الحمدُ للهِ المبدئِ المعيدِ ، الفَعَّالِ لما يريدُ ، ذي العرشِ المجيدِ ، والبطشِ الشديدِ ، أشهد أن لا إلهَ إلا هو وحدَهُ لا شريكَ لهُ ، وأشهدُ أن محمداً عبدُهُ ورسولُهُ المبعوثِ بالقرآنِ المجيدِ ، صلى اللهُ وسلم عليه ، وعلى آلِهِ وصحبِهِ ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يومِ الوعيدِ (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ) (يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ) (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً)أما بعد أيها الأحبةُ في اللهِ ، يقولُ المولى جلَّ وعلا(وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِلْعَالِمِينَ)وفي الحديثِ كما عِندَ أبي داوود وأحمد والترمذي ، من حديثِ أبي مُوسَى الأَشْعَرِىُّ رضي الله عنه ، قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ {إِنَّ اللَّهَ خَلَقَ آدَمَ مِنْ قَبْضَةٍ قَبَضَهَا مِنْ جَمِيعِ الأَرْضِ ، فَجَاءَ بَنُو آدَمَ عَلَى قَدْرِ الأَرْضِ ، جَاءَ مِنْهُمُ الأَحْمَرُ وَالأَبْيَضُ وَالأَسْوَدُ وَبَيْنَ ذَلِكَ ، وَالسَّهْلُ وَالْحَزْنُ وَالْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ} زَادَ فِى حَدِيثِ يَحْيَى{ وَبَيْنَ ذَلِكَ }قالَ بن كَثرٍ رَحِمَهُ اللهُ في تفسيرِهِ ، وكذلك الدّوابُ والأنعامُ ، مُختَلفةُ الألوان ، حتى في الجِنسِ الواحدِ، بل النّوعِ الواحدِ ، مِنْهُنَّ مُختَلِفُ الألوان، بل الحيوانِ الواحدِ ، يَكونُ أبلق، فيه من هذا اللون وهذا اللون( فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ ) جاءَ في صحيحِ البخاري ، أنَّ أبا ذرٍ رضي الله عنه قال سَابَبْتُ رَجُلاً ، فَعَيَّرْتُهُ بِأُمِّهِ ، فَقَالَ لِىَ النَّبِىُّ {يَا أَبَا ذَرٍّ!!!أعيرتَهُ بأمِّهِ ؟ إنك امرؤٌ فيكَ جاهليةٌ }وفي روايةٍ أنها قالَ لبلالِ رضي الله عنه ،[ يا بن السوداء]فيستجعي النبي ص أبا ذر ، يقول أبا ذر والله ما أدري هل رد علي النبي السلام أم لا من شدة الغضب ، أعيرتَهُ بأمِّهِ ؟ إِنَّكَ امْرُؤٌ فِيكَ جَاهِلِيَّةٌ ، نَعم إن رسولَ اللهِ يؤسسُ مُنذُ أن بدأَ دعوتَهُ هذا المبدأَ (إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ) لا مالَ ، ولا جاهَ ، ولا نسبَ ، ولا لونَ ، ثم تأتي يا أبا ذرٍّ فتهدمُ ذلك كلَّهُ{ إنك امرؤٌ فيكَ جاهليةٌ } هكذا قالَ له رسولُ اللهِ .فلماذا نُعيرُ الناسَ بأجناسِهم ، أو بِألوانِهم ، أو بِقبائلِهم ، إنَّ هذه خطيئةً كبرى في الإسلامِ ، بل هي هَدمٌ للقواعدِ التي بُنيَ عليها هذا الدينُ ، اللهُ عزَّ وجلَّ يقول (وَلا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ ) عندما تلمزُ أحداً من المسلمينَ ، إنما تلمزُ نفسَكَ ، إن ذوي العقولِ القاصرةِ ، هُم الذينَ لا ينظرونَ إلى الإسلامِ ، ولا إلى النَّاس ، إلا من خلالِ مجتمَعِهمُ الصغيرِ ، إلا من خلالِ مجموعتِهم القليلةِ، وهذا لعمرُ اللهِ ضررٌ بالإسلامِ ، وضررٌ بالإنسانِ ،لأنَّ المسلمَ والأمةَ المسلمةَ ، كيانٌ واحدٌ ، وجسدٌ واحدٌ ، يقولُ عليهِ الصلاةُ والسلام{مثلُ المؤمنينَ في توادِّهم وتراحُمِهِم وتعاطُفِهم كمثلِ الجسدِ الواحدِ إذا اشتكى منهُ عضوٌ تداعى له سائرُ الجسدِ بالسهرِ والحمى}فَكيف لك أن تُطلقَ اللِسَانَ بِأخيك ، سُخريةً ونميمةً وغيبةً وهمزاً ولَمزَاً ، وتَنظرُ إليهِ باحتقارٍ وازدراءٍ والنبي { ليس المؤمنُ بالطعانِ ولا باللعانِ ولا