الخطبة الثانية : صحابي نسيه التاريخ ولم ينسه الله
الحمد لله الحليم الرحيم، ذي المنة والفضل العميم، له الحمدُ - سبحانه - حتى يرضى، وله الحمد إذا رضيِ، وله الحمد بعد الرضا، وله الحمد على كل حال، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبدُ الله ورسوله، وخليلُه وخِيرتُه من خلقه، خيرُ من صلى الله وصام، وأفضلُ من تلا كتابَ ربه وقام، بلَّغ الرسالةَ، ونصحَ الأمَّة، وجاهدَ في الله حقَّ جهاده، فصلواتُ الله وسلامُه عليه وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين، وعلى أصحابه الغرِّ الميامين، وعلى من سار على طريقهم واتبع هُداهم إلى يوم الدين، وسلَّم تسليمًا كثيرًا.أمّا بعد،
فقد قال أنس بن مالك رضي الله عنه :
(كان رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يقال له جُلَـــيْــبِـــيــــبْ
كان في وجهه دمامة و كان فقيراً ويكثر الجلوس عند النبي صلى الله عليه وسلم
فقال له النبي صلى الله عليه وسلم ذات يوم : يا جُلَـــيْــبِـــيــــبْ
ألا تتزوج يا جُليبيب؟
فقال : يا رسول الله ومن يزوجني يا رسول الله؟!
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنا أزوجك يا جُلَـــيْــبِـــيــــبْ .
فالتفت جُلَـــيْــبِـــيــــبْ إلى الرسول فقال: إذاً تجدُني كاسداً يا رسول الله ..
فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: غير أنك عند الله لست بكاسد ،
ثم لم يزل النبي صلى الله عليه وسلم يتحين الفرص حتى يزوج جُليبيا
فجاء في يوم من الايام رجلٌ من الأنصار قد توفي زوج ابنته
فجاء الى النبي صلى الله عليه وسلم يعرضها عليه ليتزوجها النبي صلى الله عليه وسلم
فقال له النبي : نعم ولكن لا أتزوجها أنا !!
فرد عليه الأب : لمن يا رسول الله !!
فقال صلى الله عليه وسلم: أزوجها جُليبيبا
فقال ذلك الرجل: يا رسول الله تزوجها لجُلَـــيْــبِـــيــــبْ ، يارسول الله إنتظر حتى أستأمر أمها !!
ثم مضى إلى أمها وقال لها أن النبي رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب
إليك ابنتك
قالت : نعم ونعمين برسول الله صلى الله عليه وسلم ومن يردالنبي صلى الله عليه وسلم ..
فقال لها : إنه ليس يريدها لنفسه ...!!
قالت : لمن ؟
قال : يريدها لجُلَـــيْــبِـــيــــبْ !!
قالت : لجُلَـــيْــبِـــيــــبْ
لا لعمر الله لا أزوج جُليبيب وقد منعناها فلان وفلان
فاغتم أبوها لذلك ثم قام ليأتي النبي صلى الله عليه وسلم فصاحت الفتاة
من خدرها وقالت لأبويها : من خطبني إليكما؟؟ قال الأب : خطبك رسول
الله صلى الله عليه وسلم ..
قالت : أفتردان على رسول الله صلى الله عليه وسلم .أمره ادفعاني إلى رسول الله فإنه لن يضيعني !
قال أبوها : نعم
ثم ذهب إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقال : يا رسول الله شئنك بها
فدعى النبي صلى الله عليه وسلم جُليبيبا ثم زوجه إياها
ورفع النبي صلى الله عليه وسلم كفيه الشريفتين وقال:
اللهم صب عليهما الخير صباً ولا تجعل عيشهما كداً كداً) !!
ويقول انس بن مالك رضي الله عنه :
(ثم لم يمضي على زواجهما أيام حتى خرج النبي صلى الله عليه وسلم معأصحابه في غزوة وخرج معه جُلَـــيْــبِـــيــــبْ
فلما أنتهى القتال اجتمع الناس وبدأوا يتفقدون بعضهم بعضاً
فسألهم النبي صلى الله عليه وسلم وقال: هل تفقدون من أحد
قالوا : نعم يا رسول الله نفقد فلان وفلان كل واحد منهم
إنما فقد تاجر من التاجر أو فقد ابن عمه او أخاه
فقال صلى الله عليه وسلم : نعم و من تفقدون
قالوا : هؤلاء الذين فقدناهم يا رسول الله
فقال صلى الله عليه وسلم: ولكنني أفقد جُلَـــيْــبِـــيــــباً فقوموا نلتمس خبره
ثم قاموا وبحثوا عنه في ساحة القتال وطلبوه مع القتلى ثم مشوا فوجدوه في مكان قريب إلى جنب سبعة من المشركين قد قتلهم ثم غلبته الجراح فمات .
فوقف النبي صلى الله عليه وسلم على جسده المقطع ثم قال : قتلتهم ثم قتلوك أنت مني وأنا منك ، أنت مني وأنا منك
ثم تربع النبي صلى الله عليه وسلم جالسا بجانب هذا الجسد ثم حمل هذا الجسد ووضعه على ساعديه
صلى الله عليه وسلم وأمرهم أن يحفروا له قبراً
قال أنس : فمكثنا والله نحفر القبر وجُليبيب ماله فراش غير ساعد النبي صلى الله عليه وسلم ..
قال أنس : فعدنا إلى المدينة وما كادت تنتهي عدتها حتى تسابق إليها الرجال يخطبونها).
رحم الله الصحابة الأجلاّء رضوان الله عليهم أجمعين وغفر الله لنا ولهم ببركة النبي الأمي الأمين.