بسم الله الرحمن الرحيم
الخطبة الأولى :أدرك رمضان قبل رحيله

أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، صَحَّ عَنهُ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ أَنَّهُ قَالَ : " إِذَا كَانَ أَوَّلُ لَيلَةٍ مِن شَهرِ رَمَضَانَ صُفِّدَتِ الشَّيَاطِينُ وَمَرَدَةُ الجِنِّ ، وَغُلِّقَت أَبوَابُ النَّارِ فَلَم يُفتَحْ مِنهَا بَابٌ ، وَفُتِّحَت أَبوَابُ الجَنَّةِ فَلَم يُغلَقْ مِنهَا بَابٌ ، وَيُنَادِي مُنَادٍ : يَا بَاغِيَ الخَيرِ أَقبِلْ ، وَيَا بَاغِيَ الشَّرِّ أَقصِرْ " وَعَنِ ابنِ عَبَّاسٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنهُ ـ قَالَ : كَانَ رَسُولُ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ أَجوَدَ النَّاسِ بِالخَيرِ ، وَكَانَ أَجوَدُ مَا يَكُونُ في رَمَضَانَ ، وَكَانَ جِبرِيلُ يَلقَاهُ كُلَّ لَيلَةٍ في رَمَضَانَ يَعرِضُ عَلَيهِ النَّبيُّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ القُرآنَ ، فَإِذَا لَقِيَهُ جِبرِيلُ كَانَ أَجوَدَ بِالخَيرِ مِنَ الرِّيحِ المُرسَلَةِ "

أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، رَمَضَانُ وَالخَيرُ قَرِينَانِ ، فَرَمَضَانُ هُوَ شَهرُ الخَيرِ وَزَمَانُهُ ، وَالخَيرُ هُوَ عَمَلُ رَمَضَانَ وَوَظِيفَتُهُ ، وَطَالِبُو الخَيرِ هُم أَهلُ رَمَضَانَ ، وَرَمَضَانُ هُوَ سُوقُ أَهلِ الخَيرِ وَمَوسِمُهُم ، وَمَن وُفِّقَ لِفِعلِ الخَيرِ في رَمَضَانَ وَخَفَّت إِلَيهِ نَفسُهُ فَهُوَ المُوَفَّقُ ، وَمَن خُذِلَ عَنِ الخَيرِ فِيهِ وَثَقُلَ عَنهُ وَأَعرَضَ عَن مَوَائِدِهِ ، فَالظَّنُّ أَنَّهُ لا يُوَفَّقُ لَهُ في غَيرِهِ وَلا يُهدَى لِسَبِيلِهِ ، وَمَا ذَاكَ إِلاَّ لأَنَّ فُرَصَ الخَيرِ في رَمَضَانَ مُهَيَّئَةٌ بِمَا لا تَتَهَيَّأُ في غَيرِهِ ، فَصَاحِبُ الخَيرِ مُنَادًى بِالإِقبَالِ مُرَحَّبٌ بِهِ ، وَصَاحِبُ الشَّرِّ مَطرُودٌ مَقصُورَةٌ خُطَاهُ ، وَالشَّيَاطِينُ مُصَفَّدَةٌ وَمَجَارِيهَا مُضَيَّقَةٌ ، وَأَبوَابُ النَّارِ مُغَلَّقَةٌ وَأَبوَابُ الجَنَّةِ مُفَتَّحَةٌ ، وَالقُرآنُ يُتلَى وَالمُلائِكَةُ مُتَنَزِّلَةٌ ، وَالجُمُوعُ مُتَعَبِّدَةٌ وَالأُجُورُ مُضَاعَفَةٌ . وَمَن هُيِّئَ لَهُ كُلُّ هَذَا وَلم تَشتَقْ نَفسُهُ لِلخَيرِ وَلم يَكُنْ لَهُ فِيهِ سَهمٌ ، فَلْيَتَفَقَّدْ قَلبَهُ فَإِنَّهُ لا قَلبَ لَهُ .

أَمَّا وَقَدِ انتَصَفَ رَمَضَانُ أَو كَادَ ، أَمَّا وَقَد مَضَى مِنهُ شَطرُهُ أَو قَارَبَ ، فَهَلْ سَأَلَ سَائِلٌ مِنَّا نَفسَهُ : أَينَ أَنَا مِنَ الخَيرِ في شَهرِ الخَيرِ ؟ هَل كُنتُ مِن طُلاَّبِهِ العَامِلِينَ بِأَسبَابِهِ الدَّاخِلِينَ مَعَ أَبوَابِهِ ؟ فَإِن كَانَ كَذَلِكَ فَطُوبى لَهُ ، وَإِن كَانَ بِخِلافِ ذَلِكَ فَمَاذَا يَنتَظِرُ ؟! أَيَنتَظِرُ أَن يُقَالَ غَدًا العِيدُ وَهُوَ لم يُقَدِّمْ مِنَ الخَيرِ شَيئًا ؟! أَيَنتَظِرُ أَن يَخرُجَ الشَّهرُ وَقَد رَغِمَ أَنفُهُ وَلم يُغفَرْ لَهُ ؟!

