خطبة جمعة
بعنوان
(( نعمة العقل ))
الخطبة 1032 كلمة
كتبها وضبطها بالشكل
عبدالله بن فهد الواكد
إمام وخطيب جامع الواكد بحائل
الخطبة الأولى
الحمدُ للهِ الذي أشمخَ الرواسي وبسطَ السهولَ ، ووهبَ لنا الألبابَ والعقولَ ، أحمدُهُ حمداً يليقُ بعظمتِهِ وجلالِهِ ، وينبغي لعزتِهِ وكمالِهِ ، وأشهدُ أنْ لا إله إلا اللهُ وحدَهُ لا شريكَ لهُ ، وأشهدُ أنَّ محمداً عبدُهُ ورسولُهُ ، صلى اللهُ عليهِ وعلى آله وصحابتِهِ أجمعين ،
أما بعدُ أيها المسلمونَ : فأوصيكم ونفسي بتقوى اللهِ عزَّ وجلَّ القائل ( يا أيُّها الذين آمنوا اتقوا اللهَ حقَّ تقاتِهِ ولا تموتُنَّ إلا وأنتم مسلمون )
إتقوا اللهَ أيها المسلمون ، وابتغوا بما حباكُمُ اللهُ منَ العقولِ مرضاةَ ربِّكُم ، ومغفرتَهُ وجنتَهُ ،
العقلُ أيها الناسُ : نعمةٌ عظيمةٌ ، ومنةٌ كريمةٌ ، لا يعرفُ قيمتَهُ إلا من رأى معتوهاً أو سفيهاً أو ضالاً أو منحرفاً ، العقلُ نعمةٌ ،
يزينُ الفتى في النــاسِ صحةُ عقلِهِ
وإن كان محظوراً عليـه مكاسِـبُـه
يعيشُ الفتى في الناسِ بالعقـلِ إنهُ
على العقلِ يجـري علمُهُ وتجاربـُـهُ
وأفضلُ قَسْــــمِ اللهِ للمـرءِ عقـلُـهُ
فـلـيـسَ مـنَ الأشـيـاءِ شـيءٌ يُقاربُه
إذا أكمـــلَ الـرحـمـــــنُ للمرءِ عـقـلَــهُ
فـقـد كـمُـلـتْ أخـلاقُـــهُ ومــآربُــــه
قسمَ اللهُ العقولَ بينَ عبادِهِ ، كما قسمَ الأرزاقَ ، وكما قسمَ المعيشةَ ، فالسعيدُ من اغتبطَ بعقلٍ ناضجٍ ، يهديهِ بإذنِ ربهِ إلى كلِّ خيرٍ وفوزٍ وفلاحٍ ، والشقيُّ من ابتليَ بعقلٍ منكوسٍ ، يرميهِ في كلِّ هاويةٍ وبليةٍ ، وفي كلِّ شرٍّ وضلالٍ ، وما أروعَ قولُ اللهِ عزَّ وجلَّ في شأنِ الكفارِ ( وقالوا لو كنا نسمعُ أو نعقلُ ما كنا في أصحابِ السعيرِ ، فاعترفوا بذنبهم فسُحقا لأصحابِ السعير ) وقال تعالى في آية أخرى ( إنَّ شرَّ الدوابِ عندَ اللهِ الصمُّ البكمُ الذين لا يعقلون ) وقال سبحانه ( أم تحسبُ أنَّ أكثرَهُم يسمعونَ أو يعقلون ، إنْ هُم إلا كالأنعامِ بل هُم أضلُّ سبيلاً ) ، فكلُّ هؤلاءِ لهم عقولٌ ، ولهم قلوبٌ ، ولهم آذانٌ ، ولهم أعينٌ ، لكنها عُطِّلتْ عن سماعِ الحقِّ واتباعِهِ ، وهذه واللهِ التي أهلكَتْ مَنْ هلكَ ، وأزاغتْ من زاغَ ، فهذا العقلُ الذي كرَّسَهُ اللهُ أعلى جسدِكَ ، وأظلَّهُ اللهُ سقفَ هامتِكَ ، ما كانَ ليتبوَّأَ هذا المكانَ الشامخَ ، لولا قيمتُهُ ونفاستُهُ ، أمرَ اللهُ بحفظِهِ ، وحرَّمَ ما يُفسِدُهُ وما يُذهِبُهُ ، هو ملكُ الدارِ ، وأسدُ العرينِ ، والقائمُ على هذا الإنسانِ ، بل القائمُ على الحياةِ الإجتماعيةِ ، حينما ترى الطائرةَ وهي تمخرُ الأجواءَ ، وترى السيارةَ وهي تجوبُ الشوارعَ ، وتقومُ على خدمةِ الناسِ ، وترى الصناعاتِ والجوالاتِ والفضائياتِ والمعداتِ والآلياتِ ، تتعجبُ مِنْ مهارةِ هذا العقلِ الذي في حجمِ قبضةِ اليدِ ، تندهشُ مِن هذه الهبةِ الربانيةِ ، فهو إنْ توجهْهُ للخيرِ يكن خَيِّراً وإنْ توجهْهُ للشرِّ يكُنْ شِرِّيراً ، إنْ تُحرِّكْهُ يُنتجْ ويعملْ ، وإنْ تُعطِّلْه يَنَمْ ويَكسلْ ، عجيبٌ هذا العقلُ أيها المسلمون ، الذي ملأَ الأرضَ عِمارةً وبناءً ، فنشهدُ أنْ لا إله إلا اللهُ على عظيمِ خلقِهِ ، ودقةِ صنعتِهِ ، فإذا أصبحَ العقلُ محاطاً بشريعةِ اللهِ تعالى ، وبِدينِ مَنْ أبدعَهُ ، أصبحَ صاحبُ ذلكَ العقلِ ، فائزاً في الدنيا فالحاً في الآخرةِ ،
أيُّها المسلمون : بعدَ غَدٍ تعودُ حياةُ العملِ والدراسةِ إلى مجاريها ، فيا أيها المربونَ والمعلمونَ ، ويا أيتها المربياتُ والمعلماتُ نستودعُ اللهَ ثم أنتم عقولَ أبنائِنا وبناتِنا ، الأمةُ عَهِدتْ إليكم بهذهِ المسئوليةِ ، وأناطت برقابِكم هذه الأمانةُ ، وأنتُم أهلٌ لها ، فاللهَ اللهَ بآمالِ الغدِ ، وفلذاتِ الكبِد ، اللهَ اللهَ بعقولِهِم وأخلاقِهِم ، وتربيتِهم وسلوكِهِم ، أيها المعلمُ : هؤلاءِ أبناؤُكَ ، بالعقيدةِ السليمةِ الصافيةِ ، وبالعقلِ الناضجِ ، وبالعلمِ الغزيرِ ، تفتحُ الآفاقَ لعقولِهِم ، وتبني فيهِمُ الهمَّةَ ، وتحبِّبُهم للعلمِ والمعرفةِ ،
أيُّها المعلمونَ : إنْ كانتْ عقولُ البشرِ صَنعتْ وبَنَتْ وأنتجتْ ، فأنتم مَنْ بنيتُمْ هذهِ العقولَ ، وكم مِنْ طبيبٍ ماهرٍ ، ومهندسٍ حاذقٍ ، وفكرٍ ناضجٍ ، كانَ بسببِ مُعلِّمٍ واحدٍ لقي منه التشجيعَ والتوجيهَ ، فلكُم قصبُ السَّبْقِ في ذلكَ نسألُ اللهَ أنْ يوفقَكُم ويعينَكُم ، وأنْ يوفقَ فلذاتِ الأكبادِ ويعينَهم ، ويوفِقَكُم أنتم أيها المسلمونَ ويعينَكُم على العنايةِ والرعايةِ ( فكلُّكُم راعٍ وكلٌّ مسؤولٌ عن رعيتِه )
أعوذُ باللهِ من الشيطانِ الرجيمِ ( وما الحياةُ الدنيا إلا لعبٌ ولهوٌ وللدارُ الآخرةُ خيرٌ للذينَ يتقونَ أفلا تعقلون )
باركَ اللهُ لي ولكم في القرآنِ العظيم
ونفعني وإياكم بهدي سيد المرسلين
وتاب علي وعليكم وعلى سائر المسلمين
فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم
الخطبة الثانية
الحمدُ للهِ على إحسانِهِ والشكرُ له على توفيقِهِ وامتنانِهِ ، وأشهدُ أنْ لا إله إلا اللهُ تعظيماً لشأنِهِ ، وأشهدُ أنَّ مُحمَّداً عبدُهُ ورسولُهُ الداعي إلى رضوانِه
