إن الحمدَ للهِ نحمدُهُ ونستعينُهُ ونستغفرُهُ ، ونعوذُ به من شرورِ أنفسِنا ومن سيئاتِ أعمالِنا ، من يهدِهِ اللهُ فلا مضلَّ له ومن يضللْ فلا هاديَ له ، وأشهدُ أن لا إله إلا اللهُ وحده لا شريكَ له وأشهدُ أن محمداً عبدُهُ ورسولُهُ (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ) (يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ) (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا*يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً): أما بعد:أيُّه الأحبةُ في الله ، كان الحديثُ إليكم في الجُمُعةِ الماضية ، مقدمةً عن أشراط الساعة ، وأن الإيمان بِها من صُلبِ العقيدةِ ، وسوف أتحدَّثُ إن شاء الله ، في هذهَ الخُطبَةِ عن القسم الأول منها، وهيَ الأماراتُ الصُّغرى ، التي ظهرت وانقضت :وَأَولها: بعثةُ النبي r فقد بين النبي r أنَّهُ أولُ أشراط الساعة وأن بعثته تدل على قرب قيامها. فقد روى البخاري ومسلم عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسولr { بُعِثْتُ أَنَا وَالسَّاعَةُ كَهَاتَيْنِ } قال: وضم السبابة والتي تليها. وروى الحاكم عن قيس بن أبي حازم عن أبي جبيرة مرفوعا: (بعثت في نسم الساعة) والنسم هو النسيم: وهو أول هبوب الريح الضعيفة. أي بعثت: في أول أشراط الساعة ، ومنها:موت النبي r.فقد ثبت في صحيح البخاري عن عوف ابن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله r{ اعْدُدْ سِتًّا بَيْنَ يَدَىِ السَّاعَةِ ، مَوْتِى ، ثُمَّ فَتْحُ بَيْتِ الْمَقْدِسِ ، ثُمَّ مُوتَانٌ يَأْخُذُ فِيكُمْ كَقُعَاصِ الْغَنَمِ ، ثُمَّ اسْتِفَاضَةُ الْمَالِ حَتَّى يُعْطَى الرَّجُلُ مِائَةَ دِينَارٍ فَيَظَلُّ سَاخِطًا ، ثُمَّ فِتْنَةٌ لاَ يَبْقَى بَيْتٌ مِنَ الْعَرَبِ إِلاَّ دَخَلَتْهُ ، ثُمَّ هُدْنَةٌ تَكُونُ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ بَنِى الأَصْفَرِ فَيَغْدِرُونَ ، فَيَأْتُونَكُمْ تَحْتَ ثَمَانِينَ غَايَةً ، تَحْتَ كُلِّ غَايَةٍ اثْنَا عَشَرَ أَلْفًا }الشاهدُ من هذا الحديث ، قولُهُ r موتي ، وكان موت النبي r من أعظمِ المصائبِ التي وقعت على المسلمينَ, فقد أظلمت الدُّنيا في عُيون الصحابةِ رضي الله عنهم ، عندما مات عليه الصلاة والسلام. قال أنس بن مالك رضي الله عنه:{ لَمَّا كَانَ الْيَوْمُ الَّذِى دَخَلَ فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ r الْمَدِينَةَ أَضَاءَ مِنْهَا كُلُّ شَىْءٍ فَلَمَّا كَانَ الْيَوْمُ الَّذِى مَاتَ فِيهِ أَظْلَمَ مِنْهَا كُلُّ شَىْءٍ وَمَا نَفَضْنَا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ r الأَيْدِى وَإِنَّا لَفِى دَفْنِهِ حَتَّى أَنْكَرْنَا قُلُوبَنَا } رواه البخاري. قال ابن حجر: " يريد أنهم وجدوها تغيرت عمَّا عهدوه في حياتِهِ ، من الألفة والصفاء والرقة, لفقدان ما كان يُمدُهم من التعليم والتأديب " فَبموتِهِ انقطع الوحيُ من السماءِ ، كما في جوابِ أُمُّ أيمن لأبي بكر وعمر رضي الله عنهم عندما زاراها بعد موت النبي r {فَلَمَّا انْتَهَيَا إِلَيْهَا ، بَكَتْ ، فَقَالاَ لَهَا : مَا يُبْكِيكِ ؟ أمَا تَعْلَمِينَ أنَّ مَا عِنْدَ اللهِ خَيْرٌ لرَسُولِ الله r ، فَقَالَتْ : مَا أبْكِي أَنْ لاَ أَكُونَ أَعْلَم أنَّ مَا عِنْدَ الله تَعَالَى خَيْرٌ لرسول الله r ، ولَكِنْ أبكي أنَّ الوَحْيَ قدِ انْقَطَعَ مِنَ السَّماءِ ، فَهَيَّجَتْهُمَا عَلَى البُكَاءِ ، فَجَعَلا يَبْكِيَانِ مَعَهَا }رواه مسلم. فقد مات عليه الصلاة والسلام كما يموت الناس لأن الله تعالى لم يكتب الخلود في هذه الحياة الدنيا لأحد من الناس بل هي دار ممر كما قال تعالى: (وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ*كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ) إلى غير ذلك من الآيات التي تبين أن الموت حق وأن كل نفس ذائقة الموت حتى ولو كان سيد الخلق وإمام المتقين محمد بن عبد الله r . وكان موتُهُ كما قال القرطبي: أولَ أمرٍ دَهَمَ الإسلام.. ومنها:من أشراط الساعةِ انشقاق القمر. فقد اتفق العلماء على أن القمر قد أنشق في عهد الرسول r . قال تعالى: ()اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ* وَإِنْ يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ)وثبت في صحيح البخاري عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن أهل مكة سألوا رسول الله r أن يريهم آية فأراهم القمر شقين, حتى رأوا حِرَاءَ بينهما, وفي صحيح مسلم عنه رضي الله عنه أَنَّ أَهْلَ مَكَّةَ سَأَلُوا رَسُولَ اللَّهِ rأَنْ يُرِيَهُمْ آيَةً فَأَرَاهُمُ انْشِقَاقَ الْقَمَرِ مَرَّتَيْنِ.ومن أشراط الساعةِ: زوال ملك كسرى وقيصر .فقد أخبر النبي r أن المسلمين سَيُزِيلون ملك كسرى وقيصر, وسينفقون كنوزهما في سبيل الله روى البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله r { إِذَا هَلَكَ كِسْرَى فَلاَ كِسْرَى بَعْدَهُ ، وَإِذَا هَلَكَ قَيْصَرُ فَلاَ قَيْصَرَ بَعْدَهُ ، وَالَّذِى نَفْسِى بِيَدِهِ ، لَتُنْفِقُنَّ كُنُوزَهُمَا فِى سَبِيلِ اللَّهِ }وفي صحيح مسلم عن ثوبان رضي الله عنه قال: قال رسول الله r { إِنَّ اللَّهَ زَوَى لِىَ الأَرْضَ فَرَأَيْتُ مَشَارِقَهَا وَمَغَارِبَهَا وَإِنَّ أُمَّتِى سَيَبْلُغُ مُلْكُهَا مَا زُوِىَ لِى مِنْهَا وَأُعْطِيتُ الْكَنْزَيْنِ الأَحْمَرَ وَالأَبْيَضَ } يعني ملك كسرى وقيصر. اللهم ارزقنا تقواك واجعلنا نخشاك كأننا نراك واغفر لنا ولوالدينا ولجميع المسلمين.
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم
؛ ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم ؛ أقول ما تسمعون واستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنبٍ إنه هو الغفور الرحيم.
