الحمدُ للهِ الذي أثارَ السحابَ وأرسلَه ، وساقَ الغيثَ وأنزلَه ، أحمدُه عددَ ما هطلَ علينا من سحابٍ ، وعددَ ما ابتلَّتْ السهولُ والهضابُ ، حمداً يليقُ بجلالِه ، وينبغي لعظمتِهِ وكمالِهِ وأشهدُ أن لا إله إلا اللهُ الغنيُّ عناّ ، وأشهدُ أنّ محمداً عبدُه ورسولُه المبعوثُ رحمةً للعالمين ، فدعاَ العالمينَ إنساً وجناَّ أجمعين ، إلى توحيدِ ربَّ العالمين ، صلى الله عليه وعلى آلهِ وصحبِهِ وسلم تسليما كثيراً ، إلى يومِ الدين : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ) (يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ) (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا*يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً) : أما بعد : أيها الأحبةُ في الله ، إنزالُ الغيثِ من أعظمِ نعمِ اللهِ وإحسانِهِ إلينا ،فمن خلالِه تتوفرُ لنا المياه ، وبسببه يَنبتُ لنا الزرع ويَدُّرُ لنا الضرع وتحيى الأشياء يقولُ سُبحانه (وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ نَبَاتَ كُلِّ شَيْءٍ فَأَخْرَجْنَا مِنْهُ خَضِراً نُخْرِجُ مِنْهُ حَبّاً مُتَرَاكِباً وَمِنَ النَّخْلِ مِنْ طَلْعِهَا قِنْوَانٌ دَانِيَةٌ وَجَنَّاتٍ مِنْ أَعْنَابٍ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُشْتَبِهاً وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ انْظُرُوا إِلَى ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَيَنْعِهِ إِنَّ فِي ذَلِكُمْ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) (الأنعام:99) ويقول تبارك وتعالى ( وَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً بِقَدَرٍ فَأَسْكَنَّاهُ فِي الْأَرْضِ وَإِنَّا عَلَى ذَهَابٍ بِهِ لَقَادِرُونَ ) يقول ابن كثيرٍ رحمه اللهُ في تفسيرِهِ : بِقَدَرٍ : أي بِحسَب الحاجة ، لا كثيراً فيفسدُ الأرضَ والعمرانَ ، ولا قليلاً فلا يكفي الزّرُوعَ والثِّمَار . وهذا الماءُ ، الذي يُنَزلُه اللهُ U من السماءِ ، وهو المطر ، سببُ حياةِ الأشياء ، كما قال تعالى : ( وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاء كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ ) ولذلك ذكَّرَ اللهُ U عبادَهُ بِهذِهِ النِّعمةِ ، فقال تعالى : ( أَفَرَأَيْتُمُ الْمَاء الَّذِي تَشْرَبُونَ ، أَأَنتُمْ أَنزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنزِلُونَ ، لَوْ نَشَاء جَعَلْنَاهُ أُجَاجاً فَلَوْلَا تَشْكُرُونَ ) فاحمدوا اللهَ واشكرُوهُ الذي ضَعضعَ لكم ثقالَ السحابِ ، وأسبغَ عليكم زُلالَ الشرابِ ، وأروى لكمُ السهولَ والهضابَ ، وأسالَ لكم الأوديةَ والشعابَ ، فسالتْ أوديةٌ بقدَرِها ، واحتملَ السيلُ زبداً رابياً ، فاجعلوا ما رزقَكُمُ اللهُ عوناً لكم على طاعَتِه ، ولا تجعلوا نِعمَ اللهِ سبلاً لنقمتِه , وخيراتِه مطاياً لمعاصيه ، فإنزال المطر نعمة عظيمة ، ولكنَّهُ إذا شاء الله U جعلَهُ نقمة ، فبدلاً من أن يكونَ سبباً للحياةِ ، يكونَ سبباً للهلاك ، وهذا أمرٌ ثابتٌ ، تقولُ أُمُّ المؤمنينَ عائشةَ رضي الله عنها ، وهي تَصِفُ حال النبي r إذا رأى الغيم كما في صَحيحِ مُسلِمٍ تَقول{كَانَ إِذَا رَأَى غَيْمَاً أَوْ رِيحاً عُرِفَ ذَلِكَ في وَجْهِهِ ، فَقُلتُ : يَا رَسُولَ الله ! أَرَى النَّاسَ ، إِذَا رَأَوُا الْغَيْمَ ، فَرِحُوا ، رَجَاءَ أَنْ يَكُونَ فِيهِ الْمَطَرْ ، وَأَرَاكَ إِذَا رَأَيْتَهُ ، عَرَفْتُ فِي وَجْهِكَ الكَرَاهِيَةَ ؟ قَالَ : يَا عَائِشَةُ ! مَا يُؤْمِّنُنِي أَنْ يَكُونَ فِيهِ عَذَابٌ ، قَدْ عُذِّبَ قَوْمٌ بِالرِّيحِ ، وَقَدْ رَأَى قَوْمٌ العَذَابَ فَقَالُوا : (هَذَا عَارِضٌ مُمْطِرُنَا ) } يقولُ تعالى(فَلَمَّا رَأَوْهُ عَارِضاً مُسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ قَالُوا هَذَا عَارِضٌ مُمْطِرُنَا بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُمْ بِهِ رِيحٌ فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌ) وقَومُ سبأٍ ، لما تَنَكَّروا لنعمِ اللهِ وجحدوها ،وقَابَلُوها بالعصيانِ ، سلبَها اللهُ مِنهُم، وأذاقَهم ألوانًا من العذابِ قالَ تعالى (فَأَعْرَضُواْ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ ٱلْعَرِمِ وَبَدَّلْنَـٰهُمْ بِجَنَّـٰتِهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَوَاتَىْ أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ وَشَىْء مّن سِدْرٍ قَلِيلٍ *ذَلِكَ جَزَيْنَـٰهُمْ بِمَا كَفَرُواْ وَهَلْ نُجْزِى إِلاَّ ٱلْكَفُورَ) وانظر ماذا فعل الله U بقومِ لوط ، الذين يتركون نَساءهم ، ويفعَلُونَ الفاحشةَ في ذُكورٍ أمثَالُهم ! أهلكم ، وكان سببُ هلاكِهِم المطر ، يقول U : (وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِم مَّطَراً فَسَاء مَطَرُ الْمُنذَرِينَ ) وكذلك بالمطر أغرقَ اللهُ U قومَ نوحٍ ، الذين كَذَّبوا نبيّهم واتهمُوه بالجنون ، يقول تبارك وتعالى ( فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاءِ بِمَاء مُّنْهَمِرٍ ، وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُوناً فَالْتَقَى الْمَاء عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ ) وكثيرٌ من الناسِ اليوم ، إذا تَلَبَّدت السماءُ بالغيوم ، ونزلَ الغيثُ ، وسالت الأوديةُ والشِّعاب ، تجشمَ بنفسِه وأهلِه بطونَ الأوديةِ ، ومسالكَ الشعابِ ، فَعَرَّضَ نفسَه وأسرتَه للخطرِ واللهُ عزَّ وجلَّ يقول (وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ) ويقولُ سُبحانه (وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً) ذريتكمُ ، النساءُ والأبناءُ ، أمانةٌ في أعناقِكُم ، فلا تجعلوهُمْ عُرضةً للمهالكِ ، ولا تتهوروا بهم في المزالقِ والمداركِ ، بسياراتِكم وقتَ نزول المطر ، ولا تغرنكُم سَيَّاراتُكم ذواتُ القوةِ والمتانةِ ، فإنَّ القوةَ للهِ جميعاً ،فاتقوا اللهَ في أنفسِكم واتقوا اللهَ في أُسرِكم وذراريكم ،{فكلكم راعٍ وكلكم مسئولٌ عن رعيتِه}
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم
ونفعني الله وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم ولجميع المسلمين من كلّ ذنب فاستغفروه، إنّه هو الغفور الرحيم
الحمدُ للهِ الذي سمكَ السماءَ ، وأنزلَ منها الماءَ ، وأشهدُ أن لا إله إلا اللهُ وحدَهُ لا شريكَ لهُ ، وأشهدُ أنَّ محمداً عبدُهُ ورسولُهُ خيرَ الرسلِ وأفضلَ الأنبياءِ ، صلى اللهُ عليه وعلى آلهِ وأصحابِهِ ، الطيبينَ الطاهرينَ ، وعلى من سارَ على نهجِهِم إلى يومِ الدينِ ، وسلم تسليماً كثير اً : أما بعد : أيها الأحبةُ في الله ، إنزالُ الغيثِ ، من أعظمِ نعمِ اللهِ وإحسانِهِ إلينا، فيجبُ علينا أن نَشكروهُ عليها ، وعلى جَميعِ ما أنعمَ بهِ علينا يقولُ سُبحَانَه (وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ) وفي أثرٍ إلهيٍّ يقولُ تعالى { إني والإنسُ والجنُّ في نبأٍ عظيمٍ ، أخلقُ ويعبدُ غيري ، وأرزقُ ويشكرُ سواي } وفي أثرٍ حسنٍ { إبنَ آدمَ ما أنصفتَني ! خَيري إليكَ نازلٌ ، وشرُّكَ إلي صاعدٌ ، وكم أتحببُ إليكَ بالنعمِ وأنا غنيٌّ عنكَ ، وكم تتبغضُ إليَّ بالمعاصي وأنتَ فقيرٌ إليَّ ، ولا يزالُ الملَكُ الكريمُ ، يعرجُ إليَّ منكَ بِعَمَلٍ قبيحٍ } فيا إخوةَ الإسلامِ والعقيدةِ ، لقد أصبحَ بنا من نِعَمِ اللهِ مالا نُحصِيهِ ، مع كَثَرةِ ما نَعْصِيهِ ، فَمَا نَدرِي أَيُّهما نَشْكُرُ ! أجميلَ ما يَسَّرَ ؟ أم قَبيحَ ما سترَ ؟ يقولُ عليُّ بنُ أبي طالبٍ رضي اللهُ عنه: (النعمةُ موصولةٌ بالشكرِ، والشكرُ يتعلّقُ بالمزيدِ، ولا ينقطعُ المزيدُ من اللهِ حتى ينقطعَ الشكرُ) اللهم إنا نحمدُكَ ونشكرُكَ ونُثني عليكَ الخيرَ كُلَّه ،ونشكرُكَ ولا نكفُرُك ، ونعبُدُك ونتوكلُ عليكَ ، لا ملجأَ منكَ إلا إليكَ ، خضعَتْ لكَ رقابَناَ ، وذلتْ لكَ أعناقَناَ ، ما تراكمتِ الكروبُ ، إلا كشفْتَها ، ولا حلَّت الجدوبُ ، إلا رفعتَها، أطعمتَ وأسقيتَ ، وكفيتَ وآويتَ، وأغنيتَ وأقنيتَ ، نعمُك لا تُحصى، وإحسانُك لا يُستقصى، قَصَدتْك النفوسُ بحوائجِها فقضيتَها ، وسألتك الخلائقُ فأعطيتَها ، نحمدُك على نعمةِ الغيثِ حمداً يليقُ بكريمِ وجهِكَ وعظيمِ سلطانِك سبحانك. عبادَ الله صلّوا رحمني الله وإياكم على الهادي البشيرِ ، والسراجِ المنيرِ ، كما أمرَكم بذلك اللطيفُ الخبيرُ ، فقال سبحانه قولاً كريما ( إِنَّ اللهَ وَملاَئِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبيْ يَا أَيُّهَا الَّذِيْنَ آمَنُواْ صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً ) وقد قال عليه الصلاةُ والسلامُ { حَيْثُمَا كُنْتُمْ فَصَلُّوا عَلَيَّ ، فَإِنَّ صَلاتَكُمْ تَبْلُغُنِي }وقال{ مَنْ صَلَّى عَلَىَّ صَلاَةً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا } اللهم صلِّ وسلمْ وأنعمْ وأكرمْ وزدْ وباركْ ، على عبدِك ورسولِكَ محمدٍ ، وارضَ اللهم عن أصحابِهِ الأطهارِ ، ما تعاقبَ الليلُ والنهارُ ، أبي بكرٍ وعمرَ وعثمانَ وعليٍّ ، وعن سائرِ أصحابِ نبيِّك أجمعين ، وعن التابعينَ وتابعِيهم بإحسانٍ إلى يومِ الدينِ ، وعنَّا معَهم بمنِّكَ وفضلِكَ ورحمتِكَ يا أرحمَ الراحمينَ .اللهم أعزَّ الإسلامَ المسلمينَ ، ودمرْ أعداءَ الدينِ من اليهودِ والنصارى ، وجميعِ الكفرةِ الملحدينَ ، اللّهُم يا عظيمَ العفوِ ، ويا وسعَ المغفرةِ ، ويا قريبَ الرّحمةِ ، ويا ذا الجلالِ والإكرامِ ، هبْ لنا العافيةَ ، في الدُنيا والآخرةِ ، اللّهُم اجعلْ رزقَنَا رغداً ، ولا تُشمتْ بنا أحداً ، اللهم إنا نسألُكَ ، بعزِّكَ الذي لا يرامُ ، وملكِكَ الذي لا يُضامُ ، وبنورِكَ الذي ملأ أركانَ عرشِكَ ، أن تكفيَنا شرَّ ما أهمَنا وما لا نهتمُ به ، وأن تعيذَنا من شرورِ أنفسِنا ومن سيئاتِ أعمالِنا ، اللهم رَغّبْنا فيما يبقى ، وَزَهّدْنا فيما يفنى ، وهبْ لنا اليقينَ ، الذي لا تسكنْ النفوسُ إلا إليهِ ، ولا يُعوَّلُ في الدينِ إلا عليهِ ، اللهم أيدْ إمامَنا بتأيدِكَ ، وانصرْ بهِ دينَكَ ، ووفقْهُ إلى هُدَاكَ ، واجعلْ عمَلَهُ في رضاكَ ، وارزقْهُ اللهم البطانةَ الصالحةَ الناصحةَ ، التي تدلُهُ على الخيرِ ، وتعينه عليه، اللهم احفظْ بلادَنا وولاةَ أمرِنا وعلماءَنا ودُعاتَنا ، اللهم وحِّدْ كلمتَنا وقوي شوكتَنا ياربَّ العالمينَ ، واجعل هذا البلد رخاءً سخاءً آمِناً مُطمَئِناً ، وسائر بلاد المسلمين يا ربَّ العالمين ، اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات والمؤمنيين والمؤمنات ، الأحياء منهم والأموات ، اللهم ربنا ( آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ) ( وَأَقِمِ الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ)
المفضلات