الحمدُ للهِ ،قدَّمَ من شاءَ بفضلِهِ ، وأخرَّ من شاءَ بعدلِهِ ، هو الكريمُ الوهابُ ، هازمُ الأحزابِ ، ومنشئُ السحابِ ، ومنزلُ الكتابِ ، ومسببُ الأسبابِ ، وخَالِقُ النَّاسِ مِن تُرابٍ ، هو المبدءُ المعيدُ ، الفَعَّالُ لمايُريدُ ، جلَّ عن أتخاذِ الصاحبةِ والولدِ ، ولم يكنْ له كفواً أحدٌ ، أشهدُ أن لا إلهَ إلا هوَ ، وحدَهُ ولا شريكَ له ، ( لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ) ، وأشهدُ أن محمداً عبدُهُ ورسولُهُ صلى اللهُ عليه ، وعلى آلِهِ وصحبِهِ وسلم تسليماً كثيراً : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ) (يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ) (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا*يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً) :أما بعد : أيها الأحبةُ في الله، فَإنَّ هذا العيد ، فُرصةً عظيمةً جِدُّ عَظيمة ، للقضاءِِ على التَّقَاطُعِِ ولإنهاء التدابُرِ ، والبدءُ في وصلِ ما انقطعَ من الأرحام ، فَإنَّ الله عزَّ وجلَّ يقول (فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ)ويقولُ سُبحانه (وَأُولُوا الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) فاحرص يا أخي المسلمُ على صلةِ أرحامِِِكَ فإنَّ صلةَ الرَّحِِِِمِ واجبةٌ ، ففي البُخاري من حديثِِ أَبِى هُرَيْرَةَ - رضى الله عنه - عَنِ النَّبِىِّ r قَالَ {خَلَقَ اللَّهُ الْخَلْقَ ، فَلَمَّا فَرَغَ مِنْهُ ، قَامَتِ الرَّحِمُ فَأَخَذَتْ بِحَقْوِ الرَّحْمَنِ فَقَالَ لَهَا مَهْ . قَالَتْ هَذَا مَقَامُ الْعَائِذُِ بِكَ مِنَ الْقَطِيعَةِ . قَالَ أَلاَ تَرْضَيْنَ أَنْ أَصِلَ مَنْ وَصَلَكِ وَأَقْطَعَ مَنْ قَطَعَكِ . قَالَتْ بَلَى يَا رَبِّ . قَالَ فَذَاكِ لَكِ }قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ اقْرَءُوا إِنْ شِئْتُمْ ( فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِى الأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ ) فأمرُ صلةِ الرحِمِ أمرٌ عظيمٌ ،يقوُلُ عبدُ اللهِ بنُ سلامٍ : لمّا قَدِمَ النبيُّ r المدينةَ ، انجفلَ النَّاسُ إليهِ ـ أي: ذهَبوا إليهِ ـ فَكَانَ أوّلَ شيءٍ سمعتُهُ تكلَّمَ بهِ أن قالِ: {يا أيّها الناسُ، أفشوا السّلامَ ، وأطعِموا الطّعامَ ، وصِلوا الأرحامَ ، وصَلّوا بالليلِ والنّاسُ نِيامٌ ، تَدخلُوا الجنّةَ بسلامٍ} رواه الترمذيّ وابنُ ماجه ، ويَقولُ أبا ذرٍّ رضي اللهُ عنه: أوصاني خليلِي بصِلةِ الرّحمِ وإِنْ أَدبَرتْ. رواه الطبراني، وصِلةُ ذوي القربَى ، أَمَارةٌ على الإيمانِ،يَقُولُ عليهِ الصلاةُ والسلام {من كانَ يؤمِنُ باللهِ واليومِ الآخرِ فليصِلْ رحِمَهُ} متفقٌ عليهِ، يقولُ عمروُ بنُ دينارٍ: "مَا مِنْ خُطوةٍ بعدَ الفريضةِ ، أعظمُ أجرًا ، من خُطوةٍ إلى ذي الرّحمِ". ثوابُها مُعَجَّلٌ في الدُّنيا ، ونعيمٌ مدَّخرٌ في الآخرةِ، قالَ r : {ليس شيءٌ أُطِيعُ اللهَ فيه أعْجَلَ ثوابًا من صِلةِ الرحمِ} رواه البيهقيّ ، والقائمُ بحقوقِ ذوي القربَى ، مُوعُودٌ بالجنّةِ، يقولُ عليهِ الصلاةُ والسلامُ: {أهلُ الجنةِ ثلاثةٌ: ذو سلطانٍ مُقسطٍ، ورجلٌ رحيمٌ رقيقُ القلبِ بكلِّ ذي قُربى ومُسلمٍ، ورَجلٌ غنيٌّ عفيفٌ متصدِّقٌ} رواه مسلم ، بصلةِ الأقاربِ تقوَى المودَّةُ ، وتَزِيدُ المحبَّةُ ، وتتوثَّقُ عُرى القرابةِ ، وتزولُ العداوةُ والشّحناءُ، وللصلةِ فوائدٌ عظيمةٌ ، ففي البُخاري من حديثِِ أَبِى هُرَيْرَةَ - رضى الله عنه -قال : قال رسولُ اللهr { مَنْ سَرَّهُ أَنْ يُبْسَطَ لَهُ فِى رِزْقِهِ ، وَأَنْ يُنْسَأَ لَهُ فِى أَثَرِهِ ، فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ } فأينَ أكثرُ الناسِ عن هذا الحديثِ ، إطالةُ العمرِ ، وكثرتُ الرزقِ ، مطلبُ كثيرٌِ من الناسِ ، فأين هم عن هذا الحديثِ العظيمِ . منهم من قطعَ أرحامَهُ خوفاً على دراهِمِهِ ، وما علمَ المسكينُ ، أن بصلتِهِم زيادةً في رزقِهِ ، وفي الحديثِ عن ابنِ عباسٍ رضي اللهُ عنهما أن رسولَ الله r قال : {إن اللهَ ليعمرُ بالقومِ الديارَ ، ويثمرُ لهم الأموالَ ، وما نظرَ إليهم منذ خلقَهَم بغضاً لهم }، قيل : وكيف ذلك يا رسولَ اللهِ ؟ قـــال :{بصلتِهِم لأرحامِهِم}فحريٌ بالمسلمِ ، الذي رضيَ باللهِ رباً وبالإسلامِ ديناً ، أن لا يتأخرَ عن صلةِ أرحامِهِ ، وأن يحذرَ حذراً شديداً من القطيعةِ ، لأن القطيعةَ شأنُها أيضاً عظيمٌ ، وأي شيءٍ أعظمُ من عدمِ قَبولِ العملِ !! القاطعُ والعياذُ باللهِ، يعملُ الأعمالَ ولا تُقبلُ منه ، نسألُ اللهَ العافيةَ والسلامَه . ففي مُسندِ الإمامِ أحمد من حديثِ أَبِى هُرَيْرَةَ رضي الله عنه ، قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -r-يَقول { إِنَّ أَعْمَالَ بَنِى آدَمَ تُعْرَضُ كُلَّ خَمِيسٍ لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ فَلاَ يُقْبَلُ عَمَلُ قَاطِعِ رَحِمٍ}فأللهَ اللهَ أيها الأخوةُ ، بصلةِ الأرحامِ ، ومن فضلِ اللهِ أن تيسرتْ سبلُ ذلك ، فبأقلِ جُهدٍٍ ، وبأقلِ وقتٍ ، يستطيعُ الواحدُ منا أن يصلَ جميعَ أرحامِهِ ، دونَ مَشقةٍ أوكُلفةٍ ، بِوَسائِل التواصلِ المتوفرةِ اليوم ، فإنَّ هذه الوسائلَ نعمةٌ ونقمةٌ ، فمن استغلها بالخير فهي لَهُ نعمه ، ومن استغلها فالشر فهي عليه نقمةٌ ، اسألُ اللهَ لي ولكم علماً نافعاً ، وعملاً خالصاً ، وسلامةً دائمةً ، ....
بارك الله لي ولكم في القـرآن العظيم
ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول قولي هـذا، وأستغفر الله العظيم لي ولكم، ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.
