النتائج 1 إلى 1 من 1

الموضوع: لا ... للعجلة بالطلاق ( خطبة الجمعة القادمة 1435/2/16هـ )

  1. #1

    Hamm لا ... للعجلة بالطلاق ( خطبة الجمعة القادمة 1435/2/16هـ )



    الخطبة الأولى
    الحمد لله الذي جعل من كل ضيق مخرجاً، ومن كل هم فرجاً، وجعل بعد العسر يسراً، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، بعثه ربه للرسالة مبلغاً، وللأمانة مؤدياً، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.
    أما بعد: أيها الناس/ اتقوا الله تعالى؛ فإن تقواه أفضلُ مُكتسَب، وطاعتَه أعلى نسَب (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ))
    عباد الله / من أسعد اللحظات عند الولي يوم أن يزف ابنته أو موليته لمن رضي دينه وخلقه ؛ ومع هذه السعادة همٌّ لازم ، وتفكير مستمر ألا وهو همُّ التوفيق في الحياة الجديدة، ولعل أكبر شبحٍ يلوحُ في ناظِرَي الولي هو شبح كلمةٍ عددُ أحرفها أربعة، إلا أنها تهدُّ أركانَ البيت الأربعة.. ذلكم هو الحلال البغيض: الطلاق ، ومع الاعتراف بأن الطلاق قد يكون رحمةً في بعض الأحيان، وفرجاً ومخرجاً؛ لكن من المقطوع به أنه ليس هو الأصل، إذ ما شُرِعَ النكاح إلا ليدوم، ويستمر ذلك البيت ليقوم بمهمته في المجتمع ، ولا أدَلَّ على رغبة الإسلام في ديمومة الزواج من تضييقه لفرص الطلاق على الزوج، فحرّم الطلاق في الحيض، وحرّم جمعَ الثلاث دفعةً واحدةً، وحرّم على الزوج أن يطلق زوجته في طُهرٍ جامعها فيه، وحرّم عليه أيضاً إذا طلّق زوجتَه الطلاقَ الرجعيأن يخرجها من البيت إلا أن تأتي بفاحشة مبينة، وعلل ذلك بقوله: ﴿لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا﴾ وأمرَ الزوج إذا رأى من زوجته ما يكره أن يعظها، فإن لم ينفع الوعظُ هجرها في الفراش فقط، فإن لم تُجْدِ هذه الأساليب لجأ إلى الضرب غير المبرِّح.
    ومع هذه الحواجز الكثيرة التي وضعها الشرعُ أمام الطلاق، وهي في الوقت نفسه فُرَصٌ كثيرة للمراجعة، وفتحٌ لأبواب الأمل في استثارةِ عواطف المودة، وتهدئةِ رياح الشقاق ، ومع هذا كله إلا أن المتأمل في أحوال كثير من المتزوجين وخصوصاً في السنوات الأخيرة يجد أنه يأبى أن يستفيد من هذه الفرص الكثيرة، فيستعجل ويبادر إلى اتخاذ قرار الطلاق بسرعة مِن غير تأمل ولا تَرَوٍ، فصرتَ لا تستغرب هذه الأيام أن تسمع أن فلاناً طلق في الليلة الأولى، وآخرُ في اليوم التالي، وثالثُ بعد أسبوع ، بل أقل من ذلك !! أحدهم أتمت إجراء عقد نكاحه الساعة الثامنة مساء ، وفي الغد في الثامنة صباحا يتصل ليطلق زوجته ،وهذه العجلة بالطلاق يجب أن ننظر في أهم أسبابها والتي منها :
    جهلُ الزوجين أو أحدهما بما على كل واحدٍ منهما من الحقوق، وما عليه من الواجبات الشرعية، فيحصل التقصير، وتُنتهك الخصوصيات، ثم يترتب على ذلك مشاكلُ كثيرة.
    ومن أسباب العجلة بالطلاق : الأمور المادية بين الزوجين وخصوصاً إذا كانت الزوجة موظفة فمن الأزواج من يعتدي على راتب زوجته من غير رضاها ؛ بل منهم من يجمع من مال زوجته ثم يتزوج به عليها ، ومنهم من يجبر زوجتَه على مشاركتها في نفقة الأولاد أو ربما ألزمها بذلك كله بحجة أنها أكثر راتباً منه!
    ومن أسباب العجلة بالطلاق : أن بعض الأزواج يقصر في السؤال عن الزوجة، ورؤيتها، وربما اعتمد على وصف نساءٍ من أهل بيته بينهن وبين هذه المخطوبة علاقة مودة ومحبة، فلحبهن إياها يرغبن في خطبتها لأخيهن، ولو كانت لا تناسبه! فيبالغن في الثناء عليها ومدحها؛ فيركن الشاب إلى ذلك ولا يراها، حتى إذا دخل عليها وجد الخُبْر لا يوافق الخبَر، فعندها يشعر بالصدمة فيبادر إلى الطلاق .
