الخطبة الأولى : دعوة المظلوم
ان الحمد لله نحمده ونستهديه ونؤمن به ونتوكل عليه ونعوذ بالله من شرور انفسنا وسيئات اعمالنا ، من يهده الله فهو المهتد ومن يضلل فلن تجد له وليا مرشدا
واشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له ولا ولد سبحانه ما اتخذ صاحبة ولا ولدا واحد لا من قله موجود لا من عله كل شئ قائم به وكل شيء خاشع له عز كل ذليل ونصرة كل مظلوم ورضا كل يئوس من تكلم سمع نطقه ومن سكت علم سره ومن عاش فعليه رزقه ومن مات فإليه منقلبه ،
واشهد ان نبينا ورسولنا وحبيبنا وقائدنا وشفيعنا يوم العرض على الله محمدا صلّى الله عليه وسلّم بلّغ الرسالة وادى الامانة ونصح الامة وكشف الله به الغمه وجاهد فى الله حق جهاده حتى اتاه اليقين
فاللهم اجزه عنا خير ما جازيت به نبيا عن امته ورسولا عن دعوته
أما بعد
فإنى أوصيكم ونفسى بتقوى الله عز وجل الذى يقول:
يا أيها الذين امنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن الا وانتم مسلمون
عباد الله
إن الحضارات الإنسانية لا تبلغ أوج عزها، ولا ترقى إلى عز مجدها إلا حين يعلو العدل تاجها، ويتلألأ به مفرقها. تبسطه على القريب والغريب، والقوي والضعيف، والغني والفقير، والحاضر والباد.
والعدل تواطأت على حسنه الشرائع الإلهية، والعقول الحكيمة، والفطر السوية. لقد دلت الأدلة الشرعية وسنن الله في الأولين والآخرين أن العدل دعامة بقاء الأمم، ومستقر أساسات الدول، وباسط ظلال الأمن، ورافع أبنية العز والمجد، ولا يكون شيء من ذلك بدونه.
والقسط والعدل هو غاية الرسالات السماوية كلها: "لقد أرسلنا رسلنا بالبينات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط" ..أي بالعدل.
إذا قام العدل في البلاد عمَّر، وإذا ارتفع عن الديار وحلّ الظلم دمَّر. إن الدول لتدوم ولو الكفر مادامت عادلة، ولا يقوم مع الظلم حقٌ ولا يدوم به حكم."
عباد الله: إن العدل أساس العمران و الظلم أساس الفساد في المجتمع؛ وفي الأرض عامة.. بل كان سبباً في إهلاك أمم وإزالتها عن الوجود: "وتلك القرى أهلكناهم لما ظلموا"، "فتلك بيوتهم خاوية بما ظلموا"، ولقد حفل التاريخ في قديمه وحديثه بشواهد قائمة على ذلك.
ولشناعة هذا الذنب تنزّه الله سبحانه عنه فقال: "وما أنا بظلام للعبيد"؛ "وما الله يريد ظلماً للعباد"؛ "إن الله لا يظلم مثقال ذرة". ونهى عزّ وجلّ عنه عباده فقال كما في الحديث القدسي الذي رواه مسلم في صحيحه عن أبي ذر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "قال الله عز وجل: يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرما فلا تظالمواالحديث".
ولقد توعد الله الظالمين فقال: "ولا تحسبن الله غافلاً عما يعمل الظالمون إنما يؤخرهم ليوم تشخص فيه الأبصار"، وقال جل شأنه: "يوم لا ينفع الظالمين معذرتهم ولهم اللعنة ولهم سوء الدار". وعن أبي موسى رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله ليملي للظالم؛ فإذا أخذه لم يفلته" ثم قرأ : "وكذلك أخذ ربك إذا أخذ القرى وهي ظالمة إن أخذه أليم شديد".متفق عليه.
وعن أبي بكرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما من ذنب أجدر أن يعجل الله لصاحبه العقوبة في الدنيا مع ما يدخر له في الآخرة من البغي وقطيعة الرحم" رواه أبوداود والترمذي وابن ماجه وصححه الألباني.
ونهى جل شأنه عن الركون إلى الظالمين وموافقتهم ومسانتدهم فقال في محكم التنزيل: "ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم النار". بل بيّن سبحانه أن عقوبة ظلم الظلمة لا تقتصر عليهم فحسب؛ بل يتعدى شؤمها إلى غيرهم من الناس؛ قال جل شأنه: "واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة".
فالظلم عباد الله من أخطر ما يسبب النكبات والويلات والأزمات على البشرية؛ وهو مؤذن بزوال الدول وخرابها.
ومن عظم الظلم عند الله عز وجل، فإنه لما حرّم ذكر عيوب الناس؛ أباح للمظلوم أن ينشر مظلمته حتى إذا نزل بالظالم عذاب الله عز وجل علم الناس أن ذلك من شؤم الظلم فانزجروا عن مثله. قال عز وجل: "لا يحب الله الجهر بالسوء من القول إلا من ظلم". قال ابن هبيرة رحمه الله: إن المظلوم إذا شكا إلى الله تعالى اقتضى عدلُ الله الإيقاع بظالمه، فيحب الله سبحانه وتعالى أن يجهر المظلوم بالشكوى ليكون المُقدَّرُ والإيقاعُ بالظالم مبسوطَ العذر عند الخلق وزاجراً لأمثاله عن أمثال فاعله" أي يرتدع الناس عن الظلم حينما يرون الجزاء الذي حاق بالظالم .
وليعلم الظالم أنه لا بد من تأدية الحق للمظلوم؛ –شاء أم أبى- في الدنيا برد المظلمة أو في الآخرة بالقصاص بين الحسنات والسيئات. عن أبي هريرة رضي الله عنه قال :قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لتؤدَّن الحقوق إلى أهلها يوم القيامة حتى يقاد للشاة الجلحاء من الشاة القرناء". رواه مسلم وهذا منتهى العدل الإلهيّ. وعنه رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من كانت عنده مظلمة لأخيه من عرضه أو من شيء فليتحلله منه اليوم قبل أن لا يكون دينار ولا درهم، إن كان له عمل صالح أُخذ منه بقدر مظلمته، وإن لم يكن له حسنات أُخذ من سيئات صاحبه فحُمل عليه" رواه البخاري.
ومع كل تلك العظائم التي تحيط بالظلم وأهله؛ فإن هناك أمراً جللاً وخطباً جسيماً يحدق بالظالم وهو دعوة المظلوم؛ فإن دعوة المظلوم –ولو كان كافراً- مستجابة وليس بينها وبين الله حجاب؛ والله جل وعلا يقول لها في الحديث القدسي : وعزتي وجلالي لأنصرنك ولو بعد حين، وعن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اتقوا دعوة المظلوم وإن كان كافراً فإنه ليس دونها حجاب" رواه أحمد وحسنه الألباني.
عن ابن عباس رضي الله عنهما في قصة بعث معاذ إلى اليمن: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لمعاذ: "واتق دعوة المظلوم فإنه ليس بينها وبين الله حجاب" متفق عليه.. وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ثلاث دعوات مستجابات: دعوة الصائم ودعوة المظلوم ودعوة المسافر" رواه البيهقي في الشعب
نسأل الله العزيز القدير أن يجنبنا الظلم ويحفظنا من دعوة المظلومين كما نسأله عز وجل أن يجمع شملنا ويلمّ شعثنا إنه سميع قريب مجيب ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.

