الخطبة الأولــــى
الحمد الله رب العالمين، مَنّ على عبادة بمواسم الخيرات ليغفر لهم الذنوب، ويجزل لهم الهبات، أشكره تعالى وقد خص بالفضيلة أياماً معدودة، وأماكن محدودة، الموفق من اغتنمها بطاعة الله، والمغبون من فرّط فيها مع قدرته عليها، وأشهد أن لا إله إلا الله أكمل الدين، وأتم علينا النعمة، ورضي لنا الإسلام ديناً، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله وسلم عليه وعلى آله ، وصحبة أجمعين، وسلم تسليماً كثيراً ... أما بعد : فأوصيكم – أيها الناس - بتقوى الله عز وجل فهي وصيةُ الله للأولين والآخرين. قال تعالى: ((وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ ))
عباد الله / نعيش وإياكم هذه الأيام، آخرَ موسم من مواسم الخير والرحمة .. أيام تضاعف فيها الحسنات، وتفتح فيها أبواب الرحمات، وتقال فيها العثرات ،يغفر الله فيها للمستغفرين، ويجيب فيها للسائلين
عشر ذي الحجة أيامٌ فاضلة، عظّم الله شأنها ورفع مكانتها وأقسم بها في كتابه، فقال جل وعلا: ((وَالْفَجْرِ وَلَيَالٍ عَشْرٍ وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ)) فالليالي العشر هي ليالي عشر ذي الحجة، والشفع هو يوم النحر، والوتر هو يوم عرفة .
وقد أخبر صلى الله عليه وسلم أن العمل الصالح في هذه الأيام أفضلُ من الجهاد في سبيل الله، ففي البخاري وغيره عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((مَا مِنْ أيّامٍ العملُ الصّالِحُ فِيهنَّ أحبُّ إلى الله منه في هذِهِ الأيّامِ الْعَشر)) قالوا: يا رسولَ الله، ولا الجهادُ في سبيل اللهِ؟ قال: ((ولا الجهادُ في سبيلِ اللهِ، إلّا رجلٌ خَرَجَ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ ولَمْ يَرْجِعْ مِنْ ذلك بِشيءٍ((
وعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم (( أَفْضَلُ أَيَّامِ الْدُّنْيَا أَيَّامُ الْعَشْرِ، يَعْنِي عَشْرُ ذِي الحْجَّةِ)) أخرجه البزّار وقال الهيثمي: رجاله ثقات، وصححه الألباني .
فطوبى لعبد استقبل هذه الأيامَ بالتوبة الصادقة النصوح ، واغتنم مواسمَ الخيرات بالعمل الصالح ، الذي يقربه إلى ربه ويرفع درجته في الجنة .
عباد الله / ومما يشرع في هذه الأيامِ المباركة وفي غيرها الصيام فعن أَبي سعيد رَضِي اللهُ عَنْهُ قَالَ : قَالَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم (( مَا مَنْ عَبْدٍ يَصُومُ يَوْماً في سَبِيلِ اللهِ تَعَالى إِلَّا بَاعَدَ اللهُ بِذلِكَ الْيَوْمِ وَجْهَهُ عَنِ النَّارِ سَبْعِينَ خَرِيفاً )) متفق عليه
وآكد الصيام في هذه الأيام العشر صيامُ يومِ عرفةَ، فيشرع صيامه لغير الحاج، فقد سُئِل النبي صلى الله عليه وسلم عن صومه فقال: ((يُكَفّرُ السّنةَ الماضيةَ والباقيةَ )) أخرجه مسلم في صحيحه .
ومن الأعمال المشروعة في هذه الأيام المباركة الإكثار من ذكر الله بالتسبيح والتهليل والتكبير والتحميد وقراءة القرآن والاستغفار، فقد جاء في حديث ابن عمر رض أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((ما من أيام أعظمُ عند الله ولا أحبُّ إليه العملُ فيهنّ من هذه الأيامِ العشر، فأكْثروا فيهنّ من التهليلِ والتكبير والتسبيح))
أخرجه أحمد وصححه أحمد شاكر.
وصفة التكبير (الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله، والله أكبر الله أكبر ولله الحمد) وهو من دخول العشر إلى غروب شمس آخر أيام التشريق وهو اليوم الثالث عشر .
