خطبة جمعة
بعنوان
( مبايعة ولاة الأمر )
بتاريخ 12/7/1436
جامع الواكد بحائل
عبدالله بن فهد الواكد
الخطبة الأولى
أما بعد أيها المسلمون :
فمن الأمور المقررة فِي الكتاب والسُّنَّة، والَّتِي تنتظم بها مصالح العباد والبلاد، والَّتِي هِيَ مِنْ أعظم أسباب السعادة بيعة ولاة الأمور عَلَى الكتاب والسُّنَّة.
فالبيعة الشرعية، مشروعة ، ومهمة ولازمة فِي عنق كُلّ مؤمن، ويلزم مِنْها السمع والطاعة، والجماعة ، وترك الفرقة
فالبيعة فِي اللغة هي المعاهدة والمعاقدة.
قَالَ ابن مَنْظُورٍ فِي لِسَان العَرَبِ(8/26) (وبايعه عليه مبايعة عاهده ، وبايعته من البيع و البيعة جميعاً ، والتبايع مثله ) وفي الحديث أنه قَالَ: ((ألا تبايعوني عَلَى الإسْلام))
فالبيعة الواجبة لولي الأمر هِيَ: العهد عَلَى السمع والطاعة بِالْمَعْرُوفِ.
قَالَ ابن خلدون فِي مقدمته(ص/229) (اعلم أن البيعة هي العهد على الطاعة؛ كان المبايع يعاهد أميره على أنه يسلم له النظر في أمر نفسه وأمور المسلمين، لا ينازعه في شيء من ذلك، ويطيعه فيما يكلفه به من الأمر على المنشط والمكره. وكانوا إذا بايعوا الأمير وعقدوا عهده جعلوا أيديهم في يده تأكيدا للعهد؛ فأشبه ذلك فعل البائع والمشتري ؛ فسمي بيعة ؛ مصدر باع ؛ وصارت البيعة مصافحة بالأيدي. هذا مدلولها في عرف اللغة ومعهود الشرع).
وأما أدلة مشروعية البيعة فكثيرة منها قوله تَعَالَى: {إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَن نَّكَثَ فَإِنَّمَا يَنكُثُ عَلَى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً}
ومن السنة ما ورد عَنْ عُبَادَةَ بنِ الصَّامِتِ -رَضِيَ اللهُ عنهُ- قَالَ (دعانا رسولُ الله -صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّم- ، فبايعناه، فكان فيما أخذ علينا: أنْ بايعنا على السمع والطاعة في منشطنا ومكرهنا وعسرنا ويسرنا وأثرة علينا وأن لا ننازع الأمر أهله) قَالَ: ((إلا أن تَرَوا كفراً بواحاً عندكم من الله فيه برهان)) مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
والبيعة الشرعية لها أهمية عظمى في حياة المسلمين إذ أن إقامة السلطان وولي الأمر من الواجبات الدينية ، ومما لا تتم مصالح الناس الدينية والدنيوية إلا به .
قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه ( لا بد للناس من أمير ؛ بَرٍّ ، أو فاجر ، يعمل فيه المؤمن ، ويستمتع فيه الكافر ، ويبلغ الله فيها الأجل) رواه البيهقي في السنن الكبرى وسنده حسن.
وقال ابن رجب-رحمَهُ اللهُ- فِي جامع العلوم والحكم(2/117) (وأما السمع والطاعة لولاة أمور المسلمين ففيها سعادة الدنيا ، وبها تنتظم مصالح العباد في معاشهم ، وبها يستعينون على إظهار دينهم وطاعة ربهم).
أيها المسلمون : إن لزوم البيعة فِي عنق كُلّ مؤمن، فإِذَا بايع أهل الحل والعقد السلطان أَوْ الملك المسلم أو من يعينه ولي الأمر وجب عَلَى مِنْ يستوطن تِلْكَ البلاد البيعة لولي الأمر، وأن يعقدها بقلبه، وأن يقوم بحقها، وأن يحفظ عهد الله وميثاقه.
وبيعة أَهْل الحل والعقد لازمة عَلَيْهِمْ ، وملزمة لمن يقع تحت سلطان ولي الأمر كما عليه أهل السنة والجماعة.
فحينما بايع أهل الحل والعقد أبا بكر الصديق -رَضِيَ اللهُ عنهُ- لزمت هذه البيعة جميع المسلمين .
يقول الله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم} الآية.
فأمر الله -عزَّ وجلَّ- بطاعته وطاعة رسوله وطاعة ولاة أمور المسلمين وهذا يتضمن الإقرار ببيعتهم ، وأنهم داخلون تحت ولايتهم ملزمون ببيعتهم .
وَقَدْ قال النبي -صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّم- : ((من خلع يداً من طاعة لقي الله يوم القيامة لا حجة له ، ومن مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية)) رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
وقال : ((من مات وليس له إمام مات ميتة جاهلية)) رواه الإمام أحْمَدُ وَالطَّبَرَانِيُّ وابنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ مِنْ حَدِيْثِ معاوية -رَضِيَ اللهُ عنهُ- وهو حديث صحيح.