أَلا فَرَحِمَ اللهُ امرَأً حَاسَبَ نَفسَهُ وَقَدِ انتَصَفَ شَهرُهُ ، فَنَظَرَ فِيمَا مَضَى وَعَمِلَ لِمَا يَأتي ، فَإِن كَانَ مُحسِنًا ازدَادَ ، وَإِن كَانَ غَيرَ ذَلِكَ رَجَعَ وَلم يَتَمَادَ .

وَتَعَالَوا بِنَا ـ أَيُّهَا الصَّائِمُونَ ـ نَستَعرِضْ شَيئًا ممَّا وَرَدَ فِيهِ التَّصرِيحُ مِن رَسُولِ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ بِأَنَّهُ مِنَ الخَيرِ ؛ لِنَزِنَ أَنفُسَنَا وَنَعرِفَ مَوَاقِعَنَا ، قَالَ ـ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ ـ لِمُعَاذٍ : " أَلا أَدُلُّكَ عَلَى أَبوَابِ الخَيرِ ؟ الصَّومُ جُنَّةٌ ، وَالصَّدَقَةٌ تُطفِئُ الخَطِيئَةَ كَمَا يُطفِئُ المَاءُ النَّارَ ، وَصَلاةُ الرَّجُلِ في جَوفِ اللَّيلِ ; أَلا أُخبِرُكَ بِرَأسِ الأَمرِ وَعَمُودِهِ وَذِروَةِ سَنَامِهِ ؟ رَأسُ الأَمرِ الإِسلامُ ، وَعَمُودُهُ الصَّلاةُ ، وَذِروَةُ سَنَامِهِ الجِهَادُ ; أَلا أُخبِرُكَ بِمِلاكِ ذَلِكَ كُلِّهِ ؟ كُفَّ عَلَيكَ هَذَا ـ وَأَشَارَ إِلى لِسَانِهِ ـ قَالَ : يَا نَبيَّ اللهِ ، وَإِنَّا لَمُؤَاخَذُونَ بما نَتَكَلَّمُ بِهِ ؟ قَالَ : ثَكِلَتكَ أُمُّكَ يَا مُعَاذُ ، وَهَل يَكُبُّ النَّاسَ في النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِم إِلاَّ حَصَائِدُ أَلسِنَتِهِم " وَقَالَ ـ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ ـ : " مَن أُعطِيَ حَظَّهُ مِنَ الرِّفقِ فَقَد أُعطِيَ حَظَّهُ مِنَ الخَيرِ ، وَمَن حُرِمَ حَظَّهُ مِنَ الرِّفقِ فَقَد حُرِمَ حَظَّهُ مِنَ الخَيرِ " وَعَن عَبدِاللهِ بنِ أَبي أَوفى ـ رَضِيَ اللهُ عَنهُ ـ قَالَ : جَاءَ رَجُلٌ إِلى النَّبيِّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ فَقَالَ : إِني لا أَستَطِيعُ أَن آخُذَ مِنَ القُرآنِ شَيئًا فَعَلِّمْني مَا يُجزِئُني . قَالَ : " قُلْ : سُبحَانَ اللهِ وَالحَمدُ للهِ وَلا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَاللهُ أَكبرُ وَلا حَولَ وَلا قُوَّةَ إِلاَّ بِاللهِ " قَالَ : يَا رَسُولَ اللهِ ، هَذَا للهِ فَمَاذَا لي ؟ قَالَ : " قُلِ : اللَّهُمَّ ارحمْني وَعَافِني وَاهدِني وَارزُقْني " فَقَالَ هَكَذَا بِيَدَيهِ وَقَبَضَهُمَا . فَقَالَ رَسُولُ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ : " أَمَّا هَذَا فَقَد مَلأَ يَدَيهِ مِنَ الخَيرِ " وَعَن أَبي ذَرٍّ ـ رَضِيَ اللهُ عَنهُ ـ قَالَ : أَوصَاني خَلِيلِي ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ بِخِصَالٍ مِنَ الخَيرِ : أَوصَاني أَلا أَنظُرَ إِلى مَن هُوَ فَوقِي وَأَن أَنظُرَ إِلى مَن هُوَ دُوني ، وَأَوصَاني بِحُبِّ المَسَاكِينِ وَالدُّنُوِّ مِنهُم ، وَأَوصَاني أَن أَصِلَ رَحِمِي وَإِن أَدبَرَت ، وَأَوصَاني أَلاَّ أَخَافَ في اللهِ لَومَةَ لائِمٍ ، وَأَوصَاني أَن أَقُولَ الحَقَّ وَإِن كَانَ مُرًّا ، وَأَوصَاني أَن أُكثِرَ مِن لا حَولَ وَلا قُوَّةَ إِلاَّ بِاللهِ فَإِنَّهَا كَنزٌ مِن كُنُوزِ الجَنَّةِ " وَقَالَ ـ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ ـ " حُوسِبَ رَجُلٌ ممَّن كَانَ قَبلَكُم فَلَم يُوجَدْ لَهُ مِنَ الخَيرِ شَيءٌ إِلاَّ أَنَّهُ كَانَ رَجُلاً مُوسِرًا ، وَكَانَ يُخَالِطُ النَّاسَ وَكَانَ يَأمُرُ غِلمَانَهُ أَن يَتَجَاوَزُوا عَن المُعسِرِ . فَقَالَ اللهُ ـ عَزَّ وَجَلَّ لِمَلائِكَتِهِ : نَحنُ أَحَقُّ بِذَلِكَ مِنهُ ، تَجَاوَزُوا عَنهُ "

