الخطبة الأولى :
إنّ الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا ..
الله أكبر الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر الله أكبر الله أكبر، ولله الحمد.
عباد الله / إنّ الأمّة اليومَ في حاجةٍ عظيمة للمبادئ التي تعالج واقعَها وللأصول التي تحلّ مشكلاتها وللقيَم التي ترسم لها الخطّة الناجحةَ لمحاربة التحدّيات التي تواجهها والمخاطر التي تحيط بها ، ومِن هذا المنطلَق فإنّ ضرورةَ المسلمين اليومَ كبيرةٌ في مثل هذه المناسبة للمراجعة الجادّةِ والتبصُّر الصادق في وثيقةٍ تأريخية عظيمة، صدرت من رجلٍ عظيم في يومٍ عظيم. إنها خطبةُ الوداع التي تعرِض للأمة أعلى القيَم، وتمدّها بمقوّمات الخير والصّلاح لبناء الحاضِر والمستقبل، وتعطيها أُسُسَ الفلاح ومبادئَ النّجاح.
الله أكبر الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله، الله أكبر الله أكبر الله أكبر، ولله الحمد.
إخوةَ الإسلام/خطبةُ الوداع جاءت تذكِّر الأمّة في كلِّ حين بأسباب الحياةِ المثلى، وتبصِّرها بسُبل الوقاية من الشرور والفتَن، وهو تحقيقُ منهج الإسلام في هذه الحياة عقيدةً وشريعة، حُكمًا وتحاكمًا، عملاً وسُلوكًا، يقول صلى الله عليه وسلم في هذه الخطبة: ((أوصيكم ـ عبادَ الله ـ بتقوى الله، وأحثُّكم على طاعته)) وفي مضامين هذه الوثيقةِ – عباد الله - أصلٌ مهمّ تقوم عليه سعادة الناس، وتصلح به حياتهم، إنه مبدأ حفظِ النفوس والأموال والأعراض، يقول صلى الله عليه وسلم في هذه الخطبة: ((أيّها الناس، إنّ دماءَكم وأموالَكم وأعراضكم عليكم حرام، كحرمة يومكم هذا، في شهركم هذا، في بلدكم هذا)) متفق عليه من حديث أبي بكرة رضي الله عنه .
خطابٌ عالميّ يصدُر من سيّد العالمين محمّد عليه أفضل الصلاة والتسليم، يتضمّن محاربةَ كلِّ تصرّفٍ يترتّب عليه ترويعُ الآمنين وإخافة المسلمين.
إنه خطابٌ كالسّيف ضدّ كلِّ تهمةٍ تُوجَّه للإسلام بأنه دينُ إرهابٍ وإرعاب، فأين المنصفون؟! وأين المتبصِّرون؟!
الله أكبر الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر الله أكبر الله أكبر، ولله الحمد.
عبادَ الله / في موقفِ الوداع يُعلن المصطفى صلى الله عليه وسلم حكمَ الإسلام الأبديَّ في قضيةٍ خطيرة من قضايا الاقتصاد، إنها قضيّة الربا، فيقول عليه أفضل الصلاة والسلام: ((وإنّ ربا الجاهليّة موضوعٌ، وإنّ أوّلَ ربًا أبدأ به ربا العباس بن عبد المطلّب)) رواه مسلم من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنه سياسةٌ نبويّة لصيانة الاقتصاد من الهلاك والدمار، ولحماية المجتمعات من الشرور والأضرار، وذلك بتَحريم الربا بمختلف صُوَره ومهما كان نوعُه وقدره.
الله أكبر الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر الله أكبر الله أكبر، ولله الحمد.
عباد الله / المرأة في الإسلام شقيقةُ الرجال في إقامة الحياة على خيرِ حال، علاقتها به علاقةُ مودّةٍ ورحمة وسَكَنٍ وطمأنينة، يقول صلى الله عليه وسلم في خطبة الوداع: ((فاتّقوا الله في النّساء، فإنّكم أخذتموهنّ بأمانة الله، واستحللتم فروجهنّ بكلمة الله)) رواه مسلم . ولئن حكى التاريخ تحقيرَ العصور الجاهليّة الأولى للمرأةِ وسلبَها حقوقها وكرامتَها فإنّ الحالَ اليومَ أسوأُ [منه] في حضاراتِ غير الإسلام، فهي في نظراتهم لا تعدو أن تكونَ مصيَدةً للآذان يُتنافَس فيها بالبغي والعدوان، أو أن تكونَ عاملاً لاهثًا ومنتِجًا راكضًا بلا رحمة ولا إحسان، أمّا المرأة في الإسلام فلها الشأنُ العظيم، حقوقها محفوظةٌ مُصَانة، تعيش كريمةً مُصانة عُضوًا مشَرّفا وعنصرًا فعّالا في إقامة حياةٍ سعيدة ومجتمع طاهر نزيه، تمارس مسؤولياتها وفقَ الحِشمة والآداب، مستوعِبةً المفيدَ من الجديد، محافظةً على نفسها، لها ميادينها ومجالاتُها في الخير والعطاءِ والبذل والفداء .
الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر الله أكبر، ولله الحمد.
