خطبة الجمعة : واجب حماية الوطن
ألحمد لله رب العالمين والعاقبة للمتقين ولا عدوان إلا على الظالمين المبتدعة والمشركين والمرتدين وأشهد ألا اله إلا اللهوحده لا شريك له ، إله الأولين و الآخرين ، قيوم السماوات والأرضين وأشهد أن محمدا ًعبده ورسوله ، وخيرته من خلقه أجمعين ، أللهم صل ِعلى محمد وعلى ألهِ وصحبهِ ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وسلم تسليما ًكثيرا ً.
أما بعد... فإنه مما لا ريب فيه، أنّ حماية الأوطان، واجب كل إنسان، فلا يماري امرؤ ومعه عقله، أنّ الوطن بيته فيجب عليه أن يحافظ علي أمنه و سلامته، وأن يدافع عنه ما استطاع إلي ذلك سبيلاً.
وقد أوجب الإسلام الدفاع عن الأوطان، وشرع الجهاد في سبيل الله، دفاعاً عن الدين والوطن والأرض والعرض، ومن قُتِل في سبيل الدفاع عن وطنه كان شهيداً في سبيل الله.
ولا تقتصر حماية الأوطان والدفاع عنها علي مواجهة العدوان والدخيل فحسب، بل إن من الواجب في حماية الأوطان مناهضة كل فكر مغشوش، أو شائعة مغرضة أو محاولة استقطاب البعض لمصلحة أصحاب الأهواء المشبوهة.
كما تشمل حماية الأوطان المحافظة علي أسراره الداخلية، وعدم التعامل مع أعداء الوطن أو من يريدون به السوء، أو ينفثون سمومهم في أجواء المجتمعات بغياً منهم وعدواناً.
ومن الأوطان ما هو خاص، مثل وطن الإنسان الذي يعيش فيه، وبلده الذي نشأ علي ظهره، ودولته التي يحيا فيها.
ومن الأوطان أيضاً ما هو عام مثل العروبة والإسلام فالعالم العربي، وطن كل إنسان عربي، والعالم الإسلامي وطن كل إنسان مسلم.
وفي كل نوع من أنواع الأوطان جاءت توجيهات الإسلام واضحة جلية في حمايتها والدفاع عنها في كل وقت وحين، وفي كل حال من الأحوال، لأن الإسلام دين الرحمة، أرسِل رسوله سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم رحمة للعالمين كما قال رب العزة سبحانه وتعالي: " وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين" .
ولنبدأ بالحديث عن الوطن الخاص وهو الذي يعيش فيه الإنسان وينتمي إليه، فنرى أنّ الإسلام أوجب على الإنسان حب وطنه وشرع الجهاد من أجل الدفاع عن العقيدة والوطن، ودعا إلى حماية الوطن من أعدائه، وممن يريدونه بسوء، وممن يريدون إحداث القلاقل والفتن وإثارة المخاوف والاضطرابات، وأنّ واجب كل إنسان أن يتصدى للفتن ما ظهر منها وما بطن والذي يحدث القلاقل أو يشجع عليها أو يدعو لها ليس بكامل الإسلام، فقد قال رسول الله صلي الله عليه وسلم: "المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده" .
وقال أيضاً:" والمؤمن من أمنه الناس على دمائهم وأموالهم وأعراضهم". ولقد أكد رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع علي هذه الحقوق فقال: " إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا ألا هل بلغت اللهم فاشهد".
ومن الخيانة العظمي أن يخون مواطن وطنه ويتآمر ضده من أجل منفعة مادية أو من أجل فئة !! ومن فعل مثل ذلك كان بعيداً عن الدين بعيداً عن الله، لأن المؤمن الحقيقي من أمنه الناس على دمائهم وأموالهم وأعراضهم.
إن الإنسان الذي يخون وطنه ويتآمر مع أعدائه إنسان بعيد عن حظيرة الإيمان، إنه يرتكب أبشع أنواع الخيانة، إذ أنّه يخون الله الذي أمر بالدفاع والجهاد من أجل الوطن، ويخون رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي أمر بحماية أمانة الوطن، ويخون أماناته وأمانات الناس وقد قال رب العزة سبحانه " يا أيها الذين آمنوا لا تخونوا الله والرسول وتخونوا أماناتكم ".
فواجب أبناء الوطن أن يكونوا عيوناً ساهرة لحماية أمن الوطن وأن يتضامنوا في درء أي خطر يتهددهم وأن يتكاتفوا جميعاً عن بكرة أبيهم وبلا استثناء علي ردع كل من تسوّل له نفسه أن يجترئ على الوطن وأن يسعي بذمتهم أدناهم، وأن يكونوا يداً على من سواهم، بغض النظر عن عقائدهم فيجب أن يتعاونوا جميعاً لأجل هذه الغاية النبيلة .
وأعظم صور يقتدى بها في ذلك ما فعله رسول الله صلي الله عليه وسلم فور هجرته من مكة إلي المدينة حيث بنى المسجد توثيقاً للصلة بالله، وآخى بين المهاجرين والأنصار توثيقاً للصلة بين المسلمين، وأبرم صحيفة المدينة توثيقاً بين المسلمين وغير المسلمين دفاعاً عن الوطن، وحماية له من أي عدو يناوئه أو أي خطر يتهدده. وأعطى بهذا نموذجاً من أرقي النماذج في الحفاظ علي سلامة الوطن وأمنه واستقراره، ليقتدي به العالم كله بعد ذلك فكانت هذه الصحيفة التي أبرمها في المدينة بين المسلمين وغير المسلمين أول وثيقة عرفتها البشرية لحقوق الإنسان حيث شرط لغير المسلمين وشرط عليهم ووحّد كلمة الجميع على أن يتضامنوا في الحفاظ على الوطن ودرء أي خطر يوجّه من أعدائه إليه.
وأما بالنسبة للوطن العام وهو العروبة والإسلام فذلك لأن كل عربي يجب أن يصون أمن أخيه العربي وأن كل مسلم يجب أن يحمي أخاه المسلم في أي مكان علي ظهر المعمورة، لأن الجميع أخوة كما قال رسول الله صلي الله عليه وسلم: " مثل المؤمنين في توادهم وتعاطفهم وتراحمهم مثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الأعضاء بالسهر والحمّى" رواه البخاري.
وتضامن المؤمنين يجعل منهم بناء واحداً يشد بعضه بعضاً كما قال الرسول صلي الله عليه وسلم: " المؤمن للمؤمن كالبنيان المرصوص يشد بعضه بعضاً " رواه البخاري.
فحماية الوطن مسؤوليّة جميع أبنائه كلّ من موقعه، وهو شرف رفيع وأجر عظيم من لدن الحقّ سبحانه وتعالى لمن اضطلع بواجبه إيمانا واحتسابا، عن عائشة - رضي الله عنها - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : " ما يُصيب المسلم من نصب ولا وصب ولا همّ ولا حزن ولا أذى ولا غمّ حتى الشوكة يُشاكها إلا كفر الله بها من خطاياه ".. رواه البخاري برقم ( 5318 ) - واللفظ له - ومسلم برقم ( 2572 ) والبيهقي في " شعب الإيمان " برقم ( 9828 ) .. عن عائشة مرفوعاً .
نسأل الله سبحانه وتعالى أن يثبّت أجر المدافعين عن تونس وأن يجعل خالص أعمالهم في ميزان حسناتهم، إنّه سميع قريب مجيب .
المفضلات