خطبة جمعة
بعنوان
( أيها المعلمون )
كتبها
عبدالله بن فهد الواكد
إمام وخطيب جامع الواكد بحائل
الخطبة الأولى
أيها الأحبةُ المسلمون : لقد انتهت العطلةُ الصيفيةُ ، بعدَ أشهرٍ ملأى بالأفراحِ والأتراحِ ، والغادينَ والرائحينَ ، والأحياءِ والميتينَ ، للمتأملِ فيها عبرةٌ ، وللسالكِ فيها نظرةٌ ، نسألُ اللهَ أنْ يجعلنا وإياكمْ ممنْ أحسنَ فيها عملاً ، ولم يحملْ فيها وزراً ، إنَّ مشهدَ الآلافِ وهي تتجهُ إلى المدارسِ والمعاهدِ والكلياتِ ، لمنظرٌ يسرُ الناظرَ لمجدِ أمتهِ ، الطموحَ لعزِ دينِه وكرامتِه .
بنورِ العلمِ ، وبإشراقةِ الفكرِ ، ترسخُ الهممُ ، وتشمخُ الأممُ ، وهلْ أمةٌ سادتْ بغيرِ التعلمِ ؟ وتأملوا الشرقَ و الغربَ من حولِكُم ، بمَا تفوقوا ؟ وبما صنعوا واخترعوا ، وبما سيطروا على القوةِ الماديةِ ، وصاروا يتحكمونَ في الشعوبِ المسلمةِ ، التي كانَ لها في سالفِ زمنِها صولةٌ وجولةٌ ، فلماَّ تركنا العلمَ ، وأخلدْناَ إلى الدَّعةِ والراحةِ ، واللعبِ والضياعِ ، ضاعَ مجدُنا ، وضعفُتْ قوتُنا ، ولانتْ شدتُّنا ، فأصبحْنا في عِدادِ العالمِ الثالثِ ، ونحنُ نملِكُ أكبرَ قوةٍ على الإطلاقِ ، وهي قوةُ الدينِ ، ولكنناَ لم نستمسكْ بنهجهِ المبينِ ، ولم نبنِ أمتَناَ على ما ينبغي ويُرادُ ، فإلْنا إلى ما لا يخفى عليكُم ، فعسى اللهُ أنْ يُخرجَ من رَحِمِ هذه الأمةِ ، مَنْ يبنونَ مجدَهاَ ، ويعيدونَ مكانتَها ، ولا يكونُ ذلكَ إلا بالعلمِ والعملِ ، وما ذلك على اللهِ بعزيزٍ .
إخوةَ الإسلامِ :
يكفي المعلمين شرفاً أنهم يقومونَ بوظيفةِ الأنبياءِ و الرسلِ فينشرونَ العلمَ ويتحملونَ الأذى ، ويتكبدونَ المشاقَ ، ويحيونَ القلوبَ ، ويفسحونَ الآفاقَ ، فالمعلمُ هو من يشقُّ الطريقَ أمامَ طلابِهِ ، يعلمُهُم ويرشدُهُم إلى طُرقِ العلمِ وسُبلِ تحصيلِه ، يحبِّبُ العلمَ لهم ، ويبسِّطَهُ لهم بسطاً ، يجعلُ بسعةِ بالِه وحصافَتِه ، مِنْ هؤلاءِ الطلابِ منابرَ في العلمِ والمعرفةِ ، يكوِّنُ منهم جيلاً فريداً يتميزُ على أقرانِه ، المعلمُ هو مَنْ يصنعُ الأمةَ ، ويُنتجُ الأفذاذَ ، ويزرعُ البذورَ النادرةَ ، ويَسقيها ويعتني بها ، التعليمُ أيها المعلمونَ ، ليستْ وظيفةً وراتباً وتوقيعَ حضورٍ وانصرافٍ ، وتحضيراتٍ تُنزَّلُ أكثرُها من الإنترنت ، التعليمُ أسمى من هذهِ المفاهيمِ ، وأعلى من هذهِ القراءاتِ ، التعليمُ هو بناءُ الأمةِ ، وتشييدُ الحضارةِ ، وتأسيسُ الكيانِ ، ونحنُ أيها المسلمونَ نعلمُ أنَّ مهنةَ التعليمِ مِنَ المهنِ الشاقةِ التي تحتاجُ إلى الصبرِ وإلى الحُلمِ وإلى الرفقِ ، لأنها هي القاعدةُ الأساسيةُ ، وهي الصُّلبُ الذي يقومُ عليه الوطنُ ، إذا تميَّزَ التعليمُ وازدهرَ ، إزدهرَ الوطنُ ، ونهضتْ البلادُ ، وإذا فَشِلَ التعليمُ ، فشلتْ الأمةُ ، وتقاعستْ وتدهورتْ ، ولذا فإنَّ التعليمَ من أشرفِ المهنِ و أعظمِها أجراً ،
