الخطبة الأولـــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــى
عباد الله / ظاهرةٌ خطيرة ، وجرمٌ كبير ينتشر بيْن أوساطِ مُجْتَمَعِنا ، بلْ لا يمرّ يومٌ أو أسبوعٌ إلا وتتناثرُ على صفحاتِ الصّحفِ والمجلات المحلية ووسائلِ الاتصال المتنوعة قصصٌ عن هذه الظاهرة ؛ أعْني ظاهرةُ ابتزاز النساء والفتيات ، من ذئابٍ بشرية نجسة يتفنّنون في طرائقَ ابتزازهم وأساليبَ احتيالهم وأدواتِ مكْرهم، ولا يتورعون عن استخدام كلِّ أداةٍ أو وسيلة وكل تقنية حديثة، خصوصاً الهاتفُ النقال ، والإنترنت لمحاصرة ضحاياهُم وترويعِهم، وصولا إلى أغراضهم الدّنيئة ورغباتهم الشيطانية، منْ حُصولٍ على مالٍ أو شهوة جنسية محرّمة، فالغايات مبررة والأهداف محدّدة والنتائجُ قاصمة .
فكم من المكالمات الهاتفية التي يستقبلها المشايخُ والمصلحون من بعض النساء والفتيات ، إحداهُنَّ تشكي شاباً ابتزّها بعرضها ، وأخرى بمالها ، وثالثة بابنتها ، ورابعة ، وخامسة ... وهكذا وهذه الحوادثُ والقِصصُ التي سمعنا عن بعضها ، وقرأنا عن بعضها الآخر قد تكون جزءًا من حوادثَ وقصصٍ أخرى مؤلمةٌ لم نعلمْها ولم نسمعْ عنها، وقصصٌ وحوادثُ لا تزال أحداثُها مستمرةٌ بين مجرمِها وفريستها؛ لتنتهي وقائعُها بموت حقيقي أو موت نفسي أو فضيحة خاصة أو عامة عبر الوسائل والتقنيات الحديثة، وتنتهي في الهيئات أو مراكز الشرطة ، وحالُ من ولاه الله أمْر هذه الفتاة حال يرثى لها ؛ بل ربما تمنى الموتَ وكان نسياً منسياً .
عِبادَ الله / هذه الظاهرةُ الخطيرةُ تبدأُ تدريجياً بخطواتٍ شيطانية حذرنا منها الله عز وجل فقال ))يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ )) ثم تنتهي بمأساة لا يعلم حالَها إلا من اكتوى بنارِها نسألُ اللهَ السلامةَ والعافيةَ ، ولو أردنا أنْ نستعرضَ بعضَ أسباب هذه الظاهرة السيئة لوجدنا أنها تتركزُ في أسباب منها:
ضعفُ الوازعُ الدينيُّ لدى هذا الْمُبْتزِّ ، وكذلك هذه الضحيةُ من الفتيات أو النساء فقليلُ الدين لا يُبالي بما يقول ويفعل ؛ بل هو واقفٌ مع شهواته ولذاته لو كان فيها سخط ربه وغضبه، فهو لا يبالي إذا فاز بشهوته وحظه ، رضيَ ربُّه أم سخط. إنه إن أحبَّ أحبَّ لهواه، وإن أبغض أبغض لهواه، وإن أعطى أعطى لهواه، وإن منع منع لهواه، فالهوى إمامَه، والشهوات قائده، والجهل سائقه، والغفلة مركبه،والدنيا تسخطه وترضيه، والهوى يصمه عما سوى الباطل ويعميه .
ومن أسباب انتشار ظاهرة الابتزاز :
جهل الوالدين بالتربية: فبعضُ الأسر لا تقوم بتوعية بناتها توعيةً كافية بشأن الشر الموجود في هذا العصر؛ أو التهاونُ في قضية الرعاية للأولاد والبنات وقد قال الله تعالى ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ )) وقال صلى الله عليه وسلم ((كُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْؤول عَنْ رَعِيَّتِهِ، الإِمَامُ رَاعٍ وَمَسْؤولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالرَّجُلُ رَاعٍ فِي أَهْلِهِ وَهُوَ مَسْؤولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا وَمَسْؤولَةٌ عَنْ رَعِيَّتِهَا ... الحديث )) متفق عليه
ومن أسباب انتشار ظاهرة الابتزاز : وسائلُ الاتصال المختلفة التي تنشُر مقاطعَ الحب والعشق والرذيلة بين أوساط الشباب والفتيات ،وكذلك قنواتُ الشر المنتشرة ببعض البيوت والتي تبشر للدّعارة والتحرر ،وتُوهم الفتاة في أغلب فضائياتها بأنْ لا زواجَ بدون حُبٍّ ، وأنَّ كُلَّ زواجٍ لا يَستند إلى علاقة حب هو زواج فاشل؛ ممّا جَرّأَ كثيراً من الشباب من الجنسين على إقامة هذه العلاقات، إضافةً إلى الأغاني الماجنة الهابطة ، وصدق الله تعالى: وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الإِنسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا
ومن أسباب انتشار ظاهرة الابتزاز : الاختلاطُ - نعم عباد الله - لقد اتضح أن قضايا الابتزاز تقع كثيراً في أماكنَ العمل المختلط، مع ارتباط مصالحِ النساء العاملات برجال ليسوا أحيانا من أهل الأمانة والمروءة؛ مما يُؤدي إلى وقوع بعض التحرّشات الجنسية أو الابتزاز بدافع الحاجة الماديّة ، وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما قال : ((مَا خَلا رجلٌ بامرأةٍ إلا وكانَ الشّيطانُ ثالثَهُما)) رواه البخاري
ومن أسباب انتشار ظاهرة الابتزاز : فقدانُ العاطفةُ والرحمة والحب والحنان من الأبوين ؛ وخاصةً لدى الفتاة التي هي أرقُّ شُعورا وأندى عاطفة مما يجعل الفتاةُ تبحث عن ذلك خارج المنزل، ، فيتخطفها المبتزون عبر معاكساتهم وكلامهم المعسول لهذه الفتاة المسكينة .
