الخطبة الأولى
الحمدُ لله خلق َفأبْدع ، وحَكَم فشرّع ، وخفضَ من خلقه من شاء ورفع، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، أكرمُ من أعطى وأحكمُ من منع، وأشهد أنّ محمدًا عبدُه ورسولُه الشافعُ المُشَفّع ، صلى الله وسلم عليه وعلى آله وأصحابه السجَّدِ الرُّكع، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين ، وسلّم تسليماً كثيراً .
أما بعد : أيها الناس / أوصيكم ونفسي بتقوى الله عز وجل ((يأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ ))
فاتقوا اللهَ عبادَ الله , واعلموا أن مِنْ أصولِ الإيمان: الإيمانَ بالملائكةِ, والتصديقَ بوجودِهم، وأنهم عبادٌ مكرمون، خلقهم الله لعبادتِه، وتنفيذِ أوامِره. (( لا يَعصُونَ اللهَ ما أَمَرَهم ويَفْعَلُونَ ما يُؤْمَرُون )) وهُم مِنْ أَعْظَمِ خَلْقِ الله, خَلَقَهُم اللهُ تعالى مِن نُور، وَهُم بالنسبةِ إلى الأعمال التي يقومون بها أصنافٌ، فمنهم حملةُ العرش، ومنهم المُقَرَّبون ومِنْهُمُ المُوكلون بالنار، ومنهم المُوكلون بالجنة، ومنهم جبريلُ المُوكل بالوحي ، وَهُمْ مِنْ أَنْصَحِ العِبادِ لِلعِباد, كما قالَ مُطَرِّفِ بنِ عبدِ الله: " وَجَدْنا أنْصْحَ عِبادِ اللهِ لِعِبادِ اللهِ تعالى الملائكة، وَوَجَدْنا أَغَشَّ عِبادِ اللهِ لِعِبادِ اللهِ تعالى الشيطان ".
وَمِنْ نُصْحِ المِلائكةِ لِعِبادِ اللهِ المُؤْمنين اسْتِغْفارُهُم لهم إذا قاموا بِأَسْبابِ الإيمانِ وَلَوازِمِه. ومِنَ الأدلةِ على ذلك:
استغفارُ الملائكةِ للمؤمنين الذين جَمَعُوا بين التوبةِ والإستقامة, والدعاءُ لهم بدخولِ الجنةِ مَعَ مَن صَلَحَ مِن أبائِهم وأزواجِهم وذرياتِهم, كما قال تعالى: ( الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيم * رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدْتَهُمْ وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ )
وكذلكَ استِغفارُهُم لِمَن يُصَلُّون الفَجْرَ والعَصْرَ جماعة, كما في الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( يتعاقبون فيكم: ملائكةٌ بالليل وملائكةٌ بالنهار، ويجتمعونَ في صلاة الْعصر وصلاةِ الفجر، ثم يَعْرُجُ الذين باتُوا فيكم، فيسألُهُم وهو أعلم بهم، فيقولُ: كيف تركتم عِبادي؟ فيقولون: تركناهم وهم يُصَلّونَ، وأتيناهم وهم يصلونَ ) وفي رواية لأحمد: ( قال: فيقولون: جئناهم وهم يُصلون وتركناهم وهم يصلون، فاغُفر لهم يوم الدين ) وإن مِمَّا يُؤسَفُ له, أَنَّ أكثَرَ المُتَخَلِّفينَ عن الجماعة, هُمُ المُتَخَلِّفونَ عن صَلاتَي العصرِ والفجر.
وكذلكَ استغفارُهم لِمَن جَلَسَ في المسجدِ مُتَطَهِّراً يَنْتَظِرُ الصلاةَ, أو كذلك جَلَسَ في مَجْلِسِهِ بعدَ الفراغِ مِنَ الصلاة, فقد أخبَرَ النّبيُّ صلى الله عليه وسلم أنّ الملائكةَ تقولُ: ( اللّهم اغْفِرْ لَهُ اللّهم ارْحمْهُ ما دامَ في مجلِسِه )
واستِغْفارُهُم لِمَن باتَ مِن الليلِ على وُضوء, عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: ( مَنْ بات طاهراً, باتَ في شِعارِه مَلَكٌ, لا يَسْتَيْقِظُ ساعةً مِنْ لَيْلٍ إِلاّ قال المَلَك: اللهم اغفر لِعبدِكَ فلاناً فإنه باتَ طاهرا ). رواه ابنُ خُزيمة. والشِّعار: هو الِّلباسُ الداخلي الذي يَلي الجِلد.