فكمْ من المعلمينَ الأفاضلِ الذينَ أخلصوا عملَهم ، وأدَّوا هذهِ الأمانةَ العظيمةَ على أكملِ وجهٍ ، فنالوا جزيلَ الثوابِ، فلا تنتظرُ أيها المعلمُ المعطاءَ ، ثناءَ مشرفٍ ، أو تقديرَ مديرٍ أو ، مدحَ طالبٍ ، فأنتَ تتعاملُ معَ اللهِ ، أنتَ لا تبتغي إلاَّ رضا اللهِ وكلما أتقنتَ عملَك ، وأديتَ الذي عليكَ كاملاً ، وزدتَ في الكمالِ والإحسانِ ، كلما كنتَ إلى رضى اللهِ أقربُ ، أنتَ في عالمٍ تغيرتْ معطياتُه ، وانتشرتْ آفاتُه ، وكثرتْ ملهياتُه ، وزادتْ أدواتُه ، فما عادَ الطالبُ بالأمسِ كطالبِ اليومِ ، طالبُ الأمسِ كانَ بسيطاً يعتمدُ على القراءةِ الكتابةِ والكراريسِ التقليديةِ ، أماَّ طالبُ اليومِ ، فقد تفتَّحتْ عيناهُ على بحرٍ هادرٍ منْ وسائلِ التقنيةِ ، والبرامجِ والتطبيقاتِ ، طالبُ اليومِ نشأَ وسطَ زخمِ الإتصالاتِ والإنترنت ، أذكرُ في زمنٍ مضى ، غرفةَ الكمبيوتر ، لا يدخُلُها إلا أشخاصٌ معدودونَ من ذوي الإختصاصِ ، والكمبيوتر ، لا يتعاملُ معهُ إلا ذوو الإختصاصِ ، أما الآنَ فأصبحَ الجوالُ ليسَ حاسباً فقط ولا هاتفاً فقط إنما مكتبٌ متنقلٌ ، يتعاملُ معهُ الصغارُ بحذقٍ أكثرَ من الكبارِ ، ينبغي لكَ أيها المعلمُ الفاضلُ أنْ تُجدِّدَ اسلوبَك ، وتحدِّثَ طريقتَك ، وتوسِّعَ أفقَك ، وتعمدَ إلى استخدامِ الوسائلِ التعليميةِ الحديثةِ ماستطعتَ .
أيها المعلمونَ الأفاضلُ : الإحتسابُ بابٌ عظيمٌ من أبوابِ الإصلاحِ والتربيةِ والتوجيهِ ، الإحتسابُ سبيلٌ إلى الجنةِ وطريقٌ إلى رضى اللهِ ومحبتِه ، وهؤلاءِ الطلابُ بحاجةٍ إلى المعلمِ المحتسبِ الذي يجمعُ بينَ القدوةِ والخبرةِ ، صبرُكَ عليهم وتوجيههم والإبتسامةِ لهم ، تجني منهُ لذةَ العطاءِ المثمرِ ، وثمارَ الدعواتِ الصادقةِ ولو بعدَ حينٍ ، فمازلنا واللهِ نتذكَّرُ معلمينا الفضلاءَ وأساتذتَنا الأجلاءَ ، الذين حطَّتْ أولى رحالِ العلمِ بينَ أيديهِم ، لازلنا نذكرُهُم و نخصُّهم بالدعواتِ الصادقةِ ، كصدقِهِم معَ أيامِنا الأولى ، إذا مرَّتْ ذكرى هؤلاءِ المعلمينَ ، تعطَّرَ المجلسُ بطيبِ سيرتِهم ، وجميلِ تربيتِهم ، غداً أيها المعلمُ سيذكُرُكَ جيلٌ طالما جلسَ أمامَكَ فكنتَ لهُ كالغيثِ المنهمرِ ، والنهرِ المستمرِ ، أودعتَ في قلوبِهم بذرةَ الخيرِ ، وسقيتَها بماءِ إخلاصِك وسيرتِك الطيبةِ وخُلقِك الكريمِ ، سيذكرونَكَ بالخيرِ ويدعونَ لكَ ،
