الحمد لله ، مُظهرِ الحق ومبديهِ ، ومُنجزِ الوعد وموفيه ، ومسعدِ العبد ومشقيه ، أحمدُه حمداً يليق بكريم وجهه ، وعظيمِ سلطانه ، وعد من أطاعه بنعيم الْجِنانِ ، وتوعّد من جحده وعصاه ، بجحيم النيران ، وأشهد أن لا إله إلا الله ، وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمدا عبدُه ورسوله ، وصفيُّه وخليلُه ، وخيرتُه من خلقه ، صلى الله عليه ، وعلى آله وأصحابه ، وسلم تسليماً كثيراً.
أمّا بعد ، عباد الله فحديثنا في هذه الخطبة الثانية سيكون بإذن الله تعالى عن كلمات كثيرا ما نقولها وقد نجهل فوائدها الكثيرة وبركاتها العديدة ، وهي قولنا " لا حول ولا قوّة إلا بالله "، لذلك أقترح عليكم قصّة خفيفة عن صحابة رسول الله صلى الله عليه و سلّم عساها تجعلنا نزيد من تشبثنا بالسنّة الشريفة واتباع هدي المصطفى الكريم صلى الله عليه وسلّم .
فقد ذهب عوف بن مالك الأشجعي إلى رسول الله عليه الصلاة والسلام وقال له: يا رسول الله، إن ابني مالكًا ذهب معك غازيًا في سبيل الله ولم يعد، فماذا أصنع؟ لقد عاد الجيش ولم يعد مالك رضي الله عنه".
فقال رسول الله عليه الصلاة والسلام: ((يا عوف، أكثر أنت وزوجك من قول: "لا حول ولا قوة إلا بالله ")).
وذهب الرجل إلى زوجته التي ذهب وحيدها ولم يعد، فقالت له: ماذا أعطاك رسول الله يا عوف؟ قال لها: أوصاني أنا وأنتِ بقول: " لا حول ولا قوة إلا بالله".
فماذا قالت المرأة المؤمنة الصابرة؟
قالت: لقد صدق رسول الله عليه الصلاة والسلام .(تأمّل أخي المؤمن شدّة ثقتها برسول الله صلّى الله عليه وسلّم ، فكأنّها تحاكي قول الصدّيق رضي الله عنه حينما أخبره كفّار قريش بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلّم عن الإسراء والمعراج ، فماذا قال لهم أبو بكر : " إن كان قال فقد صدق " ومن ذلك اليوم سمّا النبي صلى الله عليه وسلّم " الصدّيق ".
إذن جلس عوف بن مالك وزوجته بعدما فقدا ابنهما ولم يعد مع العائدين من الغزو يذكران الله بقول: "لا حول ولا قوة إلا بالله"،
وأقبل الليل بظلامه، وطُرِق الباب، وقام عوف ليفتح فإذا بابنه مالك قد عاد، ووراءه رؤوس الأغنام ساقها غنيمة، فسأله أبوه: ما هذا؟
قال: إن القوم قد أخذوني وقيّدوني بالحديد وشدّوا وثاقي، فلما جاء الليل حاولت الهروب فلم أستطع لضيق الحديد وثقله في يديّ وقدميّ، وفجأة شعرت بحلقات الحديد تتّسع شيئًا فشيئًا حتى أخرجت منها يديّ وقدميّ، وجئت إليكم بغنائم المشركين هذه، فقال له عوف: يا بني، إن المسافة بيننا وبين العدو طويلة، فكيف قطعتها في ليلة واحدة؟!
فقال له ابنه مالك: يا أبت، والله عندما خرجت من السلاسل شعرت وكأن الملائكة تحملني على جناحيها. (سبحان الله العظيم! )وذهب عوف إلى رسول الله عليه الصلاة والسلام ليخبره، وقبل أن يخبره قال له الرسول عليه الصلاة والسلام:
((أبشر يا عوف، فقد أنزل الله في شأنك قرآنًا وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا *وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا)..تأمّل أخي المؤمن صدق نبوّة الرسول عليه الصلاة والسلام إذ أوحى الله إليه بسبب مجيئ عوف رضي الله عنه ، وانظر أخي المؤمن إلى كريم رعاية المولى عزّ وجلّ الذي يرانا ويسمعنا وينزل في شأن الصحابة قرآنا يتلى ويحفظ في الصدور إلى يوم الدين .
بقي أن تعرفوا إخوة الإيمان أن قول "لا حول ولا قوة الا بالله "كنز من تحت عرش الرحمن ،وهي دواء من ٩٩ داء ايسرهم الهم لقول النبي صلى الله عليه وسلّم :
" استعينوا بــ : لا حول ولا قوة إلا بالله ، فإنها تدفع تسعة وتسعين بابا من الضراء أدناها الهم " رواه الطبراني في الصغير والأوسط وهو حديث حسن .

نسأل الله أن يعلّمنا ما لا نعلم ويزيدنا من فضل إنّه سميع قريب مجيب.