الخطبة الثانية : خطر تهويد القدس الشريف
الحمد لله الذي شرّف الإنسان وجعله خليفة في الأرض متى انتهج شرع الله ، والذي فضّل أماكن عن غيرها فهو الذي كرّم مدينة القدس بأن رفع منزلتها وربطها بمكة المكرمة كما ربطها بالسماء. وربط المسجد الأقصى بالمسجد الحرام . ونشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له نصر عبده وأعز جنده وهزم الأحزاب وحده ، لا شيء قبله ولا شيء بعده القائل: (سبحان الذي أسرى بعبده ليلاً من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله لنريه من آياتنا ، إنه هو السميع البصير) سورة الاسراء الآية 1، ونشهد ان سيدنا وقائدنا وحبيبنا وشفيعنا محمداً عبد الله ونبيه ورسوله امام العادلين وسيد المجاهدين الذي بشرنا بأن الفئة المنصورة ستنطلق من بيت المقدس إذ قال صلى الله عليه وسلّم " لا تزال طائفة من أمتي على الحق ظاهرين لعدوهم قاهرين لا يضرهم من خالفهم ( ولا من خذلهم ) ولا ما أصابهم من اللأواء حتى يأتيهم أمر الله وهم كذلك . قالوا : يا رسول الله ، وأين هم ؟ قال : بيت المقدس وأكتاف بيت المقدس " . أخرجه أحمد والطبراني في الأوسط بإسناد صحيح ورجاله ثقات. صلى الله عليه وعلى آله الطاهرين المبجلين . وصحابته الغر الميامين المحجلين وفي مقدمتهم ابو بكر وعمر وعثمان وعلي ومن تبعهم واقتفى أثرهم واستنّ سنتهم باحسان من العلماء العاملين الى يوم الدين .
عباد الله لم تشهد مدينة القدس المحتلة حملة شرسة كمثل هذه الحملة في هذه الايام ، إنها حملة عنصرية ، حملة تنم عن تطهير عرقي ضد السكان العرب المرابطين في بيت المقدس واكتاف بيت المقدس. فقد زاد عدد البيوت المهددة بالهدم واخلاء أصحابها منها عن ثلاثمائة بيت ، وأشارت الأخبار الصادرة عن البلدية اليهودية بأن ألفين وسبعمائة بيت هي على قائمة الهدم خلال ثلاث سنوات !! انها من منجزات رئيس البلدية في الكيان الصهيوني الغاصب الذي أعدّ نفسه لهذه المهمة العدوانية غير القانونية وغير الحضارية وغير الانسانية . فبدلاً من ان يقيم المدارس والمستشفيات وبدلاً من أن يهتم بالبنية التحتية للمدينة وبدلاً من أن يهتم بنظافة احيائها وبدلاً من ان يعطي رخصاً للبناء فقد جاء لينتقم من السكان العرب ويحرمهم المأوى والمسكن ، وجاء ليخليهم من بيوتهم فهذه اجراءات تعسفية تأخذ الطابع السياسي ليكون عدد العرب أقلية في مدينة القدس بالمقابل تسعى السلطات المحتلة بكل امكاناتها الى زيادة عدد اليهود في مدينة القدس وذلك بمصادرة الأراضي وتوسعة المستعمرات المحيطة بها بانشاء خمسة آلاف وسبعمائة وحدة سكنية بالقدس بالاضافة الى ثلاث وسبعين ألف وحدة سكنية بالضفة الغربية وذلك بهدف جلب آلاف المستوطنين اليهود الى القدس ، وبهدف ضرب الطوق حولها وعزلها عم محيطها.
عباد الله القدسُ الشّريف أمانةٌ في أعناقِ المسلمين، وإنَّ التفريطَ فيه تفريطٌ في دينِ الله، وسيسأل الله تعالى المسلمين عن هذه الأمانةِ إن فرَّطوا في حقِّها أو تقاعسوا عن نصرتها ورعايتها.
إنّ عملياتُ الحفرِ تحت المسجد الأقصى اعتداءٌ آثم وفِعل شنيع، وتعرِّض بنيانَ المسجد الأقصى للخطر, هذا العملُ أثارَ مُهَج المسلمين، وأجَّج مشاعرَهم, وعلى كلِّ مسلم أن يعرفَ للأقصى المبارك قدرَه؛ مدافعًا عن طُهرهِ، منافِحًا عن كرامتِه، باذِلاً الغالي والرخيصَ في سبيل نصرِه وعزِّه.
