الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين ، وبعد: أيها الإخوة والأخوات / نتكلم في هذا الدرس عن العلاقة بين عرش الرحمن وقلوب الناس ، فنقول : عرش الله جل وعلا هو سرير ذو قوائم تحمله الملائكة ، وهو أعلى الموجودات وأعظمها قدرا وأطهرها ذاتاً ، ولذلك صَلُحَ أن يستوي الله عز وجل عليه استواءً يليــــق بجلاله وعظمته ، مع يقيننــا أن الله مستغنٍ عن العرش وعن غير العرش لكنه قال سبحانه وهـو أصدق القائلـين(( الْرَّحْمَــنُ عَلَى الْعَــرْشِ اْسْتَــوَى )) وأخبر سبحانه أن هذا العرش العظـيم هو ربـه جل وعلا فقال سبحانه(( قُلْ مَنْ رَبُّ الْسَّمَـوَاتِ الْسَبْـعِ ورَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِــيم)) وقال ((وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ * ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيــد)) والعرش يحمـله ثمانية من الملائكــة . إما أن يكونوا ثمــانية أفـراد وإما أن يكونوا ثمانية صفوف .
والرابط بين العرش والقلوب : قال ابن القيم رحمه الله : " إن العرش لما طهُر صلُح لأن يستوي الله جل وعلا عليه ، وخلق الله القلوب فالقلب إذا طهُر صلــح أن يملأ بمحبـة الله جل وعلا ومعرفتـه وإرادتـه .
وأقرب القلوب من العرش ومن الله جل وعلا :أكملها طهــارة و أعظمهــا نقـاء ، وأبعـد القلوب عن الله تعالى: القلوب القاسية ((فَوَيْلٌ لِلقَاسِيَة قُلُوبُهــم مِنْ ذِكـْــر الله)) قال العلماء : " إنه ما من شيء يعذب به العبد أعظم من أن يجعل الله تبارك وتعالى قلبه قاسيا " .
وهذه القلوب التي جعلهــا الله آنيـة أخبر صلى الله عليه وسلم أن لله آنية من أهل الأرض وآنيـة الله من أهل الأرض قلوب عباده الصالحـين التي ملأهـا من محبتـه وطاعته ومعرفته جل و علا .
والسؤال الذي ربما يرد : كيـــف يعرف الإنسـان أن قلبه لين ؟
يعــــرفه بطريقــــين :
الأمـر الأول : إجلال العبد لله جل وعلا .
الأمر الثاني : متابعة سنة محمد صلى الله عليه وسلم .كان ابن عمر رضي الله عنهما له غلمان فكــان إذا رأى من أحد غلمانه التفــافاً على الصلاة وانصرافا إليهــا اعتقـه حتى لا يحول بينه و بين العبادة ، فكان باقي الغلمـان يأتون يصلون أمــامه وقريباً منه أمـــلا في أن يعتقهـــم رضي الله عنه وأرضاه فكان يعتقهم فجــاءه بعض خواص أهـله وقالـوا له : " يا ابن عمر إنهــم يخدعونــك إنهــم يصلـون لا لله ولكن لتعتقهــم " . فقال رضي الله عنه وأرضاه : " من خدعنا بالله انخدعنا له " .
فإجلاله من الله جل و علا يجعلـه يقبل خدعة هـؤلاء الغلمان لأن هـؤلاء الغلمان جعــلوا من تعظيــم ابن عمر لله تبارك وتعالى وسيلة لنيــل مآربهــم .
وتــلك منزلـــة عالية أين نحن منهـا ؟
فالطريق الثاني اتباع سنة محمد صلى الله عليه وسلم فإن القلوب اللينـة التي فطــرت على الطاعة لا يمكن أن تكـون أعظــم رقـة وأقــوم سبيـــلا من قلب محمد صلى الله عليه وسلم ولن تنال القلوب تلك المنزلة إلا باتباعها سنته صلى الله عليه وسلم وعكوفها حول شريعته عليه الصلاة والسلام .
وقد يرى الإنســان بعض السنن شيئــا يســـيرا فلا يريد أن يصنعهــا ظنــا منه أنه يرقـــى إلى الأعلى وليس الأعلى ما يوافــق هـــواك وإنمـا الأعلى حقيقة ما وافق هدي محمد صلى الله عليه وسلم .
فالسنة و الخــير و الهدى و السهولة و اللين في اتباع هديـه صلى الله عليه وسلم .
فإذا أجلّ العبد ربـــه تبارك وتعالى واتبع سنة محمد صلى الله عليه وسلم وغـــذى قلبـــه بالذكـر وتأمــله بالفكــر وألهمــه الله عز وجل اليقــين وحسن الطاعة وجعــل قلبه منزلــة لمحبة الله ومعرفته وتلك أعظم المنازل وأعلى المراتب بلا شك .جعلنـــا الله وإياكـــم من أهلهـــا .
نسأل الله الكريم أن يعفوَ عنا وأن يوفقنا إلى طاعته ويستعملنا في مرضاته ويسلك لنا مسلك الصالحين ويحسن لنا الختام ويتقبل منا صالح الأعمال إنه جواد كريم،وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه .
* بتصرف بسيط من كلام فضيلة الشيخ صالح المغامسي حفظه الله.
المفضلات