خطبة الجمعة : حكم الأضحيّة
الحمد لله على إحسانه والشكر له على توفيقه وامتنانه
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيما لشأنه ،وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله
الداعي إلى رضوانه، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آلهوصحبه وإخوانه و خلانه ومن سار على نهجه واقتفى أثره واستن بسنته إلى يومالدين .
أما بعد أيها الإخوة الكرام، فإنّ الأضحيّة بتشديد الياء هي ما يُذبح من النَّعم تقرّبا إلى الله عزّ وجلّ يوم العيد و أيّام التّشريق، ويقال لها ضحيّة . والأصل فيها إجماع الأمّة لقوله تعالى :
( فصلِّ لربّك وانحرْ) وقوله سبحانه : ( والبُدنَ جعلناها لكم من شعائر الله ) . والأضحيّة سُنّة مؤكّدة وشعار من شعائر الإسلام ينبغي المحافظة عليها لما فيها من عظيم الثواب ، فقد قال أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم : " ما هذه الأضاحي ؟ فقال عليه الصلاة والسّلام : "سُنّة أبيكم إبراهيم " قالوا : " وما لنا فيها ؟ " قال : " بكلّ شعرة حسنة " .
قال صلّى الله عليه وسلّم فيما أورده (الترمذي) :" أمِرتُ بالنّحر وهو سُنّة لكم " ، كما قال عليه الصّلاة والسّلام فيما أورده (الدارقطني) : " كُتِب عليّ النّحرُ وليس بواجب عليكم " ، والأضحيّة سُنّة على الكفاية إذا فعلها واحد من أهل البيت أجزأتْ على كلّ أهل ذلك البيت وهي سُنّة مؤكّدة للحرّ القادر عليها .
ولا ينبغي، إخوة الإيمان ، التّغالي في ثمن الأضاحي بحيث يعجز عليها المسلم وتصير هاجسا بالنّسبة إليه، فالأصل في التّكليف القدرة والاستطاعة، ولا ينبغي لنا مجاراة بعضهم بشراء خروف أو كبش بثمن خيالي (في العاصمة مثلا لا تجد خروفا ثمنه يقلّ عن 400 د ..وفي السّنة الماضية بلغ ثمن كبش العيد 820 د ..) ، فهل سنّ لنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم الأضحيّة لنتغالى في ثمنها بهذا الشّكل ولنضطرّ للتّداين والاقتراض ؟
ألا فلتعلموا ، إخوة الإيمان ، أنّ الأضحيّة بتمام شروطها تستوجب في العمر مرّة واحدة للقادر الحرّ، أمّا تكرارها كلّ سنة فسُنّة مؤكّدة للمستطيع. ولنا في السّلف الصّالح خير دليل على قولنا هذا حيث أرسل (ابن عبّاس) رضي الله تعالى عنه وهو الملقّب بحَبر الأمّة لعلمه وفقهه ودينه، خادمه ليبتاع له لحما يوم العيد ويأمره بإخبار كلّ من يعترضه من النّاس أنّ (ابن عبّاس) لم يذبح أضحيّة هذه السّنة ليؤكّد لهم أنّما هي للقادرين عليها، وعدم القدرة يسقط التّكليف إذ ( لا يكلّف الله نفسا إلاّ وسعها )، وقد قال (مالك بن أنس) في " الموطّأ " ص 487: " الضحيّة سُنّة وليست بواجبة ، ولا أحبّ لمن قوي على ثمنها أن يتركها " .
أيّها المسلمون، يشترط في الضحيّة سلامتها من كلّ عيب ينقص اللّحم، والأصل في ذلك حديث رسول الله صلّى الله عليه وسلّم الذي أخرجه (الترمذي) وقال حسن صحيح : " أربعة لا تجزئ في الأضاحي : العوراء البيّن عوَرها ، والمريضة البيّن مرضها ، والعرجاء البيّن ضَلْعُها، والعجفاء التي لا تُنْقِي " أي تلكم التي ضعُف مخّها من شدّة هزالها فيفسد لحمها .