ولا يخفى عليكم عباد الله أنّ الدعاء سلاح فعّالٌ لو صدَر من قلبٍ مخلِص وتكرَّر بإلحاحٍ أن ينصُرَ الله إخوانَنا ويفرِّج كربهم ويحرِّر الأقصى من دَنَس المعتدين.
ومما يؤلم المسلمَ ما يَراه من فُرقةٍ واختلاف بين المسلمين، تسهِّل على الذِّئب افتراسَهم. وليَعلَم الإخوةُ في فلسطين أن العدوَّ يتربَّص بهم الدوائر، ويعمَل جاهدًا على تغذِيةِ أسبابِ الفُرقة وتمزيقِ الألفةِ وتشتِيتِ الشّمل والصِّراع الداخليّ؛ لذا فإنّنا ندعو الإخوة في فلسطين بل في كلِّ مكان إلى الوحدة والتضامن، نحذرهم من الفرقة والتنازُع، قال تعالى: (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلا تَفَرَّقُوا) [آل عمران:103]؛ فإنَّ من أكبر المصائِبِ التي ابتُلِيَت بها الأمّة وأضعَفَت قواها الاختلافَ والتفرّقَ والتنازع، قال تعالى: (وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ) [الأنفال:46]، أي: فتضعفوا وتجبنوا وتذهبَ ريحكم, وبيَّن سبحانه أنَّ السببَ المباشر في هلاك الأمّة الفرقةُ، قال تعالى: (قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِنْ فَوْقِكُمْ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ) [الأنعام:65], وكلُّ عاقلٍ من أيّ ملّةٍ ومذهب يعلم يَقينًا أنَّ الوحدةَ طريقُ العزّةِ والنصر.
عباد الله ، إن عمليات الحفرتحت المسجد الأقصى وصلت إلى مرحلة مدمرة وخطيرة للغاية؛ لأنها وصلت إلى عمقه وتحديداً تحت المنطقة المسماة "الكأس" الواقعة بين المسجد الأقصى وقبة الصخرة، علماً بأن اليهود يستخدمون في هذه الحفريات عمالاً أجانب, لا يجيدون اللغات الأجنبية، ويعيشون في تجمعات منطوية على ذاتها, وذلك يضمن لليهود إحكام التكتم على ما يجري تحت المسجد الأقصى وفي محيطه.
أيها المسلمون: في الوقت الذي تنشغل فيه فئام من امة محمد صلى الله عليه وسلم بالاحتفالات بالأعياد الباطلة والملهيات, يقف إخوان لكم من أبناء داخل فلسطين بالمرصاد امام اليهود وأحلامهم، فهم منذ أيّام عديدة يرابطون ويحتشدون أمام أعمال الهدم والحفريات في طريق باب المغاربة بالمسجد الأقصى المبارك، وذلك وسط إجراءات أمنية مشددة اتخذتها الشرطة اليهودية لحماية المتطرفين الصهاينة عند محاولة دخولهم ساحة المسجد الأقصى للقيام بطقوس شيطانية وعبادات كهنوتيّة يتشبث بها اليهود.
لقد تغافلت وسائل الإعلام العربية عن فضح ممارسات اليهود في فلسطين ولم يهتموا سوى بصراعاتهم الداخلية وفضائحهم الخارجية وفسحوا المجال للصهاينة الغادرين لتمرير مخططاتهم المتطرفة ، وقد نسي أغلب المسلمين للأسف فضل المسجد الأقصى ومكانته عند الله ورسوله صلى الله عليه وسلم القائل :
(الصلاة في المسجد الحرام بمائة ألف صلاة، والصلاة في مسجدي بألف صلاة، والصلاة في بيت المقدس بخمسمائة صلاة).
نسأل الله عزّ وجلّ أن ييسّر لنا الصلاة في مساجده الثلاثة ويسهّل تحرير القدس الشريف من براثن آل صهيون إنّه سميع قريب مجيب.
المفضلات