عباد الله / وأعظمُ الأعمال في هذه الأيام المباركة ، وأجلّها وأزكاها عند الله حجُّ بيت الله الحرام لمن استطاع إليه سبيلاً ،وهو ركن الإسلام الخامس، يجب على الفور في أصح أقوال العلماء، ويحرم على القادر تأخيره ،فقد ثبت في المسند عن ابن عباس رضي الله عنهما أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ((تَعجّلُوا إلى الْحجِّ فإنَّ أَحَدَكُم لا يَدري ما يَعْرِضُ لَهُ(( رواه أحمد وأبو داود .
ومما يشرع في هذه الأيام المباركة: ذبحُ الأضاحي يوم العيد وقد ذهب بعض أهل العلم إلى وجوبها على القادر، ويستدلون بقوله صلى الله عليه وسلم (( مَنْ وَجَدَ سَعَةً وَلَمْ يُضَحّ فَلا يَقْرَبَنَّ مُصَلّانا)) رواه أحمد وابن ماجه وحسنه الألباني
ومن أراد أن يضحي ودخل شهر ذي الحجة فإنه يحرم عليه أن يأخذ شيئاً من شعره أو أظفاره أو جلده حتى يذبح أضحيته لحديث أم سلمة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إِذَا دَخَلَ الْعَشْرُ وَأَرَادَ أَحَدُكُمْ أَنْ يُضَحِّي فَلْيُمْسِكْ عَنْ شَعْرِهِ وَأَظْفَارِهِ )) رواه مسلم ، ومن نوى الأضحية مع الحج فإنه لا يأخذ شيئاً من شعره أو أظفاره أو جلده من دخول العشر أو من حين نيته ، وعند التحلل من عمرته أو حجه فلا بأس من الأخذ من شعره .فاتقوا الله يا عباد الله، وبادروا أعماركم بخير أعمالكم، وإياكم أن تشغلكم الدنيا عن طاعة ربكم ، فإن ذلك هو الخسران المبين في الدنيا والآخرة . بارَك الله لي وَلكُم في القرآنِ العَظيم، ونفعني الله وإيّاكم بما فيهِ من الآياتِ والذّكر الحَكيم، أقول ما تسمعون، وأستغفِر اللهَ لي ولَكم ولجميعِ المسلِمين من كلّ ذنب فاستغفِروه، إنّه هو الغفور الرّحيم.
الخطبة الثانية
الحمدُ لله علَى إحسانِه، والشّكرُ له علَى توفيقه وامتِنانِه، وأشهَد أن لا إلهَ إلا الله وَحدَه لا شريكَ له تعظيمًا لشَأنه، وأشهَد أنّ نبيَّنا محمّدًا عبدُه ورَسوله، صلّى الله عليه وعلى آلِه وأصحَابه.
عباد الله / تهاجم بلادنا منذ فترة أمراض وأوبئة لم تعرفها الأمة بل لم يعرفها العالم أجمع عبر تاريخه، لم يُكتشف حقيقتها ، ولا الأدوية التي تزيل آثارها المدمرة الفتاكة حتى الآن، بدءًا من أنفلونزا الطيور، ومرورًا بأنفلونزا الخنازير، وانتهاءً بكورونا وهي من الله القدير سبحانه! ليراجع الخلق أنفسهم وما أحدثوا من شرور وآثام، ولا يكاد يسلم البشر وبحسب طبيعتهم من هذه الموبقات، وقد كَثُرَت في هذا الزمان ؛ لذا التواصي بالخير والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر حصانة من تلك المهلكات والجوائح قال تعالى ((وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيْبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيْكُمْ...)) وهنا التفاتة نحو دولتنا -أعانها الله-، ونحسب أنها لم تقصر، وهي تبذل الجهود من أجل الوطن والمواطن بتوعيتهم بهذا المرض الخطير وتحذيرهم منه والبعد عن أسباب الإصابة فيه ومن ذلك في موسم حج هذا العام – نسأل الله أن يحمي بلادنا وبلاد المسلمين من كل بلاء ومرض وفتنه ، وأن يوفق ولاة أمرنا للعمل بكل مايخدم ضيوف الرحمن لتأديه حجهم ، كما أسأله أن يتقبل منكم ومنا صالح الأعمال إنه ولي ذلك والقادر عليه ، هذا وصلُّوا وسلِّموا على الرحمة المهداة، والنعمة المسداة نبيكم محمدٍ رسول الله، فقد أمركم بذلك ربُّكم في محكم تنزيله، فقال - عزَّ شأنُه، ((إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا))
المفضلات