هَذِهِ ـ مَعشَرَ الصَّائِمِينَ ـ أَبوَابٌ مِنَ الخَيرِ : صَلاةٌ وَصَومٌ وَقِيَامُ لَيلٍ ، وَصَدَقَةٌ وَإِحسَانٌ وَحُبٌّ لِلمَسَاكِينِ ، وَرِفقٌ بِالنَّاسِ وَتَجَاوُزٌ عَنِ المُعسِرِينَ ، وَصِلَةٌ لِلرَّحِمِ وَرَحمَةٌ ، وَكَفٌّ لِلِّسَانِ عَنِ الشَّرِّ وَإِشغَالٌ لَهُ بِالتَّلاوَةِ وَالذِّكرِ ، وَقَولٌ لِلحَقِّ وَأَمرٌ بِالمَعرُوفِ وَنَهيٌ عَنِ المُنكَرِ .

فَمَن مِنَّا المُوَفَّقُ الَّذِي جَمَعَهَا كُلَّهَا ، مَن الَّذِي حَافَظَ عَلَى تَكبِيرَةِ الإِحرَامِ مَعَ الإِمَامِ مُنذُ دَخَلَ الشَّهرُ ؟
مَن الَّذِي صَبَرَ وَصَابَرَ وَرَابَطَ ، وَقَامَ مَعَ الإِمَامِ في التَّرَاوِيحِ وَلم يَفُتْهُ القِيَامُ لَيلَةً ؟
هَل تَصَدَّقنَا وَفَطَّرنَا الصَّائِمِينَ وَقَدَّمنَا مَا نَستَطِيعُ لِدَعمِ مَشرُوعَاتِ الخَيرِ ؟
هَل حَفِظنَا الأَلسِنَةَ مِن قَولِ الزُّورِ وَالغِيبَةِ وَالنَّمِيمَةِ وَالكَذِبِ ؟
هَل رَطَّبنَاهَا بِذِكرِ اللهِ وَقِرَاءَةِ القُرآنِ ؟
هَل أَكثَرنَا مِنَ التَّسبِيحِ وَالتَّهلِيلِ وَالتَّكبِيرِ وَالتَّحمِيدِ وَحَفِظنَا صِيَامَنَا مِنَ اللَّغوِ وَالرَّفثِ ؟
هَل تَوَاضَعنَا ورَفَقنَا بِمَن نُعَامِلُهُم مِن أَهلٍ وَأَبنَاءٍ وَجِيرَانٍ وَزُمَلاءَ وَعُمَّالٍ وَأُجَرَاءَ ؟ هَل تَجَاوَزنَا عَمَّن أَسَاءَ إِلَينَا وَصَفَحنَا وَعَفَونَا ؟ هَل عُدنَا إِلى الأَرحَامِ الَمَقطُوعَةِ فَوَصَلنَاهَا طَاعَةً للهِ وَتَخَلُّصًا مِنَ الذَّنبِ وَاللَّعنَةِ ؟
المُنكَرَاتُ الَّتي في بُيُوتِنَا وَمِن أَعظَمِهَا القَنَوَاتُ الفَضَائِيَّةُ ، هَل تَخَلَّصنَا مِنَهَا وَأَخرَجنَاهَا ؟
إِن كُنَّا قَد أَخَذنَا بِهَذِهِ الأَبوَابِ فَهَنِيئًا لَنَا كُلُّ هَذِهِ المَكَاسِبِ مِنَ الخَيرِ ، وَإِن تَكُنِ الأُخرَى فَمَا أَتعَسَ حَظَّ البَعِيدِ عَن رَبِّهِ القَاسِي قَلبُهُ !

وَمَعَ هَذَا فَمَا زَالَ البَابُ مَفتُوحًا وَالفُرصَةُ مُوَاتِيَةً ، وَاللهُ يَتُوبُ عَلَى مَن تَابَ وَيَقبَلُ مَن أَنَابَ ، فَلْنَتَّقِ اللهَ وَلَنَنظِمْ أَنفُسَنَا في سِلكِ الخَيرِيَّةِ ، وَلْنَلحَقْ بِرَكبِ أَهلِ الخَيرِ ، وَلْنَكُنْ مِن مَفَاتِيحِهِ وَمُعَلِّمِيهِ وَالدَّالِّينَ عَلَيهِ ، وَلْنَتَعَاوَنْ عَلَى الخَيرِ وَلْتَكُنْ مِنَّا أُمَّةٌ تَدعُو إِلَيهِ ، فَإِنَّهُ لا نَجَاةَ إِلاَّ لأَهلِ الخَيرِ ، قَالَ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ : " يَخرُجُ مِنَ النَّارِ مَن قَالَ لا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَكَانَ في قَلبِهِ مِنَ الخَيرِ مَا يَزِنُ شَعِيرَةً ، ثُمَّ يَخرُجُ مِنَ النَّارِ مَن قَالَ لا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَكَانَ في قَلبِهِ مِنَ الخَيرِ مَا يَزِنُ بُرَّةً ، ثُمَّ يَخرُجُ مِنَ النَّارِ مَن قَالَ لا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَكَانَ في قَلبِهِ مِنَ الخَيرِ مَا يَزِنُ ذَرَّةً " وَقَالَ ـ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ ـ : " إِنَّ مِنَ النَّاسِ نَاسًا مَفَاتِيحَ لِلخَيرِ مَغَالِيقَ لِلشَّرِّ ، وَإِنَّ مِنَ النَّاسِ نَاسًا مَفَاتِيحَ لِلشَّرِّ مَغَالِيقَ لِلخَيرِ ، فَطُوبى لِمَن جَعَلَ اللهُ مَفَاتِيحَ الخَيرِ عَلَى يَدَيهِ ، وَوَيلٌ لِمَن جَعَلَ اللهُ مَفَاتِيحَ الشَّرِّ عَلَى يَدَيهِ " وَقَالَ : " إِنَّ اللهَ وَمَلائِكَتَهُ وَأَهلَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرضِ حَتى النَّملَةَ في جُحرِهَا وَحتى الحَوتَ ، لَيُصَلُّّونَ عَلَى معُلَِّمِ النَّاسِ الخَيرَ " وَقَالَ : " الدَّالُّ عَلَى الخَيرِ كَفَاعِلِهِ " وَقَالَ : " مَن سَنَّ خَيرًا فَاستُنَّ بِهِ كَانَ لَهُ أَجرُهُ وَمِثلُ أُجُورِ مَن تَبِعَهُ غَيرَ مُنقِصٍ مِن أُجُورِهِم شَيئًا " وَأَمَّا مَن ثَقُلَ عَنِ الخَيرِ أَو صُدَّ عَنهُ لِمَانِعٍ أَو حَبَسَهُ حَابِسٌ ، فَلا أَقَلَّ مِن أَن يُحِبَّ أَهلَ الخَيرِ وَيَكُفَّ شَرَّهُ وَأَذَاهُ ، فَإِنَّ لَهُ بِذَلِكَ أَجرًا ، عَن أَنَسِ بنِ مَالِكٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنهُ ـ قَالَ : رَأَيتُ أَصحَابَ رَسُولِ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ فَرِحُوا بِشَيءٍ لم أَرَهُم فَرِحُوا بِشَيءٍ أَشَدَّ مِنهُ ، قَالَ رَجُلٌ : يَا رَسُولَ اللهِ ، الرَّجُلُ يُحِبُّ الرَّجُلَ عَلَى العَمَلِ مِنَ الخَيرِ يَعمَلُ بِهِ وَلا يَعمَلُ بِمِثلِهِ . فَقَالَ رَسُولُ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ : " المَرءُ مَعَ مَن أَحَبَّ " وَقَالَ ـ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ ـ : " عَلَى كُلِّ مُسلَمٍ صَدَقَةٌ ، فَإِن لم يَجِدْ فَيَعمَلُ بَيِدِهِ فَيَنفَعُ نَفسَهُ وَيَتَصَدَّقُ ، فَإِن لم يَستَطِعْ فَيُعِينُ ذَا الحَاجَةِ المَلهُوفَ ، فَإِن لم يَفعَلْ فَيَأمُرُ بِالخَيرِ ، فَإِن لم يَفعَلْ فَيُمسِكُ عَنِ الشَّرِّ فَإِنَّهُ لَهُ صَدَقَةٌ "

لَقَد كَانَ مِن دُعَاءِ حَبِيبِنَا ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ الَّذِي عَلَّمَهُ عَائِشَةَ ـ رَضِيَ اللهُ عَنهَا ـ أَن تَقُولَ : اللَّهُمَّ إِني أَسأَلُكَ مِنَ الخَيرِ كُلِّهِ عَاجِلِهِ وَآجِلِهِ مَا عَلِمتُ مِنهُ وَمَا لم أَعلَمُ ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنَ الشَّرِّ كُلِّهِ عَاجِلِهِ وَآجِلِهِ مَا عَلِمتُ مِنهُ وَمَا لم أَعلَمْ "
فَأَلِحُّوا عَلَى اللهِ بِالدُّعَاءِ فَإِنَّكُم في شَهرِ قَبُولِ الدُّعَاءِ ، وَاسأَلُوهُ أَن يَدُلَّكُم عَلَى سُبُلِ الخَيرِ الظَاهِرَةِ وَالبَاطِنَةِ ، وَأَن يُوَفِّقَكُم لِعَاجِلِهِ وَآجِلِهِ . وَافعَلُوا الأَسبَابَ الَّتي تُعَينُكُم عَلَيهِ وَبَادِرُوا وَلا تَتَأَخَّرُوا ، فَإِنَّهُ مَا عَلَى المَرءِ إِلاَّ أَن يَتَوَكَّلَ عَلَى اللهِ وَيَبدَأَ الخُطوَةَ الأُولى في أَيِّ طَرِيقٍ مِن طُرُقِ الخَيرِ وَيُعَوِّدَ نَفسَهُ إِيَّاهُ شَيئًا فَشَيئًا ، لِيَجِدَ نَفسَهُ بَعدَ ذَلِكَ وَقَد صَارَ الخَيرُ جُزءًا مِن حَيَاتِهِ ، أَمَّا أَن يُحجِمَ وَيَتَرَدَّدَ ، وَيُجَانِبَ أَهلَ الخَيرِ أَو يَحتَقِرَ جُهُودَهُم أَو يَستَهزِئَ بهم ، فَمَا أَسوَأَ حَظَّهُ حَينَئِذٍ ! قَالَ ـ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ ـ : " إِنما العِلمُ بِالتَّعَلُّمِ وَإِنما الحِلمُ بِالتَّحَلُّمِ ، وَمَن يَتَحَرَّ الخَيرَ يُعطَهُ ، وَمَن يَتَوَقَّ الشَّرَّ يُوقَهُ " وَقَالَ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ : " الخَيرُ عَادَةٌ وَالشَّرُّ لَجَاجَةٌ " أَلا فَاتَّقُوا اللهَ وَسَارِعُوا وَسَابِقُوا ، فَإِنَّ الخَيرَ مُستَمِرٌّ لِمَن أَرَادَهُ وَطَلَبَهُ ، وَيَومَ العِيدِ هُوَ يَومُ الجَوَائِزِ ، عَن أُمِّ عَطِيَّةَ قَالَت : أَمَرَنَا رَسُولُ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ أَن نُخرِجَ ذَوَاتِ الخُدُورِ يَومَ العِيدِ . قِيلَ : فَالحُيَّضُ ؟ قَالَ : " لَيَشهَدنَ الخَيرَ وَدَعوَةَ المُسلِمِينَ "
أَلا فَلا يَحرِمَنَّ أَحَدٌ نَفسَهُ ، فَإِنَّ المَحرُومَ مَن حُرِمَ خيرًا لم تُحرَمْهُ حَتى الحُيَّضُ ، وَلا يَهلِكُ عَلَى اللهِ إِلاَّ هَالِكٌ " وَمَن يُرِدِ اللهُ فِتنَتَهُ فَلَن تَملِكَ لَهُ مِنَ اللهِ شَيئًا "
أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم .