الحمدُ للهِ . القائلِ ( وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ آيَتَيْنِ فَمَحَوْنَا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنَا آيَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً لِتَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ وَلِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْنَاهُ تَفْصِيلًا ) وأشهدُ إن لا إله إلا هو ( الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالْقَمَرَ نُورًا وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ مَا خَلَقَ اللَّهُ ذَلِكَ إِلَّا بِالْحَقِّ يُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ ) وأشهدُ أن محمداً عبدُهُ ورسولُهُ . أفضَلَ من تَعَبّدَ للهِ وأنَابَ ، صلى اللهُ عليه وعلى آلهِ وأصحابِهِ ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يومِ الحسابِ وسلمَ تسليماً كثيراً. (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ) (يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ) (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا*يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً): أمّا بعد أيها الأحبةُ في الله : فنحنُ ...........
نسِـيرُ إلى الآجـالِ في كُـلِّ لحظـَةٍ
وأيَّــامُنـا تُطـوى وهُـنَّ مَـراحِلُ
وَلم أرَ مِثـلَ المـوتِ حقـاً كأنَّـهُ
إِذامـاتَـخطَّتـهُ الأمـانيبـاطِـلُ
ومـا أقبحُ التفريطَ في زمـنِ الصـّبا
فكيـفَ بـِهِ والشيـبُ للرأسِ شامِـلُ
تـَرحّلْ من الدُنيـا بـِزادٍ من التُقـى
فعُمرُكَ أيـّامٌ وهنَّ قـلائِــِلُ
مضى من عمُرِ الزّمنِ عامْ ، وجُمعَتَكم هذهِ .. هي آخِرُ جُمُعَةٍ في هذا العَامِ الهِجريِّ الذي يَستَعِدُّ للرحيل ، ألاَ فاعتبروا بِسُرعةِ مُرورِ الليَّالي والأيَّامِ ، وفَكِّروا في دُنياكُم _ وسُرعةِ زوالِها_ واستَعدُّوا للآخِرةِ وأهوالِها …فكُلُّ عامٍ ، بل كُلُّ شهرٍ بل كُلُّ يومٍ يستهلُّهُ الإِنسانُ فأِنَّه يُدنِيهِ من أَجَلِهِ ويُقرِّبُهُ من آخِرَتِهِ .. وخيرُكم .. من طالَ عُمُرُهُ وحَسُنَ عَملُهُ .. وشَرُّكُم من طالَ عُمُرهُ وَسَاءَ عَملُهُ. إنّهَ ما بينَ أن يُثَابَ الإِنسان ُ.. على الطَّاعةِ والإِحسَانِ أو يُعَاقَبَ على الإِساءةِ والعِصيَانِ إلاّ أن يُقَال فُلانٌ قد مَاتَ ! ومَا أقربَ الحَياةَ مِنَ الممَاتِ ، وكُلُّ ما هوَُا آتٍ آت، يُطوى سجلُ هذا العامِ بعد أيّامٍ قلائل ، ويُختمُ عملُهُ ، ويبقَى شاهداً على الإنسانِ بِما أودعَهُ فيه ، والليلُ والنهارُ مستودعٌ للأعمالِ ،يقولُ جلَّ ذِكرهُ(فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ*وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ)ويقولُ تَقَدَّسَ في عُلاه (وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَاباً يَلْقَاهُ مَنْشُوراً)ويقولُ سُبحانه (وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِراً وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً) أعوامٌ تمضي ،أيها الأحبةُ وأزمنةٌ تنقضي ، وفي ذلك آياتٌ لأولي الألبابِ ، وعندَ انتهاءِ الأعوامِ ، يختلفُ النَّاسُ في شُعورِهِم ، فمنهم من يَفرحُ ، ومنهم من يَحزنُ ، ومِنهُم مَن لا إلى هؤلاءِ ولا إلى هؤلاءِ ، فالسجينُ يَفرَحُ بانقِضَاءِ العام ، لِيَخرُجَ من سِجنِهِ ، وآخرُ يفرحُ بانقضاءِ العامِ ، ليَقْبِضَ أُجرةَ مسكَنٍ أجَّرَهُ أولِحُلولِ دينٍ أجلَّهُ . وآخرُ يفرَحُ بانقضاءِ عامِهِ ، من أجلِ ترقيةٍ في وظيفتِهِ ، أو زواجٍ أو تخَرُجٍ ، ولكن الفرحَ في مثلِ هذه الأمورِ ، مع الغفلةِ عن النفسِ ، وعدمِ الاعتبارِ بمرورِ الأعوامِ ، هو في الحقيقةِ غَبنٌ ظاهرٌ : لقد مضى من عمُرِ الزّمنِ عامٌ ، عامٌ كامِلٌ ، تقلّبتْ فيهِ أحوالٌ ، وَفَنَِيتْ فِيهِ أعمارٌ، ونَزَلتْ بالأمّةِ فيهِ نَوازِلُ ، نوازلٌ تَقْضُّ مَضَاجِعَ أولي الألبابِ ، وتَهُزُّ أفئدتَهم، وتُدمى قلوبَهم ،وانظروا فقط إلى الشَّام ، كَمْ شَقِيَ فيهِ مِن أُناسٍ ؟ كمْ طفلٍ قَد تَيتَّمَ ، وكم امرأةٍ قد تَرَمَّلَتْ ،ناهيك عن أحوال المسلمين في كُلِّ مكان ، كَمْ مِنْ مُتأهلٍ قد تأيَّمَ ، وكم من مَريضٍ قد تعافا ، وسليمٍ قد توفى ، وكم من أهلِ بيتٍ شيعوا ميتَهم ، وآخرونَ زَفُّوا عرَائِسَهُم ، دارٌ تَفرَحُ بمولودٍ ، وأُخْرى تُعزَّى بمفقودٍ . وهذه سُنَّةُ الحياةِ ، أعوامٌ تمضي ، وأزمنةٌ تنقضي ، وفي ذلك آياتٌ لأولي الألبابِ ، وباعثٌ من بواعثِ الاعتبارِ، ومصدَرٌ متجدِّدٌ مِن مصادِرِ العِظةِ والإدِّكارِ، يُصوِّرُ ذلك ويبيِّنهُ أبلغَ بيانٍ ، قولُ أبي الدَّرداءِ رضي اللهُ عنه فيما رواهُ الحسنُ البصريُّ رحمهُ اللهُ عنه أنّهُ قالَ:[ يا ابنَ آدمَ، إنما أنتَ أيّامٌ ، فإذا ذهبَ يومٌ ذهبَ بعضُكَ] ، ويُصوِّرُهُ أيضاً قولُ بعضِ السلفِ: "كيفَ يَفْرَحُ بمرورِ الأعوامِ مَن يومُهُ يَهدِمُ شهرَهُ ، وشهرُهُ يهدمُ سنتَهُ، وسنتُهُ تهدِمُ عُمُرَهُ؟! كيفَ يفرحُ مَن يقودُهُ عُمرُهُ إلى أجلِهِ، وحياتُهُ إلى موتِهِ"، وقولُ بَعْضِِهم: "من كانتِ الليالي مطاياهُ ،! سَارَتْ بهِ وإن لم يَسِرْ"و يقولُ الحسن رحمه الله "يابنَ آدمَ إنّما أنت بين مطيتين يُوضعانك ، يُوضعُك النهارُ إلى الليلِ ،والليلُ إلى النّهارِ ، حتى يسلِّمانِك إلى الآخِرةِ ، فمن أعظمُ منك خطَراً "
بارك الله لي ولكم في القرءان العظيم
الحمد لله على إحسانِه، والشّكر له على توفيقه وامتنانِه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحدَه لا شريك له،تعظيما لشأنه ، وأشهَد أن محمداً عبدُه ورسوله ، الداعي إلى رِضونه ، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلَّم تسليماً مزيداً.أمّا بعد : أيُّها الأحبةُ في اللهِ ، في هذا العامَ الذي نودِّع ، اجتهدَ المجتهدُون ، وسوَّفَ فيه المسوفونَ ، وسوفَ يأتي اليومُ ، الَّذي يرى فيه كُلٌ مِنَّا بضاعتَهُ (كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ ) ( يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ)فالسعيد ، الذي قَدَّمَ لنفسهِ خيراً ، يجده عند الله ذُخرا،(يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَراً وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَداً بَعِيداً) نعم إنما أنتَ أيَّامٌ ، كُلما ذَهَبَ يَومٌ ذَهبَ بعضُكَ ، فإلى متى الغفلةُ ؟ وَإلى متى طولُ الأمل؟ متى تستيِقظُ ضمائِرُنا ؟ وتَتَنوَّرُ بصائِرُنا ؟ لقد زَجَرَنا القرآنُ بِمواعِظِهِ وآياتِهِ ، ولكنَّنا في ثيابِ الغفلةِ رافِلون ، وعمَّا يُرادُ بِنا غافِلون ، فاسمعْ يا رَعاكَ اللهُ ، استَمِعْ إلى كلامِ اللهِ ، زَوَاجِرٌ ومواعِظٌ ، تَخلعُ القلوبَ، يقولُ المولى جلَّ وعلا (اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ إِلَّا اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ. لَاهِيَةً قُلُوبُهُمْ ) ها نَحنُ نُودِّعُ عاماً مضتْ أيَّامُهُ ولَيالِيه _ وَسوفَ تُطُوى صحائِفُهُ وما تَحويه ، فَهل يُمكِن ردُّ شيءٍ مِمَّا فيه ؟ أو إصلاَحُهُ أو تلافيه ؟ كلاَّ وربِّ الكعبةِ ، ليسَ إلى هذا من سبيلٍ ، إلاَّ بالتَّوبةِ الصَّادِقةِ ، المقرُونةِ بالنَّدمِ على ما سلَفَ وكان ، والرُّجوعِ إلى طاعَةِ الملِكِ الدَّيَّانِ ، عباد الله صلّوا على المعصوم عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم ، فإنه يقولُ بأبي هوَ وأُمي:{ أتاني آتٍ من ربي عزّ وجلّ فقالَ من صلى عليكَ من أُمتِك صلاةً كتبَ اللهُ لهُ بها عشرَ حسناتٍ ، ومحا عنه عشرَ سيئاتٍ وَرَفعَ لهُ عشرَ درجاتٍ ، وردَّ عليه مِثلَها} اللهم صلِ وسلَّمْ وأنعمْ وأكرمْ ، وزدْ وباركْ على عبدِكَ ورسولِكَ محمدٍ وارضَ اللهم عن الخلفاءِ الأئمةِ الحُنفاءِ ، أبي بكرٍ وعُمرَ وعُثمانَ وعلي وعن سائرِ أصحابِ نبيك أجمعين وعن التابعينَ وتابعيهم بإحسانٍ إلى يومِ الدينِ وعنا معهم بِمنِك وفضلِكَ ورحمتِكَ يا أرحمَ الرحمين ، اللهم أعزَ الإسلامَ والمسلمينَ ، وأذلَّ الشركَ والمشركين ودمرْ أعداءَ الدينِ ، من اليهودِ والنصارى وجميعِ الكفرةِ والمُلحدين ، اللهم اكتبْ لأهلِ هذا الدينِ عزاً ونصراً واجعلْ لمن عاداهُ ذلةً ومهانةً وقهراً ، اللهم ثَبتْنا على نهجِ الاستقامةِ ، وأعذْنا من موجباتِ الحسرةِ والندامةِ يومَ القيامةِ ، وخفَّفْ عنَاّ ثُقلَ الأوزارِ وارزقنا عيشةَ الأبرارِ، وانظمْنا في سلكِ حزبِك المُفلحين ، وأتممْ علينا نعَمَتَك الوافيةَ ، وارزُقْنا الإخلاصَ ، في أعمالِنا والصَّدقَ في أقوالِنا ، وعُدْ علينا بإصلاحِ قُلُوبِنا وذُرِّيَتِنَا ، واغفرْ لنا ولوالدِينا ولجميعِ المسلمين ، برحمتِك يا أرحمَ الرحمين ، اللهم أنتَ اللهُ لا إلهَ إلا أنتَ ، أنتَ الغنيُّ ونحنُ الفقراءُ ، أنزلْ علينا الغيثَ ، ولا تجعلْنا من القانطينَ .اللهم أغثْنا، اللهم أغثْنا ، اللهم أغثْنا،اللهم أغثْ قلوبَنا بالإيمانِ واليقينِ، وبلادَنا بالخيراتِ والأمطارِ يا ربَّ العالمين.اللهم إنا نستغفرُكَ إنك كنتَ غفَّاراً، فأرسلْ السماءَ علينا مدرارا، اللهم أغثْنا غيثاً هنيئاً مريئاً مريعاً سحًّا غدقاً طبقا عاماً واسعاً مجللا، نافعاً غيرَ ضارٍ، عاجلا غيرَ آجلٍ، اللهم سقيا رحمةٍ لا سقيا عذابٍ ولا بلاءٍ ولا هدمٍ ولا غرقٍ.اللهم اسقِ عبادَك وبهائمَك، وانشرْ رحمتَك، وأحيي بلدَك الميتَ، اللهم أغثْنا غيثاً مباركا، تُحيي بهِ البلادَ، وتسقي به العبادَ، وتجعلْه بلاغاً للحاضرِ والبادِ. اللهم أنبتْ لنا الزرعَ، وأدرَّ الضرعَ، وأنزلْ علينا من بركاتِ السماءِ، وأخرجْ لنا من بركاتِ الأرضِ ، اللهم ارحمْ الشيوخَ الرُّكعْ ، والأطفالَ الرضعْ والبهائمَ الرُّتعْ ، اللهم احفظْ بلادَنا وولاةَ أمرِنا وعلماءَنا ودُعاتَنا ، اللهم وحِّدْ كلمتَنا وقوي شوكتَنا ياربَّ العالمينَ ، اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات والمؤمنيين والمؤمنات ، الأحياء منهم والأموات ، اللهم ربنا ( آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ) ( وَأَقِمِ الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ)
المفضلات