الخطبة الأولى
الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ، أحمدُهُ سُبحانه وأشكرُه على نِعمةِ الأمنِ والدّين، وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهَ وحدَهُ لا شريكَ لهُ وليُّ الصّالحينَ، وأشهدُ أنّ نبيّنا مُحمّدًا عبدُهُ ورسولُهُ إمامَ الْمتّقينَ ، وقائدَ الغرّ المُحجَّلين، صلّى الله عليهِ وعلى آلهِ وصحْبِه أجْمعين.
عباد الله / أوصِيكُم ونفْسي بتقوى اللهِ عزّ وجلّ (( يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ))
عباد الله / الأمنُ مطلبٌ عزيزٌ وكنز ثمين ، إذ ْهو قِوامُ الحياةِ الإنسانيةِ كلِّها ، تتطلعُ إليه المجتمعاتُ ، وتتسابقُ لتحقيقهِ السُّلُطاتُ ، وتتنافسُ في تأمينهِ الحكومات ، فهو مطلبٌ يسبقُ طلبَ الغِذاءِ ، فبغيرهِ لا يُستساغُ طعامٌ ، ولا يهنأُ عيشٌ ، ولا يلذُّ نومُ .
فالنفوسُ في ظلّهِ تُحفظُ، والأعراضُ والأموالُ تُصانُ ، والشرعُ يسودُ ، والاستقرارُ النفسيُّ والاطمئنانُ الاجتماعيُّ يحصل .
ونحن في هذه البلاد – عباد الله – نعيش مع هذه النعمةِ ومع غيرها من النعم التي لاتُعدُّ ولا تُحدُّ ، حتى أصبحت بلادُنا كحديقةٍ في حريقةٍ .
حديقةٌ لأنَّ فيها أولَ بيتٍ وُضع للناس، وخُتِم بنبيها الرسالات، وتَنزل آخرُ كتاب في ديارها .
حديقةٌ لأنها قبلةُ المسلمين ، ومُتنزلُ وحيِه ، ومولدُ رسولِه ، ومبعثُهُ ، ومُهاجِرهِ ، ومماتُه عليه الصلاة والسلام .
حديقةٌ لأنها تحتضنُ شعائرَ المسلمين ومَشاعِرَهُم ، ليس مرتبطا بمشاعرنا وحدنا فقط ؛ بل مرتبطٌ به كلُّ مسلم،
فأمننا أمنهم، واستقرارنا استقرارهم ، والله في مُحكمِ تنزيلهِ قالَ ((جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ قِيَامًا لِّلنَّاسِ ))
بلادُنا حديقةٌ غناءٌ ، ثمارُها : أمنٌ ، ورخاءٌ ، ووحدةٌ وطنيةٌ ليست مرتبطةٌ بعصبيةٍ ولا قبلية ، ولُحمةٌ وتماسكٌ بين أفرادها ؛ بل من أطيبِ ثِمارها : حمايةُ وخدمةُ الحرمين الشريفين .
ومما يُذكر ولا يُنكر ما أفاءَ اللهُ علينا في بلادنا من نعمةِ المالِ الفائض ، والخيرِ الوفير ، والعيشِ الرّغيدِ حتى شَهِدَ بذلك البعيدُ والقريبُ ، والعدوُّ والصديقُ ، وأضحى تأثيرُها على العالم أجْمع ، وهذا فضلٌ من الله تعالى ثُمَّ بفضلِ تمسكها واعتزازها في دينها ؛ معَ يقيننا أن الكمالَ عزيزٌ ، ورضَا الناسُ غايةٌ لا تدرك ، والنقصُ والخطأُ من شأن البشر ، ((الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُوْلَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ ))
عباد الله / هذه بلادُنا ، وهذه بعضُ ثمارِ تلك الحديقةِ الجميلةِ الغنّاء ؛ إلا أنّ هذه الحديقةَ في حريقةٍ كما أسْلفنا ! فَكَمْ مِنْ مُتربّصٍ يريدُ تفتيتَ بلادِنا ، وتمزيقَ شملِها ، وهدمَ وحدتها ، وانهيارَ كيانها ؛ بلْ جرّها لفتنٍ طائفية ، وتعصباتٍ قبليةٍ ، ومناهجَ دخيلة ، وتجاربَ مشبوهةٍ لا تعرف نتائجُها ،ولا تُحسب عَواقبُها ، وما حصلَ قبل أيامٍ منْ قتلِ رجالِ الأمنِ والاعتداء ِ عليهم في مركزِ جُدَيْدَةَ عرْعرَ الحدودي مع العراق ِمن قبلِ مجموعةٍ تكفيريةٍ متطرفة ماهو إلا عملٌ منكرٌ ، وجُرْمٌ شنيعٌ ، ولكُم أنْ تتأملوا الفرقَ بينَ القاتلِ والمقتولِ ؛ أما رجالُ الأمنِ فقد قال صلى الله عليه وسلم : ((كُلُّ مَيِّتٍ يُخْتَمُ عَلَى عَمَلِهِ إلاَّ الذِي ماتَ مُرَابِطًا فِي سَبيلِ الله، فإنَّهُ يُنَمَّى لهُ عَمَلُهُ إلَى يَومِ القِيَامَةِ، ويأْمَنُ فِتنَةَ القَبْرِ)) رواه مسلم ، وعِندَ ابن مَاجَه: ((مَنْ مَاتَ مُرَابِطًا فِي سَبيلِ الله
أُجْرِيَ عَلَيْهِ عَمَلُهُ الصَّالِحُ الذِي كَانَ يَعْمَلُ، وأجْريَ عَليْهِ رِزْقَهُ، وأُمِّنَ مِنَ الفَتَّانِ، وبَعثَهُ الله يَومَ القِيَامَةِ آمِنًا مِنَ الفَزَعِ))، يَقُولُ الطِّيبيُّ رَحِمهُ الله: "أي: يُقَدَّرُ لَهُ مِنَ العَمَلِ بَعْدَ مَوتِهِ كَمَا جَرَى مِنهُ قَبلَ المَمَاتِ، وأُجْرِيَ عَلَيهِ رِزْقُهُ، أي: يُرْزَقَ في الجَنَّةِ كالشُّهَدَاءِ، ذَلِكَ إذَا قَصَدَ حِرَاسَةَ الدِّينِ ونُصْرَةَ المسْلِمينَ وإعْلاءَ كَلِمَة الله".
