الحمدُ للهِ جزيلِ العطاءِ ، مُسدي النَّعْمَاءِ ، وكاشفِ الضَّراءِ ومُعطي السَّراءِ ، الحمدُ للهِ أبداً سرمداً ، ولا نشركُ معه أحداً تباركَ فرداً صمداً، لم يتخذْ صاحبةً ولا ولداً، ولا شريكَ له ولا عَضُداً ، أشهدُ أن لا إلهَ لنا غَيرُهْ ، ولا رَبَّ لنا سِواهُ ، ولا نعبدُ إلاَّ إياهُ ، وأشهدُ أن محمداً عبدُهُ ورسولُهُ صلى اللهُ عليه وعلى آلِهِ وأصحابِهِ وسلم تسليماً كثيراً : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ) (يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ) (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا*يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً): أمّا بعدُ : أيها الإحبةُ في اللهِ ، فَإنَّ إبراهيمَ خَليلُ الله، صلواتُ رَبي وسَلاَمُهُ عليه ، قَضَى مُدةً من الزّمنِ ، وهو عَقيمٌ ، لا يُولدُ له ، حُرِمَ نعمةَ الولدِ ، والأولادُ نِعمةٌ عظيمةٌ ، لا يعرفُ قدرَها ، إلاَّ من حُرِمَ مِنهم ، أوفقدَهُم ، فعاشَ إبراهيمُ حتى بلغَ من الكبَرِ عِتيا ، فسأل ربَّهُ أن يهبَ لهُ ولداً ، يكونُ صالحاً : قال (رَبّ هَبْ ليِ من الصالحين ) ، فاستجابَ اللهُ لهُ وبشرَهُ بُغلامٍ حليمٍ ، قالَ تعالى ( فبشرنَاهُ بغُلامٍ حليم ) بشرَهُ اللهُ بغلامٍ أي ذكرٍ ، وأخبرَهُ سُبحانَهُ ، بأنهُ حليمٌ ، أي يكبُرُ ، ويُوصفُ بالحُلمِ وتحققتْ هذه الأمنيةُ ، وأتى الغُلامُ ، وشبَّ وترعرعَ ، (فلما بلغَ مَعَهُ السّعى ) أي سعى سعيَ أبيهِ إبراهيمَ ، وصارَ يمشي معَهُ ، يُقالُ كانَ يومئذٍ ابنُ ثلاثَ عشرةَ سنةٍ ، أرادَ اللهُ إختبارَ الوالدِ بولدِهِ ، فأوحى اللهُ إلى إبراهيمَ في المنامِ ، أن يذبحَ ابنَهُ إسماعيلَ ، فأقبلَ إبراهيمُ عليه السلامُ ، على ابنِهِ الوحيدِ أقبلَ يُشاوِرُهُ ،(فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى) ، شاورَهُ ، ليعلمَ صبَرَهُ لأمرِ اللهِ فماذا كان الجوابُ ؟ ماذا كان جوابُ الأبنِ الصالحِ ،الأبنِ البّارِ ، هل عارضَ ؟ هل إعتذرَ ؟ كلا واللهِ ، لقد كان خَيرَ مُعينٍ لأبيهِ ، على تنفيذِ أمرِ ربِّهِ ، ماذا كانَ الجوابُ (قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ) ، نَفِذْ ما أوحى اللهُ إليكَ ، حتى ولو كانَ على حسابِ إزهاقِ نفسي ، أفعلْ ما تُؤمرُ ، وأمّا أنا فـ(سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ) (فَلَمَّا أَسْلَمَا) أسلَمَ إسماعيلُ نفسَهُ ، وإبراهيمُ ابنَهُ للهِ تعالى (وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ) تلَّهُ بقوةٍ لِيُريَ اللهَ امتثالَهُ لأمرِهِ ، فكبَّهُ على وجهِهِ ، لكي لا يَرى منهُ ما يُدخلُ الرّقةَ على قلبِهِ ، ابنُهُ الوحيدُ ، وفَلَذةُ كبدِهِ ، وهو الذي يذبحُهُ بيدِهِ ، والابنُ برضِاهُ ( إنَّ هذا لهوُ البلاءُ المُبين ) فلمّا أضجعَهُ وأدرجَ السكينَ على حلقِهِ ، ضَجّتْ الأرضُ ، واهتزتْ السّماءُ ، وصاحتْ الملائكةُ ، وهُناك خرجَ النداءُ الألهيُّ ، من قِبَلِ الرّحمنِ الرحيمِ ، ( أن يا إبراهيمُ قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ * إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلاءُ الْمُبِينُ * وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ ) أُنزلَ عليه كبشاً ، فذبحَهُ إبراهيمُ عليه السلامُ ، فِداءً عن ابنِهِ ، وعندها فازَ إبراهيمُ الخليلُ في أخطرِ اختبارٍ ، فسلامٌ على إبراهيمَ ، أَلاَ فاعتبروا بِهذهِ الحادثةِ العظيمةِ ، وأَحيوا هذه السُنةَ الكريمةَ ، فقد أُمِرَ إبراهيمُ بذبحِ ابنِهِ ، فبادرَ وأسرعَ ، أفليسَ من أُمرَ بذبحِ شاةٍ قليلةِ الثمنِ ، أولى بالمبادرةِ ؟ بلى واللهِ ، بلى واللهِ ، بلى واللهِ ،ألا فطيبوا بها نفساً ، واختاروا أنفسَ ما تجدون ،وذبحوه لله ، عنكم وعن أهلِ بويوتِكُم وموتاكُم ، وذبحُ الأضحيةِ مشروعٌ بإجماعِ العلماءِ ، وصَرحَ البعضُ منهم بوجوبِها على القادرِ، وجمهورُ العلماءِ ، على أنها سُنةٌ مؤكدةٌ ، يُكرَهُ للقادرِ تركُهَا ، وذبحُ الأضحيةِ ، أفضلُ من الصدقةِ بثمنِها ، حتى ولو زادَ عن قيمَتِها ، وذلك لأن الذبحَ ، وإراقةَ الدَّمِّ مَقصودٌ ، فَهُو عِبَادةٌ مَقرونةٌ بالصلاةِ ،كما قال سبحانه: ( فَصَلّ لِرَبّكَ وَٱنْحَرْ ) وعليه عملُ النبيِّ e وأصحَابُهُ ، ولو كانتْ الصدقةُ بقيمتِها أفضلَ ، لَعَدَلُوا إليها. وللأضحيةِ شروطٌ لا بدَّ من توفُرِها، منها السلامةُ من العيوبِ ، التي وردتْ في السنةِ ، فَقد قال النبيُّ e، كما في مسند الإمامِ أحمد وبن ماجةَ وغيرهِما { أَرْبَعٌ لاَ تُجْزِئُ فِى الأَضَاحِىِّ ، الْعَوْرَاءُ الْبَيِّنُ عَوَرُهَا ، وَالْمَرِيضَةُ الْبَيِّنُ مَرَضُهَا، وَالْعَرْجَاءُ الْبَيِّنُ ظَلْعُهَا ، وَالْكَسِيرَةُ الَّتِى لاَ تُنْقِى} وقد بيَّنَ العلماءُ هذه العيوبَ مُفصلةً، ومن شروطِها ، أن يكونَ الذبحُ في الوقتِ المحددِ لهُ ، وهو من انتهاءِ صلاةِ العيدِ ، إلى غروبِ شمسِ آخرِ أيامِ التشريقِ ، وهو اليومُ الثالثَ عشرَ.
بارك الله لي ولكم في القران العظيم ،
ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم ، أقول ما تسمعون وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم منكلِّ ذنب ، فاستغفروه يغفر لكم إنه هو الغفور الرحيم
الحمد لله على إحسانه ، والشكرله على توفيقهِ وامتنانه ، وأشهد أن لا إله إلاَّ الله ، وحدهُ لا شريكَ لهُ ، تعظيماً لشانه ، وأشهد أنَّ نبينا محمّداً عبده ورسولُه ، الدّاعي إلى رضوانه ، صلّى الله عليه وعلى آلِه وأصحابِه وأعوانه ، وسلّم تسليماً مزيداً: أما بعد : يقولُ النبي الكريم e الذي ما ترك خيراً إلاَّ ودلنا عليه ، ولا شراً إلاَّ وحذرنا منهُ { صِيَامُ يَوْمِ عَرَفَةَ أَحْتَسِبُ عَلَى اللَّهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتِى قَبْلَهُ وَالسَّنَةَ الَّتِى بَعْدَهُ }ما أكرمَ اللهُ وما أعظَمَهُ وما أحلمه ،صِيامُ يومٍ واحد ، يكفر اللهُ به ذنوبُ سنتين ، التي قبلَهُ والتي بَعده ؟ كَثُرَ خيرُ اللهِ وطاب ، كم من الذنوبِ والخطايا التي اقترفتَهَا ، طِوالَ هذا العام ، يغفِرُها اللهُ لك بصيامِ هذا اليوم ، إن أخلصةَ النيةَ لله ، لا إلهَ إلاَّ الله وكمْ لربِّ العزةِ من عتيقٍ من النارِ في يومِ عرفة ؟ بالنسبةِ للحجيج ، يقولُ عليهِ الصلاةُ والسلام ، كما في صحيحِ مسلم من حديثِ عائِشةَ رضي الله عنها { مَا مِنْ يَوْمٍ أَكْثَرَ مِنْ أَنْ يُعْتِقَ اللَّهُ فِيهِ عَبْدًا مِنَ النَّارِ مِنْ يَوْمِ عَرَفَةَ وَإِنَّهُ لَيَدْنُو ثُمَّ يُبَاهِى بِهِمُ الْمَلاَئِكَةَ فَيَقُولُ مَا أَرَادَ هَؤُلاَءِ}نَسأل اللهَ عزَّ وجلَّ ، أن يجعلَنا جميعاً من عتقائِهِ من النَّارِ ، ووالدينا وجميعِ المسلمين ، وكمْ من غَيرِ الحجيج ، من كانَ أسيرٌ للذنوبِ ، وصلَهُ اللهُ بعد القطعِ ، وكُتبَ له السعادةُ ، من بعدِ طولِ شقاءٍ ، بصيامِ هذا اليوم . ألا فصوموا يوم عرفه ، وغتَنِموا فضلَ رَبِّكُم ، واعلموا أنكم غداً بين يدي اللهِ موقوفونَ ، وعن أعمالِكم محاسبونَ ، وعلى تفريطِكم نادمون ، ( وَسَيَعْلَمُ الَّذِيْنَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُون ) ألا وصلوا رحمني اللهُ وإيَّاكم ، على الهادي البشيرِ ، والسراجِ المنيرِ ، كما أمرَكم بذلك اللطيفُ الخبيرُ ، فقال سبحانه قولاً كريما ( إِنَّ اللهَ وَملاَئِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبيْ يَا أَيُّهَا الَّذِيْنَ آمَنُواْ صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً ) وقد قال عليه الصلاةُ والسلامُ { حيثما كنتم فصلوا عليَّ فإنَّ صلاتَكم تبلغني }وقال{ من صلى علي صلاةً صلى اللهُ عليه بها عشراً } اللهم صلِّ وسلمْ وأنعمْ وأكرمْ وزدْ وباركْ ، على عبدِك ورسولِكَ محمدٍ ، وارضَ اللهم عن أصحابِهِ الأطهارِ ، ما تعاقبَ الليلُ والنهارُ ، أبي بكرٍ وعمرَ وعثمانَ وعليٍّ ، وعن سائرِ أصحابِ نبيِّك أجمعين ، وعن التابعينَ وتابعِيهم بإحسانٍ إلى يومِ الدينِ ، وعنَّا معَهم بمنِّكَ وفضلِكَ ورحمتِكَ يا أرحمَ الراحمينَ .اللهم أعزَّ الإسلامَ المسلمينَ ، ودمرْ أعداءَ الدينِ من اليهودِ والنصارى ، وجميعِ الكفرةِ الملحدينَ ، اللّهُم يا عظيمَ العفوِ ، ويا وسعَ المغفرةِ ، ويا قريبَ الرّحمةِ ، ويا ذا الجلالِ والإكرامِ ، هبْ لنا العافيةَ ، في الدُنيا والآخرةِ ، اللّهُم اجعلْ رزقَنَا رغداً ، ولا تُشمتْ بنا أحداً ، اللهم إنا نسألُكَ ، بعزِّكَ الذي لا يرامُ ، وملكِكَ الذي لا يُضامُ ، وبنورِكَ الذي ملأ أركانَ عرشِكَ ، أن تكفيَنا شرَّ ما أهمَنا وما لا نهتمُ به ، وأن تعيذَنا من شرورِ أنفسِنا ومن سيئاتِ أعمالِنا ، اللهم رَغّبْنا فيما يبقى ، وَزَهّدْنا فيما يفنى ، وهبْ لنا اليقينَ ، الذي لا تسكنْ النفوسُ إلا إليهِ ، ولا يُعوَّلُ في الدينِ إلا عليهِ ، اللهم اجعلْ بَلدَنا هذا آمناً مطمئناً ، وسائرَ بلادِ المسلمينَ ، اللهم أيدْ إمامَنا بتأيدِكَ ، وانصرْ بهِ دينَكَ ، ووفقْهُ إلى هُدَاكَ ، واجعلْ عمَلَهُ في رضاكَ ، وارزقْهُ اللهم البطانةَ الصالحةَ الناصحةَ ، التي تدلُهُ على الخيرِ ، وتعينه عليه، اللهم أرحمْ موتانا ، وعافي مُبتلانا ، واقضِ الدينَ عن مدينِنا ، وردَّ ضالَنا إليكَ رداً جميلاً ، ( رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ)(رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ) عبادَ اللهِ ( إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْأِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) ( وَأَقِمِ الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ
المفضلات