الحمدُ للهِ ( الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ) واشهدُ ألا الهَ إلا اللهُ وحدَهُ لا شريكَ لهُ يعلمُ ما كانَ وما يكونُ وما تسرونَ وما تعلنونَ. واشهدُ أن محمداً عبدُهُ ورسولُهُ الصادقَ المأمون، صلى اللهُ عليه وعلى آلِهِ وأصحابِهِ الذين كانوا يهدونَ بالحقِّ وبه يعدلونَ. وسلم تسليما كثيرا إلى يومِ يبعثونَيَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ) (يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ) (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا*يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً): أمّا بعد،أيها الاخوة في الله ،واللهِ لا أعلمُ أحداً هُوَ بِأمسِّ الحاجةِ لما أقولُهُ مِنِّي ، ولكني أسألُ الله أن ينفعني وإياكم بما نقولُ ونسمع :إنَّهُ جوادٌ كريم ، أيُّها الأحبةُ في الله :في الحديثِ عن الطبراني والحاكم ، من حديثِ عبدالله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما . قال: قال رسول الله r { إن الإيمان ليَخْلَقُ فى جوفِ أحدِكُم كما يَخْلَقُ الثوب فاسألوا اللهَ أن يجدِدَ الإيمانَ فى قلوبِكُم } إذاً فلا بدَّ أيُّها الأحبةُ من تَعَاهُدِ القلوبِ ، لِتجديدِ الإيمانِ فيها وزيادتِهِ ، من آنٍ لآخرَ ، وَذَلِكَ بِتزويدِ القلبِ ، بموادِ تقويةِ الإيمانِ باللهِ جل وعلا ، ومن هذه الموادِ المقويةِ للإيمانِ ، قراءةُ القرآنِ، وذكرُ الرحمنِ، والصلاةُ على النبيِّ عليهِ الصلاةُ والسلامُ ، والاستغفارُ، وقِيامُ الليل ، وصيامُ النّافِله ، وزيارةُ القبورِ، وزيارةُ المرضى ، والمحافظةُ على الصلواتِ في جماعةِ بالمساجدِ ، والإنفاقُ على الفقراءِ والمساكينَ، والإحسانُ إلى الأراملِ واليتامى والمحرومينَ ، هذه بعضُ الأعمالِ التي تقوي وتُجددُ الإيمانَ في القلبِ ، لإنَّ القلبَ ، كما قالَ المصطفى r {... ألا وإنَّ في الجسدِ مضغةً إذا صلحتْ صلحَ الجسدُ كلُّهُ وإذا فسدتْ فسدَ الجسدُ كلُّهُ ألا وهي القلبُ}فلا بدّ مِنْ تَعَاهُدِ حالِ الإيمانِ في القلبِ.. ولابُدَّ من تجديدِ الإيمانِ في القلبِ ، لإنَّ قيمةَ الإنسانِ عندَ الله ، ليستْ بشحمِهِ ولحمِهِ ، ولا بِعَرَضِهِ ومالِهِ ، ولا بِنَسَبِهِ وحَسَبِه ، إنَّما قيمةَ الإنسانِ ، بالإيمانِ الذي يَقرُّ في قلبِهِ ،يقولُ تعالى( إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ) ولا أعلمُ زماناً أيُّها الأحبةُ قستْ فيهِ القلوبُ ، وتراكمتْ فيهِ الذنوبُ على الذنوبِ ،وقلَّ الخوفُ من علاَّمِ الغيوبِ ،كهذا الزمانِ ،الذي انتشرت فيهِ وسائلُ الضلال والإفساد ، حتى في هاتِفك ، الذي تَحملُهُ في جيبك ، ولا حولَ ولا قوةَ إلا باللهِ : فَقستِ القلوبُ وقلَّ الخوفُ من علامِ الغيوبِ.وقد قالَ تعالى:(ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً وَإِنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهَارُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْمَاءُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ) (البقرة:74)فَألم يأنِ لقلوبِ مَنْ وَحّدوُا اللهَ ، وآمنوا برسولِهِ r أن تخضعَ لعظمةِ اللهِ تباركَ وتعالى، وأن تُذعنَ لأمرِهِ، وأن تَجتنبَ نهيَهُ ، وأن تقفَ عندَ حدودِهِ تباركَ وتعالى ،(أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ ءَامَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلاَ يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ) [الحديد:16]. إخوةَ الإسلامِ : إن قلةَ الخوفِ من اللهِ جل وعلا ، ثمرةٌ مُرَّةٌ لقسوةِ القلبِ وظُلمتِهِ وَوَحشَتِهِ ، فَمِنَّا الآنَ ، من يَستَمعُ لكلامِ الرحمنِ يُتلى ، ولا تدمعُ عينيهِ ، ولا يتحركُ قلبُهُ ، ولا تلينُ جوارِحُهُ ، ولا يقشعرُّ جِلدُهُ!!! وذلك لأن القلوبَ في وحشةٍ ، وفي ظُلمةٍ ، لِقَلةِ الخوفِ من اللهِ ..، والخوفُ من الرحمنِ ، ثمرةٌ حُلوةٌ للإيمانِ ، فعلى قدرِ إيمانِكَ باللهِ ، وعلى قدرِ حبِّكَ للهِ ، وعلى قدرِ علمِكَ باللهِ ، وعلى قدرِ معرفتِكَ باللهِ جل وعلا ،يكونُ حَياؤُكَ ، وخوفُكَ ، ومراقبتُكَ للهِ تباركَ وتعالى ، لنقفَ على هذه القاعدةِ ، ليتبينَ لكلِّ واحدٍ منّا الآنَ : هل يَحملُ في صدرِهِ قلبًا رقيقًا ، أم قلبًا قاسيًا وهو لا يدري؟!! قال تعالى: (إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ) [فاطر:28].فعلى قدرِ علمِكَ ومعرفتِكَ باللهِ ، يكونُ خوفُكَ من اللهِ ، فيا من تتجرأُ على المعصيةِ ،وتُرخي السّتورَ، وتُغلقُ الأبوابَ ، وتبارزُ الجبار بالمعصيةِ ، وتظنُّ أنْ لا أحدَ يَسمعُكَ ولا يَراكَ ، يقولُ الله ( أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى*كَلَّا لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ لَنَسْفَعاً بِالنَّاصِيَةِ) أعلمْ أيها المُسلمُ أنَّهُ على قدرِ علمِكَ باللهِ ، يكونُ حياؤُكَ منه ، كما قالَ أعرفُ الناسِ باللهِ رسولُنا محمدٌ r:{أما واللهِ ، إني لأخشاكم للهِ ،وأتقاكم لهُ} فالذي يعرفُ اللهَ حقاً ، إن زلَّتْ قدمُهُ في المعصيةِ ، وارتكبَ كبيرةً من الكبائرِ ، في حالةِ ضعفٍ بَشريٍّ منهُ ، تجدْهُ سُرعانَ ما يُجددُ التوبةَ والأوبةَ والندمَ ،لأنَّهُ يعي قولُ اللهِ تعالى (وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ)وقلِهِ تعالى(نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ)فيطرحُ قلبَهُ بين يدي اللهِ بذلٍ وانكسارٍ ،ويعترفُ بفقرِهِ وعجزِهِ وضعفِهِ ،فيتوب ،ويُجد الإيمانَ في قلبِهِ.
بارك الله لي ولكم في القرءان العظيم
الحمدُ للهِ الذي خلقَ فسوى، والذي قدرَ فهدى، أحمدُهُ سبحانه وأشكرُهُ في السرِّ والنجوى، وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَهُ لا شريكَ له ، العليُّ الأعلى ، وأشهدُ أن سيدَنا ونبيَّنا محمداً عبدُهُ ورسولُهُ ، صلى اللهُ عليهِ وعلى آلِهِ وأصحابِهِ وإخوانِهِ صلاةً دائمةً إلى يومِ الدينِ:أمَّا بعد: أيها الأخوةُ في الله الكثيرُ مِنّا ، يَرتكبُ الذنوبَ ، ويفعلُ المعاصي ، ويَنقصُ أيمانُهُ ويضعفُ ، وربما يموتُ إيمانُهُ ، ولكنه لا يشعرُ بذلك ، ولا يَسئلُ عن ذلك ، ألم يشتكِ الأعرابيُ من قسوةِ قلبِهِ ويقولُ : لي عَشَرةٌ من الولدِ ، ما قبّلَتُ مِنهم أحداً ، ويصفُ له الرسولُ r العلاجَ ، ألم يشتكِ حنظلةُ من تَقَلَّبِ إيمانِهِ ، ويقولُ: نافقَ حنظلةُ ، ويصفُ له رسولُ اللهِ r العلاجَ ، إِنَّهم يَعرِضُونَ أمَراضَهم ، التي تُدخلُهم النارَ ، ويُخفُونَ أمراضَهم الجسديةَ ، حتى يُقالَ لأحدِهم ، ماذا تشتكي ؟ يَقولُ أشتكي ذنوبي . أنحضرُ لك الطبيبَ ؟ يقولُ الطبيبُ أمرضني ، أمَّا نحنُ والعياذُ باللهِ فتكفي الإشارةُ عن العبارةِ ، وأهلُ مكةَ أدرى بشعابِها ، حتى الصلاةَ التي هي صلةٌ بينَ العبدِ وربِّهِ ، والتي هي مناجاةٌ ، بين العبدِ وربِّهِ ، كما ترونَ ، لا تَجدُ أحسنَ من أشكالِِنا ولباسِنا ، إذا وقفْنا في الصلاةِ ، ولا أغفلَ من قلوبِنا بينَ يدي اللهِ ، إلاَّ من رحمَ اللهُ ، فنصلي بلا خشوعٍ ، ونُصَلي بلا قلوبٍ ، ولو أنَّ هذا الوقوفَ ، أمامَ أحدِ المسؤلينَ، لنسألَهُ حاجةً ، لخشعتْ أمامَهُ الجوارحُ ، وتوجهتْ إليه القلوبُ ،حتى ننصرفَ عنه ، أما علاَّمُ الغيوبِ ، العزيزُ الحكيمُ ، الَّذي بيدِهِ حياتُنا وموتُنا ، وشَقَائُنا وسعادتُنا ، فنقفُ بين يديهِ بأجسادٍ فقط ، دونما قلوبٍ ، إلى اللهِ نشكو هذه القسوةَ التي في قلوبِنا ، ونسألُهُ عزَّ وجلَّ أن يصلحَ فسادَ قلوبِنا ، وأن يسترنَا فوقَ الأرضِ وتحتَ الأرضِ ويومَ العرضِ ، اللهم صلِّ وسلمْ وأنعمْ وأكرمْ وزدْ وباركْ ، على عبدِك ورسولِكَ محمدٍ ، وارضَ اللهم عن أصحابِهِ الأطهارِ ، ما تعاقبَ الليلُ والنهارُ ، أبي بكرٍ وعمرَ وعثمانَ وعليٍّ ، وعن سائرِ أصحابِ نبيِّك أجمعين ، وعن التابعينَ وتابعِيهم بإحسانٍ إلى يومِ الدينِ ، وعنَّا معَهم بمنِّكَ وفضلِكَ ورحمتِكَ يا أرحمَ الراحمينَ .اللهم أعزَّ الإسلامَ المسلمينَ ، ودمرْ أعداءَ الدينِ من اليهودِ والنصارى ، وجميعِ الكفرةِ الملحدينَ ، اللّهُم يا عظيمَ العفوِ ، ويا وسعَ المغفرةِ ، ويا قريبَ الرّحمةِ ، ويا ذا الجلالِ والإكرامِ ، هبْ لنا العافيةَ ، في الدُنيا والآخرةِ ، اللّهُم اجعلْ رزقَنَا رغداً ، ولا تُشمتْ بنا أحداً ، اللهم إنا نسألُكَ ، بعزِّكَ الذي لا يرامُ ، وملكِكَ الذي لا يُضامُ ، وبنورِكَ الذي ملأ أركانَ عرشِكَ ، أن تكفيَنا شرَّ ما أهمَنا وما لا نهتمُ به ، وأن تعيذَنا من شرورِ أنفسِنا ومن سيئاتِ أعمالِنا ، اللهم رَغّبْنا فيما يبقى ، وَزَهّدْنا فيما يفنى ، وهبْ لنا اليقينَ ، الذي لا تسكنْ النفوسُ إلا إليهِ ، ولا يُعوَّلُ في الدينِ إلا عليهِ ، اللهم اجعل في قلوبِنا نوراً نهتدي به إليك ، وتولنا بِحُسنِ رعايتِك ، حتى نتوكلَ عليك ، وارزقنا حلاوةَ التذلُلِ بين يديكَ ، فالعزيزُ من لاذَ بعزِكَ ، والسعيدُ من التجأَ إلى حماكَ وجودِك ، والذليلُ من لم تُؤَيّدْهُ بعنايتِكَ ، والشقيُّ من رضيَ بالإعراضِ عن طاعتِكَ ، اللهم نَزِّه قلوبَنا عن التعلقِ بمن دونِك ، واجعلنا من قومٍ تحبُهم ويحبونَك ، اللهم اجعلْ بَلدَنا هذا آمناً مطمئناً ، وسائرَ بلادِ المسلمينَ ، اللهم أيدْ إمامَنا بتأيدِكَ ، وانصرْ بهِ دينَكَ ، ووفقْهُ إلى هُدَاكَ ، واجعلْ عمَلَهُ في رضاكَ ، وارزقْهُ اللهم البطانةَ الصالحةَ الناصحةَ ، التي تدلُهُ على الخيرِ ، وتعينه عليه، اللهم أرحمْ موتانا ، وعافي مُبتلانا ، واقضِ الدينَ عن مدينِنا ، وردَّ ضالَنا إليكَ رداً جميلاً ، ( رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ) (ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار) ، عبادَ اللهِ ، ( إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْأِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) ( وَأَقِمِ الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ
المفضلات