خطبة جمعة
بتاريخ 18/3/1436 هـ
خطبة جمعة
بعنوان
حرس الثغور
كتبها وضبطها
عبدالله بن فهد الواكد
إمام وخطيب جامع الواكد بحائل
الخطبة الأولي
إن الحمدَ للهِ نحمدُهُ ونستَعينُهُ ونستَغفرُهُ، ونعوذُ باللهِ من شرُورِ أنفسِنا وسيئاتِ أعمالنا، منْ يهدِه اللهُ فلا مضلَّ له، ومنْ يضللْ فلا هاديَ له، وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَهُ لا شريكَ لَهُ، وأشهدُ أن محمّداً عَبدُهُ ورسولُهُ، صلى اللهُ عليه وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَمَ تسلِيماً كَثِيراً. أمّا بعد،
أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللهَ تَعَالَى وَأَطِيعُوهُ، وَالْزَمُوا عِبَادَتَهُ، وَاحْذَرُوا مَعْصِيَتَهُ، وَاصْبِرُوا عَلَى ابْتِلَائِهِ، وَاستعيذُوا بِهِ مِنَ الْفِتَنِ كُلِّهَا، ظَاهِرِهَا وَبَاطِنِهَا، ، صَغِيرِهَا وَكَبِيرِهَا؛ فَإِنَّ اللهَ تَعَالَى قَدْ فَتَنَ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ ﴿وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ وَكَانَ رَبُّكَ بَصِيرًا﴾
أيها المسلمون : قال تعالى ( يا أيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا اللهَ لعلكم تفلحون ) الرباطُ أيها المسلمون : هوَ الإقامةُ في الثغور، وهي: الأماكنُ والحدودُ والأطرافُ التي يخافُ المسلمونَ من أعداءِ الإسلامِ أنْ يدخلوا إلى بلادِ المسلمينَ مِنْ خلالِها ، والمرابطُ هو: المقيمُ فيها المعدُّ نفسَهُ للجهادِ في سبيلِ اللهِ، والدفاعِ عن دينِهِ وإخوانِهِ المسلمين، وقد وردَ في فضلِ المرابطةِ والحراسةِ في سبيلِ اللهِ أحاديثُ كثيرةٌ ، فعن سهلِ بنِ سعدٍ رضيَ اللهُ عنهما أنَّ رسولَ اللهِ صلى اللهُ عليهِ وسلمَ قال: ((رباطُ يومٍ في سبيلِ اللهِ خيرٌ منَ الدنيا وما عليها، وموضعُ سوطِ أحدِكُم منَ الجنةِ خيرٌ منَ الدنيا وما عليها، والروحةُ يروحُها العبدُ في سبيلِ اللهِ أو الغدوةُ خيرٌ منَ الدنيا وما عليها)) رواهُ البخاريُّ ومسلمٌ والترمذيُّ وغيرُهم، وعن سلمانَ رضيَ اللهُ عنهُ قالَ سمعتُ رسولَ اللهِ صلى اللهُ عليهِ وسلمَ يقولُ: ((رباطُ يومٍ وليلةٍ خيرٌ مِن صيامِ شهرٍ وقيامِهِ، وإنْ ماتَ فيهِ جرى عليهِ عملُهُ الذي كانَ يعملُ وأُجريَ عليهِ رزقُهُ وأَمنَ من الفتَّانِ)) رواهُ مسلمٌ وأهلُ السُننِ وزادَ الطبرانيُّ ((وبُعثَ يومَ القيامةِ شهيداً)). وعن فضالةَ بنِ عُبيدٍ رضيَ اللهُ عنهُ أنَّ رسولَ اللهِ صلى اللهُ عليهِ وسلمَ قالَ: ((كلُّ ميتٍ يُختمُ على عملِهِ إلا المرابطُ في سبيلِ اللهِ فإنَّهُ يُنمَّي لهُ عملُهُ إلى يومِ القيامةِ، ويُؤمَّنُ من فتنةِ القبرِ)) رواهُ أبو داودَ والترمذيُّ وقال: حديثٌ حسنٌ صحيحٌ وعن أبي الدرداءَ رضي اللهُ عنهُ عن رسولِ اللهِ صلى اللهُ عليهِ وسلمَ قالَ: ((رباطُ شهرٍ خيرٌ من صيامِ دهرٍ، ومَن ماتَ مرابطاً في سبيلِ اللهِ أمِنَ الفزعَ الأكبرَ وغُديَ عليهِ وريحَ برزقِهِ من الجنةِ، ويُجري عليهِ أجرُ المرابطِ حتى يبعثَهُ اللهُ عزَّ وجلَّ)) رواهُ الطبرانيُّ ورواتُهُ ثقاتٌ. وعن العرباضِ بنِ ساريةَ رضي اللهُ عنهُ قال: قال رسولُ اللهِ صلى اللهُ عليهِ وسلم: ((كلُّ عملٍ ينقطعُ عنْ صاحبِهِ إذا ماتَ إلا المرابطُ في سبيلِ اللهِ فإنَّهُ يُنمَّى لهُ عملُه، ويُجرى عليهِ رزقُهُ إلى يومِ القيامةِ)) رواه الطبرانيُّ في الكبيرِ بإسنادينِ رواةُ أحدِهِماَ ثقاتٌ. وعن أبي هريرةَ رضي اللهُ عنهُ عن رسولِ اللهِ صلى اللهُ عليهِ وسلمَ قالَ: ((من ماتَ مُرابطاً في سبيلِ اللهِ أُجريَ عليهِ الصالحُ الذي كانَ يعملُ، وأُجريَ عليه رزقُهُ، وأُمنَ من الفتانِ، وبعثهُ اللهُ يومَ القيامةِ آمناً من الفزعِ الأكبرِ)) رواهُ ابنُ ماجه بإسنادٍ صحيحٍ وعن ابنِ عباسٍ رضي اللهُ عنهما قال: سمعتُ رسولَ اللهِ صلى اللهُ عليهِ وسلمَ يقولُ: ((عينانِ لا تمسَّهُما النارُ: عينٌ بكت خشيةً منَ اللهِ، وعينٌ باتتْ تحرسُ في سبيلِ اللهِ)) ، وعن أنسِ بنِ مالكٍ رضيَ اللهُ عنهُ قالَ: قالَ النبيُّ صلى اللهُ عليه وسلمَ: ((عينانِ لا تمسُّهُما النارُ أبداً : عينٌ باتت تكلأُ في سبيلِ اللهِ، وعينٌ بكتْ خشيةً منَ اللهِ)) رواهُ أبو يعلى ورواتُهُ ثقاتٌ، وعن عثمانَ رضي اللهُ عنهُ قالَ: سمعتُ رسولَ اللهِ صلى اللهُ عليهِ وسلمَ يقولُ: ((حَرْسُ ليلةٍ في سبيلِ اللهِ أفضلُ من ألفِ ليلةٍ يُقامُ ليلُها ويُصامُ نهارُها)) رواهُ الحاكمُ وقال: صحيحُ الإسنادِ. والأحاديثُ في هذا المعنى كثيرةٌ ،
أيها المسلمون : لقدْ طالتْ يدُ العدوانِ والغدرِ والخيانةِ عدداً منْ رجالِ حرسِ الحدودِ الشماليةِ ، حدودِ المملكةِ الشماليةِ مع العراقِ ، أثناءَ محاولةِ مجموعةٍ منَ الإرهابيينَ التسللَ إلى داخلِ بلادِنا العزيزةِ ، فتصدَّى لهم رجالُ حرسِ الحدودِ الأشاوسِ ، وتمَّ إحباطُ محاولتِهم وقتلِهم واستشهادُ عددٍ من رجالِ حرسِ الحدودِ الذين قدَّموا أنفسَهُم وأرواحَهُم ودماءَهُم دفاعاً عن عقيدتِنا ودينِنا وذوداً عن بلادِنا وأمنِنا واستقرارِنا وأعراضِنا وأموالِنا ، هؤلاءِ الرجالُ الأبطالُ الذين استشهدوا دفاعاً عناَّ وعن بلادِنا الغاليةِ إنما يمثَّلونَ صمودَنا جميعاً في وجهِ هذهِ الفئاتِ المجرمةِ الغادرةِ وغيرِهم من الأعداءِ ، نسألُ اللهَ عزَّ وجلَّ أن يرحمَهُم وأن يجعلَهم من الشهداءِ الأبرارِ ، ولا شكَّ أنَّ هذا العملَ الذي تقومُ به هذهِ الفئاتُ الضالةُ ممن يدَّعونَ الإسلامَ والإسلامُ من أفعالِهم براءٌ ، إنَّما يسُرُّ الأعداءَ ويكدرُ نفوسَ المسلمينَ ، فهؤلاءِ الخوارجُ التكفيريونَ خرجوا أولَ ما خرجوا في عهدِ النبيِّ صلى اللهُ عليه وسلمَ عندما قال ذو الخويصرةِ للنبيِّ صلى اللهُ عليهِ وسلمَ : إعدلْ يامحمد ، ثم خرجوا على عثمانَ بنِ عفانَ رضي اللهُ عنهُ خليفةِ رسولِ اللهِ صلى اللهُ عليهِ وسلمَ المبشرِ بالجنةِ ، فقتلوه في دارِهِ وهو صائمٌ ويقرأُ القرآنَ وهوَ خليفةُ المسلمينَ ، هؤلاءِ هم الخوارجُ ثم خرجوا على عليٍّ رضيَ اللهُ عنهُ وكانوا قرابةَ عشرةِ آلافٍ فقُتلَ منهم من قُتلَ وتابَ منهم ورجعَ عن هذا المنهجِ من رجعَ ، فهم يخرجونَ في كُلِّ زمانٍ ولكن بفضلِ اللهِ لم يستقمْ لهم صلبٌ ولم تقم لهم قائمةٌ ، وكلُّ الطوائفِ المنحرفةِ والفرقِ الضالةِ كانتْ لهم في مَرِّ العصورِ دولةٌ وسيادةٌ إلا الخوارجَ لأنهم لو صارَ لهم شيءٌ من الغَلَبةِ خرجَ بعضُهم على بعضٍ ، فهم كدرٌ في صفوِ الأمةِ ، وإشغالٌ للمسلمينَ على مرِّ الزمانِ ، يقتلونَ المسلمينَ ويتربصونَ بهم ، ويدَعونَ أهلَ الأوثانِ ، ولذا وجبَ على المسلمينَ جميعاً الوقوفُ في وجهِ هؤلاءِ الضُّلالِ ، قالَ عليه الصلاةُ والسلامُ (لا تزالُ طائفةٌ من أمتي يقاتلونَ على الحقِّ ظاهرينَ على من ناوأَهُم حتى يُقاتلَ آخرُهم المسيحَ الدجالَ ) وهم موجودونَ في كُل زمانٍ ، وهم فكرٌ والعياذُ باللهِ انحرفَ عن الطريقِ المستقيمِ الذي أمرَ اللهُ عبادَهُ أنْ يسلُكُوهُ لينجُوا قالَ تعالى ( وأنَّ هذا صراطي مستقيماً فاتبعوهُ ولا تتبعُوا السُبلَ فتفرقَ بكم عن سبيلِهِ ذلكم وصاكم به لعلكم تتقون ) فدينُ اللهِ واحدٌ والسبيلُ إلى اللهِ واحدةٌ والصراطُ واحدٌ والعقيدةُ الصحيحةُ واحدةٌ أوصى بها النبيُّ صلى اللهُ عليهِ وسلمَ ( عليكم بسنتي وسنةِ الخلفاءِ الراشدينَ المهديينَ من بعدي عُضُّوا عليها بالنواجذِ ) ومسؤوليةُ الوقوفِ أمامَ هذا الفكرِ التكفيريِّ الضالِ ، الذي يُهددُ شبابَنا ومجتمعاتِنا ، ليسَ مسؤوليةَ ولاةِ الأمرِ وحدِهِم وليسَ مسؤوليةَ الدولةِ ورجالِ الأمنِ لوحدِهِم إنَّما مسؤوليتُنا جميعاً ، مسؤوليةُ العلماءِ والدعاةِ والخطباءِ والآباءِ والأولياءِ والمربينَ والمعلمينَ ، مسؤوليةُ الجميعِ ، هل نسكتُ ونتعامى عنْ مرضٍ فكريٍّ تكفيريٍّ يهددُ بلادَنا وشبابَنا وأمنَنا واستقرارَنا فلا بدَّ أيها الأحبةُ المسلمونَ أنْ ننتبهَ لأبنائِنا وشبابِنا لأنهم همْ صيدُ هذه الفئةِ الضالةِ وأنْ نحرصَ على تربيتَهم ومتابعتَهم ، ومعرفةَ معَ من يغدونَ ويروحونَ ، وأن نتابعَ تصرفاتِهم ، وأن لا نترددَ إنْ ساورَنا شكٌّ في أمرِهِم أن نستشيرَ أهل العلمِ وأهلَ الفضلِ والعقلِ والحكمةِ ، لنكونَ يداً واحدةً في ميدانِ التقويمِ والإصلاحِ نسألُ اللهَ أن يوفقَ المسلمينَ للفقهِ في دينِهم ، وأن يجمعَهُم على الهُدى، وأن يوحِّدَ صفوفَهم وكلمتَهم على الحقِّ، وأن يمُنَّ عليهم بالاعتصامِ بكتابِهِ وسنةِ نبيهِ عليه الصلاةُ والسلامُ وتحكيمِ شريعتِهِ والتحاكُمِ إليها، والاجتماعِ على ذلكَ والتعاونِ عليهِ إنهُ جواد كريم، بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم
الخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ
الْحَمْدُ للَّـهِ حَمْدًا طَيِّبًا كَثِيرًا مُبَارَكًا فِيهِ كَمَا يُحِبُّ رَبُّنَا وَيَرْضَى، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَمَنِ اهْتَدَى بِهُدَاهُمْ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.
أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللهَ تَعَالَى وَأَطِيعُوهُ ﴿وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّـهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ﴾
أَيُّهَا المُسْلِمُونَ: كُلُّ مَنْ سَعَى بِقَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ لِإِحْدَاثِ الْفَوْضَى وَالِاضْطِرَابِ فِي بِلَادِ المُسْلِمِينَ عَادَ وَبَالُ ذَلِكَ عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا قَبْلَ الْآخِرَةِ، وَاسْتِهْدَافُ أَمْنِ المُسْلِمِينَ وَاسْتِقْرَارِهِمْ مِنْ كَبَائِرِ الذُّنُوبِ، وَلَا يَقَعُ فِيهِ إِلَّا هالكٌ . وَمَنْ أَشْعَلَ فِتْنَةً تُسْفَكُ فِيهَا الدِّمَاءُ، وَيُرْفَعُ فِيهَا الْأَمْنُ، وَيَزُولُ بها الِاسْتِقْرَارُ، بَلَغَتْهُ نَارُهَا فَأَحْرَقَتْهُ وَلَوْ ظَنَّ أَنَّهُ فِي مَأْمَنٍ مِنْهَا، فَالْجَزَاءُ مِنْ جِنْسٍ الْعَمَلِ.
وإننا لنستنكرُ تلكَ الجريمةَ النكراءَ وما انطوى عليهِ هذا العملُ الإجراميُّ من إفسادٍ في الأرضِ وانتهاكٍ لحرمةِ الأنفسِ المعصومةِ والتي استشهدَ فيها عددٌ من رجالِ حرسِ الحدودِ نسألُ اللهَ عزَّ وجلَّ أن يتقبلَهم في الشهداءِ وأنْ يسكنَهم فسيحَ جناتِه ،
حَمَى اللهُ تَعَالَى بِلَادَنَا وَبِلَادَ المُسْلِمِينَ مِنْ كُلِّ سُوءٍ وَمَكْرُوهٍ، وَأَدَامَ عَلَيْنَا وَعَلَى المُسْلِمِينَ الْأَمْنَ وَالِاسْتِقْرَارَ، إِنَّهُ سَمِيعٌ مُجِيبٌ.
هذا وصلوا وسلموا على من أمركم الله بالصلاة والسلام عليه فقال قولا كريماً... ((ان الله وملائكته يصلون على النبي يا يها الذين امنوا صلوا عليه وسلموا تسليما ))
فاللهم صل وسلم على نبينا محمد وعلى اله وصحبه اجمعين والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين
المفضلات