أما القاتلُ منْ هولاءِ الدواعشِ وغيرهم منْ هولاءِ البغاةِ الخارجينَ عنِ الجماعةِ فقدْ روى الترمذيُّ وحسّنهُ أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال َ: ((مَنْ أهَانَ سُلْطَانَ الله في أرْضِهِ أهَانَهُ الله)) قالَ أهلُ العلمِ : ومنْ إهانةِ السُّلطانِ إهانةَ جُنْدِهِ ، وأيُّ إهانةٍ أعظمُ منَ الْقتْلِ ؟! فَلْيَنْتَظِرِ القَتَلَةُ لِرِجَالِ الأمْنِ الهَوانَ في الدُّنْيَا والهَوَانَ يَومَ القِيَامَةِ، كَمَا أخْبَرَ اللهُ بذلِكَ فقَال: ((وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا))
بَاْرَكَ اللهُ لِيْ وَلَكُمْ بِاَلْقُرَّآنِ اَلْعَظِيْمِ ، وَنَفَعَنِيْ وَإِيَّاْكُمْ بِمَاْ فَيْهِ مِنَ اَلآيَاْتِ وَاَلْذِّكْرِ اَلْحَكِيْمِ ، أَقُوْلُ قَوْلِيْ هَذَاْ وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِيْ وَلَكُمْ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ ، فَإِنَّهُ هُوَ اَلْغَفُوْرِ اَلْرَّحِيْمِ .
الخطبة الثانية
الْحَمْدُ للهِ عَلَىْ إِحْسَاْنِهِ ، وَالْشُّكْرُ لَهُ عَلَىْ تَوْفِيْقِهِ وَامْتِنَاْنِهِ ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَاْ إِلَهَ إِلَّاْ اللهُ ، وَحْدَهُ لَاْ شَرِيْكَ لَهُ تَعْظِيْمَاً لِشَأْنِهِ ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدَاً عَبْدُهُ وَرَسُوْلُهُ الْدَّاْعِيْ إِلَىْ رِضْوَاْنِهِ صَلَّى اللهُ عَلِيْهِ وَعَلَىْ آلِهِ وَأَصْحَاْبِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيْمَاً كَثِيْرَاً .
أما بعدُ فاتّقُوا اللهَ عبادَ الله ، واعْلموا أنّ المسؤوليةَ علينا جميعاً في المحافظةِ ، وحمايةِ هذه الحديقةِ الجميلةِ من الْحرائقِ المحيطةِ بها ،وذلك بالاعتزاز بهذا الدينِ ، وشُكْرِ المُنعمِ المُتفضّلِ ربِّ العالمينَ ؛ فالنّعمُ إذا شُكِرت زادت وقرّت ، وإذا كُفِرت زالت وفرّت ، وكذلك الانتماءُ المُخلصُ لهذا الوطنِ ، والشُّعورُ الجماعيُّ بِمسؤوليةِ الحفاظِ على الوطنِ ، والمُمتلكاتِ ، والمُكتسباتِ ، والالتفافُ حولَ الولاية الشرعية ، وصدُّ كُل فتنة ، أو مَسْلكٍ ، أو دعوةٍ تُهدّدُ أمنَ هذا الوطنِ ، ورغدِ عيشِهِ ، والوقوفُ صفا واحدا معَ ولاةِ أمرِنا في
وجهِ كلِّ مُتربصٍ ، ومواجهةِ كلِّ صائل ، ودَحرِ كُلِّ عادٍ كائنا من كان ، والعملُ على تحقيقِ قولِ الله تعالى (( وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا .. الآية ))
وقول رسولِهِ – صلى الله عليه وسلم - كما في الحديثِ الذي أخرجه مسلمٌ في صحيحه ، وأحمدُ في مسنده عن أبي هريرةَ - رضي الله عنه – أنَّ النبيَّ – صلى الله عليه وسلم – قال : (إِنَّ اللَّهَ يَرْضَى لَكُمْ ثَلاثًا ، وَيَسْخَطُ لَكُمْ ثَلاثًا : يَرْضَى لَكُمْ أَنْ تَعْبُدُوهُ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا ، وَتَعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلا تَفَرَّقُوا ، وَأَنْ تَنَاصَحُوا لِمَنْ وَلاهُ اللَّهُ أَمْرَكُمْ . وَيَسْخَطُ لَكُمْ : قِيلَ وَقَالَ ، وَكَثْرَةَ السُّؤَالِ ، وَإِضَاعَةَ الْمَالِ)
أسألُ اللهَ تعالى أنْ يَحْفظَ لنا حديقتَنا الغنّاءَ ، وأنْ يُجنّبَها الحرائقَ إنه وليُّ ذلك والقادرُ عليهِ ، هذا وصَلُّوا رَحِمَكُم الله ، على الهادي البشيرِ ، والسراجِ المنيرِ ، كما أمرَكم بذلك اللطيفُ الخبيرُ ، فقال سبحانه قولاً كريما (( إِنَّ اللهَ وَملاَئِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبيْ يَا أَيُّهَا الَّذِيْنَ آمَنُواْ صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً ))
المفضلات