    ومن أسباب العجلة بالطلاق : جهلُ أكثر الأزواج بالسيرة النبوية المتعلقة بالحياة الزوجية، فإن الناظر فيها ليعجب من تلك المواقف التي وقعت في أشرف وأطهر وأزكى بيتٍ على ظهر الأرض ، وكيف كان يتعامل مع المواقف التي تحصل من زوجاته ، والله يقول : ﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا﴾
    ومن أسباب العجلة بالطلاق : العجلة والتهور في إطلاق كلمة الطلاق لأتفه سبب، وأدنى موقف.. فهذا يطلّق زوجته لأنه اختلف مع صاحبه في أمر حقير فيحلف أحدهما أو كلاهما بالطلاق حانثاً! أو يستضيف ضيفاً فيحلف بالطلاق إلا حضر، فيأبى الآخر؛ فتكون النتيجة خرابَ بيتٍ، وتمزيقَ أسرة، وتشريدَ أولاد!
    ومن أسباب العجلة بالطلاق : أن بعض الأزواج أدمن النفخَ في الأمور التافهة، فصيرها قضايا مصيرية، فهذا أحمق يطلقُ زوجته لأنه لم يجد غترته كُوِيَت! وآخر يطلق امرأته لأن الملح زاد في الطعام أو نقص! وثالث يطلقها لأن القهوة تأخرت عن الضيوف قليلاً! ولعمري لو أن الزوج فكّر قليلاً لعلم أن الطلاق لم يكو له غترته، ولم يصلح له طعامه، ولم يعجل بالقهوة إلى أضيافه!
    ومن أسباب العجلة بالطلاق : غيابُ مبدأ الحوار بين الزوجين، وفرضُ الرأي بالقوة من كلا الطرفين أو أحدهما، وإن كان هذا يكثر في جانب الرجال؛ فكم تشكو النساء من بعض الأزواج الذين قلت بصيرتهم وضعفت عقولهم أنه يمارس فرضَ هيبته وأوامرِه بالتهديد والوعيد، "فلا يعرف في خطابه سوى ألفاظ الطلاق في مدخله ومخرجه، وفي أمره ونهيه، بل وفي شأنه كله!
    فالحكيم حقاً هو من يدفع أهلَه للقيام بما يريد بدافع المحبة والتقدير والاحترام، بل والرغبة في الأجر والثواب من الله، وكم هو الفرق بين من تخدم زوجها وتنفذ أوامره خوفاً وهلعاً، وبين من تخدمه محبةً واحتراماً!والحوار بين الزوجين مبدأ مهم في الحياة الزوجية التي دلّ الشرع على اعتباره، وحياة النبي صلى الله عليه وسلم مليئة به مع أبعد الناس فكيف بأخصهم علاقةً به! وحسبك أيها الزوج أن تتأمل في قصة الإفك جيداً! ولك أن تتصور مشاعرَ رجلٍ عاديٍ يتحدث الناس في بلده أن زوجته متهمة -مجرد تهمة- بالفاحشة؟!
    فما ظنك إذا كان المتهم هو رسول رب العالمين، أطهر الخلق، وأنقاهم وأتقاهم؟!
    ومع ذلك كله، يأتي ليفتح الحوار مع زوجته وهو حينها لا يملك أي دليل قاطع على براءتهافيقول لها بعد أن هجر فراشها شهراً كاملاً : ((أَمَّا بَعْدُ يَا عَائِشَةُ ؛ فَإِنَّهُ قَدْ بَلَغَنِي عَنْكِ كَذَا وَكَذَا ، فَإِنْ كُنْتِ بَرِيئَةً فَسَيُبَرِّئُكِ اللَّهُ ، وَإِنْ كُنْتِ أَلْمَمْتِ بِذَنْبٍ فَاسْتَغْفِرِي اللَّهَ وَتُوبِي إِلَيْهِ ؛ فَإِنَّ الْعَبْدَ إِذَا اعْتَرَفَ بِذَنْبٍ ثُمَّ تَابَ تَابَ اللَّهُ عَلَيْهِ ...))
    هكذا يقرر صلى الله عليه وسلم مبدأ الحوار، ويقدّر الظرف النفسي الرهيب الذي يعصف بزوجته الصغيرة السن، الكبيرة العقل.. فلم يعاتبها على ردها، بل ولا على تحولها واضطجاعها على فراشها.. والسؤال الذي نوجهه لكل زوج: كم هي نسبة ضخامة المشاكل التي تمر بحياتك الزوجية بالنسبة لمشكلة تهمة الفراش النبوي؟!
    بارك الله لي ولكم في القرآن والسنة.. أقول قولي هذا، وأستغفر الله...

    الخطبة الثانية
    الحمد لله على إحسانه ، والشكر له على توفيقه وامتنانه ، وأشهد أن لا إله الله وحده لا شريك له تعظيما لشأنه ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما كثيرا .
    فمن أعظم أسباب العجلة في الطلاق – عباد الله - غياب ذلك الأصل العظيم الذي تقوم عليه الحياة الزوجية عند كثير من المطلِّقين ألا وهو المبيّنُ في قوله تعالى: ﴿وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا﴾
    أي أن الإنسان لا يعلم وجوه الصلاح، فرُب مكروه عاد محموداً، ومحمودٍ عاد مذموماً ، وكذلك الإنسان لا يكاد يجد محبوباً ليس فيه ما يكره، فليصبر على ما يكره لما يحب ، قال صلى الله عليه وسلم : ((لا يَفرَك مؤمنٌ مؤمنةً، إن كره منها خلقاً رضي منها آخر)) رواه مسلم .
    فكم من رجلٍ كره امرأةً، فصبر عليها ، فأنجبت له أولاداً بررة، قاموا بنفعه، ونشر فخره وذِكره!
    وكم من رجل فُتن بامرأةٍ، ذهبت بلبِّه، وأفسدت عليه دينه ودنياه وأهله!
    فاتقوا الله – عباد الله – وإياك والعجلة بالطلاق ، وعليكم بالتريث بشأنه والنظر في أمره واستشارة أهل الخبرة في مثل هذه الأمور ، حتى إذا ما عزم المطلق على الطلاق كان قراره ناضجاً، صادراً عن قناعة تامة، ودراسة شاملة، فيسرحها بإحسان، ويفارقها بالمعروف؛ امتثالاً لأمر الله تعالى: ﴿فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ﴾ فيفارقها فراقاً لا تشاتم فيه ولا تخاصم، بل هو طلاقٌ يستشعر معه تلك القاعدة القرآنية التي قررها ربنا في آيات الطلاق: ﴿وَلَا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ﴾، وهو طلاقٌ لا قهر فيه على أخذ شيء من مالها.
    وكل ما سبق الحديث عنه – عباد الله - إذا كانت الرغبة في الطلاق من قِبَل الزوج، أما إذا كانت الرغبةُ والاستعجال فيه من قِبَل الزوجة؛ فهنا يأتي دورُ الزوج والولي في العلاج، والتأني في الموضوع، أسأل الله عز وجل أن يجمع شمل الأسر ويصلح ذات بينهم ويجنبهم الخلاف والشقاق والطلاق ، هذا وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا – رَحِمَنِي اللهُ وَإِيّاكُم – على مَنْ أَمَرَ اللهُ باِلصّلاةِ والسّلامِ عَلَيْهِ ، فَقَال : إِنَّ ٱللَّهَ وَمَلَـٰئِكَـتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى ٱلنَّبِىّ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ صَلُّواْ عَلَيْهِ وَسَلّمُواْ تَسْلِيمًا وقال ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (( مَنْ صَلّى عَلَيَّ صَلاةً وَاحِدَةً صَلّى الله ُعَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا )) رواه مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه .
    اللّهم صَلّي وَسَلّم على عَبْدِكَ وَرَسُولِكَ مُحمّد ، وعلى آلِه وَصَحْبهِ أَجْمَعِينَ ، وارضَ اللّهُمَّ عن الخلفاء الراشدينَ : أبي بكرٍ وعُمَرَ وعُثمانَ وَعَلي ، وعن بقيةِ الْعَشَرَةِ المبشرينَ بالجنة ، وعن صحابة رسولِكَ أجْمَعينَ ، وعَنِ التابعينَ وتابعيـهم بإحسانٍ إلى يومِ الدِّين ، وعنّا مَعَهُم بِرحمتـكَ يا أرْحم الراحمين .