عباد الله /جاء الإسلامُ والناسُ تموج بهم صراعاتُ الأجناس والألوانِ والطبقات، فأشرق نورُه، وجمع بين تلك المختلِفات على مبدأ المساواة بين النّاس، لا تفاضُلَ فيه إلاّ باعتبار التقوى التي تنطرِح معها كلّ نزعةٍ عنصريّة عصبية أو قومية، قال صلى الله عليه وسلم: ((إن ربّكم واحدٌ، وأباكم واحد، كلّكم لآدم، وآدم من تراب، أكرمكم عند الله أتقاكم، لا فضلَ لعربيّ على عجميّ ولا لعجميّ على عربيّ ولا لأحمر على أسود ولا لأسودَ على أحمر إلا بالتقوى)) رواه أحمد .
فهل يستيقِن المسلمون اليومَ أنّ التفرُّقَ والتشرذُم الحاصِل والذلّ والهوان الواقع إنما هو بسببِ القوميّات العرقيّة والأحزاب الفكريّة والمشارِب المتعدّدة؟! فكم جرّت على الأمّة الإسلاميّة من ويلاتٍ وويلات، ودمّرت مصالحَ ومقدَّرات، ونبيّ الأمّة صلى الله عليه وسلم يقول: ((ليس منا من دعا إلى عصبيّة أو قاتل على عصبيّة أو مات على عصبيّة)) أخرجه أبوداود
الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر الله أكبر، ولله الحمد.
عباد الله / وتُختَم كلمات الوداع من نبيّ الأمّة صلى الله عليه وسلم وهو يفارقها بوَصيّة تضمَن لها السعادة والرفعةَ والنصرَ والعزّ، إنها وصيّة الالتزام بالتمسك بالوحيين والاعتصام بالهديين، قال صلى الله عليه وسلم: ((تركتُ فيكم ما إن أخذتم به لن تضلّوا بعدي: كتابَ الله وسُنتي )) رواه مسلم . تمسُّكٌ بهما في شتَّى الجوانب، واعتصامٌ بهما في جميع الأحوال، عقيدةً وعملاً، شريعةً وتحاكمًا.
وفّق الله المسلمين جميعًا للعمل بكتابه وتحكيم شريعته، أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم الجليل من كل ذنب فاستغفروه وتوبوا إليه إنه هو الغفور الرحيم .
الخطبة الثانية :
الحمدُ ِلله على إحسانه , والشكرُ له على توفيقه وامتنانه , وأشهد ألا إله إلاالله وحده لاشريك له تعظيماً لشأنه ، وأشهد أن نبينا محمدًا عبدُه ورسولُه الداع إلى رضوانه صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وأعوانه , وسلم تسليمًا كثيرًا.
أما بعد: عباد الله / في العيد نسترجِعُ إلى ذاكرتنا معانيَ كثيرةً، وتُرسَم ُأمامَ أعينِنا صورةُ ذلك النبيِّ الكريمِ إبراهيمَ عليه السلام وهو يقود ابنَه وفلذةَ كبدِه إسماعيلَ لينحرَه قرباناً لله تعالى، إِنّى أَرَىٰ فِى ٱلْمَنَامِ أَنّى أَذْبَحُكَ فَٱنظُرْ مَاذَا تَرَىٰ . ثمّ أيُّ استسلامٍ للقدر، وأيُّ رضا به، ذلك الذي جعل إسماعيلَ يقول لوالده: ٱفْعَلْ مَا تُؤمَرُ سَتَجِدُنِى إِن شَاء ٱللَّهُ مِنَ ٱلصَّـٰبِرِينَ فلما لم يبق إلا اللحم والدم ، فداه الله بذبح عظيم ، والأضحية والقرابين في منى تذكيرٌ بهذا العمل الجليلِ الذي كان من إبراهيم عليه الصلاة والسلام.
والأضحيةُ ـ عباد الله ـ مشروعةٌ بكتاب الله وسنةِ رسوله صلى الله عليه وسلم ، وإجماعِ علماء المسلمين، فضحُّوا ـ عباد الله ـ عن أنفسكم وعن أهليكم تعبّداً لله تعالى وتقرّبا إليه واتباعاً لسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ، واذبحوا ضحاياكم بأنفسكم إن أحسنتم الذبح، وقولوا: "بسم الله، والله أكبر"، وسمّوا من هي له عند ذلك اقتداءً بالنبي صلى الله عليه وسلم .
عباد الله / زَيَّنِوُا عيدَكم بالتكبير وعمومِ الذكر، يقول المصطفى صلى الله عليه وسلم: ((أيامُ العيدِ أيامُ أكلٍ وشرب وذكر لله تعالى)). وأدخلوا السرور على أنفسكم وأهليكم، واجعلوا فرحتكم بالعيد مصحوبة بتقوى الله وخشيته، اللهم إنّا خرجنا في هذا المكان نرجو رحمتَك وثوابَك، فتقبّل مساعيَنا وزكِّها، وارفع درجاتِنا وأعْلِها. اللهمّ آتنا من الآمالِ منتهاها، ومن الخيرات أقصاها. اللهم تقبّل ضحايانا وصدقاتنا. اللهمّ تقبّل دعاءنا يا أرحم الراحمين.
اللهم أكبر، الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد...
سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين ، وصلى اللهم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه وأتباعه أجمعين .
المفضلات