الحمد للهِ ، نحمَدُه حمداً يَلِيقُ بكريمِ وجهِهِ ، وبعظيمِ سلطانهِ ، نحمدُه حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه ، ونشهدُ أن لا إله إلا هو سبحانه لا شريك له ولاندَّ له ولاشبيه . ونشهدُ أن محمداً عبدُهُ ورسولُهُ ، وصفيُهُ وخليلُهُ ، نبياً شرحَ اللهُ صدرَهُ ، ووضعَ عنه وزرَهُ ورفعَ ذكرَهُ . صلى اللهُ عليه وعلى آلهِ وأصحابِهِ ، الطيبينَ الطاهرينَ ، وعلى من سارَ على نهجِهِم إلى يومِ الدينِ ، وسلم تسليماً كثير اً : أما بعد : أيها الأخوةُ في الله ،لَمّا نَزَلَ على المصطفى r (ٱقْرَأْ بِٱسْمِ رَبّكَ ٱلَّذِى خَلَقَ) [العلق:1] رَجَعَ بِهَا تَرجِفُ بُوادرُهُ ، حتّى دخَلَ على خديجةَ فقالَ: {زمِّلوني}، فأخبرَها الخبَرَ، وقالَ: {قد خَشيتُ على نفسِي}، فقالتْ له: كَلاَّ واللهِ ، لا يُخزِيكَ اللهُ أبدًا ؛ إنّك لَتَصِلُ الرّحمَ ، وتَحمِلُ الكَلَّ، وتُكسِبُ المعدومَ، وتُقري الضّيفَ. رواهُ البخاري، وذوي الرّحِمِ غَيرُ معصومينَ ، يتعرّضونَ للزّلَلِ، ويقَعونَ في الخَللِ، وتصدُرُ منهم الهَفوةُ، ويقَعونَ في الكبيرةِ، فإن بَدَرَ منهم شيءٌ من ذلك ، فالزَمْ جانبَ العفوِ معهم، فإنَّ العفوَ من شِيَمِ المحسنين، وما زادَ اللهُ عبدًا بعفوٍ إلاّ عِزًّا، وقابِلْ إساءَتَهم بالإحسانِ، واقبلْ عُذرَهم إذا أَخطَئُوا، لقد فعلَ إخوةُ يوسفَ مع يوسفَ ما فعلوا، وعندما اعتذروا ، قَبِلَ عُذْرَهم وصفَحَ عَنهُم الصَّفحَ الجميلَ ، ولم يوبِّخْهم ، بل دَعَا لَهُم وسألَ اللهَ المغفرةَ لهم ، وقالَ: (لاَ تَثْرَيبَ عَلَيْكُمُ ٱلْيَوْمَ يَغْفِرُ ٱللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ ٱلرحِمِينَ) عبادَ الله صلّوا على المعصومِ ، عليه أفضلُ الصلاةِ وأتم التسليم ،اللهم صلِّ وسلمْ وأنعمْ وأكرمْ وزدْ وباركْ ، على عبدِك ورسولِكَ محمدٍ ، وارضَ اللهم عن أصحابِهِ الأطهارِ ، ما تعاقبَ الليلُ والنهارُ ، أبي بكرٍ وعمرَ وعثمانَ وعليٍّ ، وعن سائرِ أصحابِ نبيِّك أجمعين ، وعن التابعينَ وتابعِيهم بإحسانٍ إلى يومِ الدينِ ، وعنَّا معَهم بمنِّكَ وفضلِكَ ورحمتِكَ يا أرحمَ الراحمينَ .اللهم أعزَّ الإسلامَ المسلمينَ ، ودمرْ أعداءَ الدينِ من اليهودِ والنصارى ، وجميعِ الكفرةِ الملحدينَ ، اللّهُم يا عظيمَ العفوِ ، ويا وسعَ المغفرةِ ، ويا قريبَ الرّحمةِ ، ويا ذا الجلالِ والإكرامِ ، هبْ لنا العافيةَ ، في الدُنيا والآخرةِ ، اللّهُم اجعلْ رزقَنَا رغداً ، ولا تُشمتْ بنا أحداً ، اللهم إنا نسألُكَ ، بعزِّكَ الذي لا يرامُ ، وملكِكَ الذي لا يُضامُ ، وبنورِكَ الذي ملأ أركانَ عرشِكَ ، أن تكفيَنا شرَّ ما أهمَنا وما لا نهتمُ به ، وأن تعيذَنا من شرورِ أنفسِنا ومن سيئاتِ أعمالِنا ، اللهم رَغّبْنا فيما يبقى ، وَزَهّدْنا فيما يفنى ، وهبْ لنا اليقينَ ، الذي لا تسكنْ النفوسُ إلا إليهِ ، ولا يُعوَّلُ في الدينِ إلا عليهِ ، اللهم أيدْ إمامَنا بتأيدِكَ ، وانصرْ بهِ دينَكَ ، ووفقْهُ إلى هُدَاكَ ، واجعلْ عمَلَهُ في رضاكَ ، وارزقْهُ اللهم البطانةَ الصالحةَ الناصحةَ ، التي تدلُهُ على الخيرِ ، وتعينه عليه، اللهم احفظْ بلادَنا وولاةَ أمرِنا وعلماءَنا ودُعاتَنا ، اللهم وحِّدْ كلمتَنا وقوي شوكتَنا ياربَّ العالمينَ ، واجعل هذا البلد رخاءً سخاءً آمِناً مُطمَئِناً ، وسائر بلاد المسلمين يا ربَّ العالمين ، اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات والمؤمنيين والمؤمنات ، الأحياء منهم والأموات ، اللهم ربنا ( آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ) ( وَأَقِمِ الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ)
المفضلات