بالبذيءِ ولا بالفاحشِ ولا بالمتفحشِ } دَخَلَ رَهْطٌ مِنَ الْيَهُودِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ كما في البُخاري من حديثِ عائشةَ رضي الله عنها ، فَقَالُوا السَّامُ عَلَيْكُمْ وفي روايةٍ عند الإمامِ أحمد [فَقَالُوا السَّامُ عَلَيْكَ يَا أَبَا الْقَاسِمِ]يعني [الموت] قَالَتْ عَائِشَةُ فَفَهِمْتُهَا ، فَقُلْتُ وَعَلَيْكُمُ السَّامُ وَاللَّعْنَةُ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ {مَهْلاً يَا عَائِشَةُ ، إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الرِّفْقَ فِى الأَمْرِ كُلِّهِ}فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ ، وَلَمْ تَسْمَعْ مَا قَالُوا ؟ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ {قَدْ قُلْتُ وَعَلَيْكُمْ}صلى عليك الله يا علمَ الهُدى { ليس المؤمنُ بالطعانِ ولا باللعانِ ولا بالبذيءِ ولا بالفاحشِ ولا بالمتفحشِ } يقولُفي الحديثِ الذي رواه الطبراني وهو صحيحٌ: { من ذكرَ امرئٍ بشيءٍ فيه ليعيبَهُ به حبسَهُ اللهُ في نارِ جهنمَ حتى يأتيَ بنفاذِ ما قالَ فيهِ }
فَاحذر لسانَك أيهـا الإنسـانُ لا يلدغنـَّك إنـه ثعبــانُ
كم في المقابرِ من قتيلِ لسانِهِ قد كانَ هابَ لقاءَهُ الشجعانُ في البخاري من حديثِ بلالِ بنِ الحارثِ المُزني قالَ: قالَ رسولُ اللهِ : {إن الرجلَ ليتكلمُ بالكلمةِ من رضوانِ اللهِ عز وجل ما يظنُّ أن تبلغَ ما بلغتْ، يكتبُ اللهُ عز وجل له بها رضوانَهُ إلى يومِ القيامةِ ، وإن الرجلَ ليتكلمُ بالكلمةِ من سخطِ اللهِ عز وجل ما يظنُّ أن تبلغَ ما بلغتْ يكتبُ اللهُ عز وجل بها عليهِ سخطَهُ إلى يومِ القيامةِ } يُلقي الرجلُ الكلمةَ لا يُلقي لها بالاً وهو يحتسي القهوةَ والشاي ، ويريدُ أن يملأَ فراغَهُ ويُضحكَ خلاّنَهُ ، أو الذين يسامرونَهُ ويُجالسِونَهُ ، أو أصدقائَهُ الذين يركبونَ معه في سيَّارَتِهِ ، فيتكلمَ الكلمةَ سُخريةً في أخيهِ المسلمِ ، أو لمزاً أو همزاً، وما يدري أن هَذهِ الكلمةَ ، أسخطةِ الجبار ،الذب تسخطُ لِسَخطِهِ السَّماواتُ والأرض ( تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدّاً) يقولُ علقمةُ:رَحمه الله [كم من كلامٍ منعنيهِ حديثُ بلالِ بنِ الحارثِ أن أقولَهُ ] والحديثُ في البخاري ورواهُ أحمدُ، فَثلاثٌ كلُّها محرمةٌ :وكُّلُها هينه ، عندّ كثيرٍ من النَّاس ، السخريةُ، واللمزُ، والتنابزُ بالألقابِ ،واللهُ عزَّ وجلَّ يقول (وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّناً وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ) ...بارك الله لي ولكم في القران العظيم
الحمدُ للهِ ثم الحمدُ للهِ ثم الحمدُ للهِ ، والصلاةُ والسلامُ على رسولِ اللهِ سيدِنا محمدِ بنِ عبدِ اللهِ ، وعلى آلِهِ وصحبِهِ ومن والاه، رحمَ اللهُ امرءاً عرفَ حدَّهُ فوقفَ عندَهُ و{بحسبِ امرئٍ من الشرِّ أن يَحقِرَ أخاهُ المسلمَ }.( وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ) وويلٌ: كلمةُ عذابٍ وتهديدٍ، وقالَ بعضُ المفسرينَ: وادٍ في جهنمَ شديدٌ حره بعيد قعره ، نحنُ إخوةٌ، وكلُّ مسلمٍ في أرجاءِ الأرضِ ، إنما هو أخوكَ تجمعُكَ به هذه الوشيجةُ ، وشيجةُ الإسلامِ ، ولا تظننَّ أن الصيامَ والصلاةَ والزكاةَ أعظمَ عندَ اللهِ من صونِ حرماتِ المسلمِ ، ونُصرَتِهِ وعدمِ خُذلانِهِ ، ولا تظننَّ أن الزنا والربا ، أعظمَ حرمةً من عرضِ المسلمِ ، فلا تَدع هذهِ القِطعةَ الصغيرةَ ، التي لا تتعدى بضعةَ سنتيمتراتٍ ، ولا تقبلُ أن تجرَّكَ إلى النارِ وأنتَ راضٍ، هذهِ القطعةٌ التي جعلَها اللهُ بين سجنينِ عظميِّينِ، في داخلِ أربعةِ سجونٍ، سجونٍ عظميّةٍ ، فكينِ عظميِّينِ وشفتينِ ، حتى تنتبهَ إلى الخِلقةِ الربانيةِ فلا تطلقْها على عنانِها، وجعلَ لكَ ربُّكَ ، أذنينِ اثنتينِ ولساناً واحداً حتى تسمعَ أكثرَ مما تقولُ : عبادَ اللهِ تعلمونَ أنَّ خيرَ الحديثِ كتابُ اللهِ ، ألا فتمسكوا بهِ ، وخيرَ الهدي هديُ محمدٍ ألا فاقتدوا بهِ ، وشرَّ الأمورِ محدثاتُها فاجتنبوها ، فإنَّ كلَّ محدثةٍ بدعةٌ ، وكلَّ بدعةٍ ضلالةٌ ، وكلَّ ضلالةٍ في النارِ ، وعليكم بجماعةِ المسلمينَ ، فإن يدَ اللهِ على الجماعةِ ، ومن شذَّ شذَّ في النارِ ، عياذاً باللهِ من ذلك ، واعلموا أنكم غداً بين يدي اللهِ موقوفونَ ، وعن أعمالِكم محاسبونَ ، وعلى تفريطِكم نادمون ، ( وَسَيَعْلَمُ الَّذِيْنَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُون ) ألا وصلوا رحمني اللهُ وإيَّاكم ، على الهادي البشيرِ ، والسراجِ المنيرِ ، كما أمرَكم بذلك اللطيفُ الخبيرُ ، فقال سبحانه قولاً كريما ( إِنَّ اللهَ وَملاَئِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبيْ يَا أَيُّهَا الَّذِيْنَ آمَنُواْ صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً ) وقد قال عليه الصلاةُ والسلامُ { حيثما كنتم فصلوا عليَّ فإنَّ صلاتَكم تبلغني }وقال{ من صلى علي صلاةً صلى اللهُ عليه بها عشراً } اللهم صلِّ وسلمْ وأنعمْ وأكرمْ وزدْ وباركْ ، على عبدِك ورسولِكَ محمدٍ ، وارضَ اللهم عن أصحابِهِ الأطهارِ ، ما تعاقبَ الليلُ والنهارُ ، أبي بكرٍ وعمرَ وعثمانَ وعليٍّ ، وعن سائرِ أصحابِ نبيِّك أجمعين ، وعن التابعينَ وتابعِيهم بإحسانٍ إلى يومِ الدينِ ، وعنَّا معَهم بمنِّكَ وفضلِكَ ورحمتِكَ يا أرحمَ الراحمينَ .اللهم أعزَّ الإسلامَ المسلمينَ ، ودمرْ أعداءَ الدينِ من اليهودِ والنصارى ، وجميعِ الكفرةِ الملحدينَ ، اللّهُم يا عظيمَ العفوِ ، ويا وسعَ المغفرةِ ، ويا قريبَ الرّحمةِ ، ويا ذا الجلالِ والإكرامِ ، هبْ لنا العافيةَ ، في الدُنيا والآخرةِ ، اللّهُم اجعلْ رزقَنَا رغداً ، ولا تُشمتْ بنا أحداً ، اللهم إنا نسألُكَ ، بعزِّكَ الذي لا يرامُ ، وملكِكَ الذي لا يُضامُ ، وبنورِكَ الذي ملأ أركانَ عرشِكَ ، أن تكفيَنا شرَّ ما أهمَنا وما لا نهتمُ به ، وأن تعيذَنا من شرورِ أنفسِنا ومن سيئاتِ أعمالِنا ، اللهم رَغّبْنا فيما يبقى ، وَزَهّدْنا فيما يفنى ، وهبْ لنا اليقينَ ، الذي لا تسكنْ النفوسُ إلا إليهِ ، ولا يُعوَّلُ في الدينِ إلا عليهِ ، اللهم اجعلْ بَلدَنا هذا آمناً مطمئناً ، وسائرَ بلادِ المسلمينَ ، اللهم أيدْ إمامَنا بتأيدِكَ ، وانصرْ بهِ دينَكَ ، ووفقْهُ إلى هُدَاكَ ، واجعلْ عمَلَهُ في رضاكَ ، وارزقْهُ اللهم البطانةَ الصالحةَ الناصحةَ ، التي تدلُهُ على الخيرِ ، وتعينه عليه، اللهم أرحمْ موتانا ، وعافي مُبتلانا ، واقضِ الدينَ عن مدينِنا ، وردَّ ضالَنا إليكَ رداً جميلاً ، ( رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ) (ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار) ، عبادَ اللهِ إن اللهَ يأمرُ بالعدلِ والإحسانِ وإيتاءِ ذا القربى وينهى عن الفحشاءِ والمنكرِ والبغي يعظُكم لعلكم تذكرونَ ( وَأَقِمِ الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ
المفضلات