    الملفات المرفقة

معلومات الموضوع

الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع

الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)

     

المواضيع المتشابهه

  1. خطبة الجمعة القادمة 1435/2/10هـ بعنوان (( إلى المتقاعدين .. ))
    بواسطة محمدالمهوس في المنتدى خطب جمعة جاهزة . . اطبع واخطب، منبر مضايف شمر
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 12-12-2013, 08:22
  2. خطبة الجمعة القادمة بعنوان ( خلق العفــــو ) 1435/2/10هـ
    بواسطة محمدالمهوس في المنتدى خطب جمعة جاهزة . . اطبع واخطب، منبر مضايف شمر
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 08-12-2013, 23:35
  3. سلمان الفارسي - همة فوق الثريا - خطبة الجمعة القادمة 1435/12/12هـ
    بواسطة محمدالمهوس في المنتدى خطب جمعة جاهزة . . اطبع واخطب، منبر مضايف شمر
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 12-11-2013, 21:07
  4. (( قرن في بيوتكن )) خطبة الجمعة القادمة 27/7/1428هـ
    بواسطة عبيد الرشيد في المنتدى خطب جمعة جاهزة . . اطبع واخطب، منبر مضايف شمر
    مشاركات: 6
    آخر مشاركة: 11-08-2007, 05:16
  5. سَـــتَــــنْــــــدَ مْ .....!! خطبة الجمعة القادمة 10/4/1428هـ
    بواسطة محمدالمهوس في المنتدى المنتدى الاسلامي
    مشاركات: 6
    آخر مشاركة: 04-05-2007, 00:44

المفضلات

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •  
جميع ما يطرح بالمضايف يعبر عن وجهة نظر صاحبه وعلى مسؤوليته ولا يعبر بالضرورة عن رأي رسمي لإدارة شبكة شمر أو مضايفها
تحذير : استنادا لنظام مكافحة الجرائم المعلوماتية بالمملكة العربية السعودية, يجرم كل من يحاول العبث بأي طريقة كانت في هذا الموقع أو محتوياته