الحمدُ للهِ ربِّ العالمين ، الرحمنِ الرّحيم ، مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ ، أمرَنا باتباعِ صراطِهِ المستقيمِ ونهانا عن اتِّباع سبلِ أصحابِ الجحيمِ أشهدُ أن لا إلهَ لنا غيرُه ، ولا ربَّ لنا سِواه ، الملكُ البرُّ الرحيمُ وأشهدُ أن محمداً عبدُهُ ورسولُهُ ، بلَّغَ البلاغَ المبينَ ، وقال : { عليكم بسنَّتي وسنَّةَ الخلفاءِ الراشدين } صلى الله عليه وعلى آلِهِ وأصحابِهِ ، الذين تلقوا عنه الدينَ ، وبلَّغوهُ للمسلمينَ ومن تبعَهم بإحسانٍ إلى يومِ الدينِ ، وسلم تسليماً كثيراً (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً) (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً) (يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً) أما بعدُ :أيها المُسلمُون ، لقد كانَ النبيُّ e يهتمُ بشهرِكم هذا ، اهتماماً كبيراً وكان : يَحُثُ أُمتَهُ على الصّيامِ ، وقراءةِ القرانِ والصدقاتِ وغيرِها من الأعمالِ الصالحةِ ،ولِذلك يقولُ أنسٌ بن مالكy[ كان المسلمونَ ، إذا دخلَ شعبانُ ، انكبواعلى المصاحفِ فقرءوها ، وأخرجوا زكاةَ أموالِهم تقويةً للضعيفِ والمسكينِ ، على صيامِ رمضانَ] ولعلَّ من مزايا شهرِ شعبانَ ، تحويلَ القبلةِ ، من بيتِ المقدسِ إلى الكعبةِ المشرفةِ ، فإن ذلك كان في نِصفِ شعبانَ ، وقد كان هذا التحويلُ ، إختباراً للمؤمنينَ ، فيما يُظهرونَهُ من الصّدقِ والرِّضا ، وفتنةً للمرتابين ، فيما يظهرونَهُ من الشكِّ والاعتراضِ ، كما قال تعالى ( وَمَا جَعْلنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْهَا إِلاَّ لِنَعْلَمَ من يَتَّبِع الرَّسُولُ مِمَّن ينْقَلِبُ عَلَى عَقِبَيهِ ) ويقولُ تعالى ( سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ مِنَ النَّاسِ مَا وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا ) ثُمَّ يقولُ تعالى رداً عليهم ( قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ) ومن فضائلِ شهرِ شعبانَ ، أن فَرْضَ صيامِ رمضانَ ،كان بعد مُضي ليلتينِ من شهرِ شعبانَ ، من السنةِ الثانيةِ للهجرةِ لذا ، فعليكم بتعظيمِ شهرِكم هذا والتسابقِ في الخيراتِ ، لتنالوا الأجرَ والثوابَ من اللهِ ، واحذروا أشدَّ الحذرِ ، وكلَّ الحذرِ ، مما يُروجُ له كلَّ عامٍ من البدعِ ، التي رُبما يُغترُّ به الجهَّالُ والعوامُ ،كنَّا في هذه البلادِ ، في عافيةٍ من كثيرٍ مما وقعَ فيه الناسُ من البدعِ ، ولكنْ لمَّا تسهَّلتْ وسائلُ النقلِ ، وتوفرَتْ وسائلُ الإعلامِ ، ووفدَ إلى بلادِنا كثيرٌ ممن نشئوا على البدعِ ، وربما جاؤوا بِبِدَعِهم يُزاوِلونها عِندَنَا ، ولذا وجبَ التنبيهُ على تلك البدعِ ، في أوقاتِها حتى يكونَ المسلمُ ، على بصيرةٍ من دينِهِ ، فربما يشتبِهُ الأمرُ على كثيرٍ من عوامِنا ، ومن تلك البدعِ ، الأحتفالُ في ليلةِ النصفِ من شعبانَ ، وتخصيصُها بأنواعٍ من الذكرِ والصلاةِ ، بزعمِهم أنها تُقدَّرُ فيها الآجالُ والأرزاقُ ، وما يجري في العامِ ، وهذا كلُّهُ من البدعِ المحدثةِ ، التي لا أصلَ لها ، ولا دليلَ عليها ، من الكتابِ ولا من السنةِ ، ومالم يثبتْ فيه دليلٌ ، فهو بدعةٌ في الدينِ ، فَليلةُ النصفِ من شعبانَ ، شأنُها كغيرِها من بقيةِ الليالي ، وأمَّا زعمُهم أَنَّها الليلةُ التي تُقدَّرُ فيها أعمالُ السنةِ ، وأنها المعنيةُ بقولِهِ تعالى ( إِنَّا أَنزَلْنَهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذَرِين فِيهَا يُفرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيم ) فهو زعمٌ باطلٌ ، لأن المرادَ بتلك الليلةِ ، ليلةُ القدرِ ، كما قالَ تعالى : ( إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيلَةِ الْقَدرِ ) وهي في رمضانَ لا في شعبانَ ، لأن اللهَ سبحانه وتعالى قال : ( شَهرُ رَمضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ القُرآن) فالقرآنُ أُنزلَ في ليلةِ القدرِ ، وليلةُ القدرِ في رمضانَ بلا خلافٍ ،فاتقوا اللهَ عبادَ اللهِ وتمسكوا بكتابِ ربِّكم ، وسنةِ نبيِّكم فَفِيهما الكفايةُ ، والهدى ، والنُّورُ ، واحذروا من البدعِ ومَرُوجيها ، فَقَد قالَ تعالى ( اِتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَبِّكُم وَلاَ تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاء ) وقال تعالى ( فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلاَ يَضِلُّ وَلاَ يَشْقَى ) وتوعدَ من أعرضَ عن كتابِهِ فقالَ سبحانه (وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى) أي من خالفَ أمرِي ، وما أنزلتُهُ على رسولي فأعرضَ عنه وتناساهُ ، وأخذَ من غيرِهِ هداه ( فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكَا ) أي في الدُّنيا ( وَنَحْشُرُهُ يَومَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى ) أي أعمى البصرِ والبصيرةِ ، وقد حذرَ النبيُّ eمن البدعِ وأنذرَ ، وحثَّ على الاعتصامِ بالكتابِ والسنةِ ، حذَّرَ من الإحداثِ في الدِّينِ ، ومن ذلك قولُهُ e{ من أحدثَ في أمرِنا هذا ما ليسَ منه فهو ردٌّ } أي مَردودٌ على مُحدثِهِ وعاملِهِ ، لا يُقبلُ منه ، وفي روايةٍ أخرى{ من عملَ عملاً ليسَ عليهِ أمرُنا فهو ردٌّ } رُدَّ لأنه بدعةٌ ، وقد أمرَ اللهُ سبحانه وتعالى ، باتباعِ الرسولِ ، وبالتمسكِ بكتابِهِ ، جل وعلا ، وبالسيرِ على سنةِ رسولِهِ e بل توعدَ من خالفَ أمرَ الرسولِ ، بالعقوبةِ العاجلةِ والآجلةِ ، فقال تعالى : ( فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ)
بارك الله لي ولكم في القران العظيم ،
ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم ، أقول ما تسمعون وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم منكلِّ ذنب ، فاستغفروه يغفر لكم إنه هو الغفور الرحيم
الحمد لله على إحسانه ، والشكر له على توفيقهِ وامتنانه ، وأشهد أن لا إله إلاَّ الله ، وحدهُ لا شريكَ لهُ ، تعظيماً لشانه ، وأشهد أنَّ نبينا محمّداً عبده ورسولُه ، الدّاعي إلى رضوانه ، صلّى الله عليه وعلى آلِه وأصحابِه وأعوانه ، وسلّم تسليماً مزيداً: أما بعد أيها الأحبةُ في الله ، اتقوا اللهَ تعالى ، والزموا السيرَ على الطريقِ الصَّحيحِ ، الذي يُوصِلُكم إلى دارِ السلامِ ، واحذروا الطُّرقَ الْمُنحرفةَ ، التي توردُكم المهالِكَ والآثامَ ، فمن كان منكم معتاداً لقيامِ الليلِ ، في سَائرِ السنةِ ، فليقمْ تلك الليلةَ ، كغيرِها من الليالي ، ومن كان معتاداً الصيامَ ، أيامَ البيضِ ، من كلِّ شهرٍ ، فليصمْ كعادتِهِ في شهورِ العامِ ، وهكذا من كان عادتِهِ ، أن يَصومَ غالبَ شهرِ شعبانَ ، كما روى مسلمٌ عن عائشةَ رضي الله عنها قالتْ { ولم أرَهُ صَائماً من شهرٍ قطُّ أكثرَ من صيامِهِ في شعبانَ } وفي روايةٍ {كان يصومُ شعبانَ إلى قليلاً }ويقولُ أُسامةَ بنِ زيدٍ رضي الله عنهما، كما عند النسائي وأبو داودَ ، وصححَهُ ابنُ خزيمةَ ، يقول قُلْتُ يا رسولُ الله وَلَمْ أَرَكَ تَصُومُ مِنْ شَهْرٍ مِنَ الشُّهُورِ مَا تَصُومُ مِنْ شَعْبَانَ . قَالَ {ذَاكَ شَهْرٌ يَغْفُلُ النَّاسُ عَنْهُ بَيْنَ رَجَبٍ وَرَمَضَانَ وَهُوَ شَهْرٌ يُرْفَعُ فِيهِ الأَعْمَالُ إِلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ فَأُحِبُّ أَنْ يُرْفَعَ عَمَلِى وَأَنَا صَائِمٌ } فمن اقتدى بالنبيِّ eوصامَ غالبَ شعبانَ ، ومرَّ النصفَ أثناءَ صيامِهِ فلا بأسَ لأنه في هذه الحالِ ، صارَ تابعاً ، وإنمَّا الممنوعُ ، تخصيصُهُ ، دونَ غيرِهِ ، واعلموا أن خيرَ الحديثِ كتابُ اللهِ ، فتمسكوا بهِ ، وخيرَ الهدي هديُ محمدٍ e فاقتدوا بهِ ، وشرَّ الأمورِ محدثاتُها فاجتنبوها ، فإنَّ كلَّ محدثةٍ بدعةٌ ، وكلَّ بدعةٍ ضلالةٌ ، وكلَّ ضلالةٍ في النارِ ، وعليكم بجماعةِ المسلمينَ ، فإن يدَ اللهِ على الجماعةِ ، ومن شذَّ شذَّ في النارِ ، عياذاً باللهِ من ذلك ، واعلموا أنكم غداً بين يدي اللهِ موقوفونَ ، وعن أعمالِكم محاسبونَ ، وعلى تفريطِكم نادمون ، ( وَسَيَعْلَمُ الَّذِيْنَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُون ) ألا وصلوا رحمني اللهُ وإيَّاكم ، على الهادي البشيرِ ، والسراجِ المنيرِ ، كما أمرَكم بذلك اللطيفُ الخبيرُ ، فقال سبحانه قولاً كريما ( إِنَّ اللهَ وَملاَئِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبيْ يَا أَيُّهَا الَّذِيْنَ آمَنُواْ صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً ) وقد قال عليه الصلاةُ والسلامُ { حيثما كنتم فصلوا عليَّ فإنَّ صلاتَكم تبلغني }وقال{ من صلى علي صلاةً صلى اللهُ عليه بها عشراً } اللهم صلِّ وسلمْ وأنعمْ وأكرمْ وزدْ وباركْ ، على عبدِك ورسولِكَ محمدٍ ، وارضَ اللهم عن أصحابِهِ الأطهارِ ، ما تعاقبَ الليلُ والنهارُ ، أبي بكرٍ وعمرَ وعثمانَ وعليٍّ ، وعن سائرِ أصحابِ نبيِّك أجمعين ، وعن التابعينَ وتابعِيهم بإحسانٍ إلى يومِ الدينِ ، وعنَّا معَهم بمنِّكَ وفضلِكَ ورحمتِكَ يا أرحمَ الراحمينَ .اللهم أعزَّ الإسلامَ المسلمينَ ، ودمرْ أعداءَ الدينِ من اليهودِ والنصارى ، وجميعِ الكفرةِ الملحدينَ ، اللّهُم يا عظيمَ العفوِ،أعفوا عنَّا ، ويا وسعَ المغفرةِ ،إغفر لنا ، ويا قريبَ الرّحمةِ ، أرحمنا برحمتك الواسعة ، ويا ذا الجلالِ والإكرامِ ، هبْ لنا العافيةَ ، في الدُنيا والآخرةِ ، اللّهُم اجعلْ رزقَنَا رغداً ، ولا تُشمتْ بنا أحداً ، اللهم إنا نسألُكَ ، بعزِّكَ الذي لا يرامُ ، وملكِكَ الذي لا يُضامُ ، وبنورِكَ الذي ملأ أركانَ عرشِكَ ، أنْ تكفيَنا شرَّ ما أهمَنا وما لا نهتمُ به ، وأن تعيذَنا من شرورِ أنفسِنا ومن سيئاتِ أعمالِنا ، وأن تُبلغَنا رمضانَ ، وأن تجعلَنا من الذين يصومونَهُ ويقومونَهُ ، أيماناً واحتساباً ، اللهم رَغّبْنا فيما يبقى ، وَزَهّدْنا فيما يفنى ، وهبْ لنا اليقينَ ، الذي لا تسكنْ النفوسُ إلا إليهِ ، ولا يُعوَّلُ في الدينِ إلا عليهِ ، اللهم اجعلْ بَلدَنا هذا آمناً مطمئناً ، وسائرَ بلادِ المسلمينَ ، اللهم وأيدْ إمامَنا بتأيدِكَ ، وانصرْ بهِ دينَكَ ، ووفقْهُ إلى هُدَاكَ ، واجعلْ عمَلَهُ في رضاكَ ، وارزقْهُ اللهم البطانةَ الصالحةَ الناصحةَ ، التي تدلُهُ على الخيرِ ، وتعينه عليه،اللهم أرحمْ موتانا ، وعافي مُبتلانا ، واقضِ الدينَ عن مدينِنا ، وردَّ ضالَنا إليكَ رداً جميلاً ، ( رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ) (ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار) ، عبادَ اللهِ إن اللهَ يأمرُ بالعدلِ والإحسانِ وإيتاءِ ذا القربى وينهى عن الفحشاءِ والمنكرِ والبغي يعظُكم لعلكم تذكرونَ ( وَأَقِمِ الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ)
المفضلات