صلى اللهُ عليهِ وعلى آلهِ وأصحابِهِ وأعوانِهِ
وسلمَ تسليماً كثيراً
أيُّها المسلمونَ ، أيُّها الأولياءُ ، أيها المعلمونَ : كونوا يداً واحدةً ، في وجهِ أفتكِ الأسلحةِ بالعقولِ ، كونوا صفاَّ واحداً في وجهِ المخدراتِ ، فإنَّ أغلى ما تملكُ الأمةُ هم شبابُها وأبناؤُها ، ذكوراً وإناثاً ، لأنهم رجالَ المستقبلِ ، وبُناةَ الوطنِ ، وهو ما يركِّزُ عليه أعداءُ الأمةِ في المخدراتِ ، فالمخدراتُ ليسَتْ مصدرَ كسبٍ لمروِّجِيها ومهربِيها فحسب ، إنما هي جُهدٌ جبارٌ لأعداءِ الأمةِ ، دولاً كانَتْ أم جماعاتٍ ، وتقومُ بذلكَ مِن خلالِ إغراءاتٍ ماليةٍ هائلةٍ ، يسستميلونَ بها ضعافَ النفوسِ مِن بني جلدتِناَ ومِنْ غيرِهم ، في بثِّ هذهِ السمومِ المدمرةِ للعقولِ والأخلاقِ والأجسامِ ، وواللهِ إنَّ ترويجَ المخدراتِ أعظمُ خيانةً للأمةِ في مقدراتِها وفي بُنيتِها البشريةِ ، ونحنُ أيُّها المسلمونَ نشكرُ رجالَ مكافحةِ المخدراتِ ، على جُهدِهِم العظيمِ ، في وجهِ هذهِ الهجماتِ الشرسةِ على بلادِنا المصونةِ ، وندعوا اللهَ أنْ يحفظَهُم ويوفقَهُم ويجزيَهُم على جهودِهم خيرَ الجزاءِ فإنَّهُم حقيقةً في حربٍ معَ عصاباتِ المخدراتِ ، وينبغي التعاونُ معَهُم لحفظِ العقولِ والشبابِ ، ومقدراتِ الأمةِ ،
أيها المسلمون : أيها الشبابُ خاصةً : هذا العقلُ الذي وهبَهُ اللهُ لك ، هو منحةٌ من اللهِ عزَّ وجلَّ ، حُرِمَ منهُ كثيرونَ ، فاحْمَدِ اللهَ أنَّ عقلَكَ ناضجٌ ، وفكرَكَ سليمٌ ، فحافظْ على هذهِ الدرةِ النادرةِ ، ونَمِّ عقلَكَ وفكرَكَ بما ينفَعُك في الدنيا والآخرةِ ، واعلمْ أنَّ العقولَ والأفكارَ على كثرتِها سلكَ بعضٌ منها طرائقَ قدداً ، ومناهجَ شتَّى ، فاجعلْ حاديكَ دينُ اللهِ ، وسنةُ رسولِ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلمَ ، واحذرْ أنْ يقودَكَ استحسانُ بعضِ الآراءِ البراقةِ ، والأفكارِ المنمقةِ ، إلى تركِ ما عليهِ النبيُّ صلى اللهُ عليه وسلمَ وأصحابَهُ ، فهو المسلكُ القويمُ ، والطريقُ المستقيمُ فعنِ الْعِرْبَاضِ بْنِ سَارِيَةَ ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قَالَ : " عَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ الْمَهْدِيِّينَ بَعْدِي عَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ " .
صلوا على محمدٍ وعلى آلِ محمدٍ
كما أمركم ربُّكُم بذلك فقال (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً )
المفضلات