الحمدُ للهِ ،قدَّمَ من شاءَ بفضلِهِ ، وأخرَّ من شاءَ بعدلِهِ ، هو الكريمُ الوهابُ ، هازمُ الأحزابِ ، ومنشئُ السحابِ ، ومنزلُ الكتابِ ، ومسببُ الأسبابِ ، وخالقُ الناسِ من ترابٍ ، هو المبدءُ المعيدُ ، الفعالُ لمايُريدُ ، جلَّ عن أتخاذِ الصاحبةِ والولدِ ، ولم يكنْ له كفواً أحدٌ ، أشهدُ أن لا إلهَ إلا هوَ ، وحدَهُ ولا شريكَ له ، ( لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ) ، وأشهدُ أن محمداً عبدُهُ ورسولُهُ صلى اللهُ عليه ، وعلى آلِهِ وصحبِهِ وسلم تسليماً كثيراً : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) (يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ) (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا*يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً) :أما بعد:أيُّها الأحبةُ في الله،عُنوانُ هذهِ الْخُطبةِ ، [ لا يحقرنَّ أحدٌ أحداً من المسلمين فإنَّ صغيرَ المسلمينَ كبيرٌ عندَ اللهِ تعالى ] كان عمرُ بن الخطابي رضي الله عنه ، يَبحثُ عن رُجلٍ من رعيتِهِ ، يريدُ مقابلتَهُ. فلما أعيتْهُ الحيلُ ولم يَجِدُهُ ، صعدَ رضي الله عنه ، جبلَ أبي قُبَيسٍ ، في جَمعٍ من الحجيجِ ، ونادى بأعلى صوتِهِ : يا أهلَ اليمنِ ، أَفِيْكُمْ أُويسٌ مِن مُرَادٍ؟ فقامَ شيخٌ من قَرَنٍ فقالَ : يا أميرَ المؤمنينَ ، إِنَّكَ قَد أكثرتَ السؤالَ عن أُويسٍ هَذَا، وما فِيْنَا أَحدٌ اسمُهُ أُويسٌ ، إِلاَّ ابنُ أخٍ لي يُقَالُ لَهُ : أُويسٌ ، أنا عمُّهُ ، إِنَّكَ تَسألُ عن رَجُلٍ وَضِيعَ الشَّأنِ، ليسَ مِثلُكَ يَسألُ عنهُ يا أميرَ المؤمنينَ ، وهو حقيرٌ بينَ أَظْهُرِنا، خَامِلُ الذِّكرِ، وأقلُّ مالاً، وأوهنُ أمراً من أن يُرفعَ إليكَ ذِكرُهُ. قال: يا شيخْ ، وأينَ ابنُ أخيكَ هذا الَّذي تَزْعُمُ ؟ أَهُوَ مَعَنَا بالحرمِ ؟ قالَ الشيخُ : نَعَمْ يا أميرَ المؤمنينَ ، هو مَعَنَا في الحرمِ ، غَيرَ أَنَّهُ في أَرَاكِ عَرفةَ ، يَرعى إِبلاً لنا ، فَركبَ عمرُ بنُ الخطابِ رضي الله عنه على حِمَارٍ لهُ ، وخرجَ من مكةَ ، وأسرعَ إلى أراكِ عرفةَ ، ثم جعلَ يتخللُ الشجرَ ويطلبُهُ ، فإذا برجلٍ في طِمْرَينٍ ، مِنْ صوفٍ أبيضٍ ، قَدْ صَفَّ قَدَميهِ يُصلي إلى الشجرةِ ، وقد رمى بِبَصرِهِ إلى مَوضِعِ سُجودِهِ، وأَلقَى يَديهِ على صَدرِهِ ، والإبلُ حولَهُ تَرعى ، فَلمَّا سمعَ أويسٌ حسَّهُ ، أوجزَ في صلاتِهِ ، ثم تشهدَ وسلمَ ، وتَقَدمَا إليهِ فَسَّلما عليهِ ، وردَّ عليهِما التحيةَ بأحسنَ مِنْها، فقالَ عمرُ رضي الله عنه :مَن أنتَ؟ قال: راعي إبلٍ وأَجيرٌ للقومِ، فقالَ عمرُ: ليس عن الرِّعايةِ أسألُكَ ، ولا عن الإجارةِ، إنَّما أسألُك عن اسمِكَ، فمن أنتَ يرحمُكَ اللهُ؟ فقالَ: أنا عبدُ اللهِ وابنُ أمتِهِ، فقالا: قد علمْنا أَنَّ كلَّ من في السمواتِ والأرضِ عبيدُ اللهِ، وإني أقسمُ عليكَ ، إِلاَّ أخبرتَني باسمِكَ الذي سمتْكَ به أمُّك، قالَ : يا هذا ، ما تُريدُ مني ؟ أَنا أُويسُ بنُ عبدِ اللهِ، فقالَ عمرُ رضي الله عنه: اللهُ أكبرُ، يجبُ أن توضحَ عن شقِّكَ الأيسرِ، قال: وما حاجتُكَ إلى ذلك؟ فقال لهُ: إن رسولَ اللهِ r وصفَكَ وقد وجدتُ الصفةَ كما أخبرني، غَيرَ أَنَّهُ r أعلمَنا أن بشقِّكَ الأيسرِ لمعةٍ بيضاءٍ كمقدارِ الدينارِ أو الدرهمِ، وأنا أُحِبُّ أن أنظرَ إلى ذلك، فأوضحَ له ذلك عن شقِّهِ الأيسرِ.فلما نظرَ عمرُ رضي الله عنه ، إلى اللمعةِ البيضاءِ ابتدرَ إليهِ وقالَ: يا أويسٌ، إنَّ رسولَ اللهِ r أَمْرَنا أن نُقْرِئَكَ منه السلامَ، وأَمَرَنا أن نسألَكَ أن تستغفرَ لي، فاستغفرْ لي ، فقد أَخبرَنا بأنكَ سيدُ التابعينَ ، وأَنَّك تَشفَعُ يَومَ القيامةِ ، في عددِ ربيعةَ ومُضرَ ، فبكى أويسٌ بكاءً شديداً، ثم قالَ : عسى أن يكونَ ذلك غيري، فقالَ عُمرُ رضي اللهُ عنه : إنَّا قَدْ تَيَقَنّا أَنَّك هُو، فادعُ اللهَ لي ـ رحمك الله ـ بدعوةٍ وأنتَ محسنٌ . فقالَ أويسُ: مَا أَخُصُّ باستغفارِ نفسي، ولاَ أحدٌ من ولدِ آدمَ ، ولكن مَنْ أَنتَ يَرحَمُكَ اللهُ؟ فإني قد أخَبرتُكَ وشَهَرْتُ لك أَمري، ولم أُحبَّ أن يَعلمَ بمكاني أحدٌ من الناسِ، فقالَ: أنا عمرُ بنُ الخطابِ ، فوثبَ أويسٌ فَرِحَاً مُستَبشراً ، فعانقَهُ وسلَّمَ عليهِ ورَحَّبَ به ، قال أويسٌ: ومِثلي يَستغفرُ لمثلِكَ؟! فقالَ: نعم، فاستغفرَ لهُ. وللقصةِ بقيةٌ تركتُها خَشيةَ الإطالة ، والشاهدُ من إيرادِها ، أن لا يحقرَنَّ أحدٌ أحداً من المسلمين / كما قال أبو بّكرٍ الصديقُ رضي الله عنه [ لا يحقرنَّ أحدٌ أحداً من المسلمين فإنَّ صغيرَ المسلمينَ كبيرٌ عندَ اللهِ تعالى ] وفي الحديثِ عن أَبي هريرة - رضي الله عنه: قَالَ : فَقَدَ النَّبِىُّ r امْرَأَةً سَوْدَاءَ كَانَتْ تَلْتَقِطُ الْخِرَقَ وَالْعِيدَانَ مِنَ الْمَسْجِدِ فَقَالَ {أَيْنَ فُلاَنَةُ }قَالُوا : مَاتَتْ قَالَ { أَفَلاَ آذَنْتُمُونِى} قَالُوا : مَاتَتْ مِنَ اللَّيْلِ وَدُفِنَتْ فَكَرِهْنَا أَنْ نُوقِظَكَ. فَذَهَبَ رَسُولُ اللَّهِ r إِلَى قَبْرِهَا فَصَلَّى عَلَيْهَا وَقَالَ { إِذَا مَاتَ أَحَدٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ فَلاَ تَدَعُوا أَنْ تُؤْذِنُونِى } فلا تَحقِرَنَّ أحداً من المسلمين ، وما يدريك ، لعله أرفَعُ منكَ منزلةً عندَ الله ، أو لعلَّه وليٌ من أولياءِ الله ، ولِذلكَ يقولُ عليه الصلاةُ والسلام ، كما عند الطبراني من حديثِ ثوبان رضي الله عنه { إن من أمتي من لو جاء أحدكم فسأله دينارا لم يعطه ، ولو سأله درهما لم يعطه ، ولو سأله فلسا لم يعطه ، ولو سأل الله الجنة لأعطاه إياها ، ذو طمرين ، لا يؤبه له ، لو أقسم على الله لأبره} ويقولُ عليهِ الصلاةُ والسلام ، كما عند مسلم ، من حديثِ هُرَيْرَةَ رضي الله عنه{رُبَّ أَشْعَثَ مَدْفُوعٍ بِالأَبْوَابِ لَوْ أَقْسَمَ عَلَى اللَّهِ لأَبَرَّهُ}فلا تحقِرَنَّ أحداً من المسلمين... بارك الله لي ولكم
الحمد لله على إحسانه ، والشكرله على توفيقهِ وامتنانه ، وأشهد أن لا إله إلاَّ الله ، وحدهُ لا شريكَ لهُ ، تعظيماً لشانه ، وأشهد أنَّ نبينا محمّداً عبده ورسولُه ، الدّاعي إلى رضوانه ، صلّى الله عليه وعلى آلِه وأصحابِه وأعوانه ، وسلّم تسليماً مزيداً: أما بعدُ : ، مَرَّ رَجُلٌ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ r فَقَالَ لِرَجُلٍ عِنْدَهُ جَالِسٌ ، مَا رَأْيُكَ فِي هَذَا ؟ فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ أَشْرَافِ النَّاسِ : هَذَا وَاللَّهِ حَرِيٌّ إِنْ خَطَبَ أَنْ يُنْكَحَ ، وَإِنْ شَفَعَ أَنْ يُشَفَّعَ ، قَالَ : فَسَكَتَ رَسُولُ اللَّهِ r ثُمَّ مَرَّ رَجُلٌ ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ r : مَا رَأْيُكَ فِي هَذَا ؟ فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، هَذَا رَجُلٌ مِنْ فُقَرَاءِ الْمُسْلِمِينَ ، هَذَا حَرِيٌّ إِنْ خَطَبَ أَنْ لا يُنْكَحَ ، وَإِنْ شَفَعَ أَنْ لا يُشَفَّعَ ، وَإِنْ قَالَ أَنْ لا يُسْمَعَ لِقَوْلِهِ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ r هَذَا خَيْرٌ مِنْ مَلْءِ الأَرْضِ مِثْلَ هَذَا ،يقولُ عليهِ الصلاةُ والسلام ، كما في الصحيحين من حديثِ أَبي هريرة - رضي الله عنه { إِنَّهُ لَيَأْتِى الرَّجُلُ الْعَظِيمُ السَّمِينُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لاَ يَزِنُ عِنْدَ اللَّهِ جَنَاحَ بَعُوضَةٍ اقْرَءُوا (فَلاَ نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا)}قالَ النووي رحمه الله{ لاَ يَزِنُ عِنْدَ اللَّهِ جَنَاحَ بَعُوضَةٍ } أَيْ : لَا يَعْدِلهُ فِي الْقَدْر وَالْمَنْزِلَة ، أَيْ : لَا