الحمد للهِ الذي أحكمَ بحكمتِهِ ، ما فطرَ وما بنى وقربَّ من خلقِهِ برحمتِهِ ، من تقربَ ودنا ، ورضيَ بالشكرِ من بريتِهِ ، لنعمِهِ ثمناً ، أمرَنا بخدمتِهِ لا لحاجتِهِ ، بل لنا ، يغفرُ الخطايا ، لمن أساءَ وجنا ، أحمدُهُ مُسِراً للحمدِ ومُعلِناً ، وأشهدُ أن لا إله إلاَّ هو، يجزلُ العطايا لمن كان محسِناً ، وأشهدُ أن محمداً عبدُهُ ورسولُهُ ، إمامَ الهدى ، صلى اللهُ عليه وعلى آلِهِ وأصحابِهِ الأمناءِ ، وسلَّم تسليماً كثيراً (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ) (يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ) (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا*يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً): أما بعد : ، أيها الأحبة في الله :فإنَّ الإيمانَ يزيدُ وينقصُ ، يزيدُ بالطاعةِ وينقصُ بالمعصيةِ ، وهذا معتقدُ أهلِ السنةِ والجماعةِ ، قال تعالى (لِيَزْدَادُوا إِيمَاناً مَعَ إِيمَانِهِمْ) وقال تعالى (وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدىً وَآتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ) وقال تعالى (أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَاناً فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَاناً وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ) فيا مَنْ تدعي الإيمانَ ، ما هو أثرُ الإيمانِ عليكَ ، وعلى عبادتِكَ ، وخوفِكَ ورجائِكَ ، ومحبتِكَ ورغبتِكَ ورهبتِكَ ،فالإيمانُ ليسَ قولٌ باللسانِ فقط ، إنّما هو قولٌ باللسان ، وعتقادٌ بالجنان ، وعملٌ بلأركان ،وهكذا يكونُ للإيمانِ أثرٌ معنويٌ وحسيٌ ، وفي قِصَّةِ سحرةِ فرعونَ الذين قصَّ اللهُ قصتَهم في القرآنِ الكريمِ ، عِبرةٌ وذكرى ، لمن ألقى السمع وأرادَ التدبرَ والاتعاظَ ، أنظرْ كيفَ تغيرتْ شخصياتُهم ؟ وكيف انقلبتْ موازينُهم ؟ كيف تَحوَّلتْ أفكارُهم وقلوبُهم ؟ كانت هِمَمُهُم مَشدودةً إلى المالِ ، حينما قالوا(أَإِنَّ لَنَا لاَجْراً إِن كُنَّا نَحْنُ ٱلْغَـٰلِبِينَ) وكانتْ آمالُهم مَنوطةً بفرعونَ ، حينَ أقسموا بعزتِهِ ( وَقَالُواْ بِعِزَّةِ فِرْعَونَ إِنَّا لَنَحْنُ ٱلْغَـٰلِبُونَ )كان هذا منطقَهم قبلَ أن يؤمنوا ، فلمّا ذاقوا حلاوةَ الإيمانِ ، كان جوابُهم بالرغمِ من التهديدِ والوعيدِ ، في بساطةٍ ويقينٍ ( قَالُوا لَنْ نُؤْثِرَكَ عَلَى مَا جَاءَنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالَّذِي فَطَرَنَا فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا) (طـه:72) بعد أن كانَ همُّهم الدنيا ، صارَ همُّهم الآخرةَ ، قالوا ( إِنَّا آمَنَّا بِرَبِّنَا لِيَغْفِرَ لَنَا خَطَايَانَا وَمَا أَكْرَهْتَنَا عَلَيْهِ مِنَ السِّحْرِ وَاللَّهُ خَيْرٌ وَأَبْقَى) وبعد أن كانوا يحلفونَ بعزةِ فرعونَ ، صاروا يحلفونَ باللهِ ربِّ العالمين ، الذي فطرَهم(قَالُوا لَنْ نُؤْثِرَكَ عَلَى مَا جَاءَنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالَّذِي فَطَرَنَا) تغيرَ الاتجاهُ وتغيرَ المنطقُ وتغيرَ السلوكُ وتغيرتْ الألفاظُ ، في لحظاتٍ ، أصبحَ القومُ غيرَ القومِ ، فمن أيِّ شيءٍ كانَ هذا التحولُ السريعُ ، والتغيرُ الفظيعُ؟! إنه الإيمانُ ، الَّذي وصلَ إلى الأعماقِ، وَهلْ هُنَاكَ أسرعُ أثراً في النفوسِ من الإيمانِ ؟ ، الَّذي ينقلُ النفوسَ والأشخاصَ ، من حالٍ إلى حالٍ ، ومِنْ وثنيةٍ إلى توحيدٍ، ومن جاهليةٍ إلى إسلامٍ ، وانظروا أيها الأحبةُ في الله ، ماذا صنعَ الأيمانُ في قلوبِ أصحابِ محمدٍ e يُقدِّمُونَ رِقَابَهم في سبيلِ اللهِ ، وبعضُ النّاسِ ولِلأَسفِ الشديدِ كما ذكرَ اللهُ عزَّ وجلَّ ( وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ ) لكنهم لايشهدونَ صلاةَ الفجرِ معَ الجماعةِ ، ويستثقلونَ الطاعةَ ، وقلوبُهم ملئى من الغلِّ والحسدِ والكبْرِ ، فهذا هوَ الإيمانُ الضعيفُ الهزيلُ ، بل هذهِ صِفةٌ من صفاتِ المُنافقينَ ، الذينَ قالَ اللهُ فيهم ( إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاؤُونَ النَّاسَ وَلا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلاً) فأحدُهم ، يسمعُ المؤذنَ ، وهو يُرددُ حي على الصلاةِ ، حي على الفلاح ِولا يُجيبُ : أيُّ إيمانٍ هذا ؟ الَّذي لا يُوصِلُ صاحبُهُ إلى المسجدِ ،خبيبُ بنُ عديٍّ t , عرضَهُ المشركونَ على مَشنقةِ الموتِ، وسألوهُ: مَاذا تُريدُ يا خبيبُ ؟ قال: أريدُ أن أُصليَ ركعتينِ، فكانَ أوّلَّ من سنَّ صلاةَ ركعتينِ قبلَ القتلِ، وتوضأَ وصلى ركعتينِ ، واستعجلَ فيهما ، ثم فرغَ منهما ، وقالَ لهم: واللهِ لولا أن تَظنوا أن ما بي جزعٌ ، لأطلتُها . فَرُفِعَ رضي الله عنهُ إلى المشنقةِ ، فدعا عليهم قائلاً: اللهم احصْهِم عدداً ، واقتلْهُم بدداً ، ولا تُغَادِرْ مِنهُم أحداً، قالوا له: أتريدُ أن يكونَ محمدٌ مكانَكَ ،وأنتَ في أهلِكَ ومالِكَ؟! قال: لا واللهِ، ما أريدُ أنّ رسولَ اللهِ e يصابُ بشوكةٍ ، وأنا في أهلي ومالي , ثم قُتلَ t ، هَكَذا كانوا رضي اللهُ عنهُم ، يقولُ أهلُ السيرِ كان خبيبُ بنُ عدي t ، قبلَ أن يُقْتَلَ: يقولُ ، اللَّهُم أبلغْ عنا رسولَكَ ما لَقِينا، والسلامُ عليكَ يا رسولَ اللهِ، والسلامُ عليكَ يا رسولَ اللهِ، والسلامُ عليكَ يا رسولَ اللهِ ، هو في مكةَ ، والرسولُ عليه الصلاةُ والسلامُ في المدينةِ ، فأخذَ يقولُ e في تلك اللحظةِ: عليكَ السلامُ يا خُبَيبُ, عليكَ السلامُ يا خبيبُ، عليكَ السلامُ يا خبيبُ، ثم أنشدَ خُبيبُ بنُ عدي t أنشودةَ الموتِ وهي قصيدةُ الفداِء:ولستُ أبالي حين أُقتلُ مسلماً
على أيِّ جنبٍ كانَ في اللهِ مصرعي
وذلكَ في ذاتِ الإلهِ وإن يشأْ
يباركْ على أشـلاءِ شلـوٍ ممـزعِ
بارك الله لي ولكم في القرآن،

الحمدُ للهِ حمداً لا ينفدْ، وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ الواحدُ الفردُ الصمدْ، وأشهد أن سيدَنا ونبيَّنا محمداً عبدُهُ ورسولُهُ أفضلَ من تعبّدْ، اللهم صلِ وسلمْ وباركْ عليه وعلى آلِهِ وأصحابِهِ وإخوانِهِ إلى يومِ الدينِ. أما بعد : أيها الأحبةُ في الله ، فإنَّ العصاةَ في مجتمعِنا ، ليسوا كما يتصورُهم البعضُ ، فبعضُ النَّاس ، يَظنُّ أنَّ العُصاةَ قد انسلخوا من الدّينِ ، أو أنهم خَلَعوا لا إلهَ إلا اللهُ ، أو أنهم لا يُؤمَّلُ فِيهم صلاحٌ ، وهذا ليس بصحيحٍ ، فعندهم خيرٌ كثيرٌ، وإني أعلمُ أناساً ،عندهُم من الذنوبِ ما اللهُ بهِ عليم ، ومع ذلك لو سمع أحدُهم سبًّا للدينِ ، أو استهزاءً بسيدِ المُرسلين ، عليه الصلاةُ والسلامُ – لكان على استعدادٍ أن يُقاتلَ ذلك المستهزئَ، وربما قدَّمَ دمَهُ ونفسَهُ دفاعًا عن الدينِ وعن عِرضِ سيد الْمُرسلين ، عليه الصلاة والسلام ، فقصدي أن نستثيرَ هذا الأصلَ في نفوسِ الناسِ، وأن نُنمّيَ هذه الفطرةَ في قلوبِهم ، حتى يزدادوا من الخيرِ، ويتركوا ما هم عليه من المعصيةِ ، الكثيرُ مِنّا أيها الأخوةُ ، يَرتكبُ الذنوبَ ، ويفعلُ المعاصي ، ويَنقصُ أيمانُهُ ويضعفُ ،ولكنّه ما يلبثُ حتى يستجمعُ قواهُ ويعودُ إلى ربّه ، منكسراً بين يدي ربه قائلاً ، ياربّي أنا عبدُك الخطاء ، وأنت الغفور الرحيم ،فيغفر له الغفور الرحيم ، ويتوب عليه التواب الكريم الذي يقول ( نبئ عبادي أني أنا الغفور الرحيم) ألم يشتكِ حنظلةُ من تَقَلَّبِ إيمانِهِ ، ويقولُ: نافقَ حنظلةُ ، ويصفُ له رسولُ اللهِ r العلاجَ ،أُنظر إلى ذلكَ القوم ، إِنَّهم يَعرِضُونَ أمَراضَهم ، التي تُدخلُهم النارَ ، ويُخفُونَ أمراضَهم الجسديةَ حتى يُقالَ لأحدِهم ، ماذا تشتكي ؟ يَقولُ أشتكي ذنوبي . أنحضرُ لك الطبيبَ ؟ يقولُ الطبيبُ أمرضني ، أمَّا نحنُ والعياذُ باللهِ ، فحتى الصلاةَ التي هي صلةٌ بينَ العبدِ وربّهِ ، والتي هي مناجاةٌ بين العبدِ وربِّهِ ، فكما ترونَ ، ما أحسنَ من أشكالِِنا ولباسِنا ، إذا وقفنا في الصلاةِ ، وما أغفلَ من قلوبِنا بين يدي اللهِ ، فنصلي بلا خشوعٍ ، ونُصَلي بلا قلوبٍ ، نقفُ بين يديه بأجسادٍ فقط ، دونما قلوبٍ ، ولكن نشكوا إلى اللهِ هذه القسوةَ التي في قلوبِنا ، ونسألُهُ اللهَ عزَّ وجلَّ أن يصلحَ فسادَ قلوبِنا ، وأن يسترنَا فوقَ الأرضِ وتحتَ الأرضِ ويومَ العرضِ ، اللهم صلِّ وسلمْ وأنعمْ وأكرمْ وزدْ وباركْ ، على عبدِك ورسولِكَ محمدٍ ، وارضَ اللهم عن أصحابِهِ الأطهارِ ، ما تعاقبَ الليلُ والنهارُ ، أبي بكرٍ وعمرَ وعثمانَ وعليٍّ ، وعن سائرِ أصحابِ نبيِّك أجمعين ، وعن التابعينَ وتابعِيهم بإحسانٍ إلى يومِ الدينِ ، وعنَّا معَهم بمنِّكَ وفضلِكَ ورحمتِكَ يا أرحمَ الراحمينَ .اللهم أعزَّ الإسلامَ المسلمينَ ، ودمرْ أعداءَ الدينِ من اليهودِ والنصارى ، وجميعِ الكفرةِ الملحدينَ ، اللّهُم يا عظيمَ العفوِ ، ويا وسعَ المغفرةِ ، ويا قريبَ الرّحمةِ ، ويا ذا الجلالِ والإكرامِ ، هبْ لنا العافيةَ ، في الدُنيا والآخرةِ ، اللّهُم اجعلْ رزقَنَا رغداً ، ولا تُشمتْ بنا أحداً ، اللهم إنا نسألُكَ ، بعزِّكَ الذي لا يرامُ ، وملكِكَ الذي لا يُضامُ ، وبنورِكَ الذي ملأ أركانَ عرشِكَ ، أن تكفيَنا شرَّ ما أهمَنا وما لا نهتمُ به ، وأن تعيذَنا من شرورِ أنفسِنا ومن سيئاتِ أعمالِنا ، اللهم رَغّبْنا فيما يبقى ، وَزَهّدْنا فيما يفنى ، وهبْ لنا اليقينَ ، الذي لا تسكنْ النفوسُ إلا إليهِ ، ولا يُعوَّلُ في الدينِ إلا عليهِ ، اللهم اجعلْ بَلدَنا هذا آمناً مطمئناً ، وسائرَ بلادِ المسلمينَ ، اللهم أيدْ إمامَنا بتأيدِكَ ، وانصرْ بهِ دينَكَ ، ووفقْهُ إلى هُدَاكَ ، واجعلْ عمَلَهُ في رضاكَ ، وارزقْهُ اللهم البطانةَ الصالحةَ الناصحةَ ، التي تدلُهُ على الخيرِ ، وتعينه عليه، اللهم أرحمْ موتانا ، وعافي مُبتلانا ، واقضِ الدينَ عن مدينِنا ، وردَّ ضالَنا إليكَ رداً جميلاً ، ( رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ) (ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار) ، عبادَ اللهِ ، ( إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْأِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) ( وَأَقِمِ الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