[align=justify]مصيبة وأي مصيبة حين تصبح قيمتك لدى الآخرين مرهونة بقيمة رصيدك البنكي ، ومعيب حقّاً حين يكون احترام الآخرين لك مرهون بعدد الأصفار على يمين الدينار الذي ربّما تكون لا تمتلكه أصلاً ، ونعلم يقيناً أننا قد وصلنا إلى الحضيض حين تكون الخطوة الأولى لمعرفة كيفية التعامل مع المقابل بالنّظر إلى نوعية حذائه – أجلّكم الله - والذي أصبح هو من ينبيك عن استحقاق أو عدم استحقاق المقابل للاحترام والتقدير .
مساكين هم أولئك الفقراء الذين كتب لهم العيش في مجتمعات لا تنظر إلى النّاس إلا على هيئة أرقام وكلّما زاد الرّقم ازددت لديهم رفعة ، وإن قلّ في أعينهم رقمك فابشر بالويل والثّبور وعظائم الأمور ، واعتبر نفسك من سقط المتاع ، ولا بأس بأن تكتب مرثيتك قبل موتك مستعيناً ببيت مالك بن الريب :
يقولون لا تبعد وهم يدفنونني
وأين مكان البعد إلا مكانيا ...؟!
الفقر في حدّ ذاته ليس عيباً ، ولو كان عيباً لما اتّصف به أشرف الخلق صلى الله عليه وسلّم ، والذي كان يمرّ عليه الهلال تلو الهلال تلو الهلال ولا يوقد في بيته نار صلى الله عليه وسلّم ، ومات وهو لم يملأ بطنه من خبز الشّعير ، لكنّنا ومع الأسف الشديد جعلناه عيباً لأنّنا حكمنا على الفقراء بالموت ذبحاً بنظرات استحقار لا عدّ لها ولا حصر ، وبكلمات نابية توجعهم ليل نهار ، وبتجاهل هو أقسى عليهم من ضرب السيوف .
في الهند يموت رضيع بعد أن قررت المستشفى أن تنحر كلّ مبادئ مهنة الطبّ الشريفة فقامت بنزع أجهزة الإعاشة عنه لأن والده الفقير عجز عن دفع مائتي روبية أي ما يعادل ثلاثة دولارات ونصف قد يصرف أحدنا أضعافها في مطعم من أجل أن يكسب كلمة "ونعم" ، بينما والد ذاك الطفل الهندي عجز حين سألته إدارة المستشفى عن امتلاكه لتكاليف العلاج عن قول كلمة "نعم" !
وفي لبنان يموت الطفل "مؤمن" ذو العامين بعد أن تنقّل به والده من مستشفى لآخر وهو يشكو من ارتفاع في درجة حرارته ، لكن ملائكة الرّحمة في تلك المستشفيات لم يكونوا سوى شياطين اتشحت بلباس أبيض لا يعكس عن حقيقة ما تحته من قلوب ، فرفضوا استقباله إلا بعد أن يدفع والده الفقير مليون ومائتي ألف ليرة ، لكنّ الموت لم يسعف والد مؤمن ليتسوّل ذلك المبلغ ، أو يسرقه حتى لينقذ به حياة فلذة كبده ، ليبقى "مؤمن" وذاك الطفل الهنديّ شاهدين على موت الإنسانية حتى في قلوب من نتوقع منه التحلّي بها .
كم يا تُرى تساوي حياة طفل فقير في أعينكم ؟!
هل هي بمائتي روبية حسب التسعيرة الهندية ؟!
أم بمليون ومائتي ألف ليرة حسب التسعيرة اللبنانية ؟!
أم أنّنا سنسمع قريباً عن تسعيرة بالدينار الكويتي وأخرى بالرّيال السعودي والقطري وهكذا ؟!
والواضح الجليّ أنّ أرواح أطفال الفقراء لا تساوي أكثر من حفنة دنانير ، وأنّ كل أبٍ فقير يجب أن يضع في حسبانه أنّ حياة ولده قد تكون مرهونةً بما يحمله في جيبه من دراهم ، وأنّنا لن نكون مجتمعاً صالحاً إلا حينما تكون إنسانية الإنسان عندنا مقدّمة على أي شيء آخر ، وتكون قيمة الإنسان مجرّدة عن كل الماديّات ، وأن نعلم أنّ ما عند الله خيرٌ وأبقى .
قبل الختام :
في زحمة هموم الزّمان القاسي
أتوه منّي في خضمّ الزّحمة
وألقى صعوبة في التقاط أنفاسي
ياربّ تشملني بعفو ورحمة[/align]
المفضلات