الحمد لله رب العالمين؛ والعاقبة للمتقين؛ ولا عُدوان إلا على الظالمين؛ وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له؛ وأشهد أن محمداً عبده ورسوله؛ صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليماً كثيراً؛ أما بعد:- ومن أشراط الساعةِ: ظهورُ نارٍ من الحجاز.عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله r قال:{ لاَ تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تَخْرُجَ نَارٌ مِنْ أَرْضِ الْحِجَازِ ، تُضِىءُ أَعْنَاقَ الإِبِلِ بِبُصْرَى }رواه البخاري ومسلم. وبصرى: مدينة معروفة بالشام.وقد وقعت هذه الآيةَ العظيمةَ على الصورةِ التي أخبر بها الرسول r وقد كان خروجها في مُنتصفِ القرن السابع الهجري سنة أربع وخمسين وستمائة. وأما العلامات التي وقعت وهي مستمرة, أو وقعت مرة ويمكن أن يتكرر وقوعها فأولها: ظُهورُ الفتن العظيمة التي يلتبس فيها الحق بالباطل, ويكثر فيها البلاء والأمور المنكرة. وأكثر الفتن التي ظهرت منبعها من المشرق من حيث يطلع قرن الشيطان ، وهذا مطابق لما أخبر به نبي الرحمة r فقد ثبت في صحيح مسلم عن ابن عمر أن النبي r قال: { رَأْسُ الْكُفْرِ مِنْ هَاهُنَا مِنْ حَيْثُ يَطْلُعُ قَرْنُ الشَّيْطَانِ يَعْنِي الْمَشْرِقَ }وفي مسن الشاميين ،عن نافع عن بن عمر أن رسول الله r قال { اللهم بارك لنا في صَاعِنَا ومُدِّنا وفي مَكتَنَا وفي مدينتَنَا وفي شا مِنا وفي يَمنِنا فقال رجل يا رسول الله وفي العراقِ ومِصر فقال هُنَاكَ يطلُعُ قرن الشيطان وثَمَّ الزلازِلَ والفِتَن } وعندالطبراني عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: دعا النبي r {اللهم بارك لنا في صاعِنا ومُدِّنا وبارك لنا في شَامِنَا ويمننا فقال رجل من القوم : يا نبي الله وفي عِراقِنا قال: إنّ بِهَا قرنُ الشيطان وتهيجُ الفِتَن وأنَّ الجفاءَ بالمشرقِ} وأخبر النبي r أن فتنتهم باقية إلى أن يخرج بين ظهرانيهم الدجال. ومن المشرق هبت رياح التتار ، في القرن السابع وظهرت الشيوعية والإلحاد في الصين وروسيا ، وهما في المشرق ، و سيكون ظهور الدجال ويأجوج ومأجوج ، من حيث المشرق.. اللهم إنا نعوذ بك من الفتن ما ظهر منها وما بطن،اللهم صلِّ وسلمْ وأنعمْ وأكرمْ وزدْ وباركْ ، على عبدِك ورسولِكَ محمدٍ ، وارضَ اللهم عن أصحابِهِ الأطهارِ ، ما تعاقبَ الليلُ والنهارُ ، أبي بكرٍ وعمرَ وعثمانَ وعليٍّ ، وعن سائرِ أصحابِ نبيِّك أجمعين ، وعن التابعينَ وتابعِيهم بإحسانٍ إلى يومِ الدينِ ، وعنَّا معَهم بمنِّكَ وفضلِكَ ورحمتِكَ يا أرحمَ الراحمينَ .اللهم أعزَّ الإسلامَ المسلمينَ ، ودمرْ أعداءَ الدينِ من اليهودِ والنصارى ، وجميعِ الكفرةِ الملحدينَ ، اللّهُم يا عظيمَ العفوِ ، ويا وسعَ المغفرةِ ، ويا قريبَ الرّحمةِ ، ويا ذا الجلالِ والإكرامِ ، هبْ لنا العافيةَ ، في الدُنيا والآخرةِ ، اللّهُم اجعلْ رزقَنَا رغداً ، ولا تُشمتْ بنا أحداً ، اللهم إنا نسألُكَ ، بعزِّكَ الذي لا يرامُ ، وملكِكَ الذي لا يُضامُ ، وبنورِكَ الذي ملأ أركانَ عرشِكَ ، أن تكفيَنا شرَّ ما أهمَنا وما لا نهتمُ به ، وأن تعيذَنا من شرورِ أنفسِنا ومن سيئاتِ أعمالِنا ، اللهم رَغّبْنا فيما يبقى ، وَزَهّدْنا فيما يفنى ، وهبْ لنا اليقينَ ، الذي لا تسكنْ النفوسُ إلا إليهِ ، ولا يُعوَّلُ في الدينِ إلا عليهِ ، اللهم اجعلْ بَلدَنا هذا آمناً مطمئناً ، وسائرَ بلادِ المسلمينَ ، اللهم أيدْ إمامَنا بتأيدِكَ ، وانصرْ بهِ دينَكَ ، ووفقْهُ إلى هُدَاكَ ، واجعلْ عمَلَهُ في رضاكَ ، وارزقْهُ اللهم البطانةَ الصالحةَ الناصحةَ ، التي تدلُهُ على الخيرِ ، وتعينه عليه، اللهم أرحمْ موتانا ، وعافي مُبتلانا ، واقضِ الدينَ عن مدينِنا ، وردَّ ضالَنا إليكَ رداً جميلاً ، ( رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ) (ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار) ، عبادَ اللهِ ، ( إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْأِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) ( وَأَقِمِ الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ
المفضلات