كان يكبر فيقول: الله أكبر كبيرًا، الله أكبر كبيرًا، الله أكبر وأجلّ، الله أكبر ولله الحمد.
عباد الله / أيام التشريق يجتمع فيها للمؤمنين نعيم أبدانهم بالأكل والشرب, ونعيم قلوبهم بالذكر والشكر, وبذلك تتم النعمة كما قال تعالى (( قل بفضل وبرحمته فبذلك فليفرحوا هو خير مما يجمعون )) ولهذا كان لزاماً على المؤمن أن يستعين بالنعمة على الطاعة وأن يشكر المنعم المتفضل الذي أعطاه هذه النعم التي لاتعد ولاتحد وكما قيل :
إذا كنت في نعمة فارعها فإن المعاصي تُزيل النعم
وداوم عليه بشكر الإله فشكر الإله يُزيل النقم
ومن النعم التي تذكر ولا تنكر تسخير المولى لعباده بهيمة الأنعام كما قال تعالى ((أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنَا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا أَنْعَاماً فَهُمْ لَهَا مَالِكُونَ * وَذَلَّلْنَاهَا لَهُمْ فَمِنْهَا رَكُوبُهُمْ وَمِنْهَا يَأْكُلُونَ*وَلَهُمْ فِيهَا مَنَافِعُ وَمَشَارِبُ أَفَلا يَشْكُرُونَ )) قال بن كثير – رحمه الله – ذللناها لكم أي جعلناها منقادة لكم خاضعة, إن شئتم ركبتم, وإن شئتم حلبتم, وإن شئتم ذبحتم والله تعالى خلقها للعباد وليس محتاجاً إليها، ولا إلى عباده؟ فهو الغني عن العالمين؟ ولكنه تعالى خلقها تسخيراً للعباد, وليتقربوا بها إليه بإهراق دمها في هذه الأيام الفاضلة, كما قال تعالى: ((لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ كَذَلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ((
تقبَّل اللهُ طاعاتِكم وصَالِحَ أعْمالِكُم ، وضاعفَ لكُم الأجرَ والثوابَ ، وجعل عيدَكم مباركًا وأيّامَكُم أيامَ سعادةٍ وهناء وفضلٍ وإحسانٍ وعملٍ ، أقولُ ماتسْمَعُونَ , وأستغفرُ اللهَ العظيم َالجليل َمِنْ كُلِّ ذنبٍ فاسْتَغْفِرُوهُ , وتوبوا إليهِ إنَّهُ هو الغفورُ الرَّحِيمُ .
الخطبة الثانية
الْحَمْدُ للهِ عَلَىْ إِحْسَاْنِهِ ، وَالْشُّكْرُ لَهُ عَلَىْ تَوْفِيْقِهِ وَامْتِنَاْنِهِ ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَاْ إِلَهَ إِلَّاْ اللهُ ، وَحْدَهُ لَاْ شَرِيْكَ لَهُ تَعْظِيْمَاً لِشَأْنِهِ ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدَاً عَبْدُهُ وَرَسُوْلُهُ الْدَّاْعِيْ إِلَىْ رِضْوَاْنِهِ صَلَّى اللهُ عَلِيْهِ وَعَلَىْ آلِهِ وَأَصْحَاْبِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيْمَاً كَثِيْرَاً .
عباد الله / لقد آلمنا ماحدث بالأمس في حادث تدافع الحجاج مما أدى إلى وفاة المئات وعدد كبير من المصابين ، ولا شك أن المسلم الحق يحزن لموت إخوانه ؛ ولكن عزاؤنا أن ذلك أمر مقدّر ومكتوب على من مات من هؤلاء ومن أصيب ، وكذلك العبرة بالخواتيم فقد قال صلى الله عليه وسلم بالحديث الصحيح ((إِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِعَبْدٍ خَيْرًا عَسَّلَهُ .؛ قَالُوا : يَا رَسُولَ اللهِ ، وَ مَا عَسَّلُهُ ؟ ، قَالَ : يَفْتَحُ لَهُ عَمَلاً صَالِحًا بَيْنَ يَدَيْ مَوْتِهِ ، حَتَّى يَرْضَى عَنْهُ مَنْ حَوْلُهُ )) ونحسبهم كذلك والله حسيبهم لما ثبت بالصحيحين في قصة الرجل الذي وقصته راحلته في عرفة فمات وهو محرم قال النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ((اغْسِلُوهُ بِمَاءٍ وَسِدْرٍ، وَكَفِّنُوهُ فِي ثَوْبَيْنِ، وَلاَ تُحَنِّطُوهُ، وَلاَ تُخَمِّرُوا رَأْسَهُ، فَإِنَّهُ يُبْعَثُ يَوْمَ القِيَامَةِ مُلَبِّيًا))
رواه الشيخان
وقد ذكر ابن باز رحمه الله أن المحرم إذا توفي فإنه يغسل ولا يطيب ولا يغطى وجهه ولا رأسه ويكفن في إحرامه ولا يلبس قميصًا ولا عمامة ولا غير ذلك؛ لأنه يبعث يوم القيامة ملبيًا كما صح بذلك الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا يقضى عنه ما بقي من أعمال حجه سواء كانت وفاته قبل عرفة أو بعدها؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يأمر بذلك.
فاتقوا الله عباد الله وعظموا شعائر الله وأحسنوا إن الله يحب المحسنين ، هذا وصلوا وسلموا على من أمركم الله بالصلاة والسلام عليه ......
المفضلات