والأصل أنَّهُ لا يلزم أن يحضر كل الناس إلى ولي الأمر ، فمبايعه أهل الحل والعقد كافية ، وَتُلْزِمُ بقية الرعية بتلك البيعة ، وَلَكِنْ لو ألزم الإمَامُ جميع الرعية بالحضور للبيعة وخصص لَهُمْ أماكن لِذَلِكَ لمصلحة يراها الإمَامُ وجب عَلَى جميع الرعية طاعة الإمَامُ والحضور حيث أمرهم الإمَامُ للبيعة .
فالبيعة تبين للعالم أجمع الوحدة واللحمة بين الراعي والرعية ، وتظهر نعمة الدين التي تستظل بها هَذِهِ البلاد ،
فمن بايع الإمام فقد عَاقَدَ وعَاهَدَ ولِيَّ الأمر عَلَى أنْ يحفظ حَقَّهُ، فَعَلَيْهِ أنْ يُوفِي بعهده وميثاقه ، قَالَ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَوْفُواْ بِالْعُقُودِ} وقَالَ -عزَّ وجَلَّ-: {وَأَوْفُواْ بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْؤُولاً}.
وعن أبي هريرة -رضي الله عنه قال قال النبي -صلى الله عليه وسلم- ((من خرج من الطاعة ، وفارق الجماعة ، فمات ؛ مات ميتة جاهلية ، ومن قاتل تحت راية عُمِّيَّة يغضب لعصبية ، أو يدعو إلى عصبية ، أو ينصر عصبية ، فقتل ؛ فقتلة جاهلية ، ومن خرج على أمتي يضرب برها وفاجرها ، ولا يتحاشى من مؤمنها ، ولا يفي لذي عهد عهده ، فليس مني ، ولست منه)) رواه مسلم في صحيحه(3/1477)
وعلى المؤمن إِذَا بايع ولي أمره، أَوْ لزمته البيعة أنَّ يَسْمَع ويطيع ولي الأمر بِالْمَعْرُوفِ، ولزمته النصيحة لولي الأمر، ولزمته نصرة ولي الأمر .
وقد تواردت الأدلة من الكتاب والسنة والآثار على وجوب الدخول في بيعتهم ، وأن من كان تحت ولايتهم فهو داخل في بيعتهم ، ملتزم بطاعتهم ، وتوقيرهم وإكرامهم ، وحفظ حقهم ، والدعاء لهم ، والصلاة خلفهم ودفع الزكاة لهم ، والحج والجهاد معهم ، ومناصحتهم سراً لا جهراً ، ويحرم على المسلم غيبتهم ، والطعن فيهم ، والتشهير بهم ، وحرمة الخروج عليهم ، وحرمة الإعانة على من خرج عليهم ولو بالكلمة ، والسمع والطاعة لولي الأمر بِالْمَعْرُوفِ: قال تعالى: {يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم} وقال النبي -صلى الله عليه وسلم- : ((على المرء المسلم السمع والطاعة فيما أحب وكره إلا أن يؤمر بمعصية فإن أمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة)). متفق عليه
وقال -صلى الله عليه وسلم- : ((تسمع وتُطيع للأمير، وإن ضُرِبَ ظهرُك وأُخذ مالُك، فاسمع وأطع)) رواه مسلم في صحيحه من حديث حذيفة -رضي الله عنه- .
بارك الله لي ولكم بالقرآن العظيم
الخطبة الثانية
أما بعد أيها المسلمون : فمِنْ حقوق ولي الأمر الدعاء لَهُ : قال الإمام البربهاري -رحمَهُ اللهُ- في (ص/113-114) ( وإذا رأيت الرجل يدعو على السلطان فاعلم أنه صاحب هوى ، وإذا سمعت الرجل يدعو للسلطان بالصلاح فاعلم أنه صاحب سنة -إنْ شَاءَ اللهُ- ).
ويقول الفضيل بن عياض: لو كان لي دعوة مستجابة ما جعلتها إلا في السلطان. قيل له: يا أبا علي فسِّرْ لنا هذا. قال: إذا جعلتها في نفسي لم تعدني ، وإذا جعلتها في السلطان صلح فصلح بصلاحه العباد والبلاد .
فأمرنا أن ندعو لهم بالصلاح ، ولم نؤمر أن ندعو عليهم وإن جاروا وظلموا ، لأن جورهم وظلمهم على أنفسهم ، وصلاحهم لأنفسهم وللمسلمين”.
أسأل الله أنَّ يحفظ بلاد الْمُسْلِمِيْنَ مِنْ كيد الأعداء، وأن يحفظ علينا الأمن والأمان والإيمان وأن يحفظ ملكنا وولي عهده وولي ولي عهده وأن يوفقهم لما يحبه ويرضاه وأن يعز بهم دين الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، صلوا وسلموا على محمد
المفضلات