[align=justify]
كم هو مؤلم حقّاً أن تشعر بأنّك همّ يجثو على صدر الوطن لايزيلك رقية راقٍ ولا دواء طبيب ولا خارطة طريق ، وكم هو مؤلم حقّاً أن تشعر بأنّك غير مرغوب بك في مكان ما كنت - لفرط جهلك - تحسبه بيتك ! ولكنك اكتشفت أن شركاءك في المسكن لايعتبرونك أكثر من دخيل عليهم يعدّون عدد اللقمات في يدك وهم يردّدون "يابخت من زار وخفّف" ، ويمنّون أنفسهم برؤيتك تحمل زوّادتك التي ليس بها سوى "قوت الأموات" ولسان حالك يقول :
أضاعوني وأيّ فتى أضاعوا
ليوم كريهةٍ وسداد ثغرِ
ليصبح حينها باطن الأرض أحبّ إليك من ظاهرها فترفع شعار "ألا موتٌ يباع فأشتريه" ، وكأن قطريّ بن الفجاءة كان يقصدك حين قال :
وما للمرء خير في حياةٍ
إذا ما عُدّ من سقط المتاعِ .
هناك في سوق "جَمعة" الظالمين تُعرض أنت وأبناء جلدتك للبيع "ببساطة" كما تُباع الأغراض المستعملة ولكل امريء ثمنه المكتوب على جبينه بحسب ما أكل الدهر وشرب من جسده ، وبحجم ما تبقى فيه من رغبة في العيش ومقاومة "تكاليف الحياة" التي أسأمت زهير بن أبي سلمى قبله ، "والسوّامة" الذين يسيمونك سوء العذاب بنظراتهم يزيدون اشتعال النار في جسدك الذي يخجل من احتراقه جسد البوعزيزي على جلالة قدره ، وما بين البايع والشاري يفتح الله جروحك التي لاتندمل ، وهناك مكان مخصّص للمتفرجين ، وللشامتين أيضاً نصيب .
هكذا ببساطة تُذاع أخبار بين الحين والآخر عن رغبة الوطن ببيع أبنائه الذين يعتقد أنهم ليسوا من صلبه ، ومع يقيني بأنها أخبار كاذبة حين إشاعتها على الأقلّ ، لكن مطلقها لم يطلقها عبثاً وأن له مآرب أخرى من خلال ذلك ، وأن ما أطلقه اليوم ككذب قد يكون صدقاً محضاً إذا ما قوبل ببرود ردات الأفعال الشعبية أو ربما بالترحيب .... من يدري ؟!
"البدون" ياسادة ليسوا من ممتلكاتكم الشخصية حتى تقوموا بعرضهم للبيع على من تشاؤون ، ولايجوز "شرعاً" بيع ما لاتملكون ، بل البدون أنفسهم هم الذين يملكون قرار تحديد مصيرهم بالبقاء أو المغادرة هرباً من جحيم عنصريتكم ، وأظنّهم قد قالوها لكم من قبل ولا زالوا يرددونها : "سوف نبقى هنا" .
منصور الغايب
twitter : @Mansour_m[/align]
المفضلات