حَــــــقُّ التــــوكّــل
التوكل : تفويض الأمر لله في استجلاب المصالح ، ودفع المضار في أمور الدنيا والآخرة مع فعل الأسباب .
الأخذ بالأسباب لا ينافي التوكل :
قال ابن القيم رحمه الله : التوكل من أعظم الأسباب التي يحصل بها المطلوب ، ويندفع بها المكروه ، فمن أنكر الأسباب لم يستقم معه التوكل ، ولكن من تمام التوكل : عدم الركون إلى الأسباب ، وقطع علاقة القلب بها ، فيكون حالُ قلبه قيامَه بالله لا بها ، وحال بدنه قيامه بها .
بين التوكل والاتكال : الأخذ بالأسباب مع تفويض أمر النجاح لله تعالى والثقةِ بأن الله تعالى لا يُضيع أجر من أحسن عملا هو من التوكل المأمور به ، أما القعود عن الأسباب ، وعدم السعي فليس من التوكل في شيء ، وإنما هو اتكال أو تواكل حذرنا منه رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله لمعاذ (( لَا تُبَشّرْهُمْ فَيَتَّكِلُوا )) متفق عليه .
بين التوكل والثقة بالله :
قال أحد العلماء : الثقةُ سوادُ عين التوكل ، ومثال ذلك ماجاء في كتاب الله عن إم موسى عليه السلام ((فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي )) فإن فعلها هذا هو عين ثقتها بالله تعالى ، إذ لولا كمال ثقتها بربها لما ألقت بولدها في تيار الماء ، فالثقة بالله هي خلاصةُ التوكل ولبُّهُ .
مواطن التوكل : التوكل على الله مطلوب في كل شئون الحياة ، فعند طلب النصر والفرج نتوكل على الله ((إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلَا غَالِبَ لَكُمْ ۖ وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ ۗ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ ))
وعندما يعرض عنك الخلق فاعتمد على التوكل ((فَإِن تَوَلَّوْا فَقُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ )) وإذا طلبت الصلح والإصلاح بين قوم فتوكل على الله ((وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ )) وإذا وصلت قوافل القضاء فاستقبلها بالتوكل ((قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلَانَا ۚ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ )) وإذا نصبت الأعداء حبالات المكر فادخل أنت أرض التوكل ((وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ نُوحٍ إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ إِن كَانَ كَبُرَ عَلَيْكُم مَّقَامِي وَتَذْكِيرِي بِآيَاتِ اللَّهِ فَعَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْتُ ))
إذا كانت الهداية من الله فاستقبلها بالشكر والتوكل ((وَمَا لَنَا أَلَّا نَتَوَكَّلَ عَلَى اللَّهِ وَقَدْ هَدَانَا سُبُلَنَا ۚ وَلَنَصْبِرَنَّ عَلَىٰ مَا آذَيْتُمُونَا ۚ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ )) إذا خشيت بأس أعداء الله والشيطان والغدّار فلا تلتجىء إلا إلى باب الله (( إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَىٰ رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُون))َ
وإذا أردت أن يكون الله وكيلك في كل حال فتمسك بالتوكل في كل حال ((وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ ۚ وَكَفَىٰ بِاللَّهِ وَكِيلًا )) فإذ خرجت من بيتك فتوكل على الله ، قال صلى الله عليه وسلم ((إِذَا خَرَجَ الرَّجُلُ مِنْ بَيْتِهِ ، فَقَالَ : بِسْمِ اللَّهِ تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ لا حَوْلَ وَلا قُوَّةَ إِلا بِاللَّهِ . قَالَ : فَيُقَالُ : حَسْبُكَ هُدِيتَ وَوُقِيتَ ، وَتَنَحَّى لَهُ الشَّيَاطِينُ , فَيَقُولُ شَيْطَانٌ آخَرُ : كَيْفَ لَكَ بِرَجُلٍ هُدِيَ وَكُفِيَ وَوُقِيَ ؟ )) رواه الترمذي وغيره عن أنس بن مالك رضي الله عنه ، والحديث صحيح .
وإذا سعيت في الأرض لطلب الرزق فتوكل على الله فعنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ قَالَ )) لَوْ أَنَّكُمْ تَوَكَّلْتُمْ عَلَى اللَّهِ حَقَّ تَوَكُّلِهِ لَرَزَقَكُمْ كَمَا يَرْزُقُ الطَّيْرَ تَغْدُو خِمَاصًا وَتَرُوحُ بِطَانًا )) رواه الترمذي ، والحديث صحيح .
اللَّهُمَّ علِّمْنا ما ينفعُنا وانفعْنا بما علَّمتَنا، وزدْنا علمًا وعملاً يا ذا الجلال والإكرام ، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .
المفضلات