قَدْر لَهُ ، عباد الله صلوا رحمني اللهُ وإيَّاكم ، على الهادي البشيرِ ، والسراجِ المنيرِ ، كما أمرَكم بذلك اللطيفُ الخبيرُ ،بِقُولِهِ سبحانه ( إِنَّ اللهَ وَملاَئِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبيْ يَا أَيُّهَا الَّذِيْنَ آمَنُواْ صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً ) وقد قال عليه الصلاةُ والسلامُ { حيثما كنتم فصلوا عليَّ فإنَّ صلاتَكم تبلغني }وقال{ من صلى علي صلاةً صلى اللهُ عليه بها عشراً } اللهم صلِّ وسلمْ وأنعمْ وأكرمْ وزدْ وباركْ ، على عبدِك ورسولِكَ محمدٍ ، وارضَ اللهم عن أصحابِهِ الأطهارِ ، ما تعاقبَ الليلُ والنهارُ ، أبي بكرٍ وعمرَ وعثمانَ وعليٍّ ، وعن سائرِ أصحابِ نبيِّك أجمعين ، وعن التابعينَ وتابعِيهم بإحسانٍ إلى يومِ الدينِ ، وعنَّا معَهم بمنِّكَ وفضلِكَ ورحمتِكَ يا أرحمَ الراحمينَ .اللهم أعزَّ الإسلامَ المسلمينَ ، ودمرْ أعداءَ الدينِ من اليهودِ والنصارى ، وجميعِ الكفرةِ الملحدينَ ، اللّهُم يا عظيمَ العفوِ،أُعفُوا عنَّا ، ويا وسعَ المغفرةِ، إغفِر لنا ، ويا قريبَ الرّحمةِ ، أرحمنا بِرحمَتِكَ الواسعةِ ، ويا ذا الجلالِ والإكرامِ ، هبْ لنا العافيةَ ، في الدُنيا والآخرةِ ، اللهم اجعل في قُلوبِنا نُوراً نهتدي به إليك ، وتولنا بِحُسنِ رعايتِك ، حتى نتوكلَ عليك ، وارزقنا حلاوةَ التذلُلِ بين يديكَ ، فالعزيزُ من لاذَ بعزِكَ ، والسعيدُ من التجأَ إلى حماكَ وجودِك ، والذليلُ من لم تُؤَيّدْهُ بعنايتِكَ ، والشقيُّ من رضيَ بالإعراضِ عن طاعتِكَ ، اللهم نَزِّه قلوبَنا عن التعلقِ بمن دونِك ، واجعلنا من قومٍ تحبُهم ويحبونَك ، وَأَعِزَّ الإِسْلاَمَ والمُسْلِمِينَ، وأَذِلَ الشِّرْكَ والمُشْرِكِينَ، وانْصُرْ عِبَادَكَ المُجاهدينَ المُوَحِدِّينَ ،اللهم سدد رميهم ، ووحِّد صفهم ، وثبِّت أقدامَهُم ، وانصرهم على عدوّك وعدوِّهِم ، اللهم عليك باليهودِ والنصارى المعتدينَ الحاقدينَ ، ومن كرِهَ الإسلامَ والمسلميَن ، اللهم احفظْ بلادَنا ، وولاةَ أمرِنا وعلماءَنا ودُعاتَنا ، اللهم وحِّدْ كلمتَنا وقوي شوكتَنا ياربَّ العالمينَ ، واجعل هذا البلد رخاءً سخاءً آمِناً مُطمَئِناً ، وسائر بلاد المسلمين يا ربَّ العالمين ، اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات والمؤمنيين والمؤمنات ، الأحياء منهم والأموات ، اللهم ربنا ( آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ) ( وَأَقِمِ الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ)
المفضلات