هؤلاءِ الطلابُ هم أبناؤُنا ، وأبناؤُك ، كُنْ سابراً لأغوارِ تفكيرِهم ، متأملاً لأسبابِ مشاكِلِهم ، فنحنُ في زمنٍ يموجُ بالفتنِ ، ويعجُّ بالمحنِ ، فكنْ أنتَ صمامَ الأمانِ للأمةِ ، في صَدِّ كُلِّ أسبابِ التطرفِ والغلوِّ ، والضياعِ والإنحلالِ ، إبعثْ فيهم حُبَّ الرجولةِ ومكارمِ الأخلاقِ ، حببهم للفضيلةِ ، وامقتِ الرذيلةَ بينَ أيديهم ، قد يكونُ أحدُنا عاجزاً عن إصلاحِ أبنائِه ، فربما كانَ في إصلاحِ أبناءِ المسلمينَ ، سبباً في صلاحِ أبنائِنا ، كمْ من الطلابِ الأيتامِ ، وكم من الطلابِ الذينَ فقدوا تربيةَ آبائِهم ، حرسَهُم اللهُ عنِ الغُلوِّ والإنحرافِ والضياعِ ، بمعلمٍ ملهمٍ ، فاضلٍ مكرمٍ ، استبقَ الطريقَ ، وغيرَ المسارَ ، ووجهَ القافلةَ إلى طريقِ الحقِّ والصوابِ ، فأنعمْ بهِ وأكرمْ ، وكم منَ الأجرِ أيها المعلمُ ، سيكونُ لكَ موفوراً ، بما درأتَ بهِ سُبلَ الزيعِ والضلالِ ،
أيها المسلمون : للمعلمِ في مجتمعِنا حضوةٌ ، وفي قلوبِنا مكانةٌ ، وفي أنفسنا ثقةٌ ، ولم يكن ذلكَ لولا تفانيكَ وإخلاصُك ، فقدْ سلَّمنا لكَ عقولَ أبنائِنا ، فأرِنا فيهم ما تنهضُ بهِ الأمةُ ، وتشمخُ به الأوطانُ ،
أيها المعلمُ الكريمُ : إجعلْ من الواقعِ الذي نعيشُهُ ، ويعيشُهُ أبناؤُنا ، وواقعِ الأمةِ والإبتلاءاتِ التي بُليتْ بها أمتُناَ من بعضِ أبنائِها المغرَّرِ بهم ، إجعلها مناراتِ إرشادٍ وتوجيهٍ ، اجعلْ للشبابِ رؤىً وتطلعاتٍ تواكبُ قافلةَ الوطنِ ، أيقظْ فيهم حُبَّ دينِهم وبلادِهم ووطنِهم وولاةِ أمرِهم وعلمائِهم ، كُنْ مصباحاً تستنيرُ بهِ عقولُهم ومداركُهم ، التعليمُ أيها المعلمونَ : رسالةٌ عظيمةٌ وأمانةٌ جسيمةٌ ، فقدِّمْ كلَّ ما لديكَ للأمةِ ، وطوِّرْ نفسَكَ لبناءِ الأجيالِ ، وتبادلْ الخبرةَ مع غيرِك من المعلمينَ ، إحفظْ أسرارَ طُلابِك ، وأصلحُ قصورَهم ، ونمِّ مواهبَهم
اللهَ اللهَ بهذهِ الأمانةِ التي في أعناقِكم ، قال عليه الصلاةُ والسلامُ في الحديثِ المتفقِ عليه : ((كلُّكم راعٍ وكلكم مسؤولٌ عن رعيتِه، فالإمامُ راعٍ وهو مسؤولٌ عن رعيتِه، والرجلُ راعٍ في أهلِهِ وهو مسؤولٌ عن رعيتِهِ)) فاتقوا اللهَ في أبنائِنا ، ( وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ ) [البقرة:281]. بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم
الخطبة الثانية
معشرَ الآباءِ والأمهاتِ :
إن المعـلمَ والطبيبَ كلاهُما
لا يَنْصَحَانِ إذا همـا لم يُكْرَمَـا
فاصبر لدائك إن أهنتَ طَبِيبَهُ
واصبر لجهلِكَ إن جَفَوْتَ مُعلّما
اللهَ اللهَ في حقوقِ المعلمينَ والمعلماتِ، اغرسوا في قلوبِ أبنائِكم وبناتِكم حبَّ العلمِ والعلماءِ، وإجلالِ المعلمينَ والمعلماتِ، وتوقيرِهم واحترامِهم، طلبًا لمرضاةِ اللهِ سبحانَهُ وتعالى، علّموهم الأدبَ مع الكبارِ والعطفَ على الصغارِ، علموهم الهدوءَ واحترامَ دورِ العلمِ والمعلمينَ ، ودورِ التربيةِ والمربينَ ، علموهم إحترامَ الآخرينَ ، وتوقيرَ المسلمينَ ، صلوا وسلموا عبادَ اللهِ ، على خيرِ أنبياءِ اللهِ ، وصفوةِ خلقِ اللهِ ، محمدِ بنِ عبدِاللهِ ، كما أمركم بذلكَ ربُّكم سبحانَهُ فقال ( إن الله وملائكته يصلون على النبي )
المفضلات