أمّا وقت ذبح الأضاحي فيدخل إذا طلعت الشمس يوم النّحر و مضى قدر ركعتين و خطبتين خفيفتين، إلى غروب الشمس من آخر أيّام التّشريق. وحجّة ذلك قول النّبيّ عليه الصّلاة والسّلام فيما رواه الشيخان : " من ذبح قبل الصّلاة فإنّما يذبح لنفسه، ومن ذبح بعد الصّلاة والخطبتين فقد تمّ نُسُكه وأصاب سنّة المسلمين " ، وتكره التّضحية ليلا خشية تأخير تفريق اللّحم طريّا .
و يستحبّ أن يذبح المسلم ضحيّته بيده اقتداء بالرّسول الكريم صلّى الله عليه وسلّم ، فإن لم يحسن شهِد ذبح الشّاة لقوله عليه الصّلاة والسّلام : " يا فاطمة، قومي فاشهدي أضحيّتك، فإنّه يغفر لكِ بأوّل قطرة منها كلّ ذنب عملتِه ، وقولي : إنّ صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي للّه ربّ العالمين لا شريك له وبذلك أمرت وأنا من المسلمين " .
أمّا في خصوص التّصرّف في لحوم الأضاحي، فسنكتفي بما أورده (مالك بن أنس) في "الموطّأ" ص 484 عن عبد الله بن واقد أنّه قال : " نهى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عن أكل لحوم الضحايا بعد ثلاثة أيّام . قال عبد الله بن أبي بكر: فذكرت ذلك لِعَمْرة بنت عبد الرّحمان فقالت : صدق ، سمعت عائشة زوج النبيّ صلّى الله عليه وسلّم تقول : دَفّ ناسٌ من أهل البادية (أي قدموا) حضرة الأضحى في زمان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم :" اِدّخروا لثلاثٍ وتصدّقوا بما بقي "، قالت : فلمّا كان بعد ذلك ، قيل لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم : " لقد كان النّاس ينتفعون بضحاياهم و يَجْمِلون منها الوَدَكَ (أي يذيبون الشّحم) ويتّخذون منها الأسقية " فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم:" وما ذلك ؟ " أو كما قال ، قالوا: " نهيْتَ عن لحوم الضّحايا بعد ثلاثٍ " فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم : إنّما نهيتكم من أجل الدّافّة (الجماعة القادمون) التي دفّتْ عليكم ، فكلوا وتصدّقوا وادّخروا " – أخرجه مسلم .
تلك بعض الحكم من الأضاحي ، ولكنّ ذلك لا يجب أن ينسينا مسائل هامّة ينبغي التنبيه إليها :
- أن لا نكلّف أنفسنا فوق طاقتنا فنتداين من أجل شراء أضحية العيد.
- أن لا ننسى إخواننا الفقراء في مناسبة العيد و نهدي إليهم شيئا من لحوم الأضاحي .
- أن لا ينسى المحتاج أو من لم يقدر على شراء أضحيته هذه السنة ما ورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلّم عن على بن الحسين عن أبي رافع ان رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا ضحى اشترى كبشين سمينين اقرنين املحين، فاذا صلى وخطب الناس اتى بأحدهما وهو قائم فى مصلاه فذبحه بنفسه بالمدية، ثم يقول: "اللهم هذا عن امتى جميعا، من شهد لك بالتوحيد، وشهد لى بالبلاغ" ثم يأتي بالآخر فيذبحه بنفسه ثم يقول: "هذا عن محمد وآل محمد" فيطعمهما جميعا للمساكين، ويأكل هو واهله منهما.( رواه احمد، وابن ماجة)
نسأل المولى عزّ وجلّ أن يجعل خير أعمالنا في ميزان حسناتنا ، كما نسأله أن يثبت أجرنا جميعا إنّ سميع قريب مجيب.
المفضلات