ومن أسباب انتشار ظاهرة الابتزاز : ضعفُ الرقابةُ الأُسَرية على الأبناء ، فإذا غاب جانبُ المتابعة والنقد والتوجيه من الوالدين ! أصبح من السهل على أفراد الأسرة الانحرافُ والانجراف .
فاتّقوا الله عبادَ الله واعْملوا على حِفظ أبنائِكم من هذه الظاهرة القذرة ، وكونوا قدوةً لهم في صلاحكم وإصلاحكم .
بَاْرَكَ اللهُ لِي وَلَكُمْ بِاَلْقُرَّآنِ اَلْعَظِيْمِ ، وَنَفَعَنِيْ
وَإِيَّاْكُمْ بِمَاْ فَيْهِ مِنَ اَلآيَاْتِ وَاَلْذِّكْرِ اَلْحَكِيْمِ ، أَقُوْلُ
قَوْلِيْ هَذَاْ وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِيْ وَلَكُمْ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ ، فَإِنَّهُ
هُوَ اَلْغَفُوْرِ اَلْرَّحِيْمِ .
الخطبة الثانية
الْحَمْدُ للهِ عَلَىْ إِحْسَاْنِهِ ، وَالْشُّكْرُ لَهُ عَلَىْ تَوْفِيْقِهِ وَامْتِنَاْنِهِ ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَاْ إِلَهَ إِلَّاْ اللهُ ، وَحْدَهُ لَاْ شَرِيْكَ لَهُ تَعْظِيْمَاً لِشَأْنِهِ ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدَاً عَبْدُهُ وَرَسُوْلُهُ الْدَّاْعِيْ إِلَىْ رِضْوَاْنِهِ صَلَّى اللهُ عَلِيْهِ وَعَلَىْ آلِهِ وَأَصْحَاْبِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيْمَاً كَثِيْرَاً ، أمّا بعْدُ عبادَ الله /
لا بُدَّ لا من وقفة صادقة لمواجهة ظاهرة الابتزاز الخطيرة، والعملِ على كَبْحِ جِماحها ، ودرءِ شرها ومن ذلك تعظيمُ جانب الخوف من الله لدى الأبناء فالخوفُ من الله ، شجرةٌ طيبة ، إذا نبت أصلُها في القلب ، امْتدت فروعُها إلى الجوارح ، فآتت أكلَها بإذن ربها ، وأثمرت عملاً صالحاً ، وقولاً حسناً ، وسلوكاً قويما ، وفعلاً ، وكذلك لا بد من توفر العطف والحنان للأبناء، وبخاصة البنات؛ لكي لا تذهب الفتاة وتبحث عنه خارج الأسرة من أي شخص آخر قد يسمعها هذا الكلام، فالأم لا بد أن تكون صديقة لابنتها، والأب لا بد أن يُسمع ابنته كلام العطف والحنان ولمسات الحبّ والإعجاب بها، حتى تكون معتادة على سماع هذا الكلام الجميل، فيكون ذلك حاميا لها من الوقوع في أي كلام معسول قد تسمعه من ذئب من الذئاب ، ولا بد من إعطاء الثقة للأبناء، مع المتابعة والمراقبة لهم ولو بشكل غير مباشر، وكذلك الحذرُ والحرصُ من عدم استخدام أجهزة الجوالات في تصوير أفراد العائلة من الإناث خصوصا؛ لأنه قد يُفقد الجهاز أو يُسرق فيقع في أيدي من لا يخافون الله. وننبه هنا إلى عدم إرفاق ذاكرة الهاتف مع الجهاز أثناء صيانته؛ لأن بعض العاملين في هذه المحلات يستغلون وجود صور الفتيات أو يستخدمون برنامج استرجاع المحذوف من الذاكرة، فيحصلون على بعض الصور والمقاطع، ويستغلونها في ابتزاز الفتيات، وقد ثبت ذلك في بعض الوقائع.
أخيراً : نقول للشاب الذي استغلّ غفلةَ وزلّةَ أخته المسلمة: اتق الله، وتذكر أن الله عز وجل مُطّلعٌ عليك، ولا يرضى بما تقوم به من ابتزاز للمسلمات، فكما للناس أعراض يخشون عليها فأنت لك أيضا عرض تخاف عليه وتخشى عليه، فأين الغيرة والحمية على أعراض المسلمات ؟ والله يقول((وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا)).
هذا وصلوا وسلموا على النبي المصطفى والرسول المجتبى كما أمركم بذلك ربكم فقال ((إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ))
المفضلات