الخطبة الثانية : حرمة التنابز بالألقاب
الحمد لله المُتوحِّد في الجلال بكمال الجمال تعظيمًا وتكبيرًا، المُتفرِّد بتصريف الأحوال على التفصيل والإجمال تقديرًا وتدبيرًا، المُتعالي بعظمته ومجده الذي نزَّل الفُرقان على عبده ليكون للعالمين نذيرًا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبدُ الله ورسوله المُؤيَّد بالمُعجزات، والمنصورُ من ربِّ البريَّات، عليه من الله أفضلُ صلاةٍ وأزكى تسليمٍ، وعلى آله بيته الطيبين الطاهرين، وعلى أزواجه أمهات المؤمنين، وعلى أصحابه ومن تبِعَهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وسلَّم تسليمًا كثيرًا.
أما بعد عباد الله،في هذا الزمان وبين أكثر الناس تنتشر بيننا آفة خطيرة
سيئة .. وهي محرمة في شرعنا .. وما انتشرت إلا لسهولتها
وسرعة النطق بها لأنها تخرج من اللسان .. وحسبنا الله و نعم الوكيل ....
تلك الآفة هي (التنابز بالالقاب ) ..وهو ذكر الآخرين بألفاظ يكرهونها
بغير حق لغير حاجه ..
مثل (ياطويل) (ياقصير) (ياأعرج ) ( يأعور) (ياجاهل) (يا غريبي) وغير ذلك كثير ..
قال الله تعالى ((﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لا يَسْخَرْ قَومٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ وَلا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلا تَنَابَزُوا بِالأَلْقَابِ بِئْسَ الاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الإِيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ))
فانظروا رعاكم الله كيف نهى الله عز و جل عن ذالك بلا الناهية((ولاتنابزوا)) وجعله من الفسوق ومن الظلم ولابد له من توبة ..كل هذا يدل على عظمة هذا الذنب الصغير في أعيننا ..
وهكذا النبي عده من أمور الجاهلية ..فقد جاء في صحيح البخاري عن المعرور بن سويد قال:" لقيت أباذر_-رضي الله عنه-
بالربذة وعليه حلّة وعلى غلامه حلة فسألته عن ذلك فقال إني ساببت رجلا فعيّرته بأمّه فقال لي النبي :( يا أبا ذر أعيرته بأمه إنك امرؤ فيك جاهلية. إخوانكم خولكم جعله ما لله تحت أيديكم فمن كان أخوه تحتيده فليطعمه مما يأكل وليلبسه مما يلبس ولا تكلفوهم ما يغلبهم فإن كلفتموهم فأعينوهم..)
ومن أخطر التنابز بالألقاب عندما تطلق على وطن بأكمله أو قومأ و قبيلة بأكملها وتصفها بشيء مكروه وكأن الله أطلع المنابز بكل هؤلاء وبما في قلوبهم ومن ذلك الهجاء، فقد جلد عمر رضي الله عنه في الهجــاء وحبس
وصدق النبي وسلم إذ يقولأربع في أمتي من أمور الجاهليه لا يتركونهن:الطعن في الأنساب و الفخر بالاحساب والاستسقاء بالنجوم
والنياحة على الميت )رواه مسلم رحمه الله عن أبي مالك الأشعري رضي الله عنه.
و النبز معناه في الشرع نعت الشخص أو نداؤه بصفة أو لقب أو اسم يكرهه، أو ما فيه ذم له أو تحقير أو استهزاء به أو سخرية منه.
ومن ذلك ما رواه لي أحد الإخوة المؤمنين الذي عرفته بدماثة أخلاقه ومحافظته على دينه أنّ تقدّم لخطبة إحدى الفتيات فوافقت الأسرة بداية لكونه شاب يشتغل ومستقبله واعد ، غير أنّ إحدى قريبات الأم أخبرتها أنّ ذلك الشاب " غريبي " فكيف تزوجين ابنتك لـ"واحد غريبي " كما قالت حرفيّا ، فما كان من الأم إلا أن رفضت مطلب خطبته تماما.
تأمّل معي أخي المؤمن كيف صرنا نقدح في شرف الناس وأصلهم وننعتهم بما لم ينزل به الله سلطانا ، أما زلنا في عهود الاستعمار المظلمة ؟ أما زلنا نقسّم الناس حسب مكان ولادتهم ؟ أما زلنا ننعت الناس بغير إثم اكتسبوه ؟ أما زلنا نرفض شابا مؤمنا طاهرا حينما يتقدّم لخطبة بناتنا لأنّه من مدينة أخرى أو من قرية أو من ريف ؟
إنّ مثل هذا التصرّف الأرعن يدلّ على جاهليّة متأصّلة في النفوس .. وعلى انعدام الإيمان الكامل في النفوس.. فالنّصح لأمثال أولئك أن يتوبوا إلى الله ولا يرفضوا تزويج البنات إذا تقدّم لخطبتهنّ من يرتضى دينه لقول النبي عن أب هريرة رضي الله عنه :
(إذا أتاكم من ترضوْن خُلُقه ودينه فزوّجوه ، إلاّ تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد عريض ) – سنن ابن ماجه رحمه الله.
هكذا يأمرنا رسولنا أن نزوّج بناتنا لمن كانت فيه صفات الخلق والدين، ويحذّرنا من مغبّة معصيته في ما أمر كي لا ينتشر الفساد وتعمّ البلوى
نسأل المولى سبحانه وتعالى أن يبصّرنا بعيوبنا وأن يجعلنا من المتمسّكين بالقرآن والسنّة المطهّرة الشريفة إنّه سميع قريب مجيب.
المفضلات