الظلم عاقبته وخيمه ونهايته مؤلمه فالظلم ظلمات يوم القيامه نعم ظلم الناس بأكل اموالهم وأخذها ظلما ظلم الناس بالضرب والشتم والتعدى والاستطالة على الضعفاء.
كم من سلطان يتفاخر بسلطانه أزال لله سلطانه وأذهب الله ملكه بدعوة مظلوم؟!
وكم من غني يتباهى بكنوزه افتقر وركبته الديون ولزمته الهموم بدعوة مظلوم؟!
وكم من قوي صحيح يتبجح بقوته ضعف وهاجمته الأمراض فأصبح طريح الفراش أمداً طويلاً بدعوة مظلوم؟!
إنها دعوة محترق سرت في جوف الظلام/
فصعدت كأنها شرارة حتى تجاوزت الغمام/
والظالم نائم؛ فتكفل بنصرتها القيوم الذي لا ينام..
وممّا يروى في الآثار الإسلامية ، أنّ امرأة سعيد بن زيد رضي الله عنه شكت زوجها إلى مروان بن الحكم وقال: إنه قد أخذ حقي واقتطع من أرضي، قال: كيف أظلمها وقد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " من اقتطع شبراً من الأرض ظلماً طوقه الله من سبع أرضين يوم القيامة" ثم ترك لها ما ادعت وقال: اللهم إن كانت ظلمتني فأعم بصرها واجعل قبرها في أرضها. قال: فرأيتها عمياء تلتمس الجُدُر تقول: أصابتني دعوة سعيد، وبينما هي تمشي في أرضها وقعت في بئر فكان قبرها.. رواه مسلم.


نسأل الله العزيز القدير أن يجنبنا الظلم ويحفظنا من دعوة المظلومين كما نسأله عز وجل أن يجمع شملنا ويلمّ شعثنا إنه سميع قريب مجيب ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.


ا