واستِغفارُهُم لِمَن عادَ مَريضاً, عن ابن عمر رضي الله عنهما, عن رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم قال: ( ما مِنْ رجلٍ يَعودُ رجُلاً مُمْسِياً إلا خرَجَ مَعَه سبعون ألفَ ملك يَستغفرون له حتى يُصبح, وكان له خريفٌ في الجنة, ومَنْ أتاه مُصبحاً, خَرَجَ معه سبعون ألف مَلَكٍ يستغفرون له حتى يُمسي, وكان له خريفٌ في الجنة ) رواه أبو داود،وصححه الألباني .
فَيَنْبَغِي للمسلم أن يَحْتَسِبَ الأجْرَ في ذلك, وأن يَسْتَشْعِرَ أنه يَعْبُدُ اللهَ في عيادَتِه للمرضى, كي لا يُحْرَمَ هذا الثواب.
باركَ اللهُ لِي وَلَكُم فِي القُرآنِ الْعَظِيم، وَنَفَعنِي وَإِيّاكُمْ بِمَا فِيِه مِنْ الآيَاتِ وَالذّكرِ الْحَكِيم، أَقُولُ مَا تَسْمَعُون وَاسْتَغْفُرُ اللهَ لِي وَلَكُم وَلِسَائرِ الْمُسْلِمِين مِنْ كُلِّ ذَنبٍ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيم.
ِالخطبة الثانية
الْحَمْدُ للهِ عَلَى إِحْسَاْنِهِ ، وَالْشُّكْرُ لَهُ عَلَىْ تَوْفِيْقِهِ وَامْتِنَاْنِهِ ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَاْ إِلَهَ إِلَّاْ اللهُ ، وَحْدَهُ لَاْ شَرِيْكَ لَهُ تَعْظِيْمَاً لِشَأْنِهِ ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدَاً عَبْدُهُ وَرَسُوْلُهُ الْدَّاْعِي إِلَى رِضْوَاْنِهِ صَلَّى اللهُ عَلِيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَاْبِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيْمَاً كَثِيْرَاً .
أما بعد عباد الله: اتقوا الله تعالى ، واعلموا أن العلاقةَ بين الملائكة وبين عباد الله المؤمنين وثيقةٌ ، فالملائكة تحبّ المؤمنين، ففي الصحيحين من حديث أبي هريرة قال صلى الله عليه وسلم: ((إِذَا أَحَبَّ اللَّهُ الْعَبْدَ نَادَى جِبْرِيلَ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ فُلَانًا فَأَحْبِبْهُ فَيُحِبُّهُ جِبْرِيلُ فَيُنَادِي جِبْرِيلُ فِي أَهْلِ السَّمَاءِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ فُلَانًا فَأَحِبُّوهُ فَيُحِبُّهُ أَهْلُ السَّمَاءِ ثُمَّ يُوضَعُ لَهُ الْقَبُولُ فِي الْأَرْضِ )) والملائكة تصلي علينا، وصلاتها بمعنى الدعاء للناس والاستغفار لهم،((هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُمْ مِنْ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ)) وقال صلى الله عليه وسلم ((إنّ اللهَ وملائكتَه وأهلَ السماوات والأرض حتى النملةَ في جحرها وحتى الحوتَ لَيُصَلُّونَ على مُعَلّم الناسِ الخير )) رواه الترمذي ، وحسنه الألباني .
وقال صلى الله عليه وسلم (( إنَّ الله َوملائكتَه يُصلونَ على ميامنَ الصُّفوفِ )) رواه أبوداود ، وحسنه الألباني .
فاتقوا الله عباد الله واحرصوا على أن تكونوا ممن تحبه وتستغفر وتدعوا له الملائكة ، هذا وصلوا وسلموا على من أمركم الله بالصلاة والسلام عليه ، فقال : ((إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا )) اللهم صلِّ وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين والحمد لله رب العالمين .
المفضلات