مَـــحْــقُ الْبَــــــرَكَــــةِ
كلنا ينشد البركة ويطلبها بشتّى أنواعها ؛ بركة في العمر والعمل والوقت والرزق والولد وغيره ، وكلنا يحذر ويخشى محق البركة في هذه الأشياء والتي منها : * ضعف الإيمان بالله تعالى وعدم ترويض القلب على القناعة والغنى؛ فإن حقيقة الفقر والـغـنـى تكون في القـلب؛ فمن كان غني القلب نعم بالسعادة وتحلى بالرضى والبركة ، وإن كان لا يجد قـوت يـومـه،قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((من أصبحَ منْكم آمناً في سِرْبِهِ، معافىً في جَسَدِهِ، عنْده قُوتَ يوْمهِ، فكأنّما حِيزَتْ لَهُ الدّنيا بِحَذَافِيرِهَا )) رواه الترمذي ، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إنَ اللهَ يبْتَلِي عَبْدَهُ بِمَاَ أَعْطَاهُ، فَمْن رَضَى بِمَا قَسَمَ اللهُ لَهُ بَاَرَكَ اللهُ لَهُ فِيهَ وَوَسْعًهُ، وَمِنْ لَمْ يَرْضَ لَمْ يُبَارِكَ لَهُ)) رواه أحمد .
وفي المقابل من كان فقير القلب؛ فإنه لو ملك الأرض ومن عليها إلا درهماً واحداً لرأى غناه في ذلك الدرهم؛ فلا يزال فقيراً حتى يناله قال رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (( تَعِسَ عَبْدُ الدِّينَارِ وَالدِّرْهَمِ وَالْقَطِيفَةِ وَالْخَمِيصَةِ إِنْ أُعْطِيَ رَضِيَ وَإِنْ لَمْ يُعْطَ لَمْ يَرْضَ)) رواه البخاري
فقناعةُ المؤمن ورضاه بما قسم الله له من رزق، وعدمُ سؤالِه وتطلعه إلى ما عند الآخرين .
* ومن أسباب محق البركة : كثرةُ الذنوب وانتشارها فهي من أهم أسباب محق البركة فللمعصية أثر عظيم في محق بركة المال والعمر والعلم والعمل فعن عن ثوبانَ مولَى رسولِ الله صلَّى الله عليه وسلَّم قال: قال رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم ((لا يَزيد في العُمْر إلا البِر، ولا يردُّ القدَرَ إلاَّ الدُّعاء، وإنَّ الرجل ليُحرم الرِّزقَ بالذنب يُصيبه)) رواه ابن ماجه وحسنه الألباني .
* ومن أسباب محق البركة : التفرغُ للدنيا وجعلُها أكبرُ الهموم والاهتمام فلم يتحرى الحلالَ في كسبه ؛ ولكن شغلت الدنيا أكثرَ وقته وسيطرت على تفكيره ، فلا يبالي بماله أجمعه من حلال أم من حرام ، فقد روى الترمذي عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: ((مَنْ كَانَتِ الْآخِرَةُ هَمَّهُ جَعَلَ اللَّهُ غِنَاهُ فِي قَلْبِهِ وَجَمَعَ لَهُ شَمْلَهُ وَأَتَتْهُ الدُّنْيَا وَهِيَ رَاغِمَةٌ وَمَنْ كَانَتِ الدُّنْيَا هَمَّهُ جَعَلَ اللَّهُ فَقْرَهُ بَيْنَ عَيْنَيْهِ وَفَرَّقَ عَلَيْهِ شَمْلَهُ وَلَمْ يَأْتِهِ مِنَ الدُّنْيَا إِلَّا مَا قُدِّرَ لَهُ))
* ومن أسباب محق البركة : الكذبُ في المعاملة من بيعٍ وشراء وتجارة وشراكة ونحوها وكذلك التدليسُ فيها فقد روى البخاري ومسلم في صحيحيهما من حديث حكيم بن حزام أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((الْبَيِّعَانِ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا، فَإِنْ صَدَقَا وَبَيَّنَا بُورِكَ لَهُمَا فِي بَيْعِهِمَا،وَإِنْ كَذَبَا وَكَتَمَا مُحِقَتْ بَرَكَةُ بَيْعِهِمَا))
* ومن أسباب محق البركة : الغفلةُ في تطبيق بعض السنن التي تحقق البركة عند فعلها كالاجتماع على الطعام والتسمية عليه ، ولعق الأصابع بعد الفراغ من الأكل فقد روى أبو داود في سننه وصححه الألباني من حديث وَحْشِيُّ بْنُ حَرْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ أَصْحَابَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّا نَأْكُلُ وَلاَ نَشْبَعُ، قَالَ: فَلَعَلَّكُمْ تَفْتَرِقُونَ، قَالُوا: نَعَمْ، قَالَ: فَاجْتَمِعُوا عَلَى طَعَامِكُمْ وَاذكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ يُبَارَكْ لَكُمْ فِيهِ )) وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (( إِذَا أَكَلَ أَحَدُكُمْ فَلْيَلْعَقْ أَصَابِعَهُ ؛ فَإِنَّهُ لا يَدْرِي فِي أَيَّتِهِنَّ الْبَرَكَةُ)) رواه مسلم
اللَّهُمَّ علِّمْنا ما ينفعُنا وانفعْنا بما علَّمتَنا، وزدْنا علمًا وعملاً يا ذا الجلال